-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 29/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تدافع المسؤولية عن الهزيمة في أفغانستان

أبعاد الهزيمة المحتّمة بمنطق التاريخ ومسيرة 

الحضارة البشرية

نبيل شبيب

هل المشكلة مشكلة خلافات بين السياسيين والعسكريين في واشنطون؟.. وهل يمكن أن تنشأ خلافات أثناء "القتال" لو كانت أمور القتال جارية على ما يرام من وجهة نظر الاحتلال العدواني؟.. وهل يتجدّد الحوار حول "استراتيجية جديدة" لعدّة شهور، كما جرى مرة بعد أخرى من قبل، ثم يتمخّض الحوار بين "كبار القوم" عن نتيجة أفضل؟..

القائد العسكري الأمريكي ماكريستال هو الذي طلب إرسال مزيد من الجنود الأمريكيين، بعشرات الألوف، وهو الذي استجاب له رئيسه أوباما، وهو الذي تحدّث عن خطط عسكرية جديدة تحقّق ما لم تحقّقه خطط عسكرية قديمة، وهو الذي يشكو من السياسيين في واشنطون الآن، كما لو كانوا هم في أفغانستان يديرون المعارك العسكرية التي يدير، وينفذون الخطط العسكرية التي ينفّذ، وهو مصدر المعلومات التي تصل إليهم وباتت موضع "قلق ونقد" من جانبهم، وهو الأعلم من سواه بأن جميع ما خطّط له، وجميع ما نفّذه، لم يحقق ما كان يتطلّع إلى تحقيقه!..

ليست المسألة مسألة خلافات بين قادة سياسيين وقادة عسكريين، بل مسألة تدافع المسؤولية عن هزيمة محققة، لم يعد يمكن تجنّبها، ولم يعد يمكن التغطية عليها، ولم تعد الدول الأخرى المشاركة فيها على استعداد لمزيد من المخاطرة تحت راية المغامرات العسكرية الأمريكية، بدءا ببريطانيا التي أعلنت أنّها لن تزيد عدد قواتها، وهو إعلان لا يشير فقط إلى "عدم جدوى" ذلك فقط، بل يمكن اعتباره مقدّمة لانسحاب محتم.. وانتهاء بألمانيا، التي ناورت طويلا ثم زادت عدد "أفراد" قواتها العسكرية، ورفعت في الوقت نفسه نسبة من لا يقوم بعمليات عسكرية منهم وأعلنت عن ضرورة التفكير بالانسحاب أيضا، مع حلول موعد الشروع في الانسحاب الذي حدّده أوباما لقواته!..

وما بين أقدام الجنود الأمريكيين والأطلسيين "تاهت بوصلة" ما يسمّى رئيس أفغاني، وقد بدا مرة بعد أخرى عاجزا عن تأمين قدر كافٍ من الحماية "الأمنية" لنفسه وأعوانه، فسبق ماك كريستال في خوض "معركة تدافع المسؤولية" قبل حلول الهزيمة، ولحق بمن سبقه في محاولة شقّ صفوف "فلول" طالبان بوعود ومغريات متتالية.. دون جدوى.

الهزيمة قادمة.. وشيكا، وهذا بالذات ما تعنيه تصريحات ماك كريستال ومن ورائه قادة عسكريون آخرون داخل الولايات المتحدة الأمريكية، يريدون استباق حلولها بالقول إنّهم لا يحملون المسؤولية عنها، بل يحملها القادة السياسيون، وفي مقدمتهم رئيس الدولة السياسي، الذي يشغل منصب القائد العسكري الأعلى أيضا.

على أنّ العسكريين والسياسيين معا يواجهون معضلة أكبر شأنا وأبعد أثرا من معضلة الانسحاب عند الهزيمة الأمريكية في فييتنام قبل عقود، فالهزيمة في أفغانستان تعني فيما تعنيه الآن:

1- هزيمة الأطلسي مع الولايات المتحدة الأمريكية.. والموت السريع لمخططات تحويله إلى شرطي دولي هَرِم، كما سبق وتقرّر واقعيا مع بلوغه الخمسين من عمره سنة 1999م.

2- انكشاف عجز لغة القوّة العسكرية الكبرى المهيمنة في صناعة خارطة العالم المستقبلية، فما وقع من محاولات عبر محطات أفغانستان والعراق وفلسطين والصومال وسواها، بلغ أقصى مدى ممكن، وأشدّ درجات الهمجية "العصرية"، فما الذي يمكن صنعه بعد؟..

3- تسارع خطى تعدّد الأقطاب الدوليين على حساب وهم "الزعامة الانفرادية" لا سيما وأنّهم أصبحوا موجودين على الساحة العالمية.

4- ازدياد مظاهر الانهيار "المعنوي" داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفي الغرب تعميما، مع الإحساس بالعجز عن توظيف القدرات العسكرية الهائلة لفرض الإرادة السياسية والاقتصادية والأمنية حتى في نطاق أحد البلدان الخمسة والعشرين الافقر من سواها في العالم منذ عدة عقود.

5- تلاقي مفعول الانهيار العسكري مع مفعول الانهيار المالي الداخلي على طريق اضمحلال "الحضارة الاحتكارية" في مسيرة تقلّب الحضارات البشرية وتتابعها.

6- انهيار ركائز التبعية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، ركيزة بعد ركيزة، ربما ابتداء من باكستان، ومؤكّدا بما يشمل ما يحيط بقضية فلسطين.

قد تصحّ المقارنة بين الهزيمة في فييتنام والهزيمة في أفغانستان من حيث همجية العدوان وبسالة المقاومة، ومن حيث ثبات قاعدة استحالة الغلبة للقوة العسكرية المتفوّقة على الشعوب، وإن كانت أضعف من الدول المعتدية بما لا يقاس، إنّما لا تصحّ المقارنة من حيث أبعاد النتائج المترتبة على كل من الهزيمتين، فهزيمة الأمريكيين في فييتنام كانت في حقبة صراع ثنائي بين معسكرين، فأمكن هضمها عسكريا وسياسيا بعد فترة من الزمن، وهذه الهزيمة في أفغانستان عسيرة على الهضم، فالقوى الدولية (والإقليمية أيضا) تتعامل في الوقت الحاضر على أرضية مشتركة في العداء لِما تمثله المقاومة في أفغانستان، بغض النظر عن تقويم تفاصيله بمنظور إسلامي.

ومفعول الهزيمة في فييتنام على صعيد الرأي العام العالمي والغربي، كان كبيرا واسع النطاق، ورغم ذلك فهو محدود بالمقارنة مع مفعول الهزيمة في أفغانستان الآن، بعد أن أصبح جميع جوانبها العسكرية والسياسية والقانونية الدولية مكشوفا للقاصي والداني، فلا يمكن تمريره على مستوى إرادة الشعوب، سواء الغربية وهي ترى قياداتها بتأثير مراكز القوى الاحتكارية فيها تقودها من كارثة أخلاقية ومادية إلى كارثة، ناهيك عن الكوارث الداخلية في مختلف الميادين، أو الشعوب الأخرى التي ترى رأي العين، ما يمكن أن يصنعه الصمود والتحدّي لدى شعب من الشعوب تجاه همجية العدوان والاحتلال، وإن تطلّب الكثير من التضحيات البطولية.

على أنّ الهزيمة المحتمة في أفغانستان لا تعني انكفاء قوى العدوان والهيمنة بين ليلة وضحاها، ولن تتردّد عن مزيد من المغامرات العسكرية الهمجية، وعن مزيد من المحاولات العقيمة، لا سيّما وأنّها تعتبر جولات الهيمنة العدوانية معركة بقاء ووجود، فالهيمنة في نظرها هي قوام وجودها وبقائها، سواء وضعت عليها عنوانا "حضاريا" أم لم تضع، فهي في الحالتين بعيدة بعدا سحيقا عن أي فكر إنساني ودولي قويم، يجعلها تتراجع -نتيجة الهزائم والكوارث على الأقلّ- إلى حدود ما تفرضه الشرعية الدولية دون تزييف، والعدالة الإنسانية دون تزوير، وحق الشعوب في تقرير مصيرها دون إملاء بقوة السلاح، وكرامة الإنسان.. جنس الإنسان وليس ما دأبت قوى الهيمنة تحاول حشره في قفص "حضارة الإنسان الأبيض".

قد تنتقل ساحة المواجهة المباشرة مع قوى العدوان للتركيز على مواقع أخرى لا تزال ضحية مسار الاغتصاب والاحتلال والعدوان، كفلسطين والشاشان، وقد تُستهدف إيران مباشرة ويُستهدف الخليج من ورائها، أو تستهدف حتى تركيا ويُستهدف درب النهوض الإقليمي من خلالها، أو يستهدف لبنان مباشرة لإنقاذ تصفية القضية المركزية في فلسطين.

رغم ذلك تبقى الهزيمة المحتمة في أفغانستان مفصلا تاريخيا على طريق التراجع المحتّم لشرعة الغاب في عالمنا المعاصر، وبقدر ما تتلاقى قوى المقاومة على المستويات الإقليمية والعالمية، وتتلاقى دعوات تحرير الإنسان من العدوان والاحتلال والاغتصاب والاستغلال.. ومن الاستبداد المحلي والدولي، بقدر ما تتسارع خطى التاريخ نحو استئناف مسيرة الحضارة البشرية المشتركة، وتحريرها من هيمنة شرعة الغاب عليها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ