-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 25/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


العودة إلى المرافئ الدافئة " روسيا نموذجا "

أ. محمد بن سعيد الفطيسي

azzammohd@hotmail.com

عودة روسيا الى المسرح السياسي العربي بوجه عام , والسوري على وجه الخصوص , قضية طرحت كثيرا في الآونة الأخيرة للتحليل والاستشراف , فقد بدأ البعض يسال عن الأسباب الاستراتيجية التي تدفع روسيا الى إعادة بناء علاقة التعاون السورية – الروسية من جديد , وخصوصا في هذا الوقت الحساس , والذي تواجه فيه سوريا المزيد من التحديات والضغوطات الخارجية , وتحديدا من قبل الولايات المتحدة الاميركية وحليفتها إسرائيل , حيث زادت الانتقادات الإسرائيلية كثيرا لروسيا , وتحديدا بسبب تصدير الأخيرة لكثير من الأسلحة الحديثة لسوريا – من وجهة نظرها - , كطائرات "ميغ-29" ومنظومات الدفاع الجوي الصاروخية المدفعية "بانتسير - س1" وطائرات مروحية حربية وصواريخ مضادة للدبابات 0

كما يشوب المزيد من الحذر موقف إسرائيل من روسيا بعدما قام الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف بزيارة إلى سوريا ، لاسيما وإن المصادر الروسية أعلنت في ختام الزيارة مواصلة توريد الأسلحة الروسية إلى هذا البلد الذي يعتبره سياسيو إسرائيل معاديا لهم 0

وانتقد وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان قرار موسكو بتزويد سوريا بالمزيد من الأسلحة الروسية، معتبرا أن هذه الخطوة لا تساعد على إحلال السلام في الشرق الأوسط , هذا وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانا عبرت فيها عن إحباطها العميق بسبب لقاء جمع بين الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل في سوريا , مما يعطي حماس شرعية شبه دولية , قد تدفعها فيما بعد للتعامل مع إسرائيل بغطرسة الند القوي , المدعوم سياسيا من قبل قوة عظمى يحسب لها ألف حساب على الصعيد العالمي 0

وهنا تطرح الأسئلة التالية : هل يعتبر هذا التطور نوعا من إعادة التعاون الاستراتيجي العسكري بين الطرفين كما كان في عقد السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين ؟ وهل يمكن ان نعتبر ذلك تطورا نوعيا نحو بناء تحالف استراتيجي قد يتطور فيما بعد ليصبح درعا روسيا للوقوف مع سوريا في حال تعرضت لأي عدوان من قبل إسرائيل , أو حتى الولايات المتحدة الاميريكية ؟ وهل يمكننا أن نعتبر ذلك كذلك عودة قوية للإمبراطورية الروسية للمياه الدافئة للتصدي للامبريالية الاميركية , ولاحتواء التوسع الاميركي المستمر في العالم العربي ؟ وهل يمكن أن تتطور تلك العلاقة لتشكل تحالفا وشراكة مع سوريا يمكن لها ان تؤثر من الناحية الجيوسياسية على النفوذ الاميركي والعمق الاستراتيجي الإسرائيلي على رقعة الشطرنج الشرق أوسطية ؟0

وبشكل عام ترجع علاقة العرب بروسيا الى زمن الامبراطورية الروسية القيصرية , التي استمرت في الفترة من ( 1480- 1917م ) , حيث كانت نظرة هذه الأخيرة الى جغرافيا العالم العربي نظرة مصالح إستراتيجية أكثر منها السعي لتوطيد العلاقات الدبلوماسية والتواصل الحضاري والإنساني أو حتى الاقتصادي والثقافي , وهو حال جميع الإمبراطوريات والقوى الأجنبية التي احتلت العالم العربي منذ فجر التاريخ , حيث كان اغلبها يطمح للوصول للمياه الدافئة في البحر المتوسط , وهو ما أطلق عليه بالنسبة لروسيا القيصرية في ذلك الوقت " بحلم بطرس الأكبر " 0

أما بالنسبة للاتحاد السوفيتي ( 1917 – 1991م ) , فلم يختلف كثيرا في نظرته الى جغرافيا العالم العربي عن جذور أصله القيصرية كثيرا , وان تقلصت بعض الشيء الدوافع الاستعمارية نتيجة تراجع المكانة الدولية لروسيا القيصرية في الفترة التي امتدت منذ العام ( 1856 – 1917 م ) والفترة الانتقالية نتيجة السعي لاستقرار الدولة الوليدة ( 1917- 1936 ) , إلا أن الجغرافيا السياسية كانت أقوى بكثير من أن تقلص أو تبعد الامتداد الجديد لروسيا القيصرية عن العالم العربي 0

حيث ( كان بين العرب والاتحاد السوفيتي مسافة جغرافية ضئيلة جدا نسبيا , فموسكو اقرب الى بيروت من باريس , وموسكو اقرب الى القاهرة من لندن , وموسكو اقرب الى كل العواصم العربية من واشنطن ) , هذا بخلاف الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفيتي , والذي دفع هذا الأخير الى الاتجاه نحو تعزيز علاقاته وتوطيد مصالحه بالعالم العربي , وبمختلف الطرق الممكنة , وذلك في محاولة لإيجاد وبناء توازن في القوى الدولية بينهما 0

وبعيدا عن الأسباب الكثيرة التي كانت تزيد من هوة الفوارق ما بين العالمين , إلا ان وجود الكثير من الأسباب السياسية والاقتصادية كانت تدفع دائما الجانبين الى الالتقاء في نقطة معينة , رغم أنها – أي – العلاقات العربية – السوفيتية , كانت في اضعف حالاتها في الفترة من ( 1930 – 1960م ) , وتحديدا قبل انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1956م , وذلك نتيجة العديد من الأسباب التي كانت تخص الاتحاد السوفيتي , كالحرب الباردة ومشكلة برلين , والحرب الكورية , فضلا عن ان الاتحاد السوفيتي ( كان ينظر الى الأقطار العربية في تلك المرحلة على أنها دول تتصف بالتخلف والتأخر الاقتصادي والاجتماعي , وذات علاقات وثيقة بالغرب , وهو ما دفعه بالنتيجة الى تبني سياسة خارجية سلبية تجاه الأقطار العربية عموما ) 0

ورغم ان سوريا كانت من أوائل الدول العربية التي ارتبطت بعلاقات رسمية مع روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي , وذلك من خلال الاتصالات الأولى بين روسيا وسوريا في أواخر القرن الـ18 , بافتتاح قنصلية لها – أي – لروسيا في دمشق , فيما تلتها أخرى باللاذقية بعد مرور مئة سنة , إلا أن تلك العلاقة كانت ابسط بكثير من أن نطلق عليها بالعلاقة الوطيدة بين الجانبين , فقد كانت محصورة بالتبادل العلمي والثقافي , وذلك من خلال إرسال الطلاب السوريين الى روسيا للتعليم , وإقامة جمعيات الصداقة والتعاون الثقافي كجمعية الصداقة السورية الروسية والمركز الثقافي الروسي0

إلا أننا نستطيع ان نؤكد بان عقد السبعينيات من القرن العشرين , كان هو المنطلق الحقيقي للعلاقات العربية – السوفيتية بشكل عام , والسورية – السوفيتية بوجه خاص , ولا سيما بعد إعلان بريطانيا في عام 1968م عن نيتها سحب قواتها من شرق السويس في موعد لا يتجاوز نهاية العام 1971م , ولذلك تعددت الزيارات التي قامت بها وحدات الأسطول السوفيتي الى المواني العربي , وهنا نعود لنكرر القول بان الأسباب الرئيسية التي دفعت بالاتحاد السوفيتي الى إعادة سياساته الى المنطقة العربية بوجه عام , وسوريا على وجه الخصوص كانت المصالح الاستراتيجية لا أكثر , وعلى رأسها احتواء التوسع الغربي وتحديدا الاميركي في هذه البقعة الهامة للغاية من رقعة الشطرنج الدولية 0

وقد توسعت تلك العلاقة العربية – السوفيتية بشكل اكبر , واتسعت رقعتها لتتخطى التبادل الثقافي والعلمي وحتى الاقتصادي الى التبادل العسكري والارتباط السياسي مع الدول العربية التي خاضت حروب 67 و 73 مع إسرائيل , أما سوريا وبشكل خاص , فقد ارتبطت بالاتحاد السوفيتي بخلاف الحربين السابقتين , مع مطلع العام 1976م , وذلك بدخول القوات السورية الى لبنان , واشتعال الحرب الأهلية اللبنانية , واستخدام هذه المنطقة كراس حربة لتوجيه الضربات ضد إسرائيل , الأمر الذي تطور لاحقا الى احتمال المواجهة بين سوريا وإسرائيل 0

وهو الأمر الذي دفع بالسوفييت للدخول على خط الالتقاء والتماس للعب دور اكبر للحد من التوتر بين أطراف الصراع , تحت دافع المخاوف السوفيتية من خسارة الحليف السوري في حال تعرض لعدوان إسرائيلي , في وقت يعلمون إنهم لن يقوموا بمساندته بأكثر من تزويده بالأسلحة , خصوصا وان هناك من الأسباب الكثيرة ما تدفعهم للوقوف موقف الحياد ولعب الدور الدبلوماسي أكثر منه دور الحليف لسوريا 0

وان كانت الأسلحة السوفيتية قد لعبت دون السياسة السوفيتية في ذلك الوقت دور كبير في عمليات الهجوم والدفاع لدى القوات السورية , وتحديدا الدفاعات الجوية الصاروخية من نوع " كفادرات أو سام 6 " , فقد ظل السوفيت – وللأسف الشديد – وبالرغم من علاقاتهم الوطيدة مع سوريا دون المطلوب , فلم يكن دورهم في ذلك الوقت يزيد عن دور اللاعب الدبلوماسي المتفرج , وهو بخلاف الدبلوماسية الاميركية التي كانت تتفاعل مع مجريات الأحداث , وتتدخل عند الضرورة 0-

أما عقد الثمانينيات , والذي يطلق عليه بالعقد الذهبي في العلاقات العربية – السوفيتية بشكل عام , والسورية – السوفيتية على وجه التحديد , وذلك بسبب اتساع رقعة تلك العلاقة , فلم يكن بالعقد الذي نستطيع أن نقول بان السوفيت كان لهم ذلك الدور المهم , أو المفصلي بالنسبة للعرب عموما وسوريا على وجه الخصوص , - أي – من خلال تقوية شوكة العرب على إسرائيل , أو الوقوف في وجه إسرائيل لحماية الحلفاء العرب 0

 خلاصة الأمر بان العلاقة السوفيتية – العربية عموما , والسورية على وجه الخصوص , ومنذ مطلع الثمانينيات وحتى سقوط الاتحاد السوفيتي لم تتطور الى علاقة الحلفاء الاستراتيجيين , التي يمكن ان تدفع احدهما للوقوف في صف الأخر في حال نشوب حرب , أو حتى التهديد بدخول تلك الحرب لتغيير موازيين القوة لصالح ذلك الحليف , كما حدث أثناء العدوان الثلاثي على مصر . إنما كانت اقرب الى علاقة المصالح الاقتصادية والعسكرية المتبادلة , فالسوريون بحاجة الى الأسلحة , والسوفيت بحاجة الى المال , وعلى العرب ان يحاربوا بأنفسهم 0

( وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991م , فترت العلاقة بين سوريا وروسيا التي أصبحت الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي بسبب الديون الكثيرة التي كانت للاتحاد السوفييتي على سوريا والتي بلغت نحو 20 مليار دولار تقريبا كلها ثمن أسلحة ومعدّات عسكرية وحربية , وتوقّف توريد الأسلحة الروسية إلى سوريا , لكن هذا الفتور في العلاقة بين الدولتين كان بمثابة سحابة صيف لإدراك روسيا أن سوريا حليف مهم لا يمكن التخلي عنه او الاستغناء عن التعاون معه ) 0

سرعان ما عادت روسيا من جديد الى تفعيل التعاون مع سوريا والعديد من الدول العربية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين " 2001 – 2010 م ", وذلك لأسباب كثيرة نوجزها في التالي :-

( 1 ) حاجة روسيا الى تواجد مكثف في الشرق الأوسط بشكل عام , وفي السواحل البحرية على وجه الخصوص , بهدف احتواء المد والنفوذ الاميركي البحري في هذه البقعة من العالم , وكسر الحصار الجغرافي الطبيعي الذي يعيق التمدد الروسي , وهو ما يدفعها للبحث من المياه الدافئة كمحركات أساسية للإستراتيجية السوفيتية 0

وتعتبر سوريا منفذ بحري غاية في الأهمية وخيار بديل للبحر المتوسط بالنسبة لروسيا , وخصوصا بسبب تزايد الضغوطات التي تفرضها عليها الدول المجاورة – أي – لروسيا , وتكرار التهديدات الأوكرانية بطرد أسطول البحر الأسود من قاعدته في سيباستوبول , وهي المسار الوحيد للبحرية الروسية الى البحر المتوسط , وخصوصا ان لدى روسيا قاعدتين للتموين والصيانة في ميناء طرطوس بموجب تفاق موقع بين البلدين عام 1971م – انظر " البحرية الروسية تعود الى ميناء طرطوس السوري " BBC بتاريخ 13 / 9 / 2008م 0

( 2 ) الاستفادة من الوضع الاقتصادي لهذه الدول , من خلال تشكيل بعض التكتلات التي ستستفيد منها روسيا لاحقا , وخصوصا في مجالات النفط والغاز وبيع الأسلحة , وهو ما سينعش اقتصادها بسبب الاستثمارات وجنيها للمليارات من العملات الصعبة 0

وقد استفادت روسيا في هذا الشأن الكثير من سوريا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين , فبخلاف بيعها للأسلحة الروسية على شاكلة مقاتلات ميغ 29 وأنظمة مدفعية مضادة للطائرات وصواريخ "بانتسير" قصيرة المدى أرض جو المحمولة على شاحنات , والأسلحة المضادة للدبابات , فقد شمل التعاون السوري – الروسي قطاعات النفط والغاز والطاقة النووية السلمية , وهو ما ضخ الكثير من المليارات الى ميزانية الدولة الروسية 0

وباختصار شديد , فان استقراء التاريخ السياسي وإعادة رسمه بصورة أكثر عمق وشفافية للتعاون الروسي مع الدول العربية بشكل عام , والسوري على وجه الخصوص منذ ما يقارب الـ ستة عقود تقريبا لا يمكن اعتباره بالتعاون الاستراتيجي او التحالف القوي والمؤثر الذي يمكن الاعتماد عليه في وقت الأزمات كثيرا , بالرغم من بعض الاستثناءات التي قد تحسب للاتحاد السوفيتي ولروسيا بوتين تحديدا خلال ظروف معينة 0

إنما جل ما يمكن ان تدل عليه مؤشرات التعاون تلك , يقتصر على المناورات في التحركات الاستراتيجية الروسية لا أكثر , بل كانت هي المستفيد الأكبر من ذلك التعاون والتقارب من الدول العربية , وليس العكس صحيح , فمن جانب استطاع ان تضع لها موطئ قدم في البحر المتوسط , ومن جانب آخر استطاعت بيع السلاح والاستثمار في مختلف قطاعات الصناعة والإنتاج , ومن ناحية أخرى حصلت مقابل ذلك على الكثير من الأموال والعملات الصعبة التي ضختها في ميزانيتها التي تراجعت بسبب تراجع أسعار النفط 0

هذا بخلاف اعتبار تواجدها في هذه البقعة من العالم ليعتبر نوعا من الأوراق الرابحة في وجه الولايات المتحدة الاميركية , وتحديدا في حال حاولت هذه الأخيرة تقليص الدور الروسي او احتواءه في الشرق الأوسط , كما إننا لا يجب ان ننسى التغيرات الجذرية التي طرأت على السياسة الخارجة الروسية والتي أصبحت تسعى بكل قوة وجدية لإعادة أمجاد الامبراطورية الروسية العابر للقارات 0

ـــــــ

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ