-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 29/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا

(1)

مصطفى إنشاصي

كثير هم الكتاب الذين كتبوا عن مشروع بوش "الشرق الأوسط الكبير" أو التسمية الجديدة له بعد قمة الثماني، في "أيسلاند" بولاية جورجيا في الولايات المتحدة التوراتية (الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا). ومعظمهم متفقون على أنه مشروع غير واضح المعالم، ولا يمكن تصور رؤية مستقبلية عن ما سيصبح عليه (الشرق الأوسط) عند تطبيق أفكار بوش حول هذا المشروع. وذلك لأن المشروع في حد ذاته عبارة عن مجموعة من الأفكار المتناثرة، التي لا تشكل رؤية متكاملة الأبعاد والمعالم، يمكن من خلالها تصور معالم المستقبل. كما أنهم متفقون على أنه محاولة أمريكية لاستغلال الظروف التي يمر بها وطننا من أجل تدمير مقومات قوة الأمة، والمقاومة والصمود عندها، ضد المشروع اليهودي التوراتي ـ الغربي الصليبي من أجل إحكام هيمنتهما على مصادر ثرواتنا، وخاصة البترولية منها.

       ومع احترامي لأراء الآخرين، إلا أنني أري أن مشروع بوش (الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا) بأبعاده القصيرة المدى والبعيدة المدى ليس جديداً، ولا وليد "اللحظة التاريخية" التي تحدث عنها عضو مجلس الشيوخ الأمريكي (وليم فولبرايت) في كتابه "غطرسة القوة"، ونصح فيه قادة الولايات المتحدة عدم تفويت هذه اللحظة إذا ما جاءت، لأنها قد لا تعود إلا بعد عقود أو قرون.

       ولا هو وليد "الفرصة السانحة" عنوان كتاب الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) الذي صدر عقب حرب الخليج الثانية، وقد وضع فيه ريتشارد نيكسون خلاصة رؤيته الأمريكية ـ الصهيونية للقضاء على الإسلام، وتصفية القضية المركزية للأمة "فلسطين"، هذا الكتاب الذي تكاد تكون سياسة بوش، ومن قبله التقرير الإستراتيجي الأمريكي الصادر عام 1995م في عهد الرئيس كلينتون نسخة حرفية عنه.

       ولا هو وليد استغلال الولايات المتحدة لـ"فائض القوة" عنوان مقال لهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، المشهور برحلاته المكوكية أثناء حرب رمضان / أكتوبر عام 1973 مع العدو الصهيوني، التي شرخ بها وحدة الصف العربي، وبذر فيها بذور الخلاف والفرقة التي ستتسع بعد ذلك وتكون سبباً فيما وصلنا إليه اليوم. كما أنه حدد فيها للزعماء العرب أسس وملامح ما ستكون عليه التسوية النهائية لصراعنا مع اليهود الجاثمين في قلب الأمة والوطن ـ فلسطين ـ بالسلب والاغتصاب. وجعل مكافأة العمل العربي للتوصل لها استقرار كراسي الحكام العرب وأنظمتهم. ومن يرفض ذلك من الحكام العرب أو يتمرد يكون مصيره أن يستبدل بالمعارضة المشتتة في الخارج، بعد أن تجمع شتاتها اليد الأمريكية التوراتية، وتقوم باحتلال بلدها بدعوى دعم الديمقراطية والحرية في بلدها، وتحرير شعبها من نير الديكتاتور المستبد الجاثم على صدره، وتعيدهم أدوات مشروعها التوراتي على ظهر الدبابة الأمريكية لتحكم بلدهم، وتقتل شعبهم، وتدمر مقومات وجودهم وقوتهم، وتنهب ثرواتهم، وتفرض عليهم التفريط بفلسطينهم والقبول بالعدو الصهيوني ودمجه في نسيج شعوب وطننا، كل ذلك وغيره باسمهم. ذلك المقال الذي يذكر فيه القادة الأمريكان إلى الفراغ الذي خلفه خروج الاتحاد السوفيتي من حلبة الصراع العالمي مهزوما أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وتفككه إلى جمهوريات عديدة معظمها أصبح جزء من أوراق اللعبة الأمريكية الجديدة. وما حققته الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الثانية من هيبة عسكرية، وكشفت عن فائض القوة الكبير عندها، الذي يغنيها عن استخدام القوة نفسها لفرض ما تريد، ويكفي استخدام تلك الهيبة والتلويح بها في وجه من يحاول التمرد على أوامرها.

       ولا هو وليد بنات أفكار المحافظين الجدد وحلفائهم من أتباع الهوس الديني من النصارى البروتستانت المتهودون، وجنون السعي لتحقيق ما يؤمنون به من خرافات عن نهاية العالم، وانتصار قوى الخير المتمثلة فيهم هم والعدو الصهيوني وحلفائهم من نصارى أوروبا ـ بحسب اعتقادهم ـ على قوى الشر التي كان يمثلها بالأمس القريب الاتحاد السوفيتي، وبعد انهياره أصبح يمثلها المسلمون اليوم!! وذلك في معركة "هر مجدون" التي ستكون آخر المعارك بين الخير والشر، والتي سيحكم بعدها المسيح عليه السلام الأرض ألف سنة، يعيش فيها النصارى الصهاينة في أمن وسلام، وسادة للعالم، بعد أن تبيد قوى الشر، ويقضى على اليهود ولا يبقى منهم غير أربعة عشر ألفا فقط، يؤمنون بالمسيح ويدخلون في النصرانية بعدها.

       كما أنه ليس وليدة ردة الفعل الأمريكية، أو الشعور بالخطر الذي يمثله ما يدعيه الغرب (الإرهاب) وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، التي استهدفت رموز القوة والغطرسة والهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية ـ برجي التجارة العالمية في نيويورك، والبنتاجون الأمريكي في واشنطن ـ كما يحاول البعض أن يبرر لهذه الحرب الأمريكية المفتوحة ضد كل ما هو إسلامي.

       إنني أرى أن مشروع بوش (الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا) ليس وليد تلك اللحظة، ولا هذه الفرصة، ولا نتاج فائض القوة، ولا هوس ديني نصراني ـ يهودي، ولا ردة فعل لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإن كان كل ذلك قد يكون له نصيب كبير أو قليل في طرح هذا المشروع، ولكنه في جوهره ومضمونه الذي طرح به وأعلن عنه، هو أبعد وأعمق من كل ذلك بكثير، ويمكن اعتباره أحدث حلقة أو جولة في جولات صراع الغرب الطويل ضد الأمة والوطن، وضد مقوم وجودها الرئيس (الإسلام). فأفكار بوش التي طرحها هو ومن تحدث من المسئولين الأمريكيين عن المشروع وأفكار المشروع وأهدافه، ما هو إلا خلاصة مخططات ومؤامرات المستشرقين والمنصرين، التي سعوا بالاشتراك مع حكومات الدول الغربية التي احتلت وطننا لعشرات السنين لتحقيقها ضد الأمة والوطن، ولكنهم فشلوا في ذلك، بسبب روح المقاومة التي كانت تتمتع بها الأمة، وتحصنها وتحميها ضد كل ما هو غريب عن دينها وتراثها وحضارتها، ويستهدف مقومات وجودها، والتي كانت السبب المباشر في طرد الجيوش الغربية المحتلة لوطننا آنذاك.

 وقد ظن بوش وعصابة البيت الأبيض من محافظين جدد، ونصارى صهاينة، وحلفائهم في أوروبا، أن الأمة قد فقدت قدرتها على المقاومة، بعد أن وافقتها أنظمة الحكم فيها على احتلال أفغانستان، ومن ثم العراق وتدمير قوته العسكرية. وظن أن أنظمة الحكم العربية والإسلامية لم تعد تستطيع رفض أي أمر للسيد الأمريكي، خاصة وأن بعض هذه الأنظمة قد استجاب بسرعة غير متصورة أمريكياً للمطالب الأمريكية في محاربة ما يسميه الغرب (الإرهاب)، يقصد المقاومة، وتجفيف منابعه سواء على صعيد تغيير مناهج التعليم، أو محاربة التعليم الديني، أو على صعيد تجفيف مصادره المالية... إلى غير ذلك، وظن أنه باسم الدعوة لإجراء إصلاحات حقيقة في أنظمة الحكم والإدارة والتعليم وغيرها في دول وطننا، بإمكانه استغلال حالة الغضب الجماهيري والشعبي على أنظمة الحكم المستبدة في وطننا، من خلال دعم أعوانه من المتغربين والمهزومين من أبناء الأمة للمطالبة بالإصلاح والديمقراطية وتحرير المرأة ...إلى غير ذلك، مما يدغدغ مشاعر الجماهير ويحركها لدعم مؤامرتهم ضدها هي نفسها، ظناً منهم أن الجماهير لا تدرك أبعاد مؤامرتهم ومخاطرها، وأن الأصوات الحرة في الأمة لن تقوى على معارضة ذلك حفاظاً على حياتها. لقد ظن بوش وعصابته وأعداء الأمة والوطن في الداخل والخارج من ورائه أن هذا الوقت هو الفرصة التي طال انتظارها لتنفيذ تلك المخططات والمؤامرات على الأمة ودينها، وتحقيق ما فشلوا في تحقيقه يوم كانت جحافلهم العسكرية تجثم على صدر الأمة والوطن.

       ظن بوش أن لحظة سحق وذر رماد عناصر القوة في الأمة "الإسلام"، وخاصة النصوص والمفاهيم الإسلامية ذات العلاقة بالمقاومة، ورفض سيطرة وهيمنة الأجنبي (أمريكا والغرب أو غيرهما) على مقدراتها، ورفض إملاء قيم أخلاقية أو اجتماعية أو سلوكية ... مخالفة لقيمها عليها، والحركة الإسلامية في وطننا، وخاصة تلك الاتجاهات التي تتبنى هذه المفاهيم. ظن بوش أن لحظة تحقيق كل ذلك قد حانت، وأنه باحتلال العراق وسحق قوته العسكرية، سوف يلتف على مشروع المقاومة في فلسطين ويحاصره ويقضي عليه، ويصفي قضية الأمة المركزية ـ فلسطين ـ ويفرض عليها مشروعه الصهيوني للتسوية النهائية. وهكذا يكون قد قضي على المثال المقاوم الذي يشحذ همة الأمة، ويبقي على جذوة المقاومة والرفض فيها متقدة، ويهدد مشاريعه لتركيع الأمة واستسلامها النهائي له. ولم يكن يعلم أنه ينتظره مشروع مقاومة جديد في العراق، سيضاف إلى مشروع المقاومة في فلسطين، وإلى كل مشاريع المقاومة على طول مساحة الوطن وعرضه، السلمية منها والعسكرية، ما نتفق معه وما نختلف، التي ترفض سيطرة وهيمنة أمريكا والغرب علي أمتنا ووطننا.

       ولكي نفهم الأبعاد الحقيقية لمشروع بوش (الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا) التي أشرنا إليها، لابد لنا من وضعه في سياقه التاريخي الذي يؤكد صحة ما ذهبنا إليه. كما أننا نود قبل أن نبدأ رحلتنا مع تبلور وعي غربي حول خطورة الإسلام كدين وحضارة، وما يتضمنه من عناصر القوة والمقاومة بما يكفل إفشال أي محاولة خارجية كانت أو داخلية هدفها السيطرة أو الهيمنة على الأمة، وحرفها بعيداً عن إسلامها الحقيقي، نود أن نُعرف الهوية الدينية والثقافية لما يسميه الغرب (الشرق الأوسط)، ونبين أهمية موقعه الجغرافي والإستراتيجي دون تحديد دقيق للحدود الجغرافية لأن المصطلح يتسع ويضيق بحسب المصالح الغربية، وبحسب المرحلة (قوة أو ضعف الأمة)، ولكنه في جوهره ومضمونه يستهدف الأمة والوطن كله، سواء شمل كل أقطارها في مرحلة ما من مراحله أو استثنى منها البعض، فالاستثناء لا يقلل من شمولية الهجمة للمستثنى، ولا من نية سوء يريد استخدام المستثنى منه في تحقيقها، من خلال فصله عن جسد الأمة والوطن وضمه إلى جسد آخر، وغالباً الفصل والضم يبقى في حدودهما إذا ما اعتبرنا أن الإسلام هو وطن الأمة وهويتها بغض النظر عن العرق، كما سنتعرف على أهمية ما يسميه الغرب (الشرق الأوسط) كمصدر للطاقة العالمية، وأهميته الاقتصادية كسوق تجارية للغرب. ونتساءل بعدها...؟؟؟!!!.

تلك كانت جزء من مقدمة كُتبت عام 2003 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق/ لرسالة ماجستير كنت أعددتها عام 1997 بعنوان (أثر السوق الشرق أوسطية السياسي والاقتصادي على دول المنطقة)، وللأسف لم يتم مناقشتها كغيرها من رسائل ماجستير سابقة تم إعدادها ولم تناقش، ولم تنشر مثل كم ليس بالقليل من الأبحاث التي سبق إعدادها منذ ثمانينات القرن الماضي، ذات علاقة بأبعاد وحقيقة الصراع مع الغرب والصهيونية، لأننا في زمن (...).

عودٌ على بدء؛ بعد الاحتلال الأمريكي وبعد أربع سنوات من الكتابة الصحفية في القطر الذي أقيم فيه، طلبت مني إحدى المجلات الفصلية المحكمة، أن أكتب لهم أبحاث موثقة ورصينة حول بعض الموضوعات ذات العلاقة بقضايا الساعة، وقد كان أول موضوع طلبوه عن مشروع بوش (الشرق الأوسط الكبير) الذي أستقر اسمه بعد ذلك على (الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا)، فكتبت تلك المقدمة لبحث رسالة الماجستير التي لم يتم مناقشتها، وقدمته لهم، ولأن حجمه كبير فقط تم اختيار جزء منه، ونُشر بعنوان: "المخططات الأمريكية لإقامة الشرق الأوسط الموسع وشمال إفريقيا)، على أن يتم نشر جزء آخر منه أيضاً بعنوان: (المخططات اليهودية لإقامة الشرق الأوسط)، ولكن لتسارع الأحداث لم يتم نشره، لأنهم كانوا يطلبون موضوعات أخرى ذات علاقة بحدث الساعة.

وقد كنت نشرت قبل نحو عشرة أيام مقالة بعنوان: قضية الأمة المركزية لا (قضية الشرق الأوسط)، إضافة غير مباشرة لمقالة وصلتني عبر البريد الالكتروني تتحدث عن (هوية الشرق الأوسط) والنظام الإقليمي الجديد الذي يخطط له الغرب والعدو الصهيوني، وأنه يستهدف الأمة. إلا أني لاحظت في الآونة الأخيرة أنه يصلني أو أجد في المواقع الالكترونية التي أطلع على موضوعاتها، تركيز من البعض في الكتابة حول موضوعات ذات علاقة بالموضوع نفسه، ولكنها تختزل أبعاد المشروع كما اعتادت تلك الأقلام اختزال كل شيء في حدود مفهومها الفكري والأيديولوجي الذي تعتنقه! وفي اعتقادي تلك القراءة تبقى ناقصة ولا تخدم مشروع الأمة في مواجهة الهجمة الغربية ومشاريع الهيمنة اليهودية ـ الغربية للأمة والوطن.

لذا رأيت أن أنشر بعض ما لم ينشر من تلك الرسالة كما هي بدون إضافات، على قلة مراجعها في تلك الفترة، ولكني أكتب من خلال رؤية شاملة لأبعاد العلاقة مع الغرب والعدو الصهيوني، دون أن تحد منها أيديولوجية فكرية أو عرقية أو حزبية، لعل ذلك يساعد في تكملة ما يضيع من أبعاد، وما يسقط من مفاهيم وشمولية في ضوء الكتابة المنطلقة مسبقاً من فكرة أو أيديولوجية ما. وذلك بدءً من المقالة القادة.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ