-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المناورات
الإسرائيلية والخيار العسكري
المتاح بقلم : واصف عريقات* لا أحد ينكر قوة اسرائيل العسكرية
وترتيبها في
الصفوف المتقدمة في ميزان القوى
العسكري العالمي والاولى في
الشرق الأوسط من حيث الامكانيات
والمعدات والتطور في التقنيات
وقدرتها على استخدامها، كما لا
يختلف اثنان بأن العرب يملكون
أكثر مما تملك اسرائيل من هذه
الإمكانيات، والفرق بينهما في
كيفية استخدامها وفي القدرة
التشغيلية لهذه الإمكانيات،
ففي الحالة الاسرائيلية فان
قرار استخدامها محصور في القرار
الاسرائيلي وحده في حين أن
الإمكانيات العربية بحاجة الى
إرادة وموافقة كل دولة على حده
ومن الصعب التوافق على
استخدامها رغم وجود معاهدة دفاع
عربي مشترك، هذه المعاهدة التي
استغلتها اسرائيل أكثر مما
استفاد منها العرب، سواء في
جمعها للسلاح مقابل السلاح
العربي على اعتبار أنه كله ضدها
وهو ليس كذلك، أو ظهورها بمظهر
المستضعف أمامه، وضخمته
اعلاميا وأتقنت فن توظيفه
فتعاطف معهاالعالم ودعمها
ماديا ومعنويا وبشكل مطلق،
وخاضت كل حروبها في ظله وفرضت
نفسها بقوة سلاح(جيش الدفاع) في
حروب(وقائية) استباقية ضد (جيوش
الهجوم العربية) متذرعة بخطر
قذفها في البحر، معتمدة على
عقيدتها العسكرية تحت عنوان "ما
لم يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من
القوة"، باسلوب الحرب
الخاطفة المدمرة وعلى أرض الغير
(العدو) لا يعرف عنها المحتل
الاسرائيلي الا عبر وسائل
الاعلام وربما مع نهاية الحرب
ومع عودة الجنود الى بيوتهم. هذه العقيدة
أضرت اسرائيل بالمحصلة حيث
أفرطت بل أجرمت في استخدامها
للقوة غيرآبهة بحجم الدماء
والدموع والعذابات نتيجة هذا
الاستخدام، مما ولد حالة من
الضغط لم تعد محتملة، أفرزت هي
الأخرى قدرات قتالية وصمود
بطولي عند شعوب المنطقة وجيوشها
ومقاومتها بدءا من العدوان
الثلاثي 1956 ومعركة الكرامة 1968
مرورا بحرب تشرين 1973 وعملية
اجتياح الليطاني 1978 وحصاربيروت
1982 وانتفاضتي الحجر والأقصى 1987
و2000 وعدوان تموز2006 وجرائم حرب
2008 و 2009 والاعتداءات اليومية
المستمرة. الصمود العربي التراكمي المتواضع وفي
مقدمته الفلسطيني واللبناني(رغم
حجم الخسائروالمعاناة) شكل حالة
من التكامل وديمومة المواجهة
وتواصلها واتصالها أدى الى عدم
استقرار اسرائيل واستنزافها
وبقدر ولو قليل مراكمة انجازات
ميدانية عربية، قابلها مزيد من
الإخفاقات الاسرائيلية أدت الى
انكفاء في المشروع الصهيوني(اسرائيل
الكبرى)، في المقدمة منها
الإخفاق الأخلاقي بشهادة
المجتمع الدولي، وتحول التفوق
الاسرائيلي العسكري المطلق
بالأسلحة كافة الى تفوق في سلاح
الجو فقط (وحتى هذا مشكوك فيه
بحسب المعلومات عن تسلح حزب
الله بمنظومات دفاعية متطورة)،
فسلاح الدبابات ضربت هيبته مع
تدميرت دبابات الميركافا
المتطورة وكذلك سلاح البحرية مع
اصابة البارجة الحربية ساعر في
عرض البحر، أما سلاح البر وجندي
المشاة فقد تدنت معنوياته
وتراجعت الثقة فيه عندما وجد
نفسه في مواجهة ميدانية شبه
متكافئة على غير ما اعتاد عليه
في حروبه السابقة ومع أسر عدد من
جنوده وعجزه عن تحريرهم بالقوة،
فرضت عليه القبول بوقف اطلاق
النار وانهاء القتال دون تحقيق
الأهداف، اضافة الى نقل الحروب
من جبهة (الأعداء) الى العمق
الاسرائيلي واصبح القتال قرب
غرف نومهم ولم تعد هذه الحروب
أفلام سينمائية ممتعة لناظريها
ولم تعد الجبهة الداخلية
الاسرائيلية في مأمن، وتردت
المصداقية الاسرائيلية في
رواياتها المتعاقبة عن الحروب
والتي أدانتها لجان التحقيق،
ولم تقتصر الإخفاقات
الاسرائيلية على الأداء
العسكري، فالأداء السياسي
والدبلوماسي لم يكن بأحسن حال
منه، وهو ما أدى الى تردي علاقة
اسرائيل بكثير من الدول الصديقة
والحليفة وخسارتها لدعمها لها. هذا التراجع وهذه الإخفاقات اعترف بها
الجنرال الاسرائيلي نئمان بن
تسيفي قائد المنطقة الغربية
السابق في جنوب لبنان حيث أدلى
بحديث لصحيفة "هآرتس" قال
فيه بأن الاسرائيليين هربوا من
جنوب لبنان بسبب الخسائر
الكبيرة التي لحقت بهم من جراء
شراسة المقاومة ولم ينسحبوا.
أما يوسي ميلمان مراسل الشؤون
الاستخبارية ل"هآرتس" فقد
ذهب أبعد من ذلك في مقال نشرته
ذات الصحيفة حينما تحدث عن
نهاية الخيار العسكري
الاسرائيلي، وتحت عنوان: "السلاح
النووي الايراني يهدد وجود
اسرائيل ولكن قادتها سيجدون
صعوبة كبيرة باتخاذ قرار بقصف
ايران"، وأخضع ذلك للمقارنة
مع قصف المفاعل العراقي الذي
استغرق دقيقتين فقط وثمانية
طائرات ف 15 ومثلها ف 16 ومسلك جوي
قصير وطلعة جوية لمرة واحدة فقط
وبتغطية أمريكية ورضا غربي تام،
بعكس ما عليه حال اسرائيل الآن
من كل هذا بالنسبة لايران،التي
تحتاج لطلعات جوية متعددة لقصف
اهداف تعد بالمئات وهي متباعدة
عن بعضها ومحصنة تحت الأرض
وبحاجة الى القذائف الذكية جدا
من الولايات المتحدة ومعلومات
استخبارية حديثه ودقيقة عنها لا
توفرها الا التقنيات الأمريكية
ومسالك جوية المتاح منها يشكل
خطر على الطائرات الاسرائيلية
اضافة الى حاجتها للتزود
بالوقود في الجو وحاجتها للغطاء
المعنوي الأمريكي والغربي،
وماذا سيكون الرد الايراني،
ومعالجة أي طارىء أو مخاطر لم
تبرز عند التخطيط للعملية. وفي
ذات السياق تحدث دان حالوتس
رئيس هيئة الاركان وقائد سلاح
الجو السابق في كتابه"بمستوى
العيون" وقال:" البرنامج
الايراني مشكلة عالمية ومن
الصحيح ان تعالجها دول أخرى،
باختصار ما قاله ميلمان وحالوتس
تعبير صريح عن تدني قدرة الردع
الاسرائيلية، وهنا تبرز مشكلة
رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي
رفع عاليا سقف وعوده لشعبه خلال
حملته الانتخابية بالقضاء على
التهديد النووي الايراني الذي
أصبح المقياس في الحكم على قوة
اسرائيل عند شعبه، وأي عمل
عسكري غيره يعتبرونه ناقصا . لم يقتصر ذلك على الاسرائيليين فحسب، فقد
تحدث في ذات الإتجاه قادة
سياسيون وعسكريون أمريكيون
ونوهوا لزعزعة ثقتهم بقدرات
الجيش الاسرائيلي واعتماده
الاساسي على السلاح الأمريكي وتشويه صورة الولايات المتحدة
الأمريكية في العالم نتيجة هذا
الإستخدام، والضرر الذي يلحق
بهم من جراء الممارسات
الاسرائيلية، منوهين للمصلحة
القومية الأمريكية بحل القضية
الفلسطينية، وفي هذا السياق
تحدث جون ميرشايمر أستاذ العلوم
السياسية في جامعة شيكاغو وقال
بأن الأمريكيون اليهود وغير
اليهود بدأوا يجادلون أن
اسرائيل بدأت تتحول إلى دولة
فصل عنصري، مذكرا بقول يهود
اولمرت رئيس الوزراء الأسبق "إذا
لم تطبق اسرائيل حل الدولتين
فانها ستتحول الى دولة شبيهة
بجنوب افريقيا وهو يعني طبعا
دولة فصل عنصري مضيفا أنها
نهاية اسرائيل"، كما
أن المجتمع الدولي بشكل عام
والاوروبيين بشكل خاص تغيرت
نظرتهم لاسرائيل وفقدت
مصداقيتها امامهم(واحة التقدم
والديموقراطية والحضارة)
وتكشفت الحقائق وتم ازاحة
اللثام عن وجه الاحتلال القبيح،
مما أضاف عبئا جديدا على
القيادة الاسرائيلية التي
تواجه صعوبة في اقناع الرأي
العام العالمي بصحة موقفها وحشد
تأييدها وخطب ودها ورضاها،
وأرتد ضعفها المصطنع الذي كانت
تتستر به لاستدرار العطف واقع
ملموس، وتخويف الاسرائيليين
على وجودهم لاستقطاب أصواتهم
أصبح حقيقة مما شكل عبئا اضافيا
تواجهه القيادة الاسرائيلية في
حشد الجبهة الداخلية والرأي
العام الاسرائيلي الذي أصبح
شريكا كاملا في اتخاذ قرار
الحرب وأخذوا يتحسبون من خوض
الحروب لأنها تمس حياة كل فرد
منهم، يأتي هذا في ظل تصاعد
القلق الاسرائيلي من اتفاق
طهران الثلاثي الأخير(التركي
البرازيلي الايراني) حول تبادل
اليورانيوم المخصب. أما العبأ
الأكبرفهو ما صرح به الرئيس
الأمريكي في كلمته التي ألقاها
امام خريجي الكلية العسكرية
الأمريكية في وست بوينت بولاية
نيويورك أمس السبت عشية اعلانه
عن استراتيجيته الأمنية
الوطنية الجديدة في الاسبوع
المقبل، وموقفه المتناغم مع
بريطانيا، وهما الحليفان
الرئيسيان لاسرائيل، حول رفضه
الهجمات الاستباقية على طريقة
سلفه بوش، واعترافه بأن
الولايات المتحدة لم تنجح عندما
قررت التصرف بمفردها خارج اطار
المجتمع الدولي، مما اعتبره
المراقبون خروجا عن التوجه
الأحادي الذي اعتمده سلفه
الرئيس السابق جورج بوش الابن،
وتوجيهه رسالة للمسلمين بقوله:"
ان المسلمين جزء من حياتنا
الوطنية" دون الحديث عن
الإرهاب وهذا يتناقض كليا مع
السياسات الاسرائيلية، ويخفض
سقف المناورة الاسرائيلية في
اللعب على تبديل الأولويات. لهذه الأسباب تجد القيادة الاسرائيلية
نفسها مكبلة في اتخاذ قرار
الحرب(بمعنى العدوان الواسع)
والذي كان يشكل في الماضي حلا
سحريا لكل أزماتهم الداخلية
والخارجية، وأصبح هذا القرار
يشكل مأزقا أكبر وأزمة أخطر
لأنه يحتمل الخسارة أكثر من
الربح. لا يعني هذا زوال النزعة العدوانية
الاسرائيلية "رغم رسائل
التطمين"، وستمارس هذه
النزعة ولو بحدودها الدنيا
عبرالتهديدات بالحرب أو
التحضير لها عبر المناورات
والتدريبات وتوزيع الكمامات
ورسم السيناريوهات، باختيار
دقيق لتوقيت الاعلان عنها
وتضخيمها لتوظيفها في التدخل
بالشؤون العربية الداخلية وفي
خدمة لمصالحها، وستبقى متحفزة
لأي فرصة تلوح في الأفق، وحتى
تحين هذه الفرصة ستواصل اسرائيل
اعتداءاتها اليومية
والإغتيالات الفردية، والتركيز
على سلاح "فرق تسد" وتصعيد
الحرب النفسية والدعائية
والاشاعات الهدامة لتكريس
الانقسامات وتصعيد الخلافات. عدم توجه اسرائيل للحرب(في الوضع الراهن)
يشكل نقصا في أوكسجين حياتها،
وذهابها للحرب يؤرق مضاجعها
لاحتمال زوال كل الأوكسجين عنها
. فهل تعيد اسرائيل حساباتها..؟؟أم تغامر
وتقامر وتذهب للحرب..؟؟ باب الاحتمالات مع اسرائيل يجب ان يبقى
مفتوحا وعلى مصراعيه. ــــــــ *خبير ومحلل عسكري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |