-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 19/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


نظرة على كتاب تكوين العقل العربي

زليخة من وهران

 ما كان د. عابد الجابري لا ماركسيا ولا لبراليا واسلاماويا كما يحلو للبعض أن يصفه  بل كان الجابري العربي المسلم الذي ظل واقفا على قدميه ناظرا الى الافق البعيد اراد ان يمزق أستاره ويكتشف أسراره  كتاب ( تكوين العقل العربي: الكتاب ليس مسئولا عن كل ما أرى ، قد تتدخل النظرة الذاتية أو سوء الفهم لأهداف المفكر.نيتي هي أن اعرف امة اقرأ - التي لا تقرا - بهذا الكتاب القيم وما أحوجنا لمثله. ألف كتاب تكوين ًالعقل العربيً منذ مدة في وطننا العربي ، ومع ذلك لم يسمع به أغلبية المثقفين لان مكتباتنا الفارغة لم تعد تتسع لمثل هذا الكتاب القيم كما فرض علي قراءته فرض علي ان اقول كلمة فيه لوجه الثقافة والعقل العربي.

لم افعل ذلك تعصبا لأحد او ضد احد وليس هدفي البحث عن الخطأ والصواب ، وليس في نيتي ان اقرر العصمة لأحد ولا أقول أن الكتاب لا يحتاج الى نقد ومناقشة، ثم انني لست ناقدة ولا في مستوي ايجاد المآخذ علي كتاب لم اقرا مثله من قبل ، سوف تكون قراءتي عامة وناقصة وبحجم فردي ...وكم اخشي ان يحتمل كلامي اكثر من احتمال، ويستغل فهمي من طرف من يتقربون الى الله بتشويه كل جديد . كتاب ًتكوين العقل العربيً الكبير – بمحتواه - ألفه الدكتور الكبير ًعابد الجابريً كبير بفكره ومناهجه المكيفة وبحداثته وأصالته الفذة .

والكتاب اكبر من تلك الكتب الكثيرة التي اهتمت بالتراث وختمت على عقولنا وجعلتنا نظن اننا لسنا في حاجة الى كتب جديدة في التراث...ورمتنا في بحر الاجترار والشعارات الإيديولوجية : إما الشعور بعظمة مزيفة تنسجها المعارضة لكل جديد وإما النقص والإحباط ، إما النموذج الأصيل وإما النموذج الغربي ... الكتاب يحمل رؤية جديدة عقلانية انتقاديه تفرض الاقتناع ، والنضج الفكري جعل المفكر يترفع عن التعصب لرأي معين فكان مستقلا في ارائه لا يتشيع لأي مذهب او اتجاه... بل تحسبه عدة عقول متحاورة لتنهض بالتراث ...يظهر كالشافعي في اجتهاده في عصره ..او كالفارابي في عصره ... لكن كلا انه الجابر العربي المسلم الواقف على رجليه ينظر الي الافق البعيد. لا يعتمد على احد ... لم يجعل التراث سلما يصعد عليه والتراث لا يصعد ابدا ... الدكتور الجابري قدم لنا الثقافة العربية الإسلامية محللة منقودة في نظافة كتلك الثقافة التي أسست عليها اروبا مستقبلها: تلك الثقافة التي بنت نفسها على عقلانية ( ابن حزم والشاطبي وابن رشد) . هدف عابد الجابري انقاذ حاضرنا ومستقبلنا من انياب ماضي مفقود ثابت لا يمكن اعادته إلا بمنهج عقلي : انها محاولة لتأسيس الفكر العربي على التعامل الجدلي مع واقعنا المتأثر بالركود والحيرة .

جمع الكتاب أشتات التراث في كليته وترابطه ، برؤية مبتكرة خلقت له مكان وجعته جسرا يمتد بين الحاضر والماضي في تفاعل قد يسد الهوة التي حفرها الغرب في مجتمعاتنا ( بتشجيعه لقيام جامعة عربية وأخري إسلامية ) ليفرق بين عربي ومسلم ..الدكتور الجابري ليس مفكرا تراثيا وإنما هو مفكر صاحب تراث... أراد أن يجمع امة في شخصية امة عربية إسلامية صاحبة تراث ...فرق بين ان يحتويك التراث وبين ان تحتوي التراث انت... لقد امتلك الجابري التراث دون ان يعضه خفاش الماضي ...كما امتلك تراث الآخر وثقافته دون ان يسلبه شخصيته ... هو لا يعيد الماضي ، وإنما يستعيد التراث ليتجاوزه ويسير به مع الحياة : تعامل مع الغرب كغرب، ومع التراث كتراث ...استعار أدوات الغرب وأخضعها لمقتضيات موضوعه حتى لا يحمل التراث ما لا يحتمل . وهكذا ليتمكن من تحليل التراث ويضعه في مكانه التاريخي . وقد نجح في خطواته وعرض أفكاره وإبراز المعاني وفي الوصول الى النتائج.

انها جرأة في غير تهور ولا خوف من المسؤولية ، انها صراحة دون رياء ولا تكبر ولا تبرير للتعثرات ...حتى لو اختلفنا مع المؤلف في بعض الرؤى فان منطقيته ومنهجه العلمي يجعلنا نحترم تحليله وأساليبه وإقناعه العقلي الذي يتيح التفاهم وتعايش الاراء ولا يسمح بالشك او الطعن .سوف لا يكون مصير هذا الكتاب كمصير شهداء حرية القول والتفكير الذين حاربوا الزمان والناس ... لن يكون مصيره كمصير الطبري ...او الإمام الرازي الذي حكم عليه ابن تيمية ...ولا كمصير ابن تيمية نفسه ... او مصير ابن رشد سيد العقلاء ...لن يحرق كتابه ولن يهمش ، لأنه كشف عن محاسن التراث وعيوبه في صراحة مدهشة وأسلوب متين وعبارات دقيقة محددة لا تسمح بالتأويل ... ثم ان العقول في عصر الجابري مهيأة والتربة خصبة لاستيعاب العقل والتطور ، ولا ينقص إلا زعماء الاصالة ليقودوا هذا العقل نحو النهوض.كل حركاتنا وجامعاتنا باءت بالفشل لأنها تقود النهضات بعقل غير ناهض.

إن مشروع الجابري يقف على ارض صلبة تمتد نظرته الى الافق البعيد لتكسر قضبانه وتمزق استاره وتكتشف اسراره ... انها المغامرة الجابرية المباركة الصامدة فى وجه زعماء فكر التكفير الذين نصبوا نفوسهم ولاة على جنة الله وناره ، ليقحموا فيها من شاءوا من العباد.

يخطئ من يظن ان المعارف الواردة في الكتاب قديمة تراثية مكررة ، لان الجابري لم يقدم التراث كأفكار للاجترار كلا ، ان المؤلف يدخل بك سراديب التراث مفتشا عن المكونات الايديولوجية والمعرفية للعقل العربي ويبرزها في تداخلاتها وتناقضاتها وصراعها ، ويصل بك الى حصر النظم المعرفية التي أسست الثقافة العربية الاسلامية ، والتي كونت العقل العربي وشارك هو في تكوينها .

لقد حلل الجابري هذا العقل بنقد متطور فريد ، فحص مكوناته وطرق عمله وعوائق تقدمه الداخلية التي لازالت تكبله وتصده عن التمرد على كيفية تكوينه . ومن اجل ذلك نجد هذا الكتاب يفرض نفسه كأول مشروع للنهضة العربية الإسلامية ، قد يمكننا من الانتصار على حاضرنا المهزوم والمنفي . انه مشروع سليم يختلف عن المحاولات السابقة التى اغرقتنا في التردد المزمن ، وجعلتنا كالنعامة لا طير ولا جمل . لقد درس الجابري وهضم ما درس وعرف كيف يحرك اخطر البرك ويخرج منها سالما نظيفا . قد يبدو الكتاب في مستواه الفكري والمعرفي موجها للخاصة ، لكن مناهجه تجعله بعيدا عن الارستقراطية الفكرية ... انه الكتاب الذي ينبغي بل يجب ان تتوفر عليه مكتباتنا وجامعاتنا لأنه يغني العقول عن تاريخ الفلسفة العربية الإسلامية ، لأنه فصل المحتوى المعرفي عن المضمون الايديولوجي... فبعث الحياة في الفلسفة فلم تعد مجرد نقل عن الأجنبي كما فهمنا سابقا... مع الجابري أصبح لها كيان مستقل بدليل اختلاف الفلاسفة مع انهم شربوا من منبع واحد.ذلك ان كل فيلسوف وظف المحتوي المعرفي في الجانب الإيديولوجي المعبر عن عصره ،باختصار كتاب تكوين العقل العربي لا يعطيك أشياء بل يعطيك شيئا واحدا ينتج الأشياء .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ