-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
السودان
على موعد وشيك مع الوحدة أو
الانفصال عريب
الرنتاوي لا يبدو
الدكتور محمد عثمان محمد سعيد،
سفير السودان في عمان، قلقاً
حيال نتائج الاستفتاء الذي
سيجري في كانون الثاني/ يناير
المقبل، فهو من موقع الخبير في
شؤون الجنوب، وليس من موقعه
الدبلوماسي فحسب، يدرك تمام
الإدراك، أن ما يشد الجنوب إلى
الشمال ويربطه به، أقوى وأمتن
مما يباعده عنه أو يفرّق بين
شطري الوطن الواحد، ويكاد سعادة
السفير يجزم بأن الجنوبيين
بقليل من "العقلانية" في
السلوك وحساب المصالح، وكثير من
النزاهة" و"الشفافية" في
عملية الاستفتاء، سوف يصوتون
بغالبيتهم الوازنة لصالح
الوحدة. يحتل
جنوب السودان ما مساحته 30
بالمائة (800 ألف كم مربع) تقريبا
من إجمالي مساحة السودان، ويشكل
الجنوبيون ما يقرب من 21 بالمائة
(8 ملايين مواطن) تقريباً، يحظون
بثلاثين بالمائة من مقاعد
المجلس الوطني (الثلث المعطل)،
وبما يؤمن لهم قدراً من
الطمأنينة والاطمئنان بعدم
تغوّل الأكثرية الشمالية على
الأقلية الجنوبية، وإخضاعها
لقوانين وأنظمة لا تنسجم مع
توجهات غالبيتهم العظمى، عملاً
بقاعدة "سودان واحد بنظامين". مصدر
ثقة سعادة السفير وغيره من
القيادات السودانية الشمالية
والجنوبية، عائد لحجم ومتنانة
الروابط التاريخية التي تجمع
الشمال بالجنوب، صحيح أن النفط
أسال لعاب قادة الحركة الشعبية
للانفصال بسبعين بالمائة من نفط
السودان، إلا أن هؤلاء يدركون
أن طريق النفط الوحيد المتاح
الآن ولسنوات عدة قادمة، سيمر
بالشمال وصولا إلى بورسودان،
كما أن كثرة كاثرة من قبائل
الجنوب تفضل الارتباط مع الشمال
على الخضوع لديكتاتورية قبائل
"الدينكة" التي تتشكل منها
الحركة الشعبية وجيشها الشعبي. وثمة
تجربة لا تشجع كثيرين على
التساوق مع شعارات متطرفي
الحركة الشعبية وغلاتها، فهذه
الحركة استحوذت تحت شعار "تقاسم
الثروة" على 11 مليار دولار
خلال خمس سنوات فقط، ذهب أكثرها
في جيوب كبار المتنفذين وتحولت
إلى "فلل وقصور" في الخرطوم
وأوروبا وغيرها، وذهب الجزء
الآخر منها إنفاقا على التسلح
والتدريب وإرضاء المقربين
والمريدين والأنصار. وتخشى
أوساط جنوبية واسعة، بما فيها
أوساط نافذة في الحركة الشعبية
ورعاتها الدوليين في الولايات
المتحدة وأوروبا، أن يفضي
استقلال الجنوب إلى تفعيل مبدأ
"الدومينو" وتبدأ دول
أفريقية عدة في التشقق والتشظي
اقتداء بالسابقة السودانية،
وسيدخل الجنوب المنفصل عن الوطن
في نزاعات حدودية أرهقت السودان
الموحد مع دول تتميز بتداخلها
الجغرافي والديمغرافي (القبلي)
مع الجنوب، ومن بينها بشكل خاص،
كل من زائير وكينيا وأوغندا،
التي لن يعود لها حدود مع
السودان، وستدخل في نزاعات
قبلية – حدودية مع "دولة
الجنوب الناشئة". ثمة ما
يقرب من مليون جنوبي يعيشون في
الخرطوم وحدها، وثمة انتشار
جنوبي في دول الجوار، وثمة
فوارق بين جنوبي المناطق
المحاذية لولايات الشمال،
وجنوبي جنوب الجنوب، وثمة تنوع
إثني وديني وقبلي في المنطقة،
سيجعل مهمة إنفصاليي الحركة
الشعبية ليست يسيرة في كل
الأحوال، وتجعل الانفصال
احتمال من بين احتمالين، يصعب
موضوعيا ترجيح كفة أحدهما على
الآخر. وثمة
أوساط في الحركة في الشعبية،
تفضل الانفصال، بيد أنها لا
تريده الآن أو غداً، فهي تشعر
بأنها غير ناضجة بعد لإدارة
دولة غير مكتملة الموارد، وغير
موحدة الإرادة، وتنتظرها
صراعات داخلية وأخرى مع الجوار
وثالثة مع "الشمال" قد تجعل
من فرض بقائها متعذرة، وهناك من
يفضل الانفصال بعد حين، أو حين
تكتمل الشروط، بل وهناك من يفضل
"كونفدرالية" سودانية، أو
"سودان واحد بنظامين" على
الانفصال في دولة مستقلة. حتى
الاستراتيجيات الإقليمية
والدولية حيال الجنوب، تبدو
متحركة ومتبدلة، لا توجد هناك
وحدة في الموقف الدولي حيال
مستقبل السودان، الولايات
المتحدة وإسرائيل واليمين
الكنسي، تريد انفصالا سريعا
للجنوب، إسرائيل تريد قاعدة
نفوذ هناك على مقربة من النفط
والنيل، والولايات المتحدة
تخطط لإقامة قيادة القوات
الأمريكية في أفريقيا في هذه
البقعة بعد أن تعذر عليها
الحصول على ملاذ آمن لها في
القارة السوداء، وهناك دول
واتجاهات أوروبية أخرى، تبدي
حذرا ملحوظا حيال "قفزة
جنوبية في المجهول". العرب
كعادتهم غائبون عن المشهد،
ووزير الخارجية السودانية
الجديد على كارتي تحدث قبل
يومين عن تآكل دور مصر في
السودان، ما أثار حفظية مصر
وغضبها، علماًُ بأن الرجل لم
يقل أكثر مما يمليه واقع الحال،
والأرجح أن العرب سيتنبهون
للمسألة متأخرين كعادتهم،
وغالباً في واحد من الاحتمالات
الثلاثة التالية: الأول، عندما
ينفصل الجنوب ويتحول إلى قاعدة
إسرائيلية أمريكية وأداة
ابتزاز لمصر ومياه النيل...والثانية:
عندما يفضي التدخل في الاستفتاء
والعمل على تزوير نتائجه إلى
حدوث صدام شمالي جنوبي يقرع
ابواب حرب أهلية متجددة...والثالث:
إن صوت الجنوب للانفصال بصورة
سلمية ونزيهة، وتعثرت بعد ذلك
محادثات ترسيم الحدود ونقل
السكان وتبادل الثروات
وتقاسمها، واضطر الجانبان لخوض
معارك الحسم العسكري من جديد. وبفرض
أن العرب استيقظوا على وقع هذه
السيناريوهات الكارثية، فإن
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح
هو: ماذا هم فاعلون؟. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |