-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
كرة
القدم: مباريات كروية أم
مواجهات حضارية؟ بوفلجة
غيات كل
مناسبة كروية عالمية تمرّ إلا
ويتعزز دور وأهمية كرة القدم
التي تحولت من مجرد مباريات
رياضية تلتقي الفرق من خلالها
مما يؤدي إلى تقارب الشعوب
والأمم، بل تحولت هذه المناسبات
إلى أكثر من منافسات، بل وصلت
مرحلة ما يمكن أن نطلق عليه
بالصراعات الرياضية، بل ما يشبه
بالحروب الرياضية. فالمباريات
الدولية لكرة القدم مثل الكؤوس
القارية والكأس العالمية
والمنافسات الأولمبية الدولية،
عرفت تحولات كبيرة واكتسبت
أهمية متزايدة. وقد اختلط فيها
الرياضي بالإقتصادي بالسياسي
بالثقافي والحضاري. إلا أن ما
يلفت الإنتباه في مباريات
العالم الأخيرة بجنوب إفريقيا،
تزايد الإهتمام بكرة القدم على
كل المستويات، ومنها السياسية
والحضارية. إن ما
يميز مباريات كرة القدم، أنها
تلعب على نفس الملاعب من طرف أحد
عشر لاعبا لكل فريق، وتبقى
الكفاءة والخبرة واللياقة
البدنية هي التي تحدد النتائج،
بغض النظر عن الدول وقوتها
العسكرية والإقتصادية
والسياسية. بدون شك فإن قوة
الدولة وسلامة اقتصادها تساعد
دون شك في الوصول بالفرق إلى
المراتب الأولى وإلى النهائيات
في مختلف المباريات. مع ذلك ليس
بغريب وصول فرق دول نامية إلى
التصفيات النهائية، بحيث تواجه
فرق دول كبيرة وقوية، ومع ذلك قد
تكون المنافسات حادة وصعبة. مثال عن
هذه المواقف، وصول الجزائر إلى
كأس العالم بجنوب إفريقيا،
ولعبها ضد فريقين بارزين وهما
بريطانيا والولايات المتحدة
الأمريكية. وهي مواقف خاصة،
تدفع إلى التأمل والملاحظة. فلا
الجزائر، ولا العرب كلهم بل ولا
المسلمون أيضا، تمكنوا من
مواجهة بريطانيا التاريخية
وإلى اليوم، ولا الولايات
المتحدة الأمريكية، لما
للدولتين من قوة عسكرية
واقتصادية وسياسية، بل وحتى
رياضية. مع ذلك
وقف الفريق الجزائري في مواجهة
الفريق الإنجليزي، في مباراة
حاسمة مثيرة للإنتباه. وقد شدّت
هذه المباراة انتباه السياسيين
والإعلاميين والرياضيين
والأنصار من المواطنين
العاديين لكل فريق، قبل
المباراة وأثناءها وبعدها. وهكذا
نجد أكثر من 30 مليون جزائري
ناصروا وآزروا الفريق
الجزائري، رغم اختلاف أعمارهم
وثقافاتهم وانتماءاتهم الحزبية
وميولهم السياسية، بما فيهم
المدمنون على تتبع أخبار
الرياضة وغير المهتمين بها.
ولكن عند اقتراب المواعيد
الرياضية فالكل يشاهد ويؤازر
ويعلق. فيتابع الكلّ على شاشات
التلفزيون المباراة التي لها
طابع قومي، وهم قلقون وأعصابهم
متوترة. وقد أصبح الأطباء
ينصحون المشاهدين، وخاصة ذوي
الأمراض القلبية والعصبية،
تناول مهدئات قبل مشاهدتهم
للمباريات الكروية المهمة ذات
البعد القومي. وهكذا
فإن دخول الكرة إلى مرمى أحد
الفريقين في جنوب إفريقيا، قد
يؤدي إلى فرح وانشراح، أو إلى
حزن وإحباط في أماكن قد تكون جدّ
بعيدة. عملية بسيطة تكون آثارها
النفسية والإنفعالية كبيرة،
مما يوضح المكانة الآثار
والتداعيات التي تترتب عن
مباريات في كرة القدم وخاصة
الدولية منها. والقضية
لا تقف عند هذا الحدّ، بل أن
التعاطف مع الفريق الجزائري،
شمل مجتمعات غالبية الدول
العربية والإسلامية. فرغم ضعف
الفريق ونقص تجربته مقارنة
بالفريق الإنجليزي، إلا أن
العرب والمسلمين عبر العالم
تعاطفوا مع الفريق الجزائري،
وتمنوا فوزه، وذلك رغم أن كثيرا
من هذه المجتمعات لا تعرف حتى
موقع الجزائر على الخريطة
الجغرافية. نفس
الشيء بالنسبة للفريق
الإنجليزي، حيث آزره أكثر من 50
مليون إنجليزي، وتمنوا فوزه.
كما أنه نال تشجيع ومناصرة كل
الغربيين والمسيحيين عموما في
أوروبا وأمريكا وآسيا. وهكذا
انقسم العالم كرويا وسياسيا
وحضاريا، بين الفريقين ولكل
منهما حضارة تقف وراءه وتشجعه.
وهنا كان على بريطانيا مواجهة
الفريق الجزائري، على أرضية
الملعب، عبارة عن صراع رياضي
وحضاري، بين فريق عربي يريد
إثبات نفسه وقوته، حتى ولو كان
ينتمي إلى دولة ضعيفة متخلفة.
وفريق آخر إنجليزي يريد فرض
نفسه على أنه الأقوى، وأنه يمثل
الغرب بحضارته العريقة، وأن
بإمكانه الإنتصار على أرضية
الملعب، كما يفعل في مجالات
الحرب والسياسة والإقتصاد. لهذا
فلما تعادل الفريق الجزائري مع
الفريق الإنجليزي كانت هناك
ردود أفعال من المناصرين لكلا
الفريقين، فالبعض فرحين ينظرون
بأمل وتفاؤل إلى الفريق
الجزائري، وآخرون يرون تعثر حظ
الفريق الإنجليزي الذي اكتفى
بتعادل مع فريق ضعيف خرج من
العدم. نفس
الشيء بالنسبة لمباراة الجزائر
مع فريق الولايات المتحدة. إذ أن
الفريق الجزائري وجد نفسه في
موقف مدافع عن كرامة العرب
والمسلمين، في وجه فريق يمثل
دولة مساندة لإسرائيل رغم
عدوانها، قامت باحتلال العراق
وقامت بتحطيمه، وهي تقوم حاليا
بحرب على مسلمي أفغانستان. هي
العدوّة اللدودة للعرب
والمسلمين عموما. لهذا لم
تكن مباراة كرة القدم بين
الفريقين مباراة رياضية عادية،
بل أن الفريقين يمثلان حضارتين
متصارعتين منذ عقود. لذلك ليس
بغريب وقوف المشجعين العرب
والمسلمين، وخاصة من العراق
وفلسطين، إلى جانب الفريق
الجزائري. في حين وقف االغربيون
والإسرائيليون إلى جانب
الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد ظهرت الألوان الجزائرية إلى
جانب الأعلام الفلسطينية،
وظهرت أعلام الدول الأوروبية
والغربية إلى جانب أعلام
الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا
لم تبق المباريات الكروية
العالمية منحصرة في الجانب
الرياضي، بل توسعت تداعياتها
إلى مجالات سياسية، تسعى الدول
والحكومات إلى استثمار نتائجها
في توازنات السياسة الداخلية،
وقد تكون تداعياتها إيجابية أو
سلبية. كما أصبحت كرة القدم
تتحكم في عواطف المشاهدين
والمشجعين، وأصبحت الحالة
النفسية للمشاهدين تتميز
بالخوف والقلق، حيث أن عواطف
المشاهدين وكأنها كرة تتقاذفها
الأقدام. وكثيرا ما تنتهي
مباريات كروية بمآسي بسبب عدم
قدرة أفراد على تحمل الضغوط
والهزائم والنتائج السلبية
لبعض الفرق الكروية التي يتم
تشجيعها بقوة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |