-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
من
أساليب التربية النبوية القسـَم الدكتور
عثمان قدري مكانسي
إنه من أشد أنواع التأكيد(1) ، فالمسلم يقسم بخالق الكون وبارىء النسم
أن ما يقوله أو يقرره صدق لا
جدال فيه ، سواء أكان ذلك سلباً
أم إيجاباً .
والقسَم طريقة من طرائق
الإقتناع والوصول إلى إرضاء
المخاطب والدخول إلى نفسه ،
وجلاء الشك فيه .
وقد سلك رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ هذه الطريقة
لإقناع المسلمين ، فعن أبي
هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول
الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال
: (( . . . والذي نفسي بيده ، لقد
هممت أن آمُرَ بحطب فيُحتطب ، ثم
آمُرَ بالصلاة فيؤذنَ لها ، ثم
آمر رجلاً فيؤمَّ الناس ، ثم
أخالفَ إلى رجال فأحَرّقَ عليهم
بيوتهم (2) . . ))
فالرسول الكريم يوضح مكانة
صلاة الجماعة ، وينعى على الذين
يهملونها كسلاً ، ويؤكد أنه همّ
عدة مرات أن يعاقبهم ، فأقسم
بالله سبحانه وتعالى ـ وهو
الصاق الصدوق الذي لا يحتاج إلى
القسم ـ أنه كاد يعاقبهم على
تخلفهم عن صلاة الجماعة .
وأقسم رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ القسم نفسه على شدة
هول يوم القيامة ، وما أعد الله
للكافرين من العذاب ، وذكر أن
الناس غافلون عنه ، فقد روى أبو
هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال :
خرج النبي ـ صلى الله عليه
وسلم ـ على رهط من أصحابه يضحكون
ويتحدثون ، فقال : والذي نفسي
بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم
قليلاً ولبكيتم كثيراً ، ثم
انصرف وقد أبكى القوم(3)
.
وفي معرض وجوب اتباع سنته
والسير على منهجه ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ينهي عن التنطع في
الدين ، لأنه يسر .
تروي عائشة ـ رضي الله عنها
ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ قال : ما بال أقوام
يتنزهون عن الشيء أصنعه ؟ ! . . فوالله
إني لأعلمهم بالله وأشدهم له
خشية(4) .
فقد أقسم رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ أنه أعرف الناس
بالله تعالى ، وخشيتـُه لله
سبحانه إنما تأتي من معرفته
الحقةِ له ، ويعْرفـُه من بعده
العلماء العاملون ( إِنَّمَا
يَخْشَى اللَّهَ مِنْ
عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )(5) . ولا
ينبغي لمؤمن بالله ، مسلمٍ
متبعٍ للرسول ـ صلى الله عليه
وسلم ـ إلا أن يكون مثله في
عبادته .
وحين يرى عاملـَه يأتي
بالزكاة ويقتطع لنفسه شيئاً
يزعم أنه أهدي إليه ، يوبخه ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ثم يعلو
المنبر موضحاً أن ما يأخذه
العامل غير أجرِه إنما هو رشوة
يحاسب عليها يوم القيامة ،
ويقسم على ذلك لتأكيد هول
الموقف وخطورة
أخذ الرشوة .
يروي أبو حميد الساعدي أن
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ قال : . . . . . والذي نفسي بيده ،
لا يأتي بشيءٍ إلا جاء به يوم
القيامة يحمله على رقبته ، إن
كان بعيراً له رغاء ، أو بقرة
لها خوار ، أو شاة تيعر(6) . . . .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله
عنه ـ قال :
خرج رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ذات يوم أو ليلة ،
فإذا هو بأبي بكر وعمر ـ رضي
الله عنهما ـ
فقال : ما أخرجكما من
بيوتكما هذه الساعة ؟
قالا : الجوع يا رسول الله .
قال : والذي نفسي بيده
لأخرجني الذي أخرجكما(7) . . . ( والحديث طويل )
فالرسول ـ صلى الله عليه
وسلم ـ يتحبب إليهما ، وأنه خرج
لِما خرجا له ، ويقسم على ذلك .
وهكذا نرى أن القسم جاء
تأكيداً للمعاناة التي يعانيها
الصحابة من جوع وشظف عيش ،،
وتصويراً لاشتراك الجميع فيها ،
دون أن يحتاج صاحبه للقسم عليه .
وكثيراً ما كان العرب
يستعملون القسم لا لكبير حاجة ،
إنما هو أسلوب من أساليبهم .
ومن بديع أحاديث رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ الجامعة :
الحديث الذي صدّره بالقسم ليشد
الانتباه إليه والتفكير فيه ،
مع استحضار اليقين . ثم يصورُ
أربعة أنواع من الناس ، تجمع كل
اثنين منهم النية ، لأنها مفتاح
الجنة أو النار :
فعن أبي كبشة عمر بن سعد
الأنماري ـ رضي الله عنه ـ أنه
سمع رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم ـ يقول : (( ثلاثة ( أقسم
عليهن ) وأحدثكم حديثاً فاحفظوه
:
ـ ما نقص مال عبد من صدقة .
ـ ولا ظُلِمَ عبدٌ مظلمة صبر
عليها إلا زاده الله عزاً .
ـ ولا فتح عبدٌ باب مسألة
إلا فتح الله عليه باب فقر ، ( أو
كلمة نحوها ) ، وأحدثكم حديثاً
فاحفظوه عني : " إنما الدنيا
لأربعة نفرٍ :
1ـ عبدٍ رزقه الله مالاً
وعلماً ، فهو يتقي فيه ربه ،
ويصل فيه رحمه ، ويعلم لله فيه
حقاً ، فهذا بأفضل المنازل .
2ـ وعبدٍ رزقه الله علماً ،
ولم يرزقه مالاً ، فهو صادق
النية ، يقول : لو أن لي مالاً
لعملت بعمل فلان ، فهو بنيّته ،
فأجرهما سواء .
3ـ وعبدٍ رزقه الله مالاً ،
ولم يرزقه علماً ، فهو يخبط في
ماله بغير علم ، ولا يتقي فيه
ربه ، ولا يصل فيه رحمه ، ولا
يعلم لله فيه حقاً ، فهو بأخبث
المنازل .
4ـ وعبدٍ لم يرزقه الله
مالاً ولا علماً ، فهو يقول : لو
أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان
فهو نيّته ، فوزرُهما سواء(8) . (1)
لا
يحل لمسلم أن يقسم إلا بالله . (2)
رياض
الصالحين ، باب فضل صلاة
الجماعة ( متفق عليه ) . (3)
الأدب
المفرد الحديث / 254 / . (4)
متفق
عليه . (5)
سورة فاطر
: الآية 28 . (6)
رواه
الشيخان . (7)
من رياض
الصالحين الحديث / 495 / . (8)
رواه
الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |