-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هيلين
توماس.. عجوز متهوّرة؟.. كلمات
هادئة حول حملة صاخبة نبيل
شبيب عاصرت
عشرة رؤساء أمريكيين، وزاولت
مهنتها الصحفية 70 سنة، ومارست
دور مراسلة دائمة في مقر
الرئاسة الأمريكي منذ 50 عاما،
وترأست نادي الصحافة الوطني
للنساء الأمريكيات عام 1960م، ولم
ترهقها أعباء عملها أثناء الحرب
العالمية الثانية، ولم تتأثر
مسيرتها الصحفية عندما رفضت
-باعتبارها كبيرة المراسلين- أن
تختتم المؤتمرات الصحفية لبوش
الابن بالعبارة المعتادة
"أشكرك أيها الرئيس" بصورة
استعراضية (هي التي رفضت ذلك على
النقيض مما يتردّد في بعض
الكتابات العربية) ولم يطردها
سادة "البيت الأبيض" بسبب
حملاتها الصحفية الشديدة ضدّ
حربهم العدوانية في فييتنام
قديما، ولا بسبب حملاتها الأشدّ
ضدّ حربهم الإجرامية في العراق
حديثا.. وأسقطتها -في عهد
أوباما.. بالتزامن مع مرور عام
على كلمته المنمّقة الشهيرة في
القاهرة- عبارةٌ صدرت عنها،
ومؤدّاها أن فلسطين أرض
الفلسطينيين وليست أرض اليهود،
وأنّ على هؤلاء الرحيل عائدين
إلى بلادهم الأصلية، ألمانيا
وبولندا وأمريكا وسواها!.. زلة
لسان؟.. كانت
هيلين توماس المولودة عام 1920م
ابنة أحد المهاجرين اللبنانيين
إلى دولة السود والبيض والحمر،
والمسيحيين والمسلمين واليهود،
وكانت فخورة بانتمائها إلى
ثقافتين كما قالت عند محاولة
التلميح إلى ذلك بسبب
انتقاداتها العلنية للممارسات
العدوانية الإسرائيلية، إنّما
كانت انتقادات لا تتجاوز الخطّ
الأحمر -كما صنعت الآن- أي خطّ
التصريح العلني بالحق التاريخي
والقانوني الدولي لأهل فلسطين
بفلسطين، كحقيقة ثابتة، كما هي
دون تضليل. لا شكّ
أنّ سقوط عدد من المتضامنين من
أنحاء العالم -لا سيما من تركيا-
على متن أسطول الحرية، ضحية
الإجرام الإسرائيلي، كان
بمثابة القشّة التي قصمت ظهر
بعير الخطّ الأحمر، فدفعت ابنةَ
التسعين عاما إلى قول ما قالت
بكامل وعيها، فلها من الخبرة
الإعلامية والقدرة على التعامل
مع مختلف ألوان الطيف السياسي
الأمريكي، ما يؤكّد أنّها لم
تقل ما قالت كزلّة لسان، بل
نتيجة استعداد مسبق لأن تختم
حياتها المهنية بكلمة تدخل سجلّ
التاريخ الأمريكي، ويمكن أن
تساهم ولو يقسط ما.. في كتابة
صفحة مستقبلية أخرى فيه. حتى
الاعتذار الاضطراري تحت
الضغوط، الذي صدر عنها قبل
استقالتها الرسمية، لا يغيّر من
ذلك شيئا، لا سيما وأنّ
عباراتها في نص الاعتذار لم
تتضمّن كلمة واحدة تنفي من
خلالها صحّة ما قالت قبل أيام،
عامدةً متعمّدة، بالكلمة
والصورة، في حوار مباشر مع موقع
شبكي يهودي أمريكي، بل اكتفت في
الاعتذار بالقول إنها تعتقد
بضرورة السلام في المنطقة
بتوافق جميع الأطراف فيها، وهو
ما يعبّر عمّا يقال على نطاق
واسع في الوقت الحاضر، وعنوانه
الحقيقي: "سياسة واقعية"
عرجاء على حساب "حق تاريخي"
ثابت. تراكم
الاستياء.. وأصحاب القضية يوجد
شعور بالمرارة يفعل فعله في
تعليقات كثير من قرّاء بعض
المقالات المعدودة بالعربية
حول ما صنعته هيلين توماس وختمت
به مسيرتها الإعلامية الطويلة،
والمحور الرئيسي لتلك
التعليقات هو مخاطبة
الأمريكيين بكلمات من قبيل:
"لم لا تصرّحون بمثل هذه
المواقف وأنتم في أوج تألقكم
المهني؟.. لم تنتظرون حتى اللحظة
الأخيرة أو إلى ما بعد مغادرتكم
كراسي المناصب التي
تشغلونها؟".. لا ريب
في سلامة هذه التساؤلات من حيث
الأصل، إنما لا ريب أيضا في وجود
عوامل أخرى يحسن الالتفات إليها
بهذا الصدد على ضوء المثال الذي
يعطيه موقف هيلين توماس
والتعامل معه، ومن ذلك: 1- لا
يرتبط العمل لقضية فلسطين مع ما
يصنعه أي مسؤول سياسي أو إعلامي
في بلد غربي، وإن كان بمكانة
الولايات المتحدة الأمريكية،
بقدر ما يرتبط بالعمل من أجل
القضية من جانب أصحاب الحق
فيها، فهذا ما يجعل التضامن
العالمي يتصاعد يوما بعد يوم،
وهذا ما يدفع هذا المسؤول
السياسي أو الإعلامي إلى القول
بما كان يمتنع عن القول به من
قبل، سواء وهو في المنصب مخاطرا
به، أو بعد المنصب مخاطرا أيضا
بمكانته المرتبطة بمنصبه سابقا. 2- لا
يخفى أنّ الأعمّ الأغلب هو
الانحياز المطلق لصالح الباطل
الصهيوني عبر المناصب الرسمية
وشبه الرسمية في الغرب، وخارج
نطاقها أيضا، وهو انحياز مرتبط
ارتباطا وثيقا بتلاقي مآرب
الباطل الصهيوني مع مطامع
ممارسات الهيمنة الغربية
الباطلة عالميا، ولكنّ المواقف
غير المنحازة أو الأقل انحيازا
أو الصريحة دون "رتوش"،
والتي باتت كثيرة متكررة قبيل
مغادرة المنصب أو بعدها -وهو ما
أعطت هيلين توماس مثالا عليه،
واشتهر من الأمثلة أيضا كتاب
"السلام أو العنصرية"
لجيمي كارتر من قبل- هذه المواقف
تكشف لمن يتابعها داخل الولايات
المتحدة الأمريكية نفسها، أنّ
الانحياز قائم على التزوير
المتعمّد، ولا يستند حتّى إلى
جهل مزعوم بما تفرضه مبادئ
العدالة والحق والثوابت
التاريخية والقانون الدولي،
فهو نتيجة مباشرة لانتهاك هذه
المبادئ. 3- إذا
كانت هذه المواقف لا تغيّر
-فوريا- شيئا ما من "واقعية
السياسة المنحازة"، فهذا هو
الأصل والمنتظر منطقيا، وعندما
تسبّب شعورا بالمرارة، فهو بسبب
ما يُعلّق عليها من آمال أو
تمنيات غير واقعية، ولا ينبغي
ذلك، فالذي يغيّر مجرى السياسة
ويعطيه اتجاها آخر، هو العمل
الدائب للقضية من جانب أصحابها
على أرض صناعة الحدث محليا
ليترك آثاره الفعالة دوليا. 4- رغم
ذلك تبقى لتلك المواقف قيمة
ذاتية، يمكن أن تظهر من خلال
مفعول تراكمها، موقفا بعد موقف،
في مستوىً سياسي أو إعلامي بعد
آخر، وبضجّة صغيرة أو كبيرة، إذ
أن هذا التراكم هو الذي ينشر
"الاستياء" المتصاعد على
مستوى الرأي العام، وهو الذي
يمكن أن يتحوّل مع مرور الزمن
إلى مصدر ضغوط شعبية أكبر،
يرتبط تنامي مفعولها
باستمرارية تنامي مفعول ما
يُصنع من أحداث وتطورات على أرض
القضية مباشرة، لا سيما وأنه لا
يمثل استياء من "سياسات
الانحياز" فقط، بل الأهمّ من
ذلك أنّه يكشف في الوقت نفسه عن
تحكّم "فئة" محدودة العدد،
منحرفة المقاصد، عدوانيّة
الممارسات، على مفاصل القرار من
وراء واجهات سياسية منتخبة،
ومسؤولين غربيين يُفترض بهم
تمثيل مصالح ناخبيهم من غالبية
شعوبهم!.. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |