-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
النكبة:
جرح فلسطيني ينزف بقلم:
د. فوزي الأسمر رغم
مرور 62 عاما على النكبة
الفلسطينية إلا أنها لا تزال
تنزف دما. فالشعب الفلسطيني،
الذي اغتصبت أرضه ودمرت قراه
ومدنه وشرد معظمه، يقدم في كل
يوم الشهداء، ويقاسي الأمرين
تحت احتلال صهيوني غاشم، وفي
منفاه، في البلاد العربية ودول
العالم الأخرى. ويجب أن
نحمل أنفسنا أولا مسؤولية هذه
النكبة، فبدلا من أن تقوم
القيادة الفلسطينية في حينه على
بناء قوات مقاومة منظمة ومسلحة
تسليحا جيدا، بحيث تستطيع أن
تواجه عدوا منظما ومدربنا،
يتمتع بقوة إعلامية عالمية،
وليس تهريجا إذاعيا وأغان
حماسية على غرار "خلي السيف
يقول"، أهملت القيادة هذه
المهمة وركزت على الأبعاد
السياسية. واكتفت
هذه القيادة الفلسطينية ببعض
التدريبات العاجلة، وأصبح
الشخص الفلسطيني يخوض غمار حرب
بشكل غير منظم وأسلحة شخصية في
معظمها ضدّ قوات منظمة ومدربة
على أحدث الأسلحة. واذكر
أنه كان في مدينة اللد، والتي
كانت تعتبر واحدة من أهم المدن
الفلسطينية بسبب وجود المطار
الدولي الوحيد في فلسطين، وبسبب
محطة القطار الرئيسية التي
تستقبل قطار القاهرة إلى حيفا
ولبنان، وقطار القدس يافا، كان
يوجد فيها مدفعا واحدا حصلوا
عليه الشباب من الجيش
البريطاني، وكان غير دقيق حيث
كانت تسقط قنابله أحيانا في
محطة سكة الحديد المأهولة
بالسكان العرب أو في السهول
المجاورة لها. وفي أكثر من مرة
رأينا شبابا يحملون بنادقهم
ويتراكضون قائلين إننا ذاهبون
لرد الهجوم اليهودي. والذي
زاد الأمر صعوبة كان اعتماد
القيادة الفلسطينية على الدول
العربية لمد يد العون والقيام
"بدحر" المنظمات الإرهابية
اليهودية وتخليص فلسطين منها.
وارتكبت هذه القياد الخطأ تلو
الآخر، إذ كيف يمكن الاعتماد
على أنظمة عربية يترأسها الملك
فاروق ونوري السعيد والملك
عبدالله وغيرهم؟ إضافة إلى وجود
جيوش عربية فاشلة وأسلحة فاسدة؟ وقد كتب
الكثير عن نكبة فلسطين، وتضاربت
الروايات حول ما حدث، فقد وصفت
النكبة بأنها أكبر جريمة سرقة
وقتل في القرن العشرين، وهذا
صحيح. ولكن الرواية التي اعتمدت
كانت الرواية الصهيونية التي
تقول أن فلسطين كانت خالية،
وبالتالي فإنها: "أرض بلا شعب
إلى شعب بلا أرض". منذ بداية
القرن العشرين لم يستطع العرب
تغير هذه الرواية، حتى بدأ
الشعب الفلسطيني بأخذ الأمور
إلى يديه والظهور على الساحة
الدولية شعبا يتمتع بمقدرات
نضالية وعلمية وثقافية. والنكبة
هي الخنجر المسلول في وجه
إسرائيل التي حاولت مستميتة طمس
هذه الحقيقة لكي تهرب من تحمل
مسؤولية الجريمة التي وقعت في
فلسطين. فالنكبة في نظرها هي
المصيدة الرئيسية لها. ولهذا
وصل بها الحال إلى منع
الفلسطينيين في الداخل وفي
الأراضي المحتلة من إحياء ذكرى
النكبة، لدرجة أن بعض أعضاء
الكنيست قرروا تقديم مشروع
قانون بهذا الاتجاه. فإسرائيل
تحاول أن تقنع العالم أن القادة
العرب هم الذين طلبوا من
الفلسطينيين ترك بلادهم
ليفسحوا المجال للجيوش العربية
تحرير فلسطين. ولكن الواقع كشف
عورة هذا الإدعاء فمئات الآلاف
من الفلسطينيين طردوا بقوة
السلاح. كاتب هذه السطور أحد
شهود عيان على الجريمة التي
وقعت في مدينة اللد عام 1948 كيف
طرد اليهود عشرات الآلاف من
سكانها صارخين "يالله يالله
على عبد الله". ومع ذلك
فقد قام إيرسكاين تشيلدر (Erskine Childers)،
وهو صحفي بريطاني، بإجراء بحث
شامل حول هذه المقولة، حيث راجع
كل التصريحات التي صدرت عن
القادة العرب في عام 1948، في
الصحف العربية الموجودة في
المتحف البريطاني، والصحف
البريطانية ونشرات قسم الشرق
الأوسط في الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي.)
إلا أنه لم يعثر على مثل هذه
التصريحات (نشر البحث في ذي
سبكتيتور 12/5/1961 تحت عنوان
الخروج الثاني :The
Other Exodus)، وتبين أن هذه المقولة هي
تلفيق صهيوني هدفه بلبلة الأمور
ووضعها في صك البراءة من
جريمتها في عام 1948. ورغم كل
النكبات التي حلت بالشعب
الفلسطيني ولا تزال، في أعقاب
النكبة الكبرى في عام 1948 بقي هذا
الشعب حي يقاوم ويطالب بحقوقه.
وهو يعرف أنه بدون الحصول على
هذه الحقوق لكن يكون هناك
استقرار في منطقة الشرق الأوسط. وإسرائيل
تعلم ذلك أيضا، ولهذا فإنها
تحاول استغلال الضعف العربي،
والتمزق الفلسطيني كي تنجح في
إقناع الفلسطينيين بالاستلام،
عن طريق قبول شروطها في الحل،
هذه الشروط التي لا يمكن قبولها
مهما كانت الظروف سيئة. وتريد
إسرائيل أن تصل إلى اتفاق مع
الفلسطينيين ينهي القضية
الفلسطينية، وتعتبر ذلك أهم من
أي اتفاق سلام مع أية دولة عربية.
فالفلسطيني سيستمر في قض مضجع
الإسرائيليين، ومجرد عدم
الوصول إلى اتفاقية معه فإن
استمرار وجودها سيكون دائما في
خطر. فبسب
التشرذم القومي الموجود حاليا
بسبب الأنظمة العربية، تستطيع
إسرائيل أن تتناول كل دولة
بمفردها وتبرم معها اتفاقية
سلام (على غرار السلام مع مصر
والأردن) والذي معناه لا حرب ولا
سلام حقيقي، وتستطيع إسرائيل أن
تقول أن لا علاقة بين السلام مع
الدول العربية وبين فلسطين. فمضاعفات
النكبة الفلسطينية وضع إسرائيل
أمام مفترق طرق: إما منح
الفلسطينيين حقوقهم أو
الإستمرار في حرب المائة سنة.
وقد برهنت الحروب الأخيرة من
حرب الاستنزاف إلى حرب 1973، وحرب
لبنان الأولى، وحرب لبنان
الثانية عام 2006 وحرب غزة أن
الأمور لا تسير لمصلحة إسرائيل
ولا يمكن أن تسير في هذا
الاتجاه، مهما زادت قوتها،
ومهما حصلت على دعم من أمريكا
وغيرها من الدول. وستستمر
النكبة الفلسطينية، ولن تنتهي
إلا عندما يحصل الفلسطينيون على
حقوقهم. ـــــــــــ * كاتب
وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |