-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 02/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تركيا ... الغضب العارم

د. مصطفى يوسف اللداوي*

الغضب العارم الشعبي والرسمي يجتاح العاصمة التركية استانبول، وينفجر كالبركان في أنقرة وأضنة وأنطاكية وأزمير والبورصة والاسكندرون ومرمرة، وفي كل المدن التركية العريقة الممتدة بين شرق أوروبا وأطراف آسيا، الغضب التركي يسود في كل مكان، ويظهر على كل الوجوه، الكل هنا غاضبٌ مزمجر، تتطاير الكلمات من أفواههم غاضبةٌ قاسية، يتوعدون بأشد الكلمات، ويهددون بأقسى العبارات، ويموجون كما البحر، جماعات وأفراد، يكاد الغضب يتفجر من عروقهم دماً، ويتفصد على جباههم عرقاً، لا حديث في استانبول اليوم سوى عن قافلة الحرية، قافلة التحدي والإرادة، التي قادها الشعب التركي، لرفع الحصار عن قطاع غزة، وعن الاعتداء الإسرائيلي المقيت على السفن العزلاء، وعلى المتضامنين الدوليين، لا أحد هنا في استانبول اليوم يقبل بما قامت به إسرائيل، الكل مستنفرٌ وغاضب، الرجال كما النساء، المؤيدون لحزب العادالة والتنمية الحاكم، وغيرهم من المنافسين له، يتحدثون بكلماتٍ تتدافع كما السيل، وقبضاتٍ تلوح في الأفق، الكل يهدد ويتوعد، ويدعو حكومته إلى الرد على ما قامت به الحكومة الإسرائيلية، اليوم جاء ثمن الموقف التركي "دقيقة واحدة" أو "One Minute "، الذي تحدى به رئيس حكومتهم رجب طيب أردوغان، رئيس الدولة العبرية شيمعون بيريس، في مؤتمر دافوس الإقتصادي الدولي، إنه جزءٌ من الثمن الذي قررت حكومة إسرائيل أن تلزم حكومة أردوغان بدفعه، اليوم الشارع التركي يطالب رئيس حكومته رجب طيب أردوغان بأن يكون الرد التركي على إسرائيل متناسباً مع حجم تركيا، وعظمة تركيا التاريخية، وأن يتجاوز رد الدقيقة الواحدة، وألا يكون الموقف ردة فعلٍ فقط، بل ردٌ صارم على الحكومة الإسرائيلية، يطال كل جوانب التعاون معها، ومحظات التلفزة التركية، كلها قد أوقفت برامجها، وقصرت بثها على الجريمة الإسرائيلية، فلا شئ تشاهده على محطات التلفزة التركية سوى صيحات الغضب، وكلمات الوعيد، وتجمعات الغاضبين، وهتافات المتظاهرين، فقد وحدت الجريمة الإسرائيلية أطياف الشعب التركي، وجمعت شتاته إلى وطنه، وأطرافه إلى قلبه.

الشارع التركي اليوم في استانبول يغلي كما المرجل، أينما يممت وجهك فسترى الأتراك يتجمعون ويتجمهرون، في الميداين العامة، وفي عربات المترو التي تغص بالركاب، وفي الحافلات والباصات البحرية العائمة، وفي المكاتب والشركات العامة، يطالبون حكومتهم بالرد، وعدم الاكتفاء بالتنديد والاستنكار، وعدم القبول بالمبررات الإسرائيلية، فأبناؤنا قتلوا في عرض البحر، في المياه الدولية، وهم في طريقهم إلى قطاع غزة، الذي ترفض إسرائيل الاعتراف بأنه مازال يخضع للاحتلال، وأنها لم تعد مسؤولةً عن توفير مستلزمات الحياة لأهله، ولهذا يطالب الشارع التركي حكومته بوقفةٍ تركية مختلفة، ومواجهة حقيقية مع إسرائيل، فالسفينة التي هوجمت هي سفينة مرمرة التركية، تحمل العلم التركي، وتقل مئات المواطنين الأتراك، من كل فئات الشعب التركي، وقد خضعت لكل إجراءات التفتيش والسلامة، فليس فيها سلاح، ولا ممنوعات، ولا شئ مما يجرمه القانون الدولي، وكل ما تحمله السفن، إنما هو دواء وغذاء ومواد بناء، وألعاب أطفال، ودفاتر وأقلام، وبعض ما يحتاجه تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات، وليس فيها ما يهدد أمن الدولة العبرية، إنما هي سفن مدنية سلمية، تحمل أعلام أربعين دولة، وفيها أكثر من ستمائة متضامنٍ دولي، وتقوم بهمةٍ إنسانية مشروعة، تجيزها القوانين، وترعاها الاتفاقيات الدولية، فلا يمكن للمجتمع الدولي أن يجرم التضامن الإنساني، ولا أن يحرم المشاعر الإنسانية بين البشر.

الإسرائيليون اليوم في استانبول وفي كل المدن التركية، يجمعون أمتعتهم، ويعدون حقائبهم استعداداً للرحيل، فهم لم يغادروا فنادقهم، ولم يلتحقوا بأفواجهم السياحية، ولم تعد تراهم يلتقون في مجموعات، أو يتحلقون حول أنفسهم، وقد توقفت ألسنتهم عن الرطانة بالغة العبرية التي تميزهم، فالخوف قد سكن قلوبهم، والقلق قد ظهر على وجوههم، ولم يعودوا يعرفون ما العمل، وكيف سيواجهون الغضب التركي العارم، وهل سيصفح الأتراك عنهم لجريمة حكومتهم، أم أنهم سيفرقون بينهم وبين حكومة بلادهم، فهم لن يجدوا تاجراً تركياً يبيعهم، ولا سائقاً تركياً يقلهم، ولا مطعماً تركياً يستقبلهم، ولا صبي تركي يبش في وجوههم، ولا دليل سياحي يرشدهم على عظمة بلاده، وقد خرجت جموعٌ تركية حاشدة، تتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية بأنقرة، وحناجرهم لا تتوقف عن التنديد بإسرائيل، وترديد الشعارات المناهضة لها، داعيةً حكومة بلادها بالرد على الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بحق أبناءهم، وعدم التساهل في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية، التي كانت تعلم بالقافلة الدولية، وبخط رحلتها، وبالمواد التي تحملها، وبالجنسيات التي ينتمي إليها ركابها.

الأتراك لن ينسوا فجر يوم الحادي والثلاثين من مايو / آيار 2010، ففيه سقط أبناؤهم شهداء، وقتلوا غرباء بعيداً عن وطنهم، ونالت منهم إسرائيل في عرض البحر غيلةً وغدراً، وهم الذين خرجوا من بيوتهم وبلداتهم أمام وسائل الإعلام، وقد خرجت جموعٌ شعبية عارمة لتودعهم، ولتتضامن معهم في مهمتهم، وهم لم يخفوا أهدافهم، ولم ينكروا وجهتهم، وقد أكدوا للجميع أن حملتهم سلميةٌ مدنية، وليس لها غاياتٌ أمنية أو عسكرية، وأن سفنهم خالية من أي سلاح، وليس فيها ما يتعارض مع القانون الدولي.

ولن ينسى الأتراك أنهم في هذا اليوم قد توحدوا مع غريمهم، والتقوا مع عدوهم، وتوحدت جهودهم مع اليونان، وامتزجت الدماء التركية بالدماء اليونانية، فقد التقوا من أجل قضيةٍ واحدة، واتفقوا على نسيان خلافاتهم نصرةً لفلسطين وقطاع غزة المظلوم، وقد أنستهم معاناة سكان قطاع غزة خلافاتهم وتناقض مصالحهم، وقد يكون لهذا اليوم أثرٌ في إعادة صياغة العلاقات التركية اليونانية، لتكون أفضل مما كانت، وليكون لما حدث في هذا اليوم دورٌ كبير في حل المشاكل القائمة، وحل الخلافات المستعصية بين البلدين، خاصةً بعد أن أبدى القبطان اليوناني بطولةً في التحدي والمواجهة عز نظيرها، وقد أصيب بجراحٍ بليغة، ونزفت دماؤه بغزارة.

تركيا اليوم جريحة وتئن ولكنها كما الأسد الجريح، تئن ولكنها تزأر، تربض ولكنها تتهيأ للوثوب، تتوجع ولكنها تتوعد، تبكي ولكنها تتصلب، تنحني أمام الشهادة ولكنها تتعاظم أمام المهمة، وتقف أمام هول ما حدث بخشوع ولكن بكل الإباء والشموخ، لا أحد في تركيا يقول أننا سنتوقف من نصرة غزة الجريحة، وسنتوقف عن العمل على كسر الحصار عن قطاع غزة، بل يقولون أن الدم النازف سيكون وقودنا نحو سفنٍ للحرية جديدة، وستكون قوافل جديدة، وسفن للحرية أخرى، ومتضامنون دوليون، ومناضلون ثوريون أكثر، ومن جنسياتٍ دولية أكثر، ولن توقف الجريمة الإسرائيلية الضمير الإنساني عن القيام بواجبه، مهما كان الثمن غالياً، ومهما كان حجم الدماء المسفوحة، فدماء البحر المتوسط ستكون هي الطريق المعبدة بدماء الأحرار، المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية، ومظلومية قطاع غزة، وستحمل أمواج المتوسط مناضلين آخرين، من تركيا ومن كل الدول الأوروبية، وسيحملون مشاعل الحرية، وسيواجهون البندقية الإسرائيلية، وسيكسرون الحصار المفروض على قطاع غزة، ولن تتمكن إسرائيل، بما تمتلك من قوةٍ وبطش، من قهر الإرداة الدولية، والتصميم الشعبي العالمي.

لن تكون هذه القافلة الدولية هي القافلة الأخيرة، بل هي القافلة الأولى نحو الحرية وكسر الحصار، وغداً ستتشكل قوافلٌ جديدة، وسفن للحرية أخرى، وسترفرف فوقها أعلامٌ دولية، أوروبية وعربية، إسلامية ومسيحية، اشتراكيون وليبراليون، وسيكون هناك رجال ونساء، يضحون بحياتهم من أجل العدالة الدولية، وسيتصدون بصدورهم العارية للبندقية الإسرائيلية، وآلة القتل البشعة، ولن ترعبهم الهمجية الإسرائيلية، بل ستدفعهم الممارسات الإسرائيلية نحو مزيدٍ من المواجهة والتحدي، لفضح السياسات الإسرائيلية، وكشف زور المواقف الإسرائيلية، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الحقيقية لمواجهة الصلف الإسرائيلي، وسينتصر المتضامنون الدوليون، وستفرح غزة بالانتصار، وسنتعم بالحرية، ولن تتمكن إسرائيل من إسكات الأصوات العالمية الآخذة في التصاعد والتعالي، ومازالت تركيا تموج كما البحر الهادر.

ــــــــــ

* كاتبٌ وباحث فلسطيني- استانبول

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ