-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إسرائيل
في مواجهة الوكالة الدولية
للطاقة الذرية (1) د.
مصطفى يوسف اللداوي* هل بدأت
المعركة فعلاً بين إسرائيل
والوكالة الدولية للطاقة
الذرية، وأصبح البرنامج النووي
الإسرائيلي على جدول أعمالها
للمناقشة، وهل نجحت الضغوط
العربية والإسلامية في إدراج
ملف إسرائيل النووي على جدول
أعمال الوكالة، وهل ستتمكن
الوكالة الدولية للطاقة الذرية
من زيارة المفاعلات النووية
الإسرائيلية، وهي التي كانت
موصدة في وجهها لعقودٍ طويلة من
الزمن، وهل ستقبل إسرائيل بأن
تخضع مفاعلاتها النووية، بما
فيها مفاعل ديمونة التاريخي
للتفتيش والمراقبة، وهي التي لم
تعلن رسمياً حتى اليوم امتلاكها
لأسلحةٍ نووية، ومازالت تصر على
أن برنامجها النووي إنما هو
برنامجٌ سلمي، وأنها لن تكون
الدولة الأولى التي تدخل
الأسلحة النووية إلى المنطقة،
وهل تعتقد الوكالة الدولية
للطاقة الذرية أنها ستجبر
إسرائيل على الانظمام إليها،
وعلى التوقيع على معاهدة الحد
من انتشار الأسلحة النووية، وهي
التي رفضت التوقيع عليها
بالإتفاق مع الولايات المتحدة
الأمريكية، وهل سيجيز مجلس
الوكالة مناقشة الملف النووي
الإسرائيلي، أم أن الولايات
المتحدة الأمريكية التي حمت
إسرائيل من الملاحقة والتفتيش،
ستستخدم نفوذها وتأثيرها،
وستمنع إحالة ملفها النووي إلى
وكالة الطاقة الذرية للنقاش، إذ
أن إسرائيل وبمباركة الولايات
المتحدة الأمريكية، استطاعت في
مؤتمر نيويورك في 12/5/1995، الحصول
على الاستثناء الدولي فيما
يتعلق بأنشطتها النووية، وخرجت
من المؤتمر طاهرةً بريئة،
ومالكةً لحريتها في سلاحها
النووي، وانتفت القيود الدولية
عليها في اقتناء السلاح
واستخدامه، وتحررت من أي شرط قد
يلزمها مستقبلاً بالانضمام إلى
المعاهدات الدولية للحد من
انتشار الأسلحة النووية، وذكر
زئيف شيف المعلق العسكري
الإسرائيلي، أن من يعتقد أن
إسرائيل سوف توقع يوماً على
معاهدة حظر انتشار الأسلحة
النووية فهو واهم. فهل أن
الوكالة الدولية جادة في مسعاها
لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من
أسلحة الدمار الشامل، أم أنها
محاولة منها، ومن المجتمع
الدولي، وعلى رأسه الولايات
المتحدة الأمريكية، لذر الرماد
في العيون، وخداع الدول العربية
والإسلامية، بأنها جادة في
المساواة بين دول المنطقة،
وأنها لن تسمح لأيها بامتلاك
أسلحة نووية، أم أن الحقيقة أن
عينها على البرنامج النووي
الإسرائيلي، وقلبها على
البرنامج النووي الإيراني
لاخضاعه للرقابة والتفتيش،
وتجريد إيران وغيرها من دول
المنطقة من قدراتها وطموحاتها
النووية السلمية، وجعل المجال
مفتوحاً لإسرائيل وحدها، لأن
تكون الدولة الوحيدة في المنطقة
التي تمتلك السلاح النووي،
ولتكون الدولة الوحيدة التي
تهدد الأمن والسلم في المنطقة،
وأنها بهذا تسعى لتخلق تحالفاً
عربياً وإسلامياً معادياً
لإيران في منطقة الشرق الأوسط،
ورافضاً لبرنامجها النووي،
وتدفع الدول العربية لأن تنفض
من حول إيران وتتخلى عنها،
ليسهل على الولايات المتحدة
الأمريكية وحلفاءها بعد ذلك، أن
يتصدوا للبرنامج النووي
الإيراني، بما في ذلك مهاجمة
إيران، وتدمير ترسانتها
النووية، الأمر الذي يدعونا
للتوقف ملياً أمام هذه الخطوة،
ومحاولة فهم أهدافها ومراميها،
والتأكد من كونها صحوة ضمير
جادة لدى المجتمع الدولي، وأنها
خطوة حقيقية وليست محاولة جديدة
للخداع والتضليل. لا يمكن
إنكار الجهود العربية الهادفة
إلى إدراج ملف السلاح النووي
الإسرائيلي ليكون في إطار رقابة
وولاية الوكالة الدولية للطاقة
الذرية، فهل أصبحت الوكالة في
حرجٍ من أمرها مع الدول العربية
والإسلامية، وهي التي تمارس
سياسة مزدوجة تجاه دول المنطقة،
وتنادي بتجريدها من قدراتها
النووية، وتبذل قصارى جهودها في
البحث والتفتيش والمراقبة
والاتهام، ضد أي دولة يشتبه
أنها تمتلك أسلحةً نووية،
ويستبيح المجتمع الدولي سيادة
الدول وخصوصياتها وأحياناً
استقلالها خلال أعمال البحث
والتحري والتفتيش، بينما يقف
عاجزاً، وأحياناً مدافعاً، عن
الاتهامات الموجهة ضد إسرائيل
بامتلاكها أسلحة نووية، في
الوقت الذي يقف فيه المجتمع
الدولي عاجزاً، بازدواجية
معايير واضحة، تجاه امتلاك
إسرائيل لأسلحة دمارٍ شامل، وفي
الوقت الذي تغض فيه الوكالة
الدولية للطاقة الذرية الطرف
تماماً عن البرنامج النووي
الإسرائيلي، وتسكت عن
تجاوزاتها، وتتستر على
أخطاءها، وتتجاهل محاولاتها
المحمومة للحصول على شحناتٍ
إضافية من اليورانيوم من بعض
الدول الأفريقية، وتصم آذانها
عن تجاربها النووية في الصحاري
الأفريقية، وفي عمق البحار
والمحيطات الدولية، وتسهل
الدول الكبرى لغواصاتها
النووية حرية المرور في المضائق
المائية الدولية، دون أن تخضعها
للتفتيش أو المراقبة، متجاوزةً
معها كل الشروط الدولية للتنقل
في المياه الدولية، وتسكت عن
اعتداءاتها على دول الجوار،
بحجة القضاء على محاولاتها
النووية، فسكتت عن الاعتداء على
مفاعل تموز العراقي، وعلى
المنشأة العلمية السورية، بل
تقوم العديد من الدول الكبرى
بتزويدها بمعلوماتٍ سرية عن
الأنشطة العلمية لدول المنطقة،
وتزودها بصورٍ وبياناتٍ خاصة
واحداثياتٍ دقيقة، مما يعرض أمن
هذه الدول للخطر من الجانب
الإسرائيلي، وهي التي تدعو دول
المنطقة لعدم امتلاك
التكنولوجيا النووية، وتحارب
كل دولة تحاول امتلاك
التكنولوجيا النووية، وتؤلب
المجتمع الدولي ضد الدول التي
تعلن أنها تسعى لامتلاك
التكنوجيا النووية، وفي الوقت
نفسه تغص ترسانتها العسكرية،
بأنواع عدة من الأسلحة النووية
والكيمائية والجرثومية، وترفض
أن تنصاع للقانون الدولي، وترفض
أي محاولاتٍ للرقابة والتفتيش
على منشآتها النووية. ولم
تكتفِ الوكالة الدولية للطاقة
الذرية بصمتها المطبق على
الأنشطة النووية الإسرائيلية،
بل أعلنت أكثر من مرة عن تفهمها
لحاجات إسرائيل النووية،
وضرورة قيامها بتحصين نفسها من
الخطر المحدق بها من قبل الدول
الجارة، وإن كانت إسرائيل في
أحيانٍ كثيرة تعمل على الضد من
قرارات المجتمع الدولي، ولا
تصغي إلى صوت الأمم المتحدة،
لتكون بصدق دولة خارجة عن
القانون الدولي، وهي تدرك وفق
العرف الدولي، أنها دولة مارقة
ومتمردة على القانون الدولي،
إلا أنها لا تتبنى في معارضتها
للمجتمع الدولي منطقاً دفاعياً
في تبريرها لمواقفها المخالفة
للشرعية الدولية، وإنما تقوم
بعكس ذلك، إذ تهاجم بعض الأطراف
الدولية، وتصف مواقفهم بمعاداة
السامية، وتحاول أن تصف نفسها
بأنها دولة ضحية عبر التاريخ،
وأن العرب والمسلمين
يستهدفونها، ويحاولون تدميرها
والقضاء عليها، بل إن إسرائيل
لا تكتفي بالاستهتار بالشرعية
الدولية، وإنما تقوم بمهاجمة
المجتمع الدولي، وتتهمه
بالتقصير في حماية الدولة
اليهودية، وتعريض أمنها
ومستقبلها للخطر، وتتهم بعض
الأطراف الدولية بالانحياز إلى
العرب، وتجاهل معاناة
الإسرائيليين، وفي نفس الوقت
تحرض المجتمع الدولي على تجريد
دول المنطقة –عداها– من أسلحة
الدمار الشامل، وتطالب بنزع
القدرات النووية من كلٍ من
إيران وسوريا، وقد قامت بنفسها
في العام 1981 بضرب مفاعل أوزيراك
النووي العراقي، بحجة خطورة
امتلاك العراق لأسلحة نووية،
وتطالب الأمم المتحدة بضرورة
إخلاء منطقة الشرق الأوسط من
أسلحة الدمار الشامل، وكانت قد
جردت أكبر عملية تشهير وإدانة
لعمرو موسى، عندما كان وزيراً
للخارجية المصرية، عندما أبدى
معارضة انضمام مصر إلى إتفاقية
حظر انتشار الأسلحة النووية،
طالما أن إسرائيل لم توقع على
هذه الاتفاقية، وكان عمرو موسى
ينادي بضرورة التزام كل دول
المنطقة، بإخلاء منطقة الشرق
الأوسط من أسلحة الدمار الشامل. لعل وقف
السباق الدولي نحو امتلاك أسلحة
نووية، والاقتصار في البرامج
النووية على الاستخدامات
السلمية للمفاعلات النووية،
يبدأ عندما تعلن إسرائيل عن
تخليها عن أسلحتها النووية، وعن
برامجها النووية العدائية في
المنطقة، فهي لا تخفي أنها
تتسلح وتخزن السلاح لمجابهة دول
المنطقة وترويعها، ودفعها
للخضوع لها، والاستسلام
لإرادتها، وفي الوقت نفسه تبدي
خوفها من دول المنطقة، وتتحسب
من برامجها، فكيف يستقيم لديها
ولدى المجتمع الدولي هذا
المقياس السقيم، وكيف يحاول
المجتمع الدولي أن يرغم دولاً
وشعوباً على الاستسلام للتفوق
الإسرائيلي، ويدين محاولاتهم
للحصول على التقانة ذاتها،
والاستفادة من القدرات الهائلة
التي توفرها الاستخدامات
السلمية للطاقة النووية، فإذا
كانت اللجنة الدولية للطاقة
الذرية تصر على قصر استخدام
الطاقة النووية في العالم كله
وليس في منطقة الشرق الأوسط،
على الأغراض السلمية، وتؤكد على
وجود ترابط وثيق بين نزع السلاح
والسلم والأمن الدوليين، في ظل
مفهوم الأمن الجماعي الذي
تتبناه الأمم المتحدة، فإن
عليها أن تصر على قرارها القاضي
بمناقشة البرنامج النووي
الإسرائيلي، واخضاعه للقانون
الدولي، رقابةً وتفتيشاً
وحظراً، شأنها شأن أي دولة أخرى
تحاول أن تتجاوز القانون
الدولي، وعلى إدارة الوكالة
الدولية للطاقة الذرية، ألا
تنسى أنها إحدى المنظمات
التابعة للأمم المتحدة، وأنها
تعمل على أساسٍ فني بعيداً عن
الحسابات السياسية، فهي ليست
منظمة سياسية، ولا تتعاطى الشأن
السياسي العام، ولا ينبغي لها
أن تتلقى التعليمات من أي دولةٍ
مهما بلغت في قوتها وفي تأثيرها
على المجتمع الدولي، فاتقاناً
لعملها، ونجاحاً لجهودها، فإن
على الوكالة الدولية للطاقة
الذرية أن توحد مقاييسها، وأن
ترفض الازدواجية في معاييرها،
وأن تمضي جادةً في عرض برنامج
إسرائيل النووي، وأن تبين مدى
خطورة برنامجهم على المنطقة
كلها. يتبع ... ــــــــــــــــــــ *كاتبٌ
وباحث فلسطيني - دمشق ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |