-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 18/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تجريد الفلسطينيين من ذاكرتهم

الدكتور عبد القادر حسين ياسين*

في تعليقه على مواقف بعض مثقفي زمانه يقول أبو عثمان الجاحظ أنَّ "اللسان الذي لا يعبر فهو اصبع ، واليد التي لا تكتب فهي رجل، والرأس الذي لا يفكر فهو مجرد كومة من العظام" ...

هكذا يربط أبو عثمان الجاحظ ، بعمق وبساطة ، بين اللغة والفكر والعمل في هذه المقولة... وعلى المثقف أن يعي دوره التاريخي في الكشف عن الحقيقة .

في عمله الموسوعي القيم The Decline and Fall of the Roman Empire (إنحطاط الامبراطورية الرومانية وسقوطها) الذي استغرق انجازه 25 عامأ من البحث والدراسة ، يقول المؤرخ البريطاني إدوارد جيبون Edward Gibbon (17271797) أن أحد الأسباب الرئيسة التي أدت الى انهيار الأمبراطورية الرومانية هو اصابتها ب "فقدان الذاكرة"...

وعندما حاول الأمبراطور ماركوس أوريليوس أن ينقذ ما يمكن انقاذه ، كان الوقت قد فات... و "سبق السيف العذل"...

ويبدو أن "التقادم" (93 عاما على وعد بلفور، 62 عاما على النكبة ، 54 عاما على مذبحة كفرقاسم ، 43 عاما على "النكسة" ، 28 عاما على مذبحة صبرا وشاتيلا...) قد فعل فعله في إضعاف الاهتمام بالذكريات الفلسطينية المؤلمة التي صار الحديث عنها "مملا" ، كأي حديث يعاد ويكرر مراراً، دون أن يتضمن أي عنصر جديد!!

ويبدو، أيضا، أن تعدد الذكريات المؤلمة في التاريخ الفلسطيني الحديث قد ساهم ، مع "التقادم" ، في إبطال مفعول هذه الذكرى ... فقد مضى ذلك الزمن التي كانت فيه الجماهير الفلسطينية تستقبل ذكرى النكبة بتأثير عميق وحماس ظاهر، واحتجاج صريح وبصوت شعبي عال.

وحين تجرد الجماهير الفلسطينية من ذاكرتها ووعيها، يسهل تجريدها من كل سلاح مادي ومعنوي، وتصبح بذلك مهيئة للسقوط في شراك العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، فاقدة بذلك القدرة والإرادة على الصمود والتصدي للأخطار والتحديات المتلاحقة التي تهدد وجودها بكافة أبعاده ومقوماته.

 

إن انفراد الشعب الفلسطيني بإحياء الذكريات المؤلمة التي ألمت به أمر بالغ الخطورة، وأبسط ما يتضمنه من المعاني الخطيرة هو نجاح العدو في "أقلمة" القضية القومية الأولى، وإشاعة النفس الإقليمي في المنطقة ضمن محاولات العزل والحصار..

لقد كنا حتى منتصف الستينات ، نستقبل ذكرى نكبة واحدة هي نكبة أيار عام 1948 . ثم صرنا في عام 1968 نستقبل ذكرى نكبة ثانية هي عدوان الخامس من حزيران واحتلال ما تبقى من فلسطين. وما لبثت هذه النكبة المستجدة أن استقطبت الأضواء وصارت وكأنها القضية كلها . وفي مطلع الثمانينات اضطر العرب إلى تركيز اهتمامهم على نكبة ثالثة هي الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

وفي ضوء هذا التركيز صارت ذكرى النكبة ، وذكرى "النكسة" تمران بنا كطيفين باهتين وحدثين قديمين عابرين، وكأننا لم نعد نعي أن حزيران عام 1982 هو امتداد لحزيران عام 1967، وهذا بدوره امتداد لاحتلال الجزء الأكبر من فلسطين في أيار عام 1948.

ولا تقف مخططات التوسع والتصفية عند هذا الحد، بل إنها تحاول تبديد التركيز وتفتيت محور الاهتمام وجعله محاور عديدة ، حيث صارت المخططات الإسرائيلية-الأمريكية تطرح علينا القضية الواحدة في صورة قضايا عديدة ومنفصلة (الأسرى، المستوطنات ، اللاجئين، الحدود، التطبيع، الجدار العازل، الممر الآمن، المساعدات الدولية ، إعتراف حركة "حماس" باسرائيل.. الخ).

 

وليست عملية الكسر والاختراق هي الهدف الوحيد لسياسة تفتيت القضية وتمزيق الصف والموقف ، بل ثمة هدف آخر لا يقل خطورة ، بل هو أشد خطوة من الأول . ويتمثل هذا الهدف في محاولة دقّ أسافين الخلاف بين العرب والفلسطينيين .

أضف إلى ذلك مجموعة من الأسافين غير المرئية والتي يراد من ورائها تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، وضرب فلسطينيي الداخل بفلسطينيي الخارج، وضرب حركة المقاومة الاسلامية "حماس" بحركة فتح ... والتصريحات المتكررة لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون وغيرها من المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، وإصرارهم على عدم التفاوض مع حركة المقاومة الاسلامية قبل أن تعترف باسرائيل و تنبذ "الارهاب" تهدف الى شق الصف الفلسطيني ، وتدخل ضمن إطارالهدف الإسرائيلي - الأمريكي.

وبعد ؛

وهكذا ، يتضح لنا أن عملية طمس الذكريات الفلسطينية تعني، أولاً وقبل كل شيء، تغييب الوعي الفلسطيني بهدف تمرير المخططات الصهيونية الأمريكية في العالم العربي التي تهدف إلى إقامة دويلات الطوائف، والسيطرة على الموارد الطبيعية .

فاذا لم نكن قادرين على أن نجعل من الذكريات المؤلمة حافزاً على استعادة ما ضاع، فلنجعل منها ، على اقل تقدير، مصدر وعي للمحافظة على ما تبقى!!!...

________________

* كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السويد .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ