-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 28/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الغرب على أمواج أسطول الحرية

حدود التبدّل في المواقف الغربية من حصار غزة 

وقضية فلسطين

نبيل شبيب

ما الذي دفع الدول الغربية إلى المطالبة برفع الحصار عن غزة، واعتبار ما يصفه الإسرائيليون بتخفيف الحصار مجرّد خطوة "غير كافية" في الطريق الصحيح؟.. ما الذي جعل بعض الجهات الأوروبية تطالب بفتح تحقيق دولي وعدم القبول بلجنة تحقيق داخلية إسرائيلية؟.. هل يعود ذلك فقط إلى مفعول الرأي العام الغاضب من الجريمة الإسرائيلية في المياه الدولية ومقتل عدد من الناشطين في الدفاع عن حرية غزة؟.. أم أنّ الغضب التركي المتصاعد من وراء الحدث وتداعياته الإقليمية، يثير قلق الدول الغربية، فتحاول ترميم ما أفسده الإجرام العسكري الإسرائيلي؟.. أم هل يمكن تخمين وجود "غضبة رسمية عربية وراء الكواليس" تتناقض مع ضعف ردود الفعل العربية الرسمية وتلوّنها أو تحصرها في شكليات لا تقدّم ولا تؤخر؟..

 

إخفاق الحصار

لا شكّ أنّ من أسباب التبدل في الموقف الأوروبي -وليس السياسة الأوروبية تجاه قضية فلسطين من حيث الأساس- يعود إلى أن الجريمة البحرية أتت بعد فترة قصيرة من جريمة اغتيال البحبوح مع الاستهتار بالوعود الإسرائيلية على صعيد استغلال جوازات سفر أوروبية مزوّرة، وأنّ من أسباب التبدل المحدود للغاية في الموقف الأمريكي -وليس الانحياز المطلق في السياسة والمواقف- ما يعود إلى آثار استعراض القوى الصهيونية الإسرائيلية والأمريكية للاستهتار المباشر بالوعود والمطالب التي صدرت عن الرئيس الأمريكي أوباما بشأن ما يسمّى الاستيطان، ويعني التهويد، بعد أن عقد أملا على تحقيق أغراض سياسية كبيرة في المنطقة العربية والإسلامية.. لو استجيب جزئيا إلى طلبه.

ويضاف إلى ذلك مفعول الرأي العام، فبعد الجريمة البحرية لا يكاد يوجد طرف يدافع عن السياسة الإسرائيلية عبر وسائل الإعلام الغربية دفاعا مقنعا بالمقاييس الغربية نفسها ليجد أصداء إيجابية ما، بل على النقيض من ذلك ازداد مع فعاليات الناشطين من أجل غزة عدد الذين يرفعون أصواتهم بالتنديد العلني الشديد، من مختلف الأوساط السياسية والنيابية والثقافية والإعلامية، بدرجة لا تُقارن مع أي فترة مضت.

ولكن سبق لجميع هذه الأسباب أن توافرت من قبل بدرجات متفاوتة، ولم يسبق أن شهدت المواقف الرسمية الغربية تبدّلا بحجم ما تجده الآن، وهو ما يدفع إلى التساؤل عن السبب الأبعد تأثيرا، الذي جعل من الجريمة البحرية "سببا مباشرا" لتعديل المواقف، والجواب ببساطة هو ما تذكره أسبوعية دي تسايت الألمانية (على سبيل المثال والأمثلة عديدة):

لقد أخفق حصار غزة إخفاقا ذريعا في تحقيق أهدافه على امتداد ثلاث سنوات مضت.. وتشير الصحيفة إلى أن صناعة السلاح المحلية مستمرة، وأن وصول كثير من الاحتياجات المعيشية مستمر، وأن الغايات المعلنة رسميا للحصار لم تتحقق، وتعني بذلك "تحرير شاليط" دون مقابل، و"تركيع حماس" لنهج أوسلو، وإكراه الشعب الفلسطيني على التنازل عمّا لا يمكن التنازل عنه من حقوق مشروعة بمختلف المقاييس.

 

استمرارية أهداف الحصار

لا بدّ هنا من التمييز بين إدراك المسؤولين الغربيين أن "وسيلة" الحصار لم تحقق الغاية منها، وبالتالي لا ينبغي "المخاطرة" بمزيد من التداعيات إذا استمرّ التشبّث بها كما هي، وبين استمرار تشبّثهم بالأهداف التي كان الحصار وما يزال وسيلة من الوسائل لبلوغها، سواء في ذلك ما سبق تعداده من أهداف مباشرة، أو ما يبقى من قبل ذلك ومن بعده، ويتمثّل في ترسيخ الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، والتمكين من استمراره وهيمنته إقليميا عبر ما يسمّى تطبيعا أو مبادرات سلام أو خرائط طريق أو ما شابه ذلك.

لا يحتاج الموقف الأمريكي إلى توضيح كبير، فقد بقي يجمع ما بين المطالب الكلامية وتسويغ مختلف الجرائم الإسرائيلية بما فيها الجريمة البحرية نفسها على لسان عدد من الساسة الأمريكيين بمن فيهم جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي. فهل يمكن اعتبار الموقف الأوروبي الجديد مختلفا اختلافا حقيقيا عمّا كان من قبل؟..

مطالبة الاتحاد الأوروبي يوم 17/6/2008م، على لسان المفوضة لشؤون سياسته الخارجية آشتون، ومن خلال بيان صادر عن المجلس النيابي الأوروبي، بأن يكون "تخفيف الحصار" خطوة على الطريق إلى رفعه نهائيا، مع المطالبة بتحقيق دولي حول الجريمة البحرية، أمرٌ يمثل تبدّلا في المواقف، ولكنه يقترن بعدّة أمور أخرى بالغة الأهمية، في مقدمتها:

1- استمرار تحريم وصول السلاح إلى الطرف الضحية في غزة (وفي فلسطين عموما) مقابل عدم الامتناع عن دعم الطرف الإسرائيلي العدواني على صعيد زيادة تسلّحه وقدراته على صناعة السلاح بنفسه، ودعم استخدامه له بدعوى "حق الدفاع" عن أمنه وسلامته.

2- استمرار التشبّث بالرؤية الصهيونية الغربية لفرض السلام مع التخلّي عن الأرض أو الجزء الأعظم منها، وما يسمّى التطبيع على الطريق إلى السلام "الجائر"، وحصار المقاومة المشروعة دوليا وإقليميا ومحليا بمختلف السبل، التي كان "الحصار" إحدى وسائلها المقرّرة دوليا وصهيونيا في وقت واحد، والذي ما يزال قائما تحت التطبيق على مستوى إقليمي عربي إلى حد بعيد.

3- استمرار تنفيذ أهداف الحصار واقعيا.. من خلال الاستعداد لقيام جهات دولية عليه، بما في ذلك قّوة عسكرية أوروبية، في عرض البحر، وعلى المعابر والحدود، بحجة منع وصول السلاح، مع اقتران ذلك برفض مشروعية الحكومة المنتخبة والاستمرار على التعامل مع مَن لا يزال يمثل "الصوت الغربي والإسرائيلي" بالنسبة إلى أصل وجوده وبقائه ومفاوضاته، ما يراد أن يكون أثقل وزنا بالإكراه من صوت الناخب الفلسطيني.

ليس في تبدّل المواقف الغربية جديد إلا من حيث الوسائل المتبعة لتحقيق أهداف مرفوضة أقلّ ما يمكن وصفها به هو الانحياز المطلق للطرف الإسرائيلي، فإن غاب عن الأذهان أنّها أهداف عدائية من حيث الأساس للحق الفلسطيني والعربي والإسلامي، في قضية فلسطين المحورية بصورة مباشرة، وعلى مختلف الأصعدة الأخرى ذات العلاقة بنهوض المنطقة من جديد على أي صعيد سياسي أو اقتصادي أو أمني.

 

تركيا.. وقضية فلسطين

ليست قضية فلسطين هي قضية "حصار غزة" فقط، وهو ما لا يحتاج إلى تأكيد وبيان، ومن منظور القضية بمجموعها إضافة إلى منظور ما يرتبط بالحصار من جوانبها العديدة، يمكن القول إنّ التبدّل الحقيقي الذي يمكن البناء عليه في الساحة الدولية هو التبدّل الإقليمي، الذي أصبحت تركيا في الواجهة على صعيده، وقد تواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل دوليا وعبر التخطيط لمؤامرات داخلية، إن بقيت بمفردها في الساحة، ليس الفلسطينية على وجه التحديد، وإنما في ساحة صناعة مستقبل آخر للمنطقة العربية والإسلامية.

لم تتحرّك تركيا في الساحة الفلسطينية فقط، بل يكاد يمكن القول إنّ من أهداف تحرّكها في هذه الساحة فتح أبواب التعاون والتكامل مع البلدان العربية على وجه التخصيص، ولا يزال التجاوب معها مقتصرا على أدنى الدرجات التي "ترفع" أسباب الحرج، فهل يمكن القول إن ضعف التجاوب العربي الرسمي راجع إلى أن السياسات الرسمية التركية "أفسدت" على السياسات الرسمية العربية ما تريد الوصول إليه في قضية فلسطين، أو في تصفية قضية فلسطين، على أساس "مبادرة وتطبيع"؟..

لقد دعمت تركيا قوافل الناشطين إلى درجة أن يضحّي بعضهم بنفسه من أجل فلسطين وشعبها وأرضها، فدخلت بذلك جولة سياسية على المستوى الإقليمي والدولي لا تخلو من مخاطر كبرى، داخلية وخارجية، ولا يمكن أن يستمرّ التحرّك التركي مع تحقيق أهدافه كما ينبغي، إذا اقتصر التجاوب على سورية وإيران لأسباب معروفة، كما هو في الوقت الحاضر، ولا ريب أنّ في مقدمة ما تتطلع إليه الحكومة التركية هو أن تعود حكومات دول "الاعتدال" إلى "الاعتدال" الحقيقي بمفهومه العربي والإسلامي، بدلا من مفهومه الأمريكي. ومهما بلغت الارتباطات بين هذه الدول وبين الغرب، فقد كانت الارتباطات بين تركيا والغرب هي الأقوى تاريخيا وحتى الآن وفي مختلف الميادين، ولم يمنعها ذلك من التحرّك وفق رؤية مستقبلية بعيدة المدى وخطوات مدروسة محسوبة رغم ما تنطوي عليه من مخاطر. ولئن ساهم ذلك إسهاما كبيرا في دفع الدول الغربية إلى تعديل موقفها ولو جزئيا بعد الجريمة البحرية الأخيرة، فما الذي يمكن توقعه إذا تحوّل التحرّك التركي إلى تحرك إقليمي جامع مشترك، انطلاقا من رؤية مستقبلية بعيدة المدى، وخطوات مدروسة محسوبة وإن انطوت على بعض المخاطر؟..

لعل في مقدمة ما تحتاج إليه حكومات دول أخرى لتسلك طريق تركيا أو لتشاركها على هذا الطريق بفعالية أكبر، هو تأمين نفسها داخليا، كما صنعت حكومة حزب العدالة والتنمية، من خلال الارتباط بتمثيل إرادة الشعب تمثيلا قائما على أسس حقيقية متينة ظاهرة للعيان، ومن خلال الممارسات السياسية والاقتصادية وسواها على صعيد خدمة المصالح العليا، مع مكافحة التبعية الأجنبية والفساد الداخلي.

لقد كشف التعامل الدولي مع تركيا نفسها بعد الجريمة البحرية الأخيرة أنّ تأثير الإرادة السياسية المرتبطة بالإرادة الشعبية تأثير كبير، وهذا في مقدّمة الدروس التي يجب استخلاصها من الأحداث التي ما زالت جارية ومتتابعة على "أمواج أسطول الحرية".. ومن لا يستفيد من هذه الدروس يمكن أن يصبح في مقدّمة من يغرق تحت تلك الأمواج.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ