-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 13/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بسم الله الرحمن الرحيم

الإسلام السياسي... والعمل السرّي... والإرهاب

بقلم: محمد عادل فارس

المصطلحات المذكورة وأمثالها تروج على الألسنة في هذه المرحلة، ربّما أكثر من رواجها في أي مرحلة سلفت.

ولا يصعب على الإنسان العادي، بله المختص، أن يفرّق بينها، فهي مفترقة فعلاً. فمثلاً ليس كلّ من دعا إلى الإسلام السياسي مارس الإرهاب، كما أن الإرهاب ليس مقصوراً على أصحاب الإسلام السياسي، بل ليس مقصوراً على المسلمين أصلاً.. وقُل مثل ذلك عن علاقة العمل السرّي بالإسلام السياسي.

وهذا كله إذا اتفقنا على مفهوم الإسلام السياسي وشرعيّته، وحدود العمل السريّ ومشروعيّته كذلك، فضلاً عن تعريف الإرهاب، والخلط بين الإرهاب الذي يمكن تحريمه أو تجريمه، وبين الحقّ في مقاومة الظّلم والقهر والاحتلال...

وليس من شأن مقالٍ كهذا، أن يسُلّ الخيوط المتداخلة المعقّدة داخل كل مصطلح من هذه المصطلحات، أو بين امتزاج حقيقي أو متوهَّم بين مصطلح وآخر. إنّما يُمكن فقط تسليط إضاءات على الموضوع، ليكون ذلك خطوة على طريق تجليته ومعرفة جذوره، وفرز المشروع منه، من غير المشروع.

"الإسلام السياسي" مصطلح حديث يُطلق عادة على الاتجاه الذي يدعو إلى أن يحكم الإسلام الحياة في جوانبها كافة، السياسي منها والاجتماعي والقضائي والتربوي... وليس هناك إنسان بعينه أو حزبٌ يمكن أن يكون ممثلاً شرعياً وحيداً لأصحاب هذا الاتجاه، حتى نعُدّ كلامه فيصلاً في تفسير الكلمة أو تفصيل مناهجها. فمثلاً: هل يقبل أصحاب هذا الاتجاه بالعمل من ضمن أنظمة حكم علمانيّة، إذا كان هذا العمل يُعينهم على التقدّم في طريق أسلمة المجتمع والنظام؟ وهل يُقرّون استخدام القوة في الوصول إلى أهدافهم؟ وهل يقبلون بتداول السلطة مع أحزاب علمانيّة؟ وهل يقتصرون على العمل العلني في جميع الظروف، أم أنهم يمكن أن يلجؤوا إلى العمل السري إذا اضطروا لذلك؟!

لا نحسب أن هناك إجابات متّفقاً عليها لهذه الأسئلة وأمثالها، ولكنّ الإسلام، في نصوصه المقدّسة، وفي اجتهادات علمائه، قد أكّد أن الحاكميّة وحق التشريع لله، وجاء بتشريعات كليّة وجزئيّة تتناول حياة الإنسان في النطاق الفردي والنطاق الأسري، وعلى مستوى الدولة والأمة والعالم، وفي مجالات الحياة كافة. وإذا كان الأمر كذلك فليس هناك إسلام سياسي، وإسلام غير سياسي، إنما هناك أناس تبنّوا الإسلام بكل ما فيه، وعُرفوا بأصحاب الإسلام السياسي! وآخرون اقتصروا من الإسلام على الجوانب التي تُزيل الاحتكاك بينهم وبين السلطات الحاكمة.

فكلما دسَّت هذه السلطات أنفها في قضيّة – وما أكثر ما تفعل – سَحَبَ هؤلاء أيديهم عن هذه القضية وتركوها للسلطات تفعل ما تشاء، ولو كان الذي تفعله هو إفساد تربية الأجيال، ونشر الفجور، والتضييق على المتديّنين لحجبهم عن الوظائف العامة، وإضاعة الأرض جزءاً جزءاً، و"المحافظة" على شَرذمة الأمة، والتخلّي عن نُصرة قضايا المسلمين في كل مكان...

أصحاب الإسلام السياسي يتطلعون إلى أن يسود الإسلام في المجتمع، ويحكم كل قضاياه... لكنهم يختلفون في الوسائل المشروعة والناجعة، للوصول إلى ما يُريدون. أما الآخرون من المسلمين فهم أصحاب الإسلام العلماني، ارتضَوا هذه التسمية أو رفضوها، وقد أسقطوا من اهتمامهم إقامة الحكم بالإسلام، ورضُوا من أحكام الإسلام بما تسمح به السلطات الحاكمة!.

فهل يُمنع صاحب أي اتجاه: اشتراكي أو ليبرالي، وطني أو قومي، ملكي أو جمهوري أو رئاسي... من أن يدعو إلى فكرته، ويشكّل لها حزباً، وينشر كتباً وصحفاً ومجلات... إلا أصحاب الإسلام "السياسي"؟!.

والعمل السرّي ليس شهوة عند أصحابه، إسلاميين كانوا، أو ماسونيين، أو قوميين. وقد شهد التاريخ القديم والحديث والمعاصر تنظيمات سرية ينتمي أصحابها إلى مختلف المشارب، ويجمع بينهم أنهم يَلْقَون تضييقاً أو سحقاً... فيختارون أسلوباً سريّاً يُربّون فيه أنصارهم على معتقداتهم، ويكسبون أنصاراً جُدُداً عن طريق الاتصال الفردي... وفي خلاياهم ودوائرهم المغلقة قد تنشأ أفكار خطيرة لا تنسجم مع الأفكار الشائعة في المجتمع، أو لا يرضى عنها أولو السلطان.

وهنا يطرح السؤال نفسَه: من المسؤول عن نشأة المنظّمات السرية ونموّها؟ لماذا لا يُتيح أولو الأمر للأفراد المخالفين حق طرح آرائهم ومناقشتها تحت الشمس؟!

قد يقال: إن بعض ما يُطرح يكون مدمّراً للأمة، ولا يجوز السماح به، وإنّ الذين يمارسونه سرّاً، ويجمعون حوله الأتباع، مجرمون مرتين. مرةً لأنهم تبنَّوا القيم الهدّامة، ومرّةً لأنهم توسّلوا إلى نصرة قيمهم بالتنظيم السري!.

وهذا الذي يقال يحتاج إلى ضابط. فليس كلّ ما خالف هوى الحاكم كان مدمّراً للأمة. إنما المدمّر ما خالف القيم العليا التي ترتضيها الأمة فعلاً. ولو أن الحاكم اقتصر على قمع من يُخالف القيم العليا للأمة، فإن الذين يمكن أن يتجمعوا سرّاً لنصرة القيم الفاسدة يكونون من المرذولين الساقطين في نظر الأمّة، ولن يلقَوا من يناصرهم. أما إذا كان أصحاب التنظيمات السرية من ذوي الخلق والاستقامة والنظافة، فالخلل يكمن في وجود القمع الذي يؤدّي إلى عزل هؤلاء الأفاضل، وحشرهم في زوايا ضيقة لا يجدون فيها بدّاً من الأسلوب السري!.

 

وأخيراً: الإرهاب

وتدخل هنا مشكلة تعريف الإرهاب، وحيث إنه لا يوجد تعريف متفق عليه عالمياً، وحيث إنّه لا يجوز اعتبار أي استخدام للقوة إرهاباً. فإننا نقترح للإرهاب (المرفوض) تعريفاً نبني عليه مناقشة الفكرة.

الإرهاب هو استخدام القوة، أو التهديد باستخدامها، لتحقيق أهداف غير مشروعة، أو لتحقيق أهداف مشروعة يُمكن الوصول إليها بطريقة سلمية.

وعليه، فإن الذي يقاوم من احتلَّ أرضه، أو انتهك مقدّساته، أو اعتدى على دينه أو عرضه أو ماله... لا يُعدُّ إرهابياً إذا أُغلقت أمامه أبواب التغيير بالطرق السلميّة.

فحين يجد أصحاب أي اتجاه سياسي، من إسلاميين وغير إسلاميين، أنهم يُحارَبون في فكرهم وسُبُل عيشهم، ويُحرمون من وسائل التعبير عن الرأي، ويُمنعون من تشكيل حزب وإصدار صحيفة، ويتعرّضون للسجن والتعذيب، وربّما الإعدام، وتُطبَّق عليهم "قوانين الطوارئ" مدة أشهر وسنين! وقد يَلْقَون الأذى بسبب أمور تدخل في الحقوق الشخصية (كأن تلبس المرأة الحجاب)، ويُحال بينهم وبين دخول الجيش وكثير من الوظائف العامة، وإذا جرت انتخابات في البلاد فهم محرومون من الترشيح فيها، أو معرّضون للإبعاد والتهميش، نتيجة تزوير الانتخابات، أو تعرُّض الانتخابات كلها للإلغاء إذا أدّت إلى وصولهم...

عندما يحصل هذا، أو معظمه، يجد أصحاب هذا الفكر أنفسَهم أمام خيارين صعبين: إما أن يستسلموا للأمر الواقع، فيُنْفَوا من الحياة، ويُمنَعوا من الحق الذي يمارسه أبناء الوطن الآخرون، ويتعرّضوا للمحنة بعد المحنة... وإما أن يقاوموا فيُقال عنهم: إرهابيّون!.

وليس صعباً أن نجد أناساً وصلوا إلى مثل هذه النتيجة، منهم من ينتمي إلى الإسلاميين، ومنهم من أتباع ديانات أخرى، ومنهم علمانيّون...

وأخيراً نؤكد أن لا ارتباط بين الإسلام السياسي، والعمل السري والإرهاب، ونأتي على ذلك بأمثلة واقعية:

جماعة الإخوان المسلمين في مصر، تتبنّى الإسلام السياسي، وترفض استخدام القوة، وتعمل عملاً شبه علني (أو هو عمل علني تُمانعه الدولة ولا تعترف بمشروعيته).

والإخوان المسلمون في الأردن كذلك يتبنّون الإسلام السياسي، ويعملون بشكل علني، ويرفضون استخدام القوة.

وإخوان سورية من أصحاب الإسلام السياسي كذلك، قد مرّوا بمراحل علنية، ثم لجؤوا إلى العمل السري عندما مُنِعوا من العمل العلني، ولجؤوا إلى استخدام القوة في فترة محدّدة عندما أُغلقت عليهم الأبواب وصاروا في موقع الدفاع عن أنفسهم، ثم عادوا إلى العمل السياسي بعيداً عن استخدام القوة.

وحزب التحرير في بلاد كثيرة، يتبنّى العمل السياسي الإسلامي، وتنظيمه سريّ، ولم يقبل باستخدام القوة...

وأربكان في تركية، عمل في العلن، ولم يستخدم القوة.

ومع هذا يتعرّض الإسلاميّون في معظم البلدان إلى القهر والإبعاد والاضطهاد، فيضطرون إلى العمل السري أحياناً، وقد يضطرون إلى المقاومة فيُتّهمون بالإرهاب.

================================

أسطول الحرية.. ما بعد الجريمة

أبعاد جديدة.. فلسطينيا وإقليميا ودوليا

نبيل شبيب

كل حدث كبير يصنع تغييرا في مجرى تاريخ قضية من القضايا أو أكثر، وتظهر معالم التغيير مباشرة أو تدريجيا، إنما لا يتحقق التغيير تلقائيا، بل نتيجة تدافع جهود من يتشبّث بما يراه في مصلحته من الأوضاع وموازين القوى، وجهود من يوظّف حصيلة الحدث لتغيير تلك الأوضاع والموازين بما يحقق مصالحه. وفي جريمة العدوان العسكري المقصود، نوعية وحجما، على أسطول الحرية المدنيّ، في عرض المياه الدولية البحرية، نسبة عالية من أبعاد التغيير الممكن، التي تتحدّى الجانبين:

- الجانب الصهيوني الإسرائيلي، ومن يحالفه دوليا، ويتواطؤ معه أو يخضع له إقليميا، لاستعادة إمكانات متابعة المضيّ في اتجاه تصفية قضية فلسطين على النحو الذي عمل من أجله أو شارك في العمل من أجله حتى الآن..

- والجانب الذي يسعى للخروج بالقضية من مسار النكبات على طريق المقاومة باتجاه التحرير، وهو الجانب الذي لم يعد يشكّل "جبهة" ثابتة المعالم، بل يمثل دوائر تبدأ بدائرة الثابتين على طريق المقاومة الفلسطينية المباشرة، فدائرة الثابتين على المساندة الشعبية عربيا وإسلاميا، فدائرة القوى العربية الرسمية الرافضة للمشاركة المباشرة في التصفية- وتوصف بقوى "الممانعة"، وهي تسمية سلبية توحي بقابلية الانخراط لاحقا في طريق التصفية- ثم دائرة القوى الإسلامية الرسمية الإقليمية التي تتلاقى مصالحها أو بدأت تتلاقى مع توجّهات الحيلولة دون تصفية القضية، ثم دائرة المتعاطفين والمتضامنين شعبيا على المستوى العالمي التي اتسع نطاقها مع ملاحظة أنّ التعاطف والمساندة يتركزان حتى الآن على جانب من جوانب قضية فلسطين وليس على هدف التحرير الشامل.

لن يتخلّى الجانب الأول عن جهوده المعادية بمختلف أشكالها على الإطلاق، وجلّ ما يُنتظر هنا هو اضطراره إلى التراجع جزئيا، ولا يتراجع إلاّ تحت ضغوط ما يصنعه الجانب الآخر، ويقتصر التراجع على بعض المواقع، جنبا إلى جنب مع مضاعفة جهوده لاستعادتها وتثبيتها.

لا يراد بهذه الرؤية مجرّد "التنظير" لوصف الواقع الراهن بعد الجريمة الإسرائيلية البحرية، إنّما المقصود توجيه الجهود توجيها واعيا، صادرا عن نظرة شاملة، ليمكن تحديد الهدف المرحلي على ضوء ما يخدم الاقتراب من تحقيق الهدف البعيد.

 

كسر الحصار

بقدر ما يؤكّد الناشطون المتضامنون من وراء حملاتهم أنها تستهدف "كسر الحصار" بقدر ما يسعى العدو ومن يسانده إلى أمرين:

- تصوير العمل على كسر الحصار "جريمة" وتصوير التصدي لذلك "حق دفاعيا إسرائيليا".. وهذا ما يقول به الطرف الإسرائيلي مباشرة ويعزّزه الطرف الأمريكي بأسلوب المناورة، ويصبّ في اتجاهه كل حديث عن إدانة "الاستخدام المفرط للقوّة" للإيحاء بأن استخدامها مشروع!..

- امتصاص الغليان الشعبي على مستوى الرأي العام العربي والإسلامي والدولي من خلال أطروحات توظّف حصيلة إنجازات المتضامنين لاتخاذ إجراءات قابلة للتمييع، مثل المطالبة بتحقيق دولي فيما لا يتطلب تحقيقا، بل يستهدف تمييع النتائج وتجنّب اتخاذ إجراءات مباشرة يفرضها، ويتضح المقصود بذلك عند الإشارة إلى سرعة صدور القرارات واتخاذ الإجراءات المضادة عند وقوع أحداث أخرى عديدة دون الكلام عن ضرورة "تحقيق دولي" أو غير دولي فيها، حتى في حالة عدم انطواء تلك الأحداث على أي "مخالفة" شكلية أو فعلية للقانون الدولي مثلا، كنتائج انتخابات تحت المراقبة الدولية أسفرت عن وصول "حماس" للسلطة في فلسطين.. ومن الإجراءات التي تستهدف التمييع أو تفضي إليه -على افتراض حسن النوايا- المطالبة الرسمية العربية الموجّهة إلى الرباعية أو مجلس الأمن الدولي أو المجتمع الدولي أو أي جهة أخرى من أجل "كسر الحصار"، فرغم أنّ معظم تلك الأطراف الدولية يطالب حاليا بكسر الحصار، إلا أنّه لم توجد فرصة مواتية سابقة أكبر من الفرصة الحالية للتحرّك الرسمي العربي بكسر الحصار فعلا لا "مناشدة ومطالبة"، فكل مناشدة ومطالبة تعني "التهرّب" من إجراءاتٍ مباشرة ممكنة، ويمكن أن توصل إلى تمييع مضمونها كما جرى مع سواها، أي بعد أن تؤدّي مفعولها المطلوب رسميا، وهو امتصاص الغضب الشعبي على مستوى الرأي العام المحلي والدولي.

 

السلام.. والمقاومة

كسر الحصار هدف مرحلي فقط، ولا ينبغي تحويله -على افتراض تنفيذه الآن- إلى هدف نهائي، فقضية فلسطين قضية اغتصاب وتحرير، وليست قضية "معاناة" فقط!..

إنهاء الاغتصاب.. وليس إنهاء الحصار فقط، هو ما تفرضه المشروعية التاريخية والقانونية الدولية في قضية فلسطين، وكل خطوة في اتجاه كسر الحصار، شعبية أو رسمية، يكون ثمنها التراجع أو التخلي، الجزئي أو الكلي، عن هدف إنهاء الاغتصاب، هي خطوة أخطر بمضمونها ونتائجها من استمرار "الحصار"، وهذا ما يفرض اعتبار كسر الحصار -كهدف مرحلي- وسيلة باتجاه الهدف الأكبر والأشمل والأبعد، فلا يقبل المساومة عليه.

وممّا يعنيه ذلك على سبيل المثال دون الحصر أنّ "التلويح" بسحب ما يُسمّى مبادرة السلام العربية ليس مجرّد وسيلة لممارسة ضغوط دولية من أجل "كسر الحصار"، فوجود المبادرة يتناقض من الأصل مع هدف إنهاء الاغتصاب، وليس مع هدف "كسر الحصار" فحسب.. وسحبها واجب من أجل الرجوع إلى طريق العمل على إنهاء الاغتصاب، ولا تتمثل البداية لذلك في كسر الحصار -وهو واجب بحدّ ذاته- بل تتمثل في تبنّي المقاومة، رسميا، ودعمها شعبيا ورسميا، واعتبارها طريقا لا غنى عنه في المرحلة الراهنة من العجز الرسمي أو الضعف الرسمي في المنطقة العربية والإسلامية، هذا مع التأكيد في الوقت نفسه، أنّ تبنّيها ودعمها لا يغنيان إطلاقا عن وضع "خيار استراتيجي" على أنقاض ما سمّي "خيار السلام الاستراتيجي"، وفي مقدمة بنوده العمل على استعادة أسباب القوة العربية، الشعبية والرسمية، لتحقيق هدف إنهاء الاغتصاب، وتوسيع ذلك عبر اسباب القوة الإقليمية أيضا.

 

العمل المحليّ.. والتضامن العالمي

لا بدّ من التمييز بين ما تفرض قضية فلسطين صنعه على المستوى الإقليمي، العربي والإسلامي، وما تفرض صنعه لتصعيد درجة التضامن العالمي وبالتالي زيادة الضغوط على السياسات الرسمية الدولية المنحازة للباطل الصهيوني على حساب الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في فلسطين.

التضامن العالمي تضامن صادر عن أسباب عديدة، في مقدمتها العامل الإنساني، ويمكن ببذل ما يجب بذله من الجهود الذاتية، الفلسطينية والعربية والإسلامية، أن يزيد الوعي العالمي -فيرفع مستوى التضامن العالمي- من منطلق مشروعية الحقّ الفلسطيني والعربي والإسلامي في فلسطين، بموجب التاريخ والقانون الدولي، والمتطلبات الحقيقية للسلام والأمن الدوليين.

أما على المستوى العربي والإسلامي فقضية فلسطين قضية محورية مركزية مصيرية، قضية العرب والمسلمين جميعا، وليست قضية "تضامن" مع طرف فلسطيني "آخر".

كل تقصير في العمل للقضية ينطوي على مخاطر كبرى على العرب والمسلمين شعوبا وحكومات، وعلى قضاياهم المختلفة في جميع ميادين التقدّم والتحرّر والوحدة والقوّة والعزّة، وليس على مخاطر تلحق بفلسطين وشعب فلسطين فقط.

وكل عمل أو إنجاز يتحقق يخدم مصالح العرب والمسلمين جميعا ويخدم قضاياهم المختلفة، ولا يخدم مصلحة فلسطين وشعب فلسطين فقط.

إن التركيز الكبير على الجريمة الإسرائيلية البحرية الأخيرة، أو التركيز الكبير على حصار غزة، لا يحقّق مفعوله على طريق العمل للقضية المصيرية المشتركة، إلاّ بقدر ما يواكبه من التركيز على أن مواجهة حصيلة الجريمة والعمل من أجل كسر الحصار، هما جزء من العمل المرحلي على خارطة طريق فلسطينية وعربية وإسلامية، لا تؤدّي إلى تحويل فلسطين إلى فسيفساء ما بين أشكال متعددة لإدارة شؤونها البلدية والسكانية، وتحويل شعب فلسطين إلى أهل 48 وأهل 67، ونازحين ومشردين ولاجئين، وعائدين ومستوطنين، ومجنّسين وغير مجنّسين، بل تؤدّي إلى تحرير فلسطين، وعودتها وعودة شعبها إليها، واندماجها في الجسد العربي المشترك والجسد الإسلامي المشترك.

 

معبر رفح.. والمصالحة الواجبة

إن توظيف فتح معبر رفح جزئيا -وحتى فتحه بصورة شاملة دائمة- ليكون أداة تستغلّ معاناة أهل غزة لانتزاع تراجع المقاومة عن مواقعها السياسية، يحوّله من خطوة في الاتجاه الصحيح إلى خطوة في اتجاه مرفوض جملة وتفصيلا، والأخطر من ذلك توظيف فتح المعبر بحيث يعزّز الادّعاءات الإسرائيلية بأن أهل غزة يحصلون على احتياجاتهم "الإنسانية"، فعلاوة على "الكذب" في هذا الادّعاءات، لا ينبغي الانزلاق إلى تصوير قضية فلسطين وكأنّها قضية "احتياجات إنسانية" فقط، وهي قضية اغتصاب وتحرير.

فتح المعبر واجب سياسي وقانوني دولي مثلما هو واجب إنساني، ويخدم مصلحة مصر والعرب والمسلمين مثلما يخدم مصلحة فلسطين وشعب فلسطين، وليس لأداء الواجب "ثمن" سياسي ولا غير سياسي، من جانب المقاومة أو سواها، ولا توجد حجّة واحدة يمكن اعتمادها -وفق معطيات الحق والمصلحة العليا- لإغلاقه، جزئيا ولا كليّا، أو وفق القانون الدولي، بما في ذلك الحجة الرسمية القائلة إن الطرف الإسرائيلي يريد إلحاق قطاع غزة بمصر ووضعه تحت مسؤوليتها ليتخلّى بذلك عما توجبه مواثيق جنيف باعتباره "قوة احتلال".

ليس المهمّ ما يقوله الطرف العدو، بل ما يقوله الطرف المعنيّ بقضية فلسطين المصيرية، العربية والإسلامية، وليس البديل عما "يريده الطرف العدو" هو تحقيق ما يريد من خلال استمرار إغلاق معبر رفح والمشاركة في حصار قطاع غزة، واستمرار القبول بتبعيته للاغتصاب تحت عنوان احتلال، إنما البديل هو الإعلان عن موقف فلسطيني وعربي وإسلامي مقابل، يعطي قطاع غزة موضع جزء محرّر من الأرض الفلسطينية مع ما يعنيه ذلك من الحفاظ على حق المقاومة باستمرار العمل لتحرير الأرض المغتصبة، ومع تحمّل مسؤولية دعمها على هذا الطريق المشروع بمختلف المعايير.

إن الوضع الباطل الناشئ عن اتفاقات كامب ديفيد الباطلة، لا يسوّغ بأي معيار معتبر ترسيخ وضع باطل آخر في غزة أو فلسطين عموما.

وما يسري على صعيد فتح معبر رفح يسري على "المصالحة الفلسطينية"، فالذي يجعل الظروف "مواتية" لتحقيقها الآن أكثر مما مضى، ليس ما صنعته اتفاقات اوسلو، ولا المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، ولا ما تتفتّق عنه عبقرية صياغة مشاريع معادية باسم خارطة طريق أو لجنة رباعية أو دويلة ممسوخة مقيدة، ولا عبقرية صياغة مشاريع عربية تحت عنوان مبادرة سلام أو "خيار سلام استراتيجي"، إنما صنعت تلك الظروف، المقاومة والصمود الشعبي، وما أدّى هذا وذاك إليه من تصعيد مستوى التضامن الشعبي العالمي، وكل خطوة في اتجاه "مصالحة" تنطوي على الاستجابة الجزئية أو الكلية، لصيغة من تلك الصيغ، الصادرة عن أوسلو أو المبادرة العربية أو الأطروحات الدولية، هي خطوة إجهاضٍ لمنجزات المقاومة، ومنجزات التضامن الشعبي العالمي، بما في ذلك ما حمل عنوان حملات كسر الحصار، وما أدّى إلى تقديم التضحيات الجسيمة في مواجهة الجريمة الإسرائيلية البحرية الأخيرة.

كانت المصالحة الفلسطينية واجبة من قبل تلك الجريمة، وتبقى واجبة من بعدها، كانت واجبة على أساس خيار المقاومة، وتبقى واجبة على هذا الأساس، وتركّزت اعتراضات فصائل المقاومة من قبل على صياغات تتناقض مع استمرارية خيار المقاومة وإجهاض منجزاتها، ولا يمكن أن تكون هذه الاعتراضات موضع مساومة "الآن" ولا من قبل أو من بعد، بل يتناقض ذلك مباشرة مع حقيقة أن المقاومة حققت مزيدا من الإنجاز عبر التضامن الشعبي العالمي معها، بل بدأت تلك المنجزات وما يقترن بها من تضحيات جسيمة ومعاناة أليمة، تؤثّر حتى على المواقف الرسمية، الإقليمية والدولية.

 

تركيا.. وإيران.. وفلسطين

لا يزال الموقف الرسمي العربي من التحوّل الكبير في تركيا على صعيد قضية فلسطين مقتصرا -على وجه الإجمال- على حدود "الضرورة" التي يفرضها هذا التحدّي وتأثيره على "الرأي العام" العربي، ولم ينتقل حتى الآن إلى مستوى تنسيق الجهود وتكاملها وترسيخ أركان رؤية إقليمية مشتركة، يكون لقضية فلسطين ومستقبلها مكانة متقدمة فيها.

ولا يزال الموقف الرسمي العربي من الموقف القديم المستمر في إيران على صعيد قضية فلسطين، هو على وجه الإجمال- موقف الرفض لأسباب لا علاقة لها بقضية فلسطين، بل بمراعاة ما تريده القوى الدولية المعادية في قضية فلسطين، بغض النظر عما "نُشر" على صعيد الرأي العام من بذور الفتن الطائفية، ولا يزال تصعيد "المواجهة" في الموقف الرسمي العربي مستمرا، فلم يتحوّل إلى مستوى البحث عن العناصر المشتركة للتلاقي عليها، وتحديد العناصر المتناقضة لتخفيف التناقض على صعيدها.

ولئن وجدت حجج رسمية على هذا الصعيد أو ذاك، فمعظمها حجج ترتبط بما يوصف بأحقية الزعامة الإقليمية حينا، وصراع "نفوذ" حينا آخر.. ولا تصدر عن رؤية المصلحة العليا المشتركة إقليميا وعلى خارطة المعطيات الدولية المتطوّرة.

ولا مجال هنا لتأكيد سلامة تلك الحجج أو تفنيدها، إنما تفرض قضية فلسطين المصيرية، العربية والإسلامية، تعاملا رسميا وشعبيا آخر على أرض الواقع.

لا يمكن إلغاء حق أي طرف من الأطراف الإقليمية في التحرك وفق منظوره لمصالحه الذاتية، إنما لا يحق لأي طرف أيضا أن يمارس سياسات المحاور والعداءات الإقليمية، على حساب منظور قضية فلسطين، بل توجب القضية والعمل لها، أن يبذل جميع الأطراف جهودا حقيقية، لحلّ النزاعات وتجنّب تأجيجها، أو تجاوزها بتجميد مفعولها، لصالح تثبيت معالم نظام إقليمي شامل، تتنامى فيه المصالح المشتركة تدريجيا، ليكون لها من القوة الذاتية ما يساهم في حلّ النزاعات في مرحلة تالية.

لا يمكن عبر الطريق المعاكس المتبع حاليا تجاه إيران، أن يؤدّي إلى إزالة المخاطر الحقيقية أو المزعومة، الكبيرة أو الصغيرة، المرتبطة بتقويم السياسات والممارسات الإيرانية، بل سيؤدّي الاستمرار على سلوكه، إلى زيادة تلك المخاطر، بما يعود بالضرر على جميع الأطراف وليس على طرف واحد، كما يعود بالضرر الأكبر على قضية فلسطين المصيرية المشتركة.

ولا يمكن الاكتفاء بحدّ "الضرورة" من التجاوب مع المتغيّرات الكبيرة في السياسات الخارجية التركية، الإقليمية والدولية، فهي مع تحقيقها للمصالح التركية الذاتية، تحقق مصالح إقليمية مشتركة كبرى، ومن شأن الاقتصار على "تجاوب محدود" أن يساهم في خسارات ذاتية كبيرة بدلا من تحقيق مكاسب إقليمية كبيرة عبر ما تحققه الجهود التركية "المنفردة" نسبيا حتى الآن.

إن المنطقة بمجموعها في حاجة إلى نظام إقليمي مشترك، يعزّز مواقع جميع الأطراف، ويوجد أسباب القوة المحلية الضرورية للتعامل مع التطورات الجارية على الخارطة السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية عالميا.

ولا يتحقق النظام الإقليمي عبر "التردّد" بل عبر المبادرات الإيجابية، ولا يتحقق عبر تقديم نقاط الاختلاف على نقاط الالتقاء، بل عن طريق البناء على التلاقي، مع تحييد مفعول الاختلافات في إطار رؤية مستقبلية أوسع وأشمل وأبعد مدى، من شأنها أن توجد للاختلافات حلولا مستقبلية.

لقد بذل شعب فلسطين مباشرة ومن خلال فصائل المقاومة الفلسطينية، مثلما بذل شعب العراق مباشرة ومن خلال فصائل المقاومة العراقية.. وبذل سواهما أيضا، ما يكاد يرقى إلى مستوى المعجزات بموازين القوى ومفعولها في عالمنا المعاصر، وتنامى تأثير ذلك على المستويات الشعبية محليا ودوليا إلى حد كبير، وهو ما سيزداد مفعوله يوما بعد يوم، ولا خيار أمام القوى المترددة، الرسمية وغير الرسمية، إلا اللحاق بهذه المنجزات، أو الزوال آجلا أو عاجلا، فتكون هي الخاسرة، ولن تكون الشعوب، ولن تكون قضية فلسطين، ولا سواها من قضايا الحق والعدالة هي الخاسرة في نهاية المطاف.

==========================

الجوهرة .. والستارة ؟

بسام الهلسه

alhalaseh@gmail.com

   "الحقيقة جوهرة ثمينة.. الكل يبحث عنها.. ولذا يجب حراستها بستارة من الأكاذيب" جملة قالها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق وثعلب السياسة العجوز "ونستون تشرشل"، في لحظة اعتراف نادرة في عالم السياسة وخصوصاً: السياسة الاستعمارية والإمبريالية.

   ففي هذا العالم، الحقيقة هي آخر ما يخطر بالبال، إلا إذا توافقت مع المصلحة، وما المبادئ والمثل المُعلنة سوى شعارات ويافطات لتضليل وخداع عامة الشعب في البلد المعني، وللتمويه على المنافسين، ولخلق الذرائع بالنسبة لجمهور البلدان المستهدفة بالغزو والاستعمار والاستغلال.

   وما علينا سوى القيام بعملية استرجاع سريعة لشعارات ودعاوى: "الحرية، الاخاء، المساواة" التي أعلنتها الثورة الفرنسية، وشعار "حق تقرير المصير للشعوب" الذي رفعته أميركا في الحرب العالمية الأولى والمشهور بمبادئ "ولسون"، ومزاعم "نشر التمدن والحضارة" في القرن التاسع عشر، التي ألهمت السياسة البريطانية فاحتلت "خُمس الأرض" لتحقيق هذا الغرض (النبيل) في حروب متصلة، نذكر منها –للتدليل على سمو الأهداف!- إهلاك ثمانين مليون هندي إكراماً لصناعة النسيج في "يورك شاير", وإرضاءً لأذواق "الليدز" الإنجليزيات التواقات للجواهر والتوابل الهندية!، وشنها "حرب الأفيون" على الصين –التي حظرت الاتجار به- بدعوى "حرية التجارة" المقدسة!

   ومن باب الرفق بالشعوب –أُسوة بالحيوانات- بسطت على العديد منها (وشاركتها دول استعمارية أخرى هذا الشرف!) "الحماية" و"الانتداب والوصاية" لتُمكنها من نيل "الرُّقي" اللازم لإدارة شؤونها!

   وتأكيداً على حرصها على (الترقي) جزأت الأقاليم والشعوب إلى قطع صغيرة لتجعل منها دولاً "مهضومة"!

وبعد "الحرب العالمية الثانية" طلعت "الولايات المتحدة" باكتشاف لا يقل أهمية عن اكتشاف "كولومبس" ل"العالم الجديد"، فاعلنت تفضلها بنشر الحرية في العالم! ودَفَعَ ملايين الملايين من البشر ثمن هذا الفضل والكرم الأميركي السابغ الذي نالت كوريا وفيتنام النصيب الأوفى منه.

   ومع انهيار عدوها اللدود "الاتحاد السوفيتي" ودول "المنظومة الاشتراكية", تفتَّحت شهيتها القديمة للحرية، الموروثة من أيام إبادة السكان الأصليين في أميركا, ونهب ثروات وشباب إفريقيا (لغرض تحضيرهم باستخدامهم كعبيد!).

   ومع تفتُّح الشهية، تجدد الشباب الاستعماري الذي كان قسم مهم من أكاديميي وباحثي ومثقفي الغرب قد أعلن نهايته وبدء عهد جديد سموه "ما بعد الاستعمار" جرياً على العادة الغربية البلهاء في حصر العالم في ثنائية ال"ما قبل" و "ما بعد".

   وكان من حظنا نحن العرب الذين لم تصدِّق أغلبيتنا يوماً أن الاستعمار قد انتهى, أن يُجدّد شبابه فينا وعلينا! فدمر العراق واحتلها، ليجعل منا بوابة لاعلانه المدوي الكارثي عن "النظام الدولي الجديد"، مصحوبا بشقيقاته الرائعات: "إقامة نموذج ديمقراطي يحتذى في المنطقة" و "خلق شرق أوسط جديد" و "حقوق الإنسان" و "عصر العولمة السعيدة" التي جعلت من العالم "قرية واحدة" تمتلكها حفنة شركات.

   ولأن "السادة محبي الخير للبشرية" –كما يصفهم المفكر "نوعام تشومسكي"- لم ينسوا تاريخ آبائهم( الرحيم)، فقد قضوا على ملايين العراقيين بالحرب والحصار والاحتلال والتشريد.

   وهي (مكرمة) شملوا بها "افغانستان" أيضاً. ولسبب يتعلق بانشغالهم –وبالأصح مأزقهم في العراق وافغانستان- كلفوا اثيوبيا كمقاول من الباطن بغزو الصومال، وتكفَّلت الربيبة الحبيبة "إسرائيل" بتجريب أسلحتهم في فلسطين ولبنان.

   لكن "النظام الدولي الجديد" لصاحبته الحصرية: الولايات المتحدة الأميركية, والذي يُدلله مُريدوها ومرتزقتها في العالم فيطلقون عليه اسم "دلع" هو "المجتمع الدولي"، لا يعمل بذراعه العسكرية فقط، فله أذرع أخرى كثيرة كالأخطبوط منها: مجلس الأمن الدولي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي "للإنشاء والتعمير" والسي آي إيه وشبكاتها وشركائها، وإل: إن. جي، أوز (NGOs) –المنظمات غير الحكومية- التي تمولها مؤسسات أميركية وغربية مشبوهة لتقوم بوظائف شتى في البلدان المستهدفة.

 وهي للحق وظائف فاقت كل ما عرف عن الأدوات الاستعمارية القديمة -كالمبشرين والمستشرقين- التي انتهت صلاحيتها للاستعمال وانفضحت.

   فإلى جانب المهام الاستخبارية المعتادة، تقوم هذه المنظمات بدور "حصان طروادة" داخل مجتمعاتها، وبدور "الطابور الخامس" في أوقات الصراع. وفي حال حسنت النوايا تتصرف كالذي قال عنه الشاعر:

(( يجبُ الذي يجبُ

يدعو ل "أندلسٍ"

إن حوصرت "حلبُ"!؟ ))

   هذه الأذرع، وغيرها من الأدوات والاعوان والحلفاء العاملين جهراً وفي الخفاء، تقوم معاً، وكلاً على حدة، بدورها في إحكام السيطرة الأميركية على العالم. ولتحقيق هذه الغاية –المعلومة المكتومة- فإنها تستعين بفكرة "تشرشل"

 الهادية التي إفتتحنا بها هذه المقالة.

* * *

   حينما أتحدث عن كذب وتضليل الساسة- والسياسة- الاستعمارية والإمبريالية عموماً، أرجو أن لا يفكر أحدٌ بأنني أُزكي الساسة العرب –وخصوصاً القادة منهم- وربائبهم من كل الأشكال المنتشرين في الإعلام والتعليم والتعليل والتدَّجيل..

   فمع تخلفهم-اي: الساسة العرب- المشهود في ميادين شتَّى، إلا أنهم يتفوقون على اسيادهم الامبرياليين في هذا المضمار, بالنظر إلى ما توفره لهم أنظمة وآليات القمع السلطوي وإنعدام الحريات ومؤسسات الرقابة والمُساءلة, والأهم: هيمنتهم على مفاتيح القوة (والحياة أيضاً): السلاح، الثروة، التوظيف، العطاءات، العلاقات، المعرفة، الإعلام، وسائراد وات المنح والمنع.

   وإن كانت مهارات وقدرات القادة الاستعماريين والامبرياليين, في التحايل والكذب والخداع, تتجلى ضد الشعوب والأمم المستضعفة بخاصة، فإن قدرات "جماعتنا" تتركز ضد بعضهم البعض الآخر، وضد شعوبهم بالذات.

   وسجِّلُهم في هذا المجال: الكذب المحترف, ربما يخجل منه ويتبرأ "مسيلمة الكذَّاب" لو بعث من قبره !

* * *

   وإذا جاز لي أن أقدم نصيحة هنا، فإنني أنصح ب"الشك المنهجي" الواعي بأقوالهم وأفعالهم. فلئن كان "بعض الظن إثمٌ", فإن بعضه الآخر ليس كذلك.. بل هو من النوع الذي يقول عنه الشّوام: "سُوء الظن من حُسن الفِطَن"!

* * *

يقول المقطع الأول من المثل العربي:

"الكذبُ ملح الرجال"

أما خاتمته –الواجبُ تذكرها دائماً- فهي:

"وعيب ع اللي يصدِّق"!

========================

جمهورية العراق الجديدة

زاهر الزبيدي

zaherflaih@yahoo.com

في العراق الجديد ، ترى من الذي يضع أساسات العلاقات الدولية ؟ومن يتحكم في تلك السياسات ؟ وكيف تتحول الى إستراتيجية عمل ثابتة الفعالية متوازنة فكرياً يحكمها القانون الدولي وتعصمها المواثيق والاتفاقات الإقليمية من التأثيرات السلبية التي تعكسها الإستراتيجيات المحيطة بها والتي تعتبر أشد تأثيراً وسلبية على واقع العملية السياسية في العراق من الاحتراب الداخلي الذي قد يغدر بوطن مثل العراق.. أنه بحق يجب أن يطلق عليه " دستور العراق الخارجي" والذي يجب أن يكتب بأسلوب يتناسب مع حجم تطلعات شعبه وأتجاهاته التي أن تتماشى ونسق السياسات الدولية الأخرى ويتحكم في تطويعها باتجاه التغيير الذي دبّ سريعاً في عموم مفاصل الدولة العراقية الجديدة .

لقد أفرزت العملية السياسية الجديدة هبوطاً واضحاً في مستوى علاقات العراق الخارجية حيث هب الجميع بصورة رسمية أو غير رسمية الى مناقشة الوضع السياسي ومستوى العلاقات الدولية مع دول الجوار ، وعلى الرغم من أن وضع ستراتيجية العلاقات الدولية ليس من مسؤولية وزارة الخارجية العراق فتلك الوزارة ليست معنية بوضع الدستور آنف الذكر وإنما بمتابعة تطبيقه وتأشير مواطن الخلل بذلك التطبيق لذلك يجب وضع النخب في مجال العلاقات الدولية على أهبة الأستعداد في البرلمان الجديد لوضع ذلك الدستور موضع التنفيذ حتى لو تطلب إجراء التصويت عليه من قبل الشعب مباشرة كما المصادقة على دستور العراق .

لقد حدثت انحرافات أيدلوجية مؤثرة وكبيره في العالم خلال الخمسة عقود الماضية كان العراق بعيداً عنها بسبب الإستراتيجية التي أتبعها خلال تلك العقود والتي لا تتضمن في مجملها إلا أن العراق مظلوم من المجتمع الدولي والمجتمع الدولي بأكمله عدواً للعراق ودُرِّس الخبر حتى تملك من نفوس الشعب ذاته بسبب الأعلام المركز بقنواته المختلفة . دون إيجاد المبرر لتلك العداوة إذا أجزمنا بصدقها !

فالعلاقات الدولية العراقية بمجملها اخذت حيوداً سلبياً بفعل التأثيرات الجانبية للأحتلال الأمريكي وهذا الحيود كان له الأثر البالغ على التفاعلات التي يبغي الوصول اليها بعد أتخاذ العملية السياسية السلمية وسيلة لأقامة دولة عصرية تطغي على ملامحها الحرية والسلام ، كما أن دخول العراقي في حربين شرستين أطاحت بكل أحلام شعبه بمستقبل كريم وقضت على موارده المالية وجعلت شعبه يقف على المحك أمام نظرة العالم الجديدة للعراق والتي وصلت الى مرحلة الخطر الذي يهدد كل مفاصل الحياة في العراق ويؤثر حتى على أخلاقيات العراقي في المهجر ونظرة شعوب العالم اليه .

لقد تغيرت نظرة العالم للعراق في الفترة الأخيرة بفضل التضحيات الكبيرة التي نزفها العراقييون شعباً وحكومة في سبيل عملية التصحيح والتغيير الجذري لمتلازمة العلاقات الدولية التعاونية والصراعيه .. ولإدامة زخم هذه التغيرات علينا أن نجد سبيلاً قوياً يمسح عن وجه العراق تلك العنجهية والعنترية التي رافقت مسيرة ثلاثين ونيف من عمر الدولة العراقية ونرى أنه لا سبيل لأدامة هذا الزخم إلا بوضع دستور العلاقات الخارجية موضع التنفيذ .. دستوراً تتجسد فيه رؤى أبناء العراق وتصورات الدولة العراقية الحديثة ويحدد الملامح السامية لوجه العراق الحديث المسالم الفاعل بجدية في الأوساط الدولية .. الدستور الذي يضمن للعراق حسن العلاقات حتى مع المنظمات الدولية التي قدمت للعراق مساعدات شتى تحت وابل التردي السياسي والأقتصادي الذي رافق عملية التغيير الجذرية في واقعه .

لقد طغى على العلاقات الدولية العراقية النمط الصراعي المستفز مع دول الجوار ومحاولة فرض نفسه بقوة السلاح وأثبات وجوده بعيداً عن التصورات العقلانية .. علينا تغليب مصلحة شعب العراق على كل المصالح الفؤية الضيقة التي يحاول بعض الساسة الآن وفي تلك الضروف أن يميلوا اليها طمعاً في الحصول على أي نسبة من الدعم على طريق الحصول على السلطة .. لقد بدأو بتغليب مصلحة فئآت وتكتلات سياسية على المصلحة العليا للبلد .

نحن الآن أمام مسؤولية جسيمة أقل ما فيها أن نقدم للعالم صورة المواطن العراقي الجديدة التي كان العالم ينظر إليها في سبعينات القرن الماضي وأن نعيد الى تصوارته أن الشعب العراقي شعب محب للسلام تواق للثقافة وعاشقاً لوجه الأنسانية المشرق .

أن الهدف من بناء هذا الدستور هو الوصول الى أقصى درجات الثبات في العلاقات الخارجية العراقية وجعلها بعيدة عن التغييرات السياسية التي قد تطرأ على البلد بفعل تغيير سياسات الحكومات التي تتعاقب على حكمه

وبما أن الدستور العراق المقر في عام 2005 لم يشر الى العلاقات الدولية إلا في المادة (8) منه والتي نصت على أن " يرعى العراق مباديء حسن الجوار ، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية ، ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل ، ويحترم إلتزاماته الدولية " ، فعلينا أن ندخل في صلب تلك المادة وعلى أقل تقدير أن نحدد سياسة العراق الخارجية إزاء مباديء : التعامل بالمثل ، الوسائل السلمية ، مباديء حسن الجوار والمصالح المشتركة . وتلك بمجملها بحاجة الى قوانين دولية تحدد وفق رؤية قد تصبح مصيرية في يوم ما للعراق فليس من الحكمة أن ترى نوايا الدول الخارجية تجاه بلدك ونحن نتحدث عن التعامل بالمثل وتنتهك أرضك ونتحدث عن حسن الجوار ويهدد أقتصادك بالصميم وتتحدث عن المصالح المشتركة .. أنها بحق ستراتيجية الأمن القومي والدولي العراقي وعلينا إختيار الطريق القويم اليها .

==========================

توصية صهيونية بإتمام الانفصال عن غزة بعد "فضيحة" الأسطول

مصطفى إنشاصي

سبق أن افتتحت الكتابة عن ذكرى النكبة بمقالة بعنوان "نكبتنا أكبر في ذكرى نكبتنا"، وقد كنت أنوي كتابة سلسلة مقالات عن النكبة وعن ما بين النكبتين وعن ما بعد النكبتين ...، نتذاكر فيها التغيرات التي حدثت طوال تلك المراحل على نكبتنا التي تكبر وتتعمق يوماً بعد يوم، بسبب تكرار القيادات المتصارعة على الشرعية نفس أخطاء وأسباب النكبات السابقة. ولكن للأسف شغلتنا المشاكل التي نعيشها الفترة الأخيرة بسبب بعض العاهات والعجزة الذين يتم اختيارهم من رام الله على الفرازة لتوظيفهم في السفارات، اختيار الشرط الرئيس فيه أن يكون فاسداً ومفسداً، سمسار ومرتزق، لا انتماء له ولا ضمير لديه، ولائه ليس لوطنه ولا شعبه ولكن لمصلحته فقط، وأن يبنِ سعادته على نكبة وخراب بيوت المشردين الفلسطينيين، لأجل أن ينعموا بكم مائة أو ألف دولار إضافية لأنهم مساكين لا تكفيهم مرتباتهم التي تبلغ كم ألف من الدولارات كل شهر.

هذا ليس موضوع مقالتي ولكن سيأتي الحديث عن مرتزقة السفارة ومفسديها كمثال ونموذج للموظف الذي تريده سلطة رام الله بالتفصيل الملل، في حلقات كثيرة تالية تصعد بنا إلى قمة الهرم القيادي في رام الله، ولن أكتب معلومات أعتمد فيها على السماع من الآخرين، ولكن سأكتب تجربتي المريرة التي عاصرتها وما زلت، وترفعت عن الحديث عنها طوال سنوات من المعاناة والعذاب والتشرد. سأكتب قصص حقيقية حدثت بيني وبين قيادات منها مَنْ أصبح أعضاء لجنة مركزية في حركة فتح الآن، سأكتب بدءً من أيام التنظيم سبعينيات القرن الماضي مروراً بتجربتي في الثورة وقواعدها، والقادة الأشاوس الذين ينطبق عليهم قول القائلة: أسد عليَّ وفي الحروب نعامة في مقالات قادمة، والذي يدفعني للكتابة الآن بعد الترفع عن ذلك سنوات طويلة؛ أن السلطة الفلسطينية المحترمة أرسلت لنا أخيراً مرتزق لا ولاء ولا انتماء منذ بداية عمره، فهو من أول الذين تنكروا لتنظيماتهم وسارعوا إليها بعد عودة السلطة عام 1994 إلى غزة وأريحا، تم تعيينه نائباً للسفير وهو لا يحمل شهادة جامعية حتى الآن! وقد كان من أول المصائب التي حلت بنا بسببه تدمير كل ما وضعه السفير من أسس لعلاقة طيبة مع أشقائنا، وليبنِ عليها لتحسين وضعنا، فقد تم اتخاذ هذا القطر الذي كنا نعيش فيه كأننا في وطننا قرارات لم تخطر بخيالنا يوماً. تم منع تأشيرة زيارة الأقارب من الدرجة الأولى، وبعد أن كان مَنْ ليس له عمل يحصل على إقامة سنوية بورقة من السفارة تم منعها تقريباً، وكذلك الطلبة الذين كانوا ينهون دراستهم ويرغبون في البقاء يسمح لهم، الآن يتم وضع خروج بلا عودة ويرفض تجديد إقامتهم ...إلخ.

فهو لم يكتفِ بالشر الذي سببه حضوره لنا، ولكن من أجل مصالح دنيوية تافهة سآتي على ذكرها في وقته بدأ أصبح شريك مع أشخاص على شاكلته في مؤامرة لتشريد حوالي مائة أسرة فلسطينية من القرية التي يسكنون فيها إلى الشوارع، وقد يتسبب في وقوع الكثيرين منهم لا قدر الله في الجريمة بأنواعها المختلفة السياسية والأخلاقية والاجتماعية ...إلخ، لأن ثلاثة أرباع تلك الأسر المستورة لا تملك دخل شهري ثابت، والله أعلم إن كانت تجد قوت يومها أم لا؟! ولكنها في القرية تعرف على الأقل أنها مستورة في هذا السكن ولن تضطر على امتهان كرامتها وشرفها لأجل أن تتدبر أمر أجرة منزل بدل أن تُلقى في الشارع آخر الشهر. ولكن دعونا نعود إلى المقالة التي أريد كتابتها اليوم، ولها علاقة بالشرعية الفلسطينية المنتخبة في غزة، وعنوانها:

 توصية صهيونية بإتمام الانفصال عن غزة بعد "فضيحة" الأسطول

كتب الكاتب والمحلل السياسي الصهيوني (ألوف بن) في صحيفة (هآرتس بتاريخ 7/6/2010(، بعنوان "توصية صهيونية بإتمام الانفصال عن غزة بعد "فضيحة" الأسطول"، يقول فيها:

"قضية الأسطول" فرصة مناسبة لإتمام الانفصال عن قطاع غزة. حان الوقت أن نقطع مع بقايا الاحتلال، وأن ندع دولة حماس لنفسها. إن محاولة السيطرة على غزة من الخارج، عن طريق قائمة الطعام وقوائم البقول لسكانها، تفرض على (إسرائيل) وصمة أخلاقية قاتمة وتزيد في عزلتها الدولية. يجب على كل (إسرائيلي) أن يخجل من قائمة سلع وزارة الدفاع... حان الوقت لكي نجد للضباط والموظفين المشغولين بتحديث هذه القائمة مهمات أشد حيوية.

كيف يتم هذا؟ أن تبلّغ إسرائيل الجماعة الدولية بأنها تطرح عن نفسها كل مسؤولية عن سكان غزة ورفاهيتهم. وأن تغلق المعابر تماماً، وتهتم غزة بالحصول على إمدادات وخدمات طبية عن طريق الحدود المصرية أو عن طريق البحر. وأن يحدد أجل لقطع شبكات الماء والكهرباء. وأن تخرج غزة من "غلاف الجمارك". وأن يكف الشيكل على أن يستعمل نقداً قانونياً هناك. وأن يصدروا أوراقاً مالية فلسطينية تحمل صورة الشيخ أحمد ياسين.

وتبيّن (إسرائيل) أنها ستستعمل حقها في الدفاع عن النفس، وأنها ستفحص حمولات مريبة في عرض البحر لإحباط تهريب السلاح .. وإذا أطلقوا علينا الصواريخ من غزة فسنطلق عليهم لإصابتهم. وقد تبين لنا أن ذلك ممكن.

يوجد لهذا الواقع سابقة على نحو معكوس. حتى توقيع اتفاق السلام مع مصر، كانت جميع حدود (إسرائيل) مغلقة مسدودة. تمت تجارة (إسرائيل) الخارجية من طريق الموانئ والمطارات، والحركة اليوم أيضاً في الحدود البرية غير ذات شأن. ليس هذا مريحاً لكنه قانوني. يحق لدولة ذات سيادة أن تغلق حدودها ولا سيما إذا كان الجيران أعداء كارهين. ليس الوضع الذي تكون فيه الحدود مفتوحة على التناوب بحسب تقدير تعسفي مقبولاً اليوم في العالم ويرى قسوة لا تحتمل على السكان المدنيين في الجانب المحاصر.

استقر رأي أرييل شارون على الخروج من القطاع إلى (الخط الأخضر)، وأمل بذلك أن يحصل على اعتراف دولي بنهاية الاحتلال. لكن (إسرائيل) لم تنجح في الانفصال حقاً. قبل أن تسيطر حماس على غزة، أصرت) إسرائيل) على السيطرة على الدخول فيها والخروج منها.

يوجد اليوم للحصار على غزة غاية إستراتيجية مربعة: أن يفرض على الفلسطينيين التوحيد من جديد بين الضفة والقطاع تحت قيادة صديقة ل(إسرائيل)؛ وأن تستعمل "أدوات ضغط" على حماس لتخفيف عمليات إطلاق الصواريخ ومحاولات إحداث عمليات على (إسرائيل)؛ والحفاظ على وهم أن سلطة محمود عباس وسلام فياض الفلسطينية ما تزال صاحبة السيادة القانونية في غزة؛ ومنع الاحتكاك مع مصر التي تشفق من فتح حدودها مع الفلسطينيين.

تحرز هذه السياسة في امتحان النتيجة درجة غير كاف. لكن التعاون الاستراتيجي مع مصر قوي، وأصبحت حماس مقيدة منذ "الرصاص المسكوب"، لكن سلطانها لم يضعف.

إن من يعارضون وجود (إسرائيل) سيستمرون على النضال ضدها ومطاردتها حتى لو طرحت عن نفسها بقايا مسؤوليتها عن غزة. ولم يقنعهم أي انفصال أن يتغيروا. لكن ليسوا هم المستهدفين للسياسة (الإسرائيلية)، بل حكومات الغرب التي تحتاج (إسرائيل) إلى تأييدها وإلى العلاقات السياسية والاقتصادية بها. وحكومات الغرب تقول لها، أزيلي الحصار وحرري غزة.

إن العملية الفتاكة التي وجهت إلى أسطول المساعدة، زادت في قوة هذه الدعوات فقط. هذه فرصة (إسرائيل). فبدل مشاجرة المجموعة الدولية يجب أن تقول لها: أتريدون غزة خذوها من فضلكم. (انتهى).

ألم يأنِ لحماس أن تدرك مخاطر الانقسام؟!

فذلك المخطط كتبت ناصحاً محذراً منه مثل كل مَنْ نصح وحذر منه قبل وبعد الخروج اليهودي من غزة في (أيلول/سبتمبر 2005)، منذ طرح شارون خطة فك الارتباط في 18/12/2003 مقالات عدة على مدار سنوات كلما توفرت معلومة توحي بذلك، ثم أعددت بحثاً مفصلاً عن ذلك كان يجب أن يُنشر متزامناً مع خروج العدو الصهيوني من غزة نهاية عام 2005 ولكنه تأخر لأسباب خاصة بالمجلة ونُشر في ("شؤون العصر" اليمنية، عدد (السنة العاشر، "23" محرم ربيع 1427ه، إبريل يونيو 2006م). أكدت فيه على أن فك الارتباط اليهودي مع غزة من طرف واحد هو إعادة انتشار وليس تحرير، وحذرت فيه من أن الهدف من فك الارتباط مع غزة هو ضرب المقاومة، وتصفية القضية المركزية للأمة، وإشعال الحرب الأهلية، وفصل غزة عن الضفة، واستكمال خطة تهويد القدس وبناء الجدار وفك الارتباط مع الضفة بعدها بمعزل عن غزة التي ستكون هي الدولة الفلسطينية فقط. وقد قرأه قبل نشره ممثل حماس في القطر الذي أقيم فيه، لأني أيامها كنت أتعاون معهم إعلامياً.

الحرب الأهلية وتكريس الانقسام

كما عُدت وحذرت في وقته أيضاً من شرك خطة فك الارتباط تلك من أن تكون مقبرة لأحلام وطموحات الجماهير الفلسطينية بدولة فلسطينية في الضفة وغزة، وأن تتحول غزة والصراع عليها لمقبرة لتلك الأحلام، لأن خطة فك الارتباط تعتبر أخطر خطة طُرحت في الخطط التي سبقتها للقضاء على ثورة/انتفاضة الأقصى، وأنها ليست نتيجة المفاوضات والضغوط الخارجية على العدو اليهودي كما أراد أن يظهرها البعض الآخر، ولكنها خطة لإعادة الانتشار حول قطاع غزة. ولا انسحاب أو تحرير كما حاول البعض تصويرها، وإن كان ذلك لا يقلل من دور المقاومة في إكراه المحتل اليهودي للإقدام عليها، وأكدت على أن تحتفظ المقاومة بحقها في الرد على المحتل في المناطق التي يعيد انتشاره فيها إلى أن يتم رفع حصاره ووصايته عن غزة، وتحصل على حرية اتصالها بالعالم الخارجي دون قيود، بحيث يكون لها السيادة البرية على حدودها البرية مع مصر وعلى مينائها البحري وعلى مطارها ومجالها الجوي. خاصة وان من ضمن بنود خطة فك الارتباط بند ينص على: حق الاحتلال في احتلال غزة أو أي منطقة منها، في حال شعر بأي تهديد لأمنه! كما أنه يجب ألا نبالغ في احتفالاتنا بهروب العدو من غزة، وان ننشغل في الإعداد للمعركة القادمة الأشد في الضفة، وأن نحذر الأفخاخ والشراك التي نصبها العدو للمقاومة في غزة، والتي ستكون من داخلنا.

وحاولت الربط بين إصرار بعض الأطراف الفلسطينية ليس فقط بين فك الارتباط وخارطة الطريق، بل وبالقرار 1559! خاصة وأن البعض قال: إن بوش قد وعدهم بانسحاب العدو الصهيوني إلى حدود عام 1948 ولم يقل حدود عام 1967 علماً أنها نفس المعنى! وربط في حديثه السريع بين خارطة الطريق والقرار 1559 على أنها ضمانات ذلك الوعد! علماً أن بوش لم يعد بانسحاب إلى حدود 1948ولكنه أكد على استحالة الانسحاب إلى تلك الحدود بسبب الوقائع الجديدة على الأرض كما جاء في خطاب ضماناته لشارون بتاريخ 14/4/2004. أما القدس فقد كان قراري مجلس الشيوخ والكونجرس الأمريكيين عندما ناقشا خطاب ضمانات بوش لشارون وافقا على ضمها إلى الأراضي المحتلة 1948. وقد اعتبرته ربط خطير خاصة وأن القرار نص على نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية بلبنان، وخارطة الطريق نصت على نزع سلاح الفصائل في الأرض المحتلة، وخطة فك الارتباط اعتبرها شارون ما على العدو من استحقاق في خارطة الطريق، وأنه على الفلسطينيين الوفاء بما عليها من استحقاق نزع سلاح المقاومة في غزة. وخارطة الطريق نصت على حل عادل للاجئين وكذلك مضمون القرار1559 وخطة فك الارتباط هدفها إلغاء هذا الحق نهائياً، وغيرها. (صحيفة الرأي العام اليمنية، الأعداد (903، 904، 905، 906، نهاية أغسطس وبداية أيلول 2005).

كما عدت وذكرت بأن شارون صفى القضية بعد الخطاب المجزرة الذي ألقاه بعد إعادة الانتشار حول قطاع غزة في شهر أيلول /سبتمبر 2005، من أعلى منبر أممي، منبر هيئة الأمم المتحدة في ذكرى إنشائها الستون، والذي تزامن مع مجزرة بيت حانون آنذاك، ذلك الخطاب الذي كان مفعماً بالروح والمصطلحات التوراتية اليهودية، كما هو مفعم بالتزييف والتزوير لحقائق التاريخ والجغرافية والواقع، الذي أعلن فيه للعالم أجمع، انتهاء الصراع العربي الصهيوني، والتصفية النهائية لقضية الأمة المركزية فلسطين ، كتبت ثلاثة مقالات (الأعداد التي تلت الأعداد السابقة، بعنوان: "من المجزرة إلى الخطاب المجزرة") قلت فيها: أن شارون قد جزر القضية المركزية للأمة وصفاها تماماً على مرآى ومسمع من العالم أجمع، فقد قال: "جئتكم من أورشليم القدس. عاصمة (الشعب اليهودي) منذ ثلاثة ألاف سنة، ومن (أرض الميعاد) التي تحت سمائها ظهر أنبياء إسرائيل وتنبئوا بها". ولم ينسَ أن يظهر كيانه المغتصب لوطننا بمظهر الضحية، عندما تحدث عن التنازلات المؤلمة التي تمثلت بالتضحية بجزء من وطن اليهود التاريخي (فلسطين) غزة التي قدمها لمن سماهم "جيرانه الفلسطينيين، من أجل أن يقيموا لهم فيها دولة ذات سيادة، ولها حدود معترف بها"، من أجل أن يعيش الشعبين (اليهودي) والفلسطيني معاً بسلام!.

ولم تقف خطورة المخطط عند ما جاء في خطاب شارون المجزرة؛ ولكن الأخطر هو الجزء الذي نشره الكاتب اليهودي (أولف بن) نفسه من الحوار الذي دار بينه وبين شارون وهم في رحلة العودة من نيويورك بعد إلقاء ذلك الخطاب المجزرة، عندما سأله عن مصير الكنتونات التي سيخلفها الجدار في الضفة الغربية بعد الانتهاء من بنائه وإن كانت ستكون جزء من الدولة الفلسطينية أو لا؟! فرد عليه شارون بالقول: أن الضفة الغربية لن تعود للفلسطينيين، وأنه لن يكون لهم أي سيادة على أي جزء منها؟! وأن الهدف منها تكريس واقع الفصل بين قطاع عزة والجماهير الفلسطينية فيه، والضفة الغربية والجماهير الفلسطينية فيها، وكأنهما شعبين وأرضين منفصلتين، وليستا وحدة جغرافية وسكانية وسياسية واحدة في الواقع والقانون الدولي. وذكرت بما كتبه عن رؤية شارون لخطة الفصل أحادي الجانب، على أنها ليست فصلاً بين كيان العدو الصهيوني وغزة فقط، بقدر ما هي فصل بين الضفة وغزة، وأطلق على تلك الرؤية: إقامة الدولة الواحدة المشطورة إلى قسمين: فلسطين الشرقية في الضفة وفلسطين الغربية في غزة!! (الرأي العام اليمنية، "سايكس بيكو لفلسطين"، بتاريخ (25/10/2005).

وأذكر أنني في رمضان/أكتوبر 2006 بعد فشل العدوان اليهودي على لبنان، وحدثت اشتباكات شديدة بين حركة حماس والأمن الوقائي بغزة، التقيت في اليوم نفسه قيادي كبير من الإخوة في حماس على دعوة إفطار لبعض الإعلاميين، وقد تحدثت معه عن مخاطر الحدث وأنه لم يَعُد المخطط القضاء على المقاومة ونزع سلاحها بالقوة، ولكنه استبدل بمخطط جديد لتوجيه هذا السلاح إلى الداخل، وشغله بصراعات داخلية وإشعال حرب أهلية. وطلبت منه أن يبلغ قيادة الحركة بذلك، وأنه من الخير للأمة والوطن وحماس نفسها ترك الحكومة التي يشتد الحصار عليها لإفشالها، والاكتفاء بفوزهم في الانتخابات التشريعية وحصولها على الشرعية السياسية، ويحاولوا التوصل إلى صفقة ما يفرج فيها عن النواب الذين اعتقلهم الاحتلال في الضفة ودخول منظمة التحرير، وعلى معادلة ما تحكم العلاقة بينهم وبين السلطة بحيث لا يمس سلاح المقاومة، وأن يسعوا لتحقيق ما يريدون تحقيقه من خلال الحكومة عن طريق المجلس التشريعي، وسن القوانين وفتح ملفات الفساد ومحاسبة الفاسدين ..إلخ، خير لهم من الوقوع في مخطط الحرب الأهلية الفلسطينية.

فكان رده: يقولوا أن حماس فشلت في إدارة الحكومة! قلت: القضية أكبر من نجاح حماس أو فشلها في إدارة الحكومة، القضية قضية أمة ووطن، وشرك الوقوع في الحرب الأهلية. رد بما رد به سابقاً وأضاف: مَنْ يضمن لنا أنه بعد التنازل عن الحكومة ألا يعودوا لتكرار ذلك ومحاولة القضاء على حماس؟ أجبت: ساعتها العالم كله وأولهم الجماهير الفلسطينية في فلسطين معكم، وهي التي ستحميكم من السلطة نفسها ولن يقول أحد أن ما يحدث صراع على الكرسي. قال: هذا كلام مش صحيح وسيقال أن حماس فشلت في الحكومة؟! أنهيت الحديث بعدها مباشرة وتركته وقلت لنفسي: أخذتهم العزة بالإثم! وقد كان هذا الموقف من ضمن كثير من النصائح التي كنت أوجهها لهم قبل وبعد كل حدث أو قرار يتخذوه من ضمن ما يصب في سياق المخطط لموضوع حديثنا، وأجدهم على الرغم من كل التوضيح حول الموضوع مُصرين على موقفهم، ومبرراتهم غير مقنعة بأنهم زاهدين في السلطة بل تؤكد أنهم متمسكون بها حتى لو كان الثمن تصفية القضية المركزية للأمة، لذلك ما أن حدث موقف لا علاقة له بالسياسة أوقفت التعاون الإعلامي معهم، حتى لا يقال يوماً أنني كنت مغفل أو ببغاء لا أملك رؤية أو أفهم من تجربتي شيء، أو أن حاجتي لمرتب آخر الشهر منهم جعلني مرتزق عندهم! وقد سبق أن نشرت بعض تلك المواقف ومنها هذا الموقف.

وقد حاول العدو اليهودي عام 2004 أن يمهد السبل لنجاح تلك الخطة، ويهيئ الأوضاع القانونية لفصل غزة عن الضفة، ولتكون غزة فقط هي الدولة الفلسطينية بعد تنفيذه خطة فك الارتباط،. حيث سعى لانتزاع تنازل من الرئيس الراحل ياسر عرفات يؤسس به لفك الارتباط بين غزة والضفة، ويجعل منهما كيانان منفصلان ومستقل كلٍ منهما عن الآخر، وذلك عندما طلب من السلطة الفلسطينية أن يضع تعرفة جمركية لغزة منفصلة عن التعرفة الجمركية للضفة! فأدرك الرئيس الراحل عرفات أبعاد ذلك المطلب وقد رفضه بشدة على الرغم من كل الضغوط التي مارسها عليه المحتل اليهودي. وقد سارع المحتل اليهودي إلي إلغاء الكود الجمركي لغزة في21/6/2007، بعد أسبوع من أحداث غزة التي انفردت فيها حماس بإدارة غزة. وذك في خطوة مهمة للعدو وخطيرة لنا على خطى تكريس الفصل بين غزة والضفة الغربية!.

وأخيراً أقول: لقد كان الكاتب الصهيوني إتساف بارئيل على حق عندما أعلن عن تصفية القضية المركزية للأمة، وزف لمواطني العدو الصهيوني الانتصار العظيم الذي تكلل في اختزال القضية من صراع بين الأمة جميعها واليهود، إلى صراع محلي بين الفلسطينيين واليهود فقط، وذلك بعد الحوار الفلسطيني الذي عُقد في القاهرة بتاريخ 15/3/2005م، وكان لبرنامجه علاقة بالانفصال اليهودي أحادي الجانب من غزة، عندما ربط الكاتب بين خطة فك الارتباط وما تلاها من تطورات في الواقع الفلسطيني وقبول حماس المشاركة في العملية السياسية، أي موافقتها على المشاركة في الانتخابات التشريعية والانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، فكتب: "إن إنجاز هذه المرحلة يعني حدوث تحرر جديد، أي تحرر النزاع (الإسرائيلي) الفلسطيني، من النزاع العربي (الإسرائيلي) ويعيد مشكلة فلسطين إلى الفلسطينيين".

وبعد ...؟!

مَنْ الذي جزر القضية؛ العدو اليهودي أم القيادات التي تقرأ كل ذلك ولكن طموحاتها الفئوية والشخصية تعميها عن إدراك مخاطرها على الأمة والوطن؟! وهل يُعذر القادة الفلسطينيين الطامحين للسلطة والحكم من تحمل مسئولية أخطائهم لسوء قراءتهم للواقع، وعدم إدراكهم لما يصدر عن عدوهم من تصريحات ومخططات ضدنا؟! أو لإدراكهم ذلك ولكن جشعهم وحرصهم على الكرسي أكبر في قلوبهم من مصلحة القضية والأمة؟! وإلى متى ستبقى قضية الأمة رهينة تلك المغامرات والطموحات التي لا تأخذ في اعتبارها أي مصلحة وطنية إلا المصلحة الحزبية والشخصية؟! وأخيراً؛ مَنْ الذي على خطأ ومَنْ الذي على صواب في كلتا الشرعيتين؟! بالتأكيد أن كلاهما على خطأ، والجماهير على خطأ أكبر، لأنها صامتة وتاركه لأمثالهم أن يسمسروا بمعاناتها.

والآن جاء أولف بن ليطالب قيادة العدو الصهيوني بإتمام ما بدأته، وعلى الرغم من ذلك مازال الإخوة في حركة حماس لا يريدون التخلي عن طموحاتهم القيادية الحزبية والشخصية وهم يرون أن الخروج وليس الانسحاب من غزة كان شركاً خطيراً وقعوا فيه دون أن ينتصحوا بنصح الناصحين، وأن ما أعلن عنه شارون في إعلانه عن خطة فك الارتباط في مؤتمر هرتسيليا بتاريخ 18/12/2003 وما بعدها، حققه وأكثر منه، وأنهم أخطئوا في قراءتهم لذلك، كما أخطئوا في جمودهم على أساليب مقاومة كانت سبباً في تدمير غزة، وتحويلهم من حركة مقاومة لتحرير فلسطين من العدو الصهيوني إلى شرطي لحماية أمن العدو الصهيوني...إلخ. كما أن مشاركتهم في الانتخابات التشريعية والسلطة أفقدتهم بريقهم الثوري، بل وقدموا نموذجاً للقيادة الإسلامية للأسف لم يتصوره أحد. ومازلنا ننصح الإخوة في حماس ألا يغتروا بانتصارات وهمية غير حقيقية إلا في رؤوسهم هم، فسفن وأساطيل الحرية وكسر الحصار هي الوجه الآخر للمقاومة السلمية التي تنتهجها حكومة رام الله، وهي إبر التخدير لمريض يُقطع معول وليس مشرط عدوه من جسده يومياً أجزاء يستحيل استردادها، ومازالوا لا يريدوا أن يفهموا أن باراك أوباما والحكومات الغربية لن تضع يدها في أيديهم كي يتم رمي العدو الصهيوني في البحر، ولكنها تستدرجهم كما استدرجت سابقيهم إلى الاعتراف بالعدو الصهيوني والتسليم بوجوده، وقد كانت حماس أسرع من فتح في ذلك، والأدلة والشواهد كثيرة سنفرد لها مقالات بعد أن ننتهي من حلقاتنا عن نموذج السلطة في الفساد والإفساد من خلال تجربتنا الطويلة والغنية بعشرات الشواهد.

لا نملك إلا أن ننصح الإخوة في حماس كما نصحنا ونصح غيرنا ومازالوا: عليكم بالتوقيع على الورقة المصرية وتحقيق المصالحة، ودعكم من ملاحظاتكم التي نعلم كما تعلمون أن تشددكم بها ليس من منطلق الحرص على المقاومة ولا الثوابت، وأنكم فرضتم بالمقاومة ورهنتم الثوابت للعبة الصراعات الإقليمية، ولأن ذلك التشدد يكرس الانقسام، ويضيع ما تبقَ من القدس والأقصى من أيدينا، ويصفي القضية، وذلك ما أراده شارون وأقمنا عليه الأدلة سابقاً!.

==========================

عباس يهب كل فلسطين لليهود!

سوسن البرغوتي

لقد أثبت عباس بالتصريح العلني، أنه أكثر يهودية من الصهاينة أنفسهم، ("لن أنفي أبداً حق "الشعب اليهودي" على أرض "إسرائيل")، شاطباً الذاكرة الفلسطينية بحق الوجود الفلسطيني على أرض عربية فلسطينية، ومشوهاً التاريخ والجغرافيا، في حضرة دهاقنة يهود "إيباك" الصهيونية.

 

هذا التصريح نتيجة وصول حل الدولتين الفاشل والمحكوم عليه بالسقوط المدوي ووصوله منذ أوسلو إلى حائط مسدود، وبهذا يصل إلى أن فلسطين (أرض إسرائيلية)، فألغى وجود الشعب على خطى هرتزل (أرض بلا شعب)، والتقى معهم في تقديم آخر التنازلات، بالعيش في (دولة إسرائيل اليهودية). فإن لم يكن هكذا مفهوم التصريح الواضح ب(يهودية الدولة) فماذا يكون؟!

 

لقد أعطاهم الخط الأخضر لطرد فلسطيني ال48 إلى دولة الكنتونات على ما يسمى زوراً (أرض يهودا والسامرا) التابعة للكيان الصهيوني، وهكذا شطب حق العودة إلى أرض محررة، بتصريح حقير رسمي ولكنه يصدر عن رئيس غير شرعي للفلسطينيين!

وفي الوقت ذاته، يعطي الموافقة العلنية على التوطين، كون أرض فلسطين، أرضاً ل(شعب) يهودي، ولا يحق العودة للسكان الأصليين المغيبين في شريعة عباس اللا شرعية، فليس أمامهم إلا التوطين، وقبول دول الجوار باللاجئين.

هكذا عباس أقر بأن القدس لهؤلاء الغزاة اليهود القادمين من الغرب - مع أنه لا تمت لهم فلسطين بأي صلة- واستباح المقدسات الإسلامية والمسيحية، لتصبح بدورها يهودية صرفة، وأن المستعمرات في الضفة حق طبيعي لهم.

 

برزمة واحدة، وصل إلى عقد صفقة أخرى على غرار اتفاقية أوسلو، وتنفيذ كل التفاهمات والاتفاقيات بين عبيد الاستعمار والأسياد، فمن الطبيعي أن يرحب الصهاينة بما يُسمى بالمفاوضات، بالتأكيد على أنها أوامر البيت الأبيض، لحفظ أمن (إسرائيل)!. فماذا بعد هذا كله؟! وعن ماذا سيتنازل أكثر من إعطاء كل فلسطين إلى الصهاينة اليهود؟!

بعد كل جولة من التضحيات والإصرار على صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، يخرج بفرمانات تعبر عن انصياع علني، لهدم أي أمل يراهن عليه البعض بعودته إلى السرب الوطني الجامع للحقوق والثوابت، ويصر على كشف مهمته، التي يجاهر بها علناً دونما أي اعتبار أو خجل.

 

هيلين توماس المراسلة الصحفية للبيت الأبيض، قالتها بوضوح عن مصير اليهود في فلسطين - سواء استقالت أو أُقيلت، اعتذرت أم لم تعتذر- ليعودوا إلى بلادهم-، وعباس يتنازل وبكل بساطة فيسلم كل فلسطين لهم وكأنها ملك له يحق له التصرف بها! .

وهو بذلك لا يعير أي اهتمام للشعب الفلسطيني لا سيما في الضفة الغربية، فهل أصبحوا كائنات مجهرية، أم غزاة؟ مما يعني أن مهمته هي تحرير فلسطين من أهلها لصالح الصهاينة اليهود؟، كما أنه لا يقيم وزناً لا لمواقف الشعب العربي ولا لمواقف الشعوب المتضامنة معنا وخاصة الشعب التركي بموقفه المشرف مع صمود شعبنا في غزة..

 

ألا بئس ما نطق به عباس، وتجاهله بالكامل عن أن حدود (إسرائيل) لم تكتمل بعد. لقد أصبح رهط أوسلو ومخلفاتهم، أخطر بكثير ليس على مستوى فلسطين المحتلة، بل أيضاً على المنطقة من الفرات إلى النيل، ومن يمنح بلده هِبة لمستعمرين، لا يتورع عن التعاون والتنسيق معهم لاستكمال مخططهم الاستعماري.

إلى هنا أوصلتنا رحلة أوسلو اللعينة، وحطت بنا في القاع، وعلى الفلسطينيين في فلسطين الداخل والمهاجر والملاجئ، أن يعوا ما الذي يُدار لهم خلف الكواليس وخاصة بعد احتلال العراق. أما بلاد الطوق ومصر، فلم يعد لهم إلا الرفض الكامل لهذا التصريح وما وراءه من خطوات إجرائية، وحشد الطاقات والجهود للتصدي لتلك التصفية العلنية وتبني المقاومة الجذرية في التحرير الكامل من الاستعمار الصهيوني، الذي يسعى إلى إنشاء (الدولة الإسرائيلية الكبرى)، عبر مراحل زمنية تتقدم أو تتأخر بحسب الواقع العربي ومن ضمنه الفلسطيني.

===============================

متى المراجعة الفعلية في السياسة الخارجية الأميركية؟

صبحي غندور*

تميّزت السياسة الخارجية الأميركية، تحت إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، بالنزعة إلى الحروب وإلى استخدام القوة العسكرية الأميركية لفرض نظام دولي جديد تتثبّت فيه الهيمنة الأميركية على العالم وعلى مواقع الثروات فيه. ولم يكن صحيحاً طبعاً ما زعمته إدارة بوش بأنَّ سياستها هذه كانت ردّة فعلٍ على ما حدث في واشنطن ونيويورك يوم 11 سبتمبر 2001 من أعمال إرهابية. فنائب الرئيس الأميركي السابق تشيني زار المنطقة العربية في مطلع العام 2001، فور بدء إدارة بوش، من أجل إقناع بعض الحكومات بدعم الخطّة الأميركية آنذاك لإحداث تغيير شامل في العراق عن طريق القوّة العسكرية. وقد حصلت جولة تشيني في وقتٍ كانت فيه حكومة شارون تمارس الحرب الإسرائيلية المفتوحة على المدن والقرى الفلسطينية، في ظلِّ دعمٍ أميركيٍّ كبير لحكومة شارون وأساليبها العدوانية على الشعب الفلسطيني.

إذن، أحداث سبتمبر 2001 أعطت العذر والتبرير فقط لما كان قائماً من أجندة خاصَّة للمحافظين الجدد في إدارة بوش وللتيار الإسرائيلي الفاعل فيها، ولم تكن (هذه الأحداث) هي التي صنعت أجندة الحروب الأميركية المعاصرة.

وقد خاضت إدارة بوش الابن حروباً مباشرة في أفغانستان والعراق، ودعمت هذه الإدارة حربيْ إسرائيل في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان. وجرت هذه الحروب كلّها تحت مبرّر "الحرب على الإرهاب" وبذريعة حماية أميركا والردّ على ما حدث في 11 سبتمبر 2001، بينما لم تربط جماعة "القاعدة"، التي أعلنت مسؤوليتها عن هذه الأحداث، أيّة علاقة مع النظام السابق في العراق أو مع قوى المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية، وليس لها بالتأكيد علاقة مع حكومتي طهران ودمشق اللتين خضعتا وتخضعان لضغوط أميركية.

لكن بمعيار النظرية البراغماتية التي تقوم عليها الحياة الأميركية، فإنَّ "الأعمال بنتائجها". ونتائج أعمال إدارة بوش الابن كانت الضرر الكامل للمصالح الأميركية وللعلاقات الأميركية/العربية تحديداً، وكذلك مع سائر شعوب العالم الإسلامي.

بل إنَّ سياسة الإدارة الأميركية السابقة أدَّت إلى تقوية خصومها بدلاً من إضعافهم، وأعطت هذه السياسة زخماً للتطرّف الديني والسياسي، كما أنّها زادت من مشاعر الغضب الشعبي ضدّ الحكومة الأميركية في شتّى أنحاء العالم.

 

لذلك كانت التوقّعات من الإدارة الديمقراطية الجديدة التي يرأسها باراك أوباما كبيرة. توقّعات بتغييرات أساسيّة في السياسة الخارجية الأميركية عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً. لكن ما حصل من تغيير حتى الآن هو في الشعارات وفي الخطوط العامة المعلَنة للسياسة الخارجية الأميركية وليس في جوهرها أو حتّى في أساليبها المعهودة. صحيح أنّ إدارة أوباما لم تبدأ الحروب والأزمات المتورطة فيها الولايات المتحدة حالياً، وصحيح أيضاً أنّ هذه الإدارة لم تبدأ أي حروب أو أزمات دولية جديدة، لكنّها (هذه الإدارة) لم تقم بعد بتحوّلات هامّة في مجرى الحروب والأزمات القائمة. يمكن التوقّف فقط عند التحوّل الذي حصل تجاه روسيا، والتوافق الذي جرى معها على مسائل دولية وأمنية عديدة كان مدخلها إلغاء واشنطن لمشروع الدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية.

أمّا بالنسبة لإيران مثلاً، فإنّ الموقف الأميركي العملي نحوها لم يتغيّر رغم خطابات الود والدعوات للتفاوض التي أطلقها أوباما أكثر من مرّة. وتحاول الآن إدارة أوباما أن تفعل سياسياً ما حاولت إدارة بوش فعله عسكرياً من سعي لعزل إيران عن الصراع العربي/الإسرائيلي وإضعاف تأثيرها في المشرق العربي، وذلك من خلال جهود واشنطن الحالية لإعادة إحياء مسارات التفاوض في الصراع العربي/الإسرائيلي، هذه الجهود المتعثّرة بسبب مواقف الحكومة الإسرائيلية الحالية وعدم وجود رغبة أو قدرة لدى الرئيس أوباما على المواجهة السياسية الحاسمة مع حكومة نتنياهو.

لذلك، تكون المراجعة السائدة الآن في السياسة الخارجية الأميركية، مراجعة مهمّة إذا كانت للاستراتيجيات وليس للأساليب التكتيكية فقط. وستكون إدارة أوباما مخطئة جداً بحقِّ المصالح الأميركية إذا لم تقم فعلاً بمراجعة إستراتيجيّة للسياسة وليس لأساليب العمل حصراً.

حتّى الآن، لا مؤشّرات عملية على تغييرٍ إستراتيجي قريب سيحدث في السياسة الأميركية، لكن التراكم الكمّي لحجم الفشل، يحتّم التغيير النوعي مستقبلاً.

المشكلة الآن بالنسبة لواشنطن، أنَّ أيَّ تصعيدٍ عسكري أميركي (أو إسرائيلي) ضدّ إيران سيحمل مخاطر جمّة على المنطقة وعلى العالم كلّه، ولن يحمل أيَّ نتائج إيجابية للسياسة الأميركية بل سيكون تكراراً لمأساة سياسة الإدارة السابقة في العراق وأفغانستان وفي لبنان وفلسطين.

أيضاً، لن يشكّل استمرار حالة "اللاحرب واللاسلم" مع حكومة طهران الحلّ الأفضل لإدارة أوباما بسبب ارتباط الملف الإيراني مع كلّ الحروب والأزمات المعنيّة بها واشنطن في الشريط الممتد من غزّة إلى أفغانستان. فهناك استحقاقات دولية كبيرة تنتظر إدارة أوباما خلال النصف الأخير من هذا العام، الذي سيشهد أيضاً انتخابات أميركية لكامل أعضاء مجلس النواب ولثلث أعضاء مجلس الشيوخ، إضافةً إلى حاكمين لعدد من الولايات الأميركية. فالملفّ الإيراني هو مدخل مهم أميركياً لمصير الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق المقرَّر سحب القوات الأميركية المقاتلة منه خلال هذا الصيف، وهو أيضاً ملفٌّ مهم للحرب الدائرة في أفغانستان وباكستان. كما هو الارتباط أيضاً بين الموقف من إيران وتداعيات الصراع العربي/الإسرائيلي.

ربّما يكون في الحسابات الحاليّة لإدارة الرئيس أوباما أن من الأفضل التركيز على "إنجازات اقتصادية واجتماعية وأمنية" داخلية في أميركا قبل موعد الانتخابات في شهر نوفمبر القادم، ثمّ التركيز بعد ذلك على القضايا العالقة في السياسة الخارجية. لكن هل تتحمّل حروب وأزمات أميركا الخارجية هذه المسافة الزمنية؟! وهل يخضع أصلاً خصوم أميركا للبرمجة الزمنية الأميركية؟! بل إسرائيل نفسها لن تلتزم، وهي "الصديق لأميركا"، بذلك، وستقوم حكومتها بتنفيذ ما تحتّمه أجندتها الخاصة لا أجندة إدارة أوباما.

 

ومن الناحية العربية، فإنّ المشكلة هي في انعدام الموقف العربي الواحد وغياب المرجعية العربية المشتركة لشعوب المنطقة وقضاياها. فهناك تسليم من بعض العرب بأنّ ما يحدث في المنطقة الآن هو صراع خارجي (إقليمي/دولي) لا شأن للعرب فيه!. وتنظر بعض الأطراف العربية إلى نهج المقاومة وكأنّه يخدم المشروع الإيراني للمنطقة. وفي ذلك إجحاف طبعاً للقضايا العربية ولِحَقِّ المقاومة المشروعة ضدّ الاحتلال، وهو تعبير عن عجزٍ عربيٍّ فاضح وعن فراغ حاصل في القيادة العربية، وبالمرجعية العربية، وعن غيابٍ طويل لمشروع عربي أو رؤية عربية جامعة وشاملة وفاعلة.

فالأمَّة العربية ليست ساحة صراع إقليمي/دولي فقط، هي أمّة مستهدَفة بذاتها وبثرواتها وبأرضها وبوحدة كياناتها. وما لم تنهض هذه الأمّة وتصحّح واقعها، فإنَّ الاحتلال سيستمر والتمزيق سيزداد، وستتحوّل الصراعات الإقليمية/الدولية إلى حروب أهلية عربية، وستعجز مشاعل المقاومة، المحدودة في أماكنها وإمكاناتها، عن إزالة ظلامٍ دامس عمره أكثر من ثلاثة عقود، يزيده قتامةً الواقع الرسمي العربي وخطايا السياسة الأميركية!

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

alhewar@alhewar.com

===========================

كأن حدثا جللا لم يقع

بقلم نقولا ناصر*

صحيح أن القمة الأميركية الفلسطينية يوم الأربعاء الماضي كانت مقررة قبل العدوان الدموي الذي شنته دولة الاحتلال الإسرائيلي على أسطول الحرية لغزة آخر الشهر المنصرم، لكن الصحيح أيضا أن المهمة الإنسانية لبضع مئات من المتضامنين المدنيين المسالمين والعدوان العسكري الذي وقع عليهم وعلى القانون الدولي في المياه الدولية للبحر الأبيض المتوسط قد فرضا موضوع رفع الحصار عن قطاع غزة على جدول أعمال المجتمع الدولي بقوة، فطالبت أربع من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة برفعه.

 

غير أن الرئيسين باراك أوباما ومحمود عباس اكتفيا بالاتفاق على السعي إلى البحث عن "مقاربة أفضل" و"آليات" جديدة و"إطار عمل ذو مفهوم جديد" لما وصفته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تقود القطاع المحاصر ب"تجميل" الحصار والتخفيف منه فحسب، لأن الوضع الراهن في غزة كما قال أوباما "غير قابل للاستمرار" و"ينطوي في حد ذاته على عدم الاستقرار"، وكأن حدثا جللا لم يقع يستوجب أن يكون رفع الحصار على رأس جدول أعمال الرجلين إن لم يكن البند الوحيد فيه بدل اتفاقهما على استمرار المباحثات غير المباشرة حول استئناف المفاوضات المباشرة وكأن شيئا لم يكن !

 

لقد استحق أوباما شكر عباس في مؤتمرهما الصحفي المشترك على تفسير "المقاربة الأفضل" لمواصلة الحصار، والتي ترتكز على بضع مرتكزات كما قال أوباما أولها "تحسين" الحياة في القطاع في ظل الحصار، وثانيها "العمل مع إسرائيل لتخفيف الحظر"، وثالثها "عزل المتطرفين"، ورابعها "التركيز" على منع دخول "شحنات الأسلحة" إلى القطاع بدل الحظر "الشامل" الذي يمنع دخول "كل شيء"، وخامسها عمل كل ذلك "بطريقة تلبي الهموم الأمنية المشروعة لإسرائيل".

 

وقد أوضح أوباما بأن "الآليات الجديدة" تمر إما عبر قنوات سلطة الحكم الذاتي في رام الله أو الأمم المتحدة أو المنظمات الإنسانية، للاتصال المباشر مع الناس مما يساهم في رأيه في "عزل المتطرفين" الذين بيدهم سلطة الأمر الواقع في القطاع. والأدهى أنه لم يتخذ "قرار نهائي بعد" وأن "البيت الأبيض يدرس خيارات عدة" كما قالت مصادر أميركية "موثوقة" لصحيفة الحياة اللندنية، مما يعني أن على الشعب الفلسطيني في القطاع أن يستمر في معاناته حتى يتوصلوا إلى قرار في مكاتبهم المرفهة.

 

ولم يوضح الرئيس الأميركي وضيفه الفلسطيني ما دار بينهما وراء الأبواب المغلقة، وبخاصة حول ما تناقلته وسائل الإعلام (مثلا إذاعة دولة الاحتلال نقلا عن مصادر أميركية الأربعاء الماضي) عن "خطة استراتيجية" تتضمن نشر قوات دولية في القطاع أو حوله تضمن وقف إطلاق نار شامل ودائم ونشر قوات سلطة الحكم الذاتي في رام الله على معبر رفح، إلخ، مما يعني قوة دولية تضاف إلى قوات الاحتلال لفرض الحصار على المقاومة والقطاع معا، ويعني أيضا محاولة جديدة لفرض إعادة هذه السلطة إلى القطاع خارج التوافق الوطني الفلسطيني، وخلاصة أي محاولة كهذه هي صب الزيت على نار الانقسام الفلسطيني، ويعني كذلك ما قالت القدس العربي اللندنية إنه في النتيجة صفقة "غذاء مقابل الأمن" لدولة الاحتلال.

 

ويبدو أن المضيف الأميركي وضيفه قد تركا مهمة توضيح ذلك لمفوض الإعلام في اللجنة المركزية لحركة فتح محمد دحلان الذي قال إنه التقى في القاهرة مؤخرا، بتكليف من عباس، الوزير عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية وهاتف وزير الخارجية الإسباني ميغيل موراتينوس لمتابعة التنسيق المصري الفلسطيني مع الاتحاد الأوروبي لإعادة العمل باتفاق المعابر المصرية لسنة 2005، مما يعني إعادة دور دولة الاحتلال إلى هذه المعابر باعتبارها طرفا في ذلك الاتفاق الذي أسقطه تطور الأحداث. ولا يمكن لوصفة قمة أوباما عباس هذه أن تنجح بعد التطورات الدبلوماسية والسياسية والإعلامية الإيجابية التي تمخضت عن أسطول الحرية لغزة بعد أن فشلت قبلها.

 

إن الحد الأدنى الذي يمكنه أن يعطي حدا أدنى من المصداقية لصدق الإدارة الأميركية وشريكها الفلسطيني في السعي إلى إحداث تغيير فعلي في حياة المحاصرين داخل قطاع غزة يتمثل أولا في وصل شريان الحياة بين الضفة وبين القطاع، وثانيا في فتح المعابر مع مصر فتحا دائما أمام حركة الناس والسلع، وثالثا في فتح المنفذ البحري للقطاع، فهذه حلول واقعية وممكنة عجزت قمة أوباما عباس عن تبنيها.

 

غير أن وصفة أوباما عباس، بالرغم من "تجميلها"، ما زالت في جوهرها مجرد نسخة محسنة من وصفة اللجنة الرباعية الدولية بشروطها المعروفة، أو ما وصفها الكاتب اليساري باتريك أوكونور باعتباها مجرد "تغيير تكتيكي". وإضافة بعض "الدسم" عليها لن يغير في جوهرها شيئا، وبالتالي فإنها لا تصلح كبداية لأي تغيير حقيقي.

 

فحزمة ال (400) مليون دولار من المساعدات الأميركية التي تعهد أوباما بها سيذهب منها (240) مليونا لتمويل قروض عقارية طويلة الأجل في الضفة الغربية، و(75) مليونا لتحسين البنية التحتية للضفة وغزة معا، و(10) ملايين لتحسين قدرة القطاع الخاص على المنافسة، و(40) مليون دولار للأونروا، وخصص منها لغزة (14.5) مليونا لإعادة تأهيل مرافق عامة، وعشرة ملايين لبناء خمسة مدارس عبر "أونروا" وخمسة ملايين لإصلاح شبكة توزيع المياه في القطاع، وهذه في مجملها لن تحسن نوعية الحياة ولا تمثل فارقا في "بناء مؤسسات الدولة" المأمولة ولا تساهم في رفع الحصار، وبالتالي فإنها لا تصلح حتى كرشوة سياسية تسوغ مواصلة المفاوضات العقيمة وفق المرجعيات ذاتها التي أفشلتها طوال عقدين من الزمن تقريبا.

 

وهي لا تصلح كذلك حتى كرشوة سياسية كافية لتساوق المفاوض الفلسطيني مع الطلب الذي تقدم به نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن خلال اجتماعه مع الرئيس حسني مبارك في شرم الشيخ الاثنين الماضي لكي تتدخل مصر لدى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لتأجيل تحركهما المشترك نحو مجلس الأمن الدولي من أجل رفع الحصار عن القطاع، حسب تقارير صحفية مصرية.

 

وهذا ثمن بخس لإجهاض تحرك عربي إسلامي يحظى بإجماع دولي لا تشذ عنه سوى الولايات المتحدة الأميركية لاحتواء النتائج الإيجابية التي تمخض عنها أسطول الحرية والالتفاف عليها كما حدث مع تقرير غولدستون، وهو ما اتضح في قمة أوباما عباس، حيث تلخصت نتائج هذه القمة بالبحث عن "طرق جديدة" لمواصلة الحصار تجنب واشنطن تكرار تجربة أسطول غزة ومضاعافاته التي جعلتها تقف وحيدة تقريبا مع دولة الاحتلال في مواجهة إجماع دولي يطالب بالرفع الفوري للحصار، وبتحقيق دولي في إطار الأمم المتحدة.

 

إن الشعب الفلسطيني، وبخاصة تحت الاحتلال، ليست لديه أية أوهام حول الولايات المتحدة، فهي ليست صديقا له، وهي صديقة لدولة الاحتلال "بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض"، وثلثا الفلسطينيين يعتبرونها منحازة للاحتلال ودولته، كما كتب د. خليل الشقاقي (الديلي ستار اللبنانية في الثامن من هذا الشهر) مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله استنادا إلى استطلاعات الرأي التي أجراها المركز. لا بل إن عباس وكبار مفاوضيه يكررون القول إنهم في الواقع يتفاوضون مع الولايات المتحدة، ولهذا دلالته التي لا تترك تفسيرا آخر غير كونها إما شريكا لدولة الاحتلال أو وكيلا عنه.

 

وأي تصريحات مغايرة للقادة السياسيين لهذا الشعب التي تمليها اعتبارات سياسية لا تعبر فعلا عن نبض الشارع الفلسطيني. لذلك فإن ما نسبته وكالة الأنباء الفرنسية لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل من تصريحات أدلى بها في مقابلة مع تلفزيون بي بي إس في الثامن والعشرين من الشهر الماضي من أنه "ليست لدينا أي مشكلة مهما كانت مع الولايات المتحدة أو مع المصالح الأميركية"، بالرغم من استدراكه بأن هذه المصالح "يجب ألا تكون على حساب مصالح الآخرين ومصالح الشعوب في المنطقة"، هي بالتأكيد موضع جدل ساخن فلسطينيا وعربيا وإسلاميا، فكل المشاكل الرئيسية لشعوب المنطقة هي مع الولايات المتحدة.

 

فالمحاولات العربية السياسية لتحييد الولايات المتحدة في الصراع العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وللفصل بين الحليفين الاستراتيجيين قد باءت بالفشل منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى نجاح أي محاولات كهذه لا في الأمد القريب ولا المتوسط. فاستمرار الرهان على أميركا هو وصفة مثلى لاستمرار العجز العربي عن الفعل بقدر ما هو وصفة نموذجية لاستمرار الانقسام العربي والفلسطيني الكامن في صلب هذا العجز.

* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com

============================

العقوبات على ايران للمواجهة او نتيجة تسوية ؟

د. صالح بكر الطيار

 بعد مخاض طويل توصل مجلس الأمن الى اصدار القرار 1929 الذي يتضمن فرض عقوبات جديدة على ايران حيث ايدته 12 دولة ورفضته البرازيل وتركيا وأمتنع لبنان عن التصويت . فهل جاء هذا القرار ايذاناً ببدء عصر المواجهة بعد ان فشلت المساعي الدبلوماسية ام نتيجة تسوية ما قد تتضح معالمها مستقبلاً ؟ . وللتذكير اشتمل قرار العقوبات على أن “ايران لا يمكنها ان تبني وحدات جديدة لتخصيب اليورانيوم”• وهو يمنعها من “الاستثمار في الخارج في نشاطات حساسة مثل استخراج اليورانيوم والتخصيب او النشاطات المتعلقة بالصواريخ البالستية”• في المقابل، على الدول الاخرى ان “تمنع ايران من القيام بمثل هذه الاستثمارات في شركاتها او على ارضها”• و يحظر القرار على ايران شراء ثماني فئات من الاسلحة الثقيلة هي الدبابات القتالية والعربات القتالية المصفحة والمدافع من العيار الثقيل والمقاتلات الجوية والمروحيات القتالية والبوارج والصواريخ وانظمة الصواريخ• ويدعو الدول الى الحذر والتريث قبل بيع أي نوع من الاسلحة الى ايران• وفي تفتيش السفن يوسع القرار مجال عمليات التفتيش في عرض البحر لتشمل الحمولات البحرية المشتبه بها والأتية او المتوجهة الى طهران وهو ما كان قرار سابق يحصره بالمرفأ• وفي عقوبات الافراد والمؤسسات أضاف القرار الجديد اسم جواد رحيقي رئيس مركز التكنولوجيا النووية في اصفهان ومنظمة الطاقة الذرية الايرانية الى لائحة الافراد المرتبطين بالبرنامج النووي والبالستي الايرانيين الذين تم تجميد ارصدتهم في الخارج ومنعوا من السفر• كما اضيفت اربعون مؤسسة الى القائمة من بينها 22 مرتبطة بنشاطات نووية او بالستية، و15 بالحرس الثوري وثلاثة في الشركة البحرية لايران• وفي مكافحة الانتشار النووي يمنع المشروع ايران من ممارسة اي نشاط مرتبط بالصواريخ البالستية القادرة على نقل اسلحة نووية وعلى الدول الاخرى عدم تقديم مساعدات او تكنولوجيا لها علاقة بهذه النشاطات• والدول مدعوة الى عرقلة اي تحويل مالي مرتبط بالانتشار النووي• كما هي مدعوة الى رفض السماح لمصارف ايرانية يمكن ان تكون لها علاقة بالانتشار النووي بالعمل على اراضيها• كما عليها ان تمنع المصارف الايرانية من فتح فروع لها اذا كانت مرتبطة بالانتشار النووي• وحرصت العواصم الغربية بعد صدور قرار العقوبات على القول ان القنوات الدبلوماسية ستبقى مفتوحة للتوصل الى حل نهائي يزيل مخاوف المجتمع الدولي من احتمال اقدام ايران على امتلاك اسلحة نووية . اما الرئيس الإيراني فقد اعتبر القرار بمثابة منديل لا يستحق إلا ان يرمى في سلة المهملات . والمفارقة التي يتوجب التوقف عندها هي ان الغرب تعاطى مع قرار العقوبات وكأنه بمثابة " رفع عتب " بدليل ان مضمون القرار يركز على عدم السماح لإيران بإستيراد كل ما من شأنها استخدامه في المجال النووي ، علماً ان القرارات السابقة الصادرة عن مجلس الأمن تركز ايضاً على نفس النقاط ، كما ان الغرب يلاحق منذ سنوات أي شركة او مؤسسة تبيع ايران مواد ذات علاقة بالمجال النووي . اما عن مراقبة المؤسسات المالية التابعة لإيران فإن طهران حريصة منذ سنوات على ان لا تدخل في حساباتها أي ارقام مبالغ ذات علاقة بمشتريات مواد او معدات لإستخدامات نووية . والمفارقة الأخرى هي ان ردة فعل طهران حول القرار 1929 كانت باهتة وغير مبالية الى حد ما ، وخالية من لغة التهديد والوعيد مما يعني ان القادة الأيرانيين يعلمون سلفاً ان العقوبات لن تزيد من تفاقم الأوضاع في ايران ولن تمس المجالات الحيوية مثل استيراد البنزين وتصدير الطاقة وما يتعلق بهما من حركة انتقال الأموال والعائدات . ونستذكر هنا ان طهران قبل صدور القرار 1929 كانت قد شنت هجوماً لاذعاً ضد موسكو بعد اعلانها انها ستؤيد العقوبات ، ووجهت انتقادات الى بكين التي اعلنت نفس الموقف ، ولكن سرعان ما عاد الهدوء ليسود بين طهران وهاتين العاصمتين اللتين تعتبران مصدراً هاماً لواردات ايران من كل ما تحتاجه عسكرياً ومدنياً وتكنولوجياً . فهل تمت صفقة ما تحت الطاولة سمحت بإصدار القرار 1929 ..؟ من خلال متابعة فترة التحضيرات التي سبقت صدور القرار 1929 يتبين ان هناك احتمال حصول صفقات متعددة الأوجه تمت بين اطراف النزاع . فواشنطن اقنعت موسكو بالإنضام الى قرار مجلس الأمن بعد ان اكدت لها على ما يبدو ان العقوبات لن تشمل تصدير الأسلحة الروسية الى ايران ، بدليل انه ما ان صدر القرار حتى أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان تلك العقوبات لن تمنع روسيا من تسليم الجمهورية الاسلامية الصواريخ الروسية من طراز اس-300.موضحا ان "القرار يفرض قيودا في التعاون مع ايران في مجال الاسلحة الهجومية لكن الاسلحة الدفاعية ليست معنية". كما ان العقوبات لن تمنع روسيا من مواصلة بناء مفاعل نووية في ايران بدليل ما صرح به اكثر من مسؤول روسي . وبذلك فإن موسكو ضمنت استبعاد ما يهمها من لائحة الحظر أي السلاح الدفاعي والمنشأت النووية السلمية . اما الصين فقد ضمنت عدم المس بكل انواع صادراتها الى ايران ووارداتها منها ، أي الإستثمارات النفطية وبيع الأسلحة الدفاعية وسائر السلع الإستهلاكية الأخرى .كما ان الصين قد تكون تلقت وعداً من واشنطن بالتوقف عن دعم المحاولات الإنفصالية لتايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من اراضيها. وإيران التي لم يمس القرار قطاع الطاقة لديها ، فإنها من المحتمل ان تكون قد قدمت بالمقابل ضمانات الى روسيا بعدم دعم مقاتلي الشيشان إنتقاماً من تأييد موسكو لقرار العقوبات ، وعدم المس بالإستثمارات الصينية في ايران ، وبعدم دفع مناصري ايران في العراق للقيام بعمليات عسكرية مؤثرة ضد القوات الأميركية ، وبعدم إعادة خلط الأوراق في افغانستان . وإذا صدقت هذه التكهنات يكون القرار 1929 قد صدر نزولاً عند الحاح اسرائيل لمنعها من القيام بأي مغامرة عسكرية ضد ايران كما انه خدم تل ابيب في هذه الظروف حيث وجه نظر المجتمع الدولي نحو ايران بعد ان كان موجهاً نحو تداعيات اسطول الحرية ، وصدر نزولاً عند الحاح الأوروبيين الذين اعتبروا ان معاقبة ايران من مسؤوليتهم وتأتي في سلم اولوياتهم ، علماً انهم لم يكسبوا شيئاً مما تقرر وأن ما فعلوه هو انهم اثبتوا انهم يجيدون الرقص في اعراس غيرهم فقط .

رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

============================

غزة نقطة لقاء وافتراق

د. مصطفى يوسف اللداوي*

يكاد العالم كله اليوم يتفق على ضرورة نصرة أهل قطاع غزة، ورفع الحصار الإسرائيلي المفروض عليه، وإنهاء معاناة سكانه الإنسانية، وتقديم المزيد من المساعدات الدولية الغذائية والطبية لسكانه، وإعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية خلال عدوانها الأخير على قطاع غزة، فإن كان قد شارك في أسطول الحرية الأول متضامنون من أكثر من أربعين دولة، عربية وإسلامية وغربية، فإنه وبعد النهاية المأساوية لسفن أسطول الحرية، التي أرادت إسرائيل منها أن تنهي ظاهرة التضامن الدولي مع غزة، فقد بدأت دولٌ عديدة في الاعداد للمشاركة في أسطول الحرية الثاني، ولم يثنها ما أصاب الأسطول الأول عن عزمها، كما لم تمنعها التهديدات الإسرائيلية عن مواصلة ما بدأته من جهودٍ إنسانية، ومن المتوقع أن يكون الأسطول الثاني أكبر من الأول، لجهة حمولته والجنسيات المشاركة فيه، فقد يكون من بين المشاركين في قافلة الحرية الثانية متضامنون من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن كندا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، فضلاً عن مواطنين أوروبيين من الدول الاسكندنافية وغيرها، خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي باراك اوباما، وغيره من قادة ورؤساء الدول الأوروبية، ضرورة إعادة النظر في الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وأن الأوضاع في قطاع غزة لم تعد محتملة، وبعد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إسرائيل إلى إنهاء حصارها لقطاع غزة، وتصاعد الأصوات الدولية المنددة بالحصار الإسرائيلي، والتي استنكرت الطريقة التي تعاملت بها الحكومة الإسرائيلية مع سفن الإغاثة الدولية، التي كانت تحمل الغذاء والدواء ومستلزمات البناء لسكان قطاع غزة، ودعوتها إلى إجراء تحقيق دولي لكشف حقيقة الجريمة الإسرائيلية، ومحاسبة القائمين عليها، إقراراً وتنفيذاً.

صورة ناصعة رسمها المتضامنون الدوليون وهم في طريقهم إلى شواطئ غزة، فقد تداخلت الأعلام الدولية المرفرفة، واختلطت اللغات المختلفة، وتباينت الوجوه وألوان البشرة، والتقى المسلمون والمسيحيون على هدفٍ واحد، وغايةٍ مشتركة، وتعددت الحلقات والتجمعات، بعضهم انتظموا صفوفاً لأداء الصلاة، وآخرون وقفوا على سطح السفن يراقبون المتربصين بهم، ولم ينتاب أحدهم الخوف من القتل أو الأسر والاعتقال، وكان جلُُ همهم أن يصلوا بحمولتهم إلى شواطئ غزة، وكلهم يحلم في لحظةٍ يتمكن فيها من رسم بسمةٍ على شفاهٍ معذبة، أو بعث سعادةٍ في أسرةٍ قد ضاقت ذرعاً بالمرض، أو قرصتها الحاجة بنابها، أو ملأ الحزن عيونها لفقدانها أحد أبناءها، فكانت قافلة الحرية لوحةٌ براقة مشرقة، لوحدةٍ إنسانيةٍ جامعة، التقت على الهدف، وتلاقت على الغاية، واتفقت على الطريق، فوحدت كلمتها، وقوَّت عزيمتها، واشتد بأسها، وهي تتهيأ لملاقاة من قد عزم على سلب الحياة ممن حملوا لهم بعض سبل الحياة، وعلى الجانب الآخر من شاطئ غزة، اصطف الغزيون على اختلاف انتماءاتهم، ينتظرون جميعاً قافلة الحرية، وكلهم قد تهيأ للاحتفاء بهم بطريقته الخاصة، فبعض المراكب قد تعمقت في مياه البحر، لتنال شرف السبق باستقبال قافلة الحرية، وبعض الغزيين استعد بفرقته الفنية لاستقبال الوافدين، والتقى المسؤولون الحكوميون وقادة الفصائل الفلسطينية مع أبناء قطاع غزة، كلهم كانوا على صعيدٍ واحد، يضعون أكفهم فوق عيونهم، يركزون أنظارهم علهم يرون طلائع أسطول الحرية، فكانت لوحةٌ وحدوية رائعة، رسمها المتضامنون الدوليون ومستقبلوهم من أبناء الشعب الفلسطيني، ورسالة بالغة الدلالة إلى العالم كله، تؤكد على أهمية الوحدة والاتفاق لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات.

وفي الوقت الذي شكل قطاع غزة نقطة لقاء، وعقدة تلاقي للمجتمع الدولي كله، على اختلاف انتماءاته الدينية وولاءاته السياسية، فإنه لا زال يشكل نقطة افتراق واختلافٍ وطني واقليمي، ويرسم صورةً مقيتة عن الشعب الفلسطيني، ويشوه عشرات السنوات من المقاومة والنضال، ويكاد يذهب ببريق انتفاضة الحجر العملاقة، وانتفاضة الأقصى المباركة، ويعطي صورةً سيئة عن الشعب الفلسطيني، وهو الذي كان مضرب الأمثال في قوته وصلابته وشجاعته وإرادته وتحديه لعدوه، إذ مازال الفلسطينيون منقسمون فيما بينهم، ومشتتون بين حكومةٍ في رام الله وحكومةٍ في غزة، فلا يلتقون على همهم، ولا يجمعهم جرحهم، ولا تدفعهم مصالحهم الوطنية نحو التلاقي والاتفاق، ولا يحرصون على عكس صورة التلاحم الدولي مع القضية الفلسطينية في صورة اتفاقٍ ووحدةٍ فلسطينيةٍ جامعة، بل يمعنون في تشويه الصورة الفلسطينية أمام الرأي العام العربي والدولي، من خلال حملات الاعتقال والملاحقة، وأعمال التحقيق والمداهمة، فضلاً عن جرائم القتل التي ترتكبها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في السجون ومراكز التحقيق والاعتقال، والتراشق الإعلامي البغيض بين الطرفين، الذي يشعر المواطنين والمتضامنين بالكثير من الحزن والأسى على الحال الذي وصل إليه الفلسطينيون فيما بينهم، فهم جميعاً يتطلعون إلى اليوم الذي يتفق فيه الفلسطينيون فيما بينهم، ويكونون قوةً واحدة في مواجهة عدوهم، وفي التصدي لمؤامراته واعتداءاته، إذ أنهم يواجهون عدواً مشتركاً، يتآمر على كل الفلسطينيين دون استثناء، ويهدد مقدساتهم، ويعتقل أبناءهم، ويقتل خيرة شبابهم.

أما دول الجوار فهي تتعمد تعميق الأزمة بين الفرقاء الفلسطينيين، وتزيد في حالة الحصار المفروضة على سكان قطاع غزة، وتزيد في حدة ألم الناس، وتمنع وصول المساعدات الدولية، ومعونات الشعوب العربية إلى إخوانهم في قطاع غزة، وتفرض على المتضامنين الدولين شروطاً قاسية، تعقد مهمتهم، وتعرقل جهودهم، وتدفعهم نحو اليأس والقنوط، كما تطالب حكومات الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بعدم مخاطبة حكومة حماس في قطاع غزة، وعدم الاعتراف بها، خشية تكريس شرعيتها، ومنحها المزيد من القوة، التي قد تكون على حساب سلطة محمود عباس في رام الله، ولذا فإن غزة كانت بالنسبة لهم نقطة افتراق وليست عقدة لقاء، إذ ليس من مصلحتها تحقيق المصالحة، ولا رفع الحصار، ولا تبذل جهداً لجمع شتات القوى الفلسطينية وتوحيد كلمتهم، وقد كان في وسعهها استغلال الجريمة الإسرائيلية ضد المجتمع الدولي، واجماع العالم على مظلومية الشعب الفلسطيني، لتحمل راية التضامن العربي، وترفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وترفع الشروط المذلة التي تحاول فرضها على بعض الفرقاء شرطاً لتوقيع ورقة التفاهم، وهي شروطٌ لا تخدم الشعب الفلسطيني بقدر ما تريح إسرائيل، وتطمئنها على أمنها وسلامة مواطنيها، بل إن دول الإتحاد الأوروبي قد تخلت عن هذه الشروط، ولم تعد تطالب بها، أو تصر عليها، وقد يكون بإمكان الحكومة المصرية الحفاظ على خطوتها التاريخية، التي فتحت بموجبها معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر، فتكسب تأييد شعبها وأمتها العريية والإسلامية، الذين يأملون منها تسهيل عبور قوافل الإغاثة العربية والإسلامية، التي بدأت تتوافد عبر مصر نحو غزة.

غزة المدينة المتوسطية الأقدم في التاريخ، أصبحت في أيامٍ قليلة مركز العالم، وتصدرت أحداث الكون، واستطاعت بمعاناتها أن تسلط الضوء على سكانها، وأن تلفت أنظار العالم إلى ظروفها وأوضاعها، فوحدت أحرار العالم، وصهرتهم معها في بوتقة نضال الشعوب، وأثبتت أن نضال الشعوب أقوى من طائرات وصورايخ قوى الاحتلال، وأثبتت غزة أنها قادرة على جمع أشتات الكون، ومتناقضات البشر، ليكونوا جميعاً جنوداً في معركة الحق ضد الباطل، ولكن غزة التي كانت نقطة اللقاء مازالت نقطة الافتراق لدى الفرقاء من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين يزيدون في هوة الخلاف، ويباعدون في بون اللقاء، ويحبطون الروح المعنوية العالية للمناضلين الدوليين، ولا يحسنون الاستفادة من الظروف والأحداث في التقارب والتفاهم واللقاء، ولكن أهل غزة الصابرين الذين صنعوا بصمودهم، وقوة تحملهم انتصار غزة، مازالوا يشرأبون بأعناقهم نحو قطاعهم العتيد، ليكون هو شرارة الوحدة، وعنوان اللقاء، فهم على يقين بأن قطاعهم الصغير قادر على تقوية الصفوف، واستعادة الهيبة، وتوحيد الكلمة، وتصويب بوصلة النضال الفلسطيني نحو الاحتلال الإسرائيلي، لتكون غزة دوماً نقطة لقاء، ومربع إجماع، وساحة توافق، على قاعدة الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، والتمسك بثوابته في أرضه ومقدساته وعودة أبناءه.

كاتبٌ وباحث فلسطيني/دمشق

=============================

إسرائيل هي المحاصرة، إنها الفرصة التاريخية، لا تقبلوا أنصاف الحلول

رشيد شاهين

لم تكن إسرائيل في وضع أسوا مما هي عليه الآن منذ قيامها باغتصاب الأراضي الفلسطينية وإعلان دولتها العنصرية قبل ما يزيد على الستة عقود، ذلك الإعلان الذي كان قد سبقه قيام العصابات الصهيونية بارتكاب العديد من المجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني، في ظل عجز وخذلان وتآمر عربي أصبح معروفا للقاصي والداني.

 

إسرائيل، التي ظلت تاريخيا تفلت من العقاب، أو دفع أي ثمن مقابل ما ترتكبه بحق أبناء فلسطين والدول العربية القريبة، وحتى البعيدة، من مجازر وقتل وانتهاك لسيادة الدول، والقوانين الدولية والإنسانية وجميع الاتفاقات العالمية، استطابت هذه المسألة وراحت "تبلطج" شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فمن فلسطين دير ياسين إلى مدرسة بحر البقر مرورا بعمليات الاغتيال في العواصم العربية والعالمية، ومهاجمة المفاعل النووي العراقي، الى صبرا وشاتيلا بقيادة السفاح شارون في الحرب على لبنان عام 1982، إلى قانا الأولى وقانا الثانية، وحربها على لبنان ومهاجمة دير الزرو في سوريا وقبل ذلك في السودان، والحرب الهمجية على قطاع غزة، وأخيرا عملية القرصنة التي قتلت وجرحت خلالها العشرات في المياه الدولية في شرقي المتوسط.

 

اعتقدت إسرائيل"ومعها الحق في ذلك"، انها بقرصنتها في أعالي البحار، سوف تفلت من العقاب كما في كل مرة، مستندة في ذلك الى تجاربها الطويلة مع امة العربان ومساندة الدول الغربية لها وحماية ودعم الولايات المتحدة الأمريكية في المحافل الدولية المختلفة.

 

من الواضح ان دولة الاغتصاب أخطأت في حساباتها هذه المرة، حيث لم تكن " العتمة على قد إيد الحرامي"، ومن الواضح انها لم تفهم حجم التغيرات التي حدثت في "الذهنية العالمية" على الأقل على المستوى الشعبي أو الشارع، خاصة في الدول الغربية منذ مجزرة قانا وحربها على لبنان، وربما العامل الأكثر أهمية وهو الحرب على قطاع غزة؛ حيث كانت تلك الحرب تنقل البشاعة الفاشية لجيش الاحتلال على شاشات التلفزة بشكل مباشر، وقد شاهد عشرات الملايين من البشر كم هو حجم الوحشية الإسرائيلية وبشاعة ديمقراطيتها الزائفة.

 

مجزرة السفينة مرمرة كانت بمثابة الضربة شبه القاضية لعنجهية الكيان الغاصب، وهي قدمت من خلال تلك المجزرة، للقضية الفلسطينية، ما لم يكن ممكنا ان يقدمه أي عمل آخر على كل المستويات السياسية والإعلامية والدعائية على مدى سنوات ربما عشر قادمة، وها هي تحاول بكل السبل ان تسترضي العالم وساسته وشعوبه، برغم كل ما في حديثها من عنجهية. لقد ظهر قادة الكيان على شاشات التلفزة أمام العالم، وهم يتحدثون بارتباك ولعثمة، وكان يمكن لكل من رأى وجه رئيس وزراء الكيان نتانياهو، في مؤتمره الصحفي الذي عقده عقب المجزرة، محاولا تبرير الجريمة، ان يرى الوجه المسود والمنهك، والطريقة غير المعهودة التي يحاول الدفاع بها عن جريمة بلاده، لقد أدت تلك المجزرة التي ارتكبت بدون مبرر يقبله العالم، الى نتائج أصبحت معروفة للجميع، وعلى رأسها محاولة إسرائيل استرضاء العالم، من خلال الدعوة الى فرض للحصار بطريقة "أكثر حضارية". ولن يكون غريبا، عندما نعلم بعد حين، ان جميع الدعوات والمبادرات والاقتراحات التي تأتي من قادة الدول الغربية، هي من صناعة إسرائيلية ومقترحات تمت من خلف الستار من قبل قادة دولة الاحتلال من اجل الخروج من المأزق الذي أصبحت فيه دولة العدوان بعد ما ارتكبته في المتوسط.

 

دولة الاغتصاب تعلم يقينا الآن انها في موقف لا تحسد عليه، فالغضب يعم ليس فقط الدول المعنية والتي كان بعض من أبنائها أو مواطنيها، على ظهر السفن المتجهة الى القطاع، بل هو غضب عارم عم كل عواصم ومدن العالم، حتى تلك الدول التي تعتبر تاريخيا قلاعا لجماعات الضغط اليهودية منذ ما قبل إنشاء دولة الكيان الغاصب. ومن هنا فهي تريد ان تغلف الحصار الآن بغلاف قد يبدو أكثر إنسانية، واقل خطورة وتهديدا لحياة أهالي القطاع. إسرائيل ومن خلال معرفتها بالتغير " الانفجار" الذي حدث في العالم تقترح ما تقترح، فما هو المطلوب فلسطينيا؟

 

لقد استمر الحصار على قطاع غزة منذ حوالي السنوات الأربع، وهو الآن آيل الى انتهاء، ومن هنا فان أي حديث عن إنهاء الحصار ضمن الشروط والمواصفات الإسرائيلية يعتبر القشة التي ينتظرها الغريق، إسرائيل تغرق في بحر الانتقادات العالمية، وعلى قادة حماس في غزة وقادة السلطة في رام الله ان يعلموا ذلك، "وهم بالضرورة يعلمون ذلك"، وبالتالي فان لا داع للعجلة، الحصار مرفوع مرفوع، وهو الى نهاية واضحة تماما، فهو أصبح غير مقبول ولا على أي مستوى، إذن المسألة مسالة وقت، وهو وقت ليس بطويل، لا بل هو وقت قصير جدا وربما اقصر مما نتوقع.

 

 ان المطلوب فلسطينيا هو عدم منح الفرصة لدولة الاغتصاب للإفلات من العقاب وتجميل صورتها من خلال "تجميل الحصار" لكي تفرض شروطها تحت حجج ومبررات واهية خبيثة سوف تبقي الحصار على القطاع، ومن هنا فإننا نرجو إلا يفهم ما نقوله على انه دعوة لاستمرار الحصار، أو الرفض لمجرد الرفض، ان هنالك فرصة تاريخية لأبناء القطاع ولقادة السلطتين في رام الله وغزة، إذا أدركوا هذه " الورطة التي تعيشها إسرائيل"، أن لا يقبلوا بما هو اقل من رفع الحصار بشكل كامل وبدون شروط لا مسبقة ولا غير مسبقة، رفع الحصار وسيادة فلسطينية بالكامل على المعابر البحرية والبرية، وعلى قادة السلطتين في رام الله وغزة ألا يتعجلوا الموافقة على أي عرض يتم من خلال أي وسيط سواء كان هذا الوسيط عربيا أو غربيا، حيث ان بالإمكان الصمود لمدة أشهر معدودة، بحيث لا يتكرر سيناريو اتفاق المعابر الذي رأينا نتائجه على ارض الواقع.

 

معبر رفح هو معبر فلسطيني خالص، ولا يجوز ان يقبل الطرف الفلسطيني بأي وجود مهما كان شكله أو حجمه أو صفته أو مسماه، والى الذين أكثروا خلال الأيام الماضية من الحديث عن سيادة فلسطينية، فان حديثهم إذا ما كان يتضمن القبول بأي تواجد أجنبي مهما كان على هذا المعبر، سيصبح حديثا مشبوها الغرض منه إعادة الامور الى سالف عهدها وكأن كل هذا العدد من الضحايا وكل هذا الدمار لم يكن كاف.

 

لقد صدرت العديد من التصريحات التي تتصف "بالولولة" والحرص على أبناء القطاع، وضرورة إيقاف معاناتهم، إلا انها تدعوا فيما تدعوا الى عودة العمل باتفاقية المعابر السابقة، ووجود مراقبين دوليين، أي، إعادة الوضع كما كان عليه في السابق، لهؤلاء نقول بان هذه الدعوات مشبوهة، ولا يجب ان تمر على أبناء الشعب الفلسطيني، إسرائيل غير قادرة على الاستمرار في الحصار، لان مبرر فرضه سقط أخلاقيا ومعنويا لأنه غير مفهوم للعالم، وغير مبرر ولا داع لفرضه مهما كانت الأسباب، وهو مرفوض قانونيا لأنه أصلا غير قانوني، وهو غير شرعي لأنه يفتقد إلى الحد الأدنى من الشرعية،وهذه فرصة لن تتكرر ويجب اغتنامها بكل الطرق حتى لو افترضنا جدلا بأنه سوف يستمر الحصار لعام أو أكثر.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ