-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 31/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


نهاية الخيار العسكري الإسرائيلي

د. مصطفى يوسف اللداوي*

الحديث عن نهاية الخيار العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وتراجع قدرات الجيش الإسرائيلي على الحسم العسكري، وعجزه عن استهداف خصومه بضرباتٍ قاتلة، والوصول إلى أهدافه بالسهولة التي اعتاد عليها، وتحطيم القدرات القتالية لدى خصومه، ليس حديثاً عربياً، ولا أماني حالمين بالانتصار على العدو الإسرائيلي، ولا هي تكهنات أو تخرصات أو قراءة كفٍ أو فنجان قهوة، كما أنها ليست إداعاءات أو افتراءات، بل هي حقائق إسرائيلية ذاتية، وتوقعات واحتمالات استخلصها الخبراء والعسكريون الإسرائيليون أنفسهم، وهي خلاصة أبحاث ودراساتٍ وندوات ومؤتمراتٍ عكف الإسرائيليون منذ منتصف العام 2006 على عقدها، وقد دعوا إليها كبار الباحثين والاستراتيجيين العسكريين والأمنيين والسياسيين، من المهتمين بشؤون المنطقة، والعالمين بظروفها وأحوالها، ومن المتابعين للتغيرات التي طرأت على سكانها، فغيرت من طباعهم وسلوكهم، وزرعت في نفوسهم معاني وقناعاتٍ مختلفة، ونفت عنهم صفة الاستسلام والخنوع، وولدت فيهم روح الثورة والرفض.

وأدركت إسرائيل أن منطق الحروب الوقائية والاستباقية، والحروب الخاطفة والمدمرة التي كانت تشنها على أرض الدول العربية غير مجديةٍ في نتائجها، وغير ممكنةٍ لجهة كلفتها المادية والبشرية، كما أن القاعدة الذهبية التي اعتمدت عليها كثيراً في عقيدتها العسكرية، وهي "ما لم يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة"، قد انقلبت عليها، وأصبحت هذه المقولة هي سلاح المقاومة، التي باتت تتمسك بخيارات القوة والتحدي، في الوقت الذي بدأ الإسرائيليون يتخلون عنها، عندما أصبح الجندي الإسرائيلي لا يعود إلى بيته بعد انتهاء مهمته العسكرية القتالية، التي كانت سابقاً تشبه النزهة أو الرحلة، ولكنها اليوم أصبحت تشبه الموت أو الأسر أو الإعاقة الدائمة، بينما أصبح رجال المقاومة يتنافسون في عمليات المقاومة، ومعارك المواجهة والتحدي.

ولهذا فقد أصبح من الصعب على الحكومات الإسرائيلية أن تهرب من أزماتها ومآزقها الداخلية والخارجية بالحروب على جيرانها، لتفرضهم وعلى الأرض وقائع جديدة، تجبرهم والمجتمع الدولي على الاعتراف بها، والتعامل مع نتائجها، فللحرب اليوم قوانين وقواعد مختلفة، وحساباتٌ غير متوقعة، وقرارتٌ يصعب التكهن بها، وأسلحة من الصعب معرفة مدى قوتها ودقتها، فضلاً عن نوعها ومصدرها وطرازها، وهذا ما جعل خيار الحرب لدى إسرائيل، الخيار الأخير القاتل.

الخبراء الإسرائيليون يقولون بأن جبهتهم الداخلية غير جاهزة، بل غير قادرة على تحمل تبعات أي حرب قادمة، فالحرب القادمة ستكون مختلفة عن سابقاتها، إذ مهما امتلكت إسرائيل من أسلحة رادعة ومدمرة، فإنها لن تردع قوى المقاومة عن الرد الصاروخي على كل مكان في إسرائيل، وستكون الصواريخ المنطلقة من لبنان وسوريا وغزة، قادرة على الوصول إلى كل مكان في إسرائيل، وستكون قادرة بدقة على إصابة كل نقطة محددة لها، ولن يكون بمقدور الجيش الإسرائيلي اسكات فوهات النار المنطلقة، ولا تدمير منصات الصواريخ المتحركة والمحمولة على الأكتاف، والتي أصبحت في متناول أيدي رجال المقاومة، وهي صواريخ ذكية ويسهل نقلها والتعامل معها، وتشكل خطورة كبيرة على جميع الأهداف الإسرائيلية، البرية والجوية والبحرية.

الإسرائيليون الذين يبحثون عن الأمن، والبقاء واستمرار الوجود، في محيطٍ من الدول العربية الرافضة لوجودها، قد تسلحوا قديماً لتحقيق هذه الأهداف بكل عناصر القوة والتفوق، وتحالفوا مع القوى الدولية الكبرى واستعانوا بها في الحفاظ على أنفسهم ودولتهم من الزوال، فحاربوا أعداءهم العرب بالحرمان، وفرضوا عليهم التبعية والتخلف، وحالوا بينهم وبين امتلاك أسباب القوة، وأسس الاستقلال، وجاهدوا في فرض الحصار عليهم، ليتكون لديهم جيل من العرب، يقبل بالهزيمة، ويستسلم لواقع القوى، ويرضى بالتبعية، ويخضع لحاجات دولة إسرائيل في الأمن والبقاء، ولكن الحلول السحرية التي كانت تصنعها القوة الإسرائيلية لم تعد موجودة، كما أن القوة الإسرائيلية المفرطة لن تنفع إسرائيل إذا تصرفت بمفردها، وهذا ما خلص إليه العديد من الباحثين، من أن إسرائيل لا تقوى على التفرد بالقيام بأي عدوان أو هجوم على أهداف خصومها، دون أن تكون على يقينٍ تام بأن حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية ستضمن وجودها، وستعمل على بقاءها، وستحول دون فناءها وزوالها، وستقف إلى جانبها حال تعرضها لأي خطر، وأنها لن تسمح لأي جهةٍ بأن تهدد وجودها وبقاءها، ولكن الإدارة الأمريكية باتت شهيتها ضعيفة أو معدومة تجاه خلق بؤر توتر جديدة في المنطقة، وأصبحت غير راغبة في اندلاع حروب كراهية جديدة، بل إنها تسعى بالتعاون مع دول المنطقة، على إطفاء شعلة الحرب الملتهبة ضد قواتها العاملة في العراق وأفغانستان، وإسرائيل في ظل رؤساء حكوماتها الفاقدين للرمزية والزعامة والإرث التاريخي، لن يقدموا على خوض حرب، أو إشعال فتيل معركة، دون ضمان المساندة والتأييد الأمريكي لهم.

ولكن هذه الضمانات الأمريكية التي كانت تحظى بها إسرائيل قبل قيامها بأي اعتداء، قد تغيرت قواعدها، فإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كانوا يوجهون رسائلهم وتهديداتهم إلى الدول العربية، ذات الجيوش النظامية، والتي كانت تتحسب من أي خطوةٍ قد تستفز الإدارة الأمريكية، أو قد تدفع إسرائيل نحو القيام بأي عملٍ عسكريٍ طائش، ولكن قواعد اللعبة الآن قد تغيرت، ولم تعد نواصي المقاومة بأيدي الحكومات أو الجيوش، بل أصبحت الأمة كلها مقاومة، ولم يعد فيها مكان لنفوسٍ ضعيفة، أو آراءٍ مهزوزة، أو أفكارٍ مهزومة، وإنما أصبحت المقاومة روحٌ تسري في الأمة كلها، وفكراً يتقد في النفوس كلها، وروحاً وثابة تتحين المواجهة، وتستعجل المعركة، وتتمنى النزال، ولا تخشى من قوة العدو أو بطشه.

ولهذا فإنه قد أصبح من الصعب على أي زعيمٍ أو مسؤول في إسرائيل أن يعلن عن حربٍ جديدة في المنطقة، فهو لا يستطيع أن يتكهن بحجم الخسائر الإسرائيلية، وهي خسائر في الأرواح بمئات الآلاف، فضلاً عن التدمير الواسع الذي سيلحق بكل المدن والبلدات الإسرائيلية، خاصةً بعد الحروب الموضعية الفاشلة التي خاضها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان وقطاع غزة، ولهذا فلن يكون لدى أي مسؤولٍ إسرائيلي القدرة أو الشجاعة الكافية، التي تؤهله لإعلانِ حربٍ شاملة، قد تكون إيذاناً حقيقياً بزوال دولة إسرائيل، وأمام هذه الحقائق التي ينطق بها الإسرائيليون أنفسهم، فإن خطط الهجرة و"العودة" بدأت تتشكل في أذهان الإسرائيليين من جديد، فلم تعد "إسرائيل" بالنسبة لهم الأرض الآمنة، ولا الأرض الموعودة، وأصبح كثيرٌ من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة والفرار، ليقينهم أن القوة الإسرائيلية لم تعد هي الضامن لهم بالبقاء والحياة، وأن الجيش الإسرائيلي مهما امتلك من القوة والعتاد، فإن قوى المقاومة تمتلك القوة القادرة على الرد والصد معاً، وأنها قادرة على أن تلحق أكبر الضرر بإسرائيل ومصالحها، وأن تتسبب في مقتل آلاف الإسرائيلين، الذين لن تحميهم من القتل، القبة الفولاذية، ولا الصواريخ الاعتراضية، ولا كثافة النيران الإسرائيلية.

لهذا يرى الإستراتيجيون الإسرائيليون أن على الحكومة الإسرائيلية أن تلجأ إلى خياراتٍ أخرى، غير خيارات الحرب، فالحرب لن تكون نتائجها في صالح إسرائيل، وعليها أن تستغل إدارة باراك أوباما في فتح خياراتٍ أخرى، تحقق المستقبل الآمن للدولة العبرية وسكانها، إذ أن إسرائيل قد خاضت أكثر من حرب، وافتعلت أكثر من معركة، ولكنها لم تحقق أهدافها المرجوة، والمقاومة الفلسطينية في غزة تمتلك السلاح، وتخزن المزيد منه، وعمليات نقل السلاح عبر الحدود والأنفاق لا تتوقف، وحزب الله لديه قدرة متجددة من السلاح، ومخزوناً مهولاً من الصواريخ، وخبرة قتالية عالية، وتجارب متراكمة في تحقيق النصر، كما أن سوريا الدولة، تملك كميات كبيرة من الصواريخ المتعددة، وهي قادرة على استخدامها في أي حربٍ قادمة في تدمير مناطق واسعة من إسرائيل، فضلاً عن قدرتها على حمل رؤوس حربية مختلفة.

إن إسرائيل باتت غير قادرة على الحسم، وقد سط لديها الخيار العسكري، وأصبح هاجس هزيمة جيشها يراود قادتها، وخطر زوال دولتهم المحتوم يتراءى أمامهم، ومقولة مؤسس كيانهم، ورئيس أول حكومة لهم، دافييد بن غوريون، بأن أول هزيمة عسكرية لإسرائيل، هي بداية النهاية لدولة إسرائيل، أصبحت تخيفهم، ويؤيد معاصرون إسرائيليون قول زعيمهم الأول، أنه ما بقي حزب الله وحماس، بما يملكون من سلاحٍ وإرادة، فإن حقيقة زوال دولة إسرائيل ستبقى ماثلة، وأختم بما قاله يوسي بيلين، وهو من أبرز المفكّرين الإسرائيليّين الذين كتبوا عن مستقبل إسرائيل بشكل استشرافي، إذ تملّكه خوف كبير من عزوف غالبية اليهود عن العيش في إسرائيل، ما لم يعم السلام في المنطقة، ويغيب عنها خطر الحرب والقتال، الذي يهدد بقاء دولة إسرائيل، وأما ما قاله موشي ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق عام 1954، "علينا أن نكون مستعدّين ومسلّحين، وأن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة"، فإن السيف مهما كان حاداً، ومهما كانت اليد التي تقبض عليه قوية، فإنه لن يتمكن من حفظ الحياة، لأن الآخر أصبح لديه من الإرادة والقوة، ما يكفي لأن يجعل السيف مثلَّماً، فلا خيار عسكري بيد إسرائيل، اللهم إلا البقاء في دوامة الخوف، وخوض غمار حروبٍ ستقضي عليهم بالتناقص، أو الإقرار بندية خصومهم، وبأحقيتهم في أرضهم ووطنهم وسلامة بلادهم.

ــــــــــــ

*كاتبٌ وباحث فلسطيني - بيروت

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ