-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أين
اختفت روسيا بوتين ؟ أ.
محمد بن سعيد الفطيسي هل حقا
ان التحالف الذي عقدته روسيا مع
الغرب في العام 2001م لم يكن يتضمن
إمكانية ان تتطور تلك العلاقة
الى شراكة حقيقية واندماج روسيا
في الغرب فقط , بل شكل كذلك
تهديدا باغتراب روسيا من جديد
في العالم الغربي ؟ وللإجابة
على هذا السؤال وجدنا من
الضرورة استرجاع بعض أوراق
التاريخ , فلعلها تسهل جلاء
الصورة المعتمة حول هذا السؤال
الذي طالما تم طرحه كثيرا من قبل
العديد من وسائل الإعلام
والمراقبين والمتخصصين في
الشأن الروسي0 وقبل
الإجابة على هذا السؤال وجدنا
من الأهمية طرح السؤال التالي ,
وهو , ما هي العوامل التي يمكن
لها أن تضمن تحقيق اندماج حقيقي
لروسيا في المجتمع الغربي ؟
والإجابة هي كالتالي : ( 1 )
وجود قيم مشتركة بين الطرفين ,
وهو ما سيتوجب على روسيا من
خلاله أن تتبنى بالكامل مبادئ
الديموقراطية الليبرالية0 ( 2 )
ضرورة التخلي عن فكرة التوازن
العسكري مع الولايات المتحدة
الاميركية , والاعتراف
بإمكانيات روسيا المحدودة أمام
اميركا وحلف الناتو 0 ( 3 )
التخلي عن طموحاتها العالمية ,
وخصوصا تلك التي تحاول استعادة
روسيا القومية من خلال استعادة
أرجاء البيت الروسي القديم , أو
حتى السيطرة عليه 0 وفي
حال حققت روسيا كل ذلك رغم
استحالته في ظل وجود بوتين على
قمة الهرم السياسي " الحقيقي
" في روسيا , هل ستتقبل الدول
الغربية نفسها اندماج روسيا في
منطقتها ؟ وماذا ستستفيد من ضم
إمبراطورية " هزيلة " – من
وجهة نظرها - الى اقتصادها الحر
؟ هذا إذا قبلت النخب الغربية
والقوى السياسية الغير متعاطفة
مع روسيا أصلا بذلك الاندماج
الغير متكافئ , في ظل وجود رئيس
قومي متشدد عرف عنه رغبته في
استعادة أمجاد الامبراطورية
الروسية ,( فالليبراليون
الغربيون مستاءون من الطموحات
العالمية لروسيا , ومن حربها في
الشيشان – وجورجيا وتدخلها في
قرقيزيا - , ومن تعدي الكرملين
على التعددية والحرية ) أما
المحافظين فرغم إمكانية تحقيق
بعض التنازلات " المذلة
لروسيا " إلا أن بقاء النظرة
التي تعتبر روسيا شريكا غريبا
فطريا وغير قابل للتغير ستظل
سائدة دائما 0 إذا
ومن خلال ما سبق ذكره , نجد انه
من الصعوبة أن تتوفر البيئة
الملائمة والمناسبة – حتى الآن
على اقل تقدير - لكلا الطرفين
لبناء وتشكيل تحالف حقيقي مبني
على اندماج روسي في العالم
الغربي وقبول غربي لروسيا بشكل
صريح , وهنا نطرح الأسئلة
التالية , وهو : أين اختفت روسيا
بوتين " القومية المتشددة
تجاه الغرب " في ظل حكم
ميدفيديف ؟ روسيا القومية التي
ظهرت بقوة خلال الفترة من 2004م –
2007م ؟ أين التصريحات النارية
التي أطلقها بوتين خلال فترة
رئاسته الثانية ؟ إذا كان فعلا
لم تبدأ روسيا بالتدرج في
الاندماج في الإيقونات الغربية
0 نعم
000 فمنذ اعتلاء الرئيس الروسي
ميدفيديف سدة الحكم في روسيا ,
والسياسة الروسية قد تراجعت
كثيرا في الجانب المتشدد تجاه
النظرة القومية الروسية وذلك
على حساب البراغماتية وصفة
التقارب الحذر مع الغرب , وهي
سياسة جيدة للبعض , وخصوصا تلك
الشريحة التي لا تؤيد عرض
العضلات وسيناريوهات القوة
أمام من تعتبرهم حلفاء وشركاء
لا مفر منهم , بينما لا زالت
الشريحة السياسية والعسكرية
القديمة وخصوصا تلك التي عايشت
" الحرب الباردة " متأثرة
كثيرا بالتاريخ , مما انعكس ولا
زال كثيرا على نظرتها تجاه
الغرب ككل والولايات المتحدة
الاميركية على وجه الخصوص ,
وبالطبع فان مؤسس روسيا الحديثة
– أي -0 بوتين , على رأس تلك
الشريحة 0 فهل
حقا اختفت روسيا القومية خلال
فترة حكم ميدفيديف كما يقول
البعض ؟ هل يمكن لنا ان نطلق على
الفترة من 2008-2011 م بفترة التراجع
الروسي ؟ أم هي السياسة الجديدة
ومتطلباتها ومقتضياتها ,
والظروف الدولية المختلفة , ما
دفع بميدفديف الى هذا النهج
البراغماتي في التعامل مع الغرب
؟ وهنا نستطيع ان نؤكد على ان
ميدفيديف لم ولن يقل حرصا على
مكانة روسيا القومية والعالمية
في حال تعرضت مكانتها وأمنها
القومي للخطر , كما أكد ذلك على
ارض الواقع من خلال الحرب
الروسية – الجورجية0 ومن
وجهة نظري الشخصية – فان روسيا
ميدفيديف اختلفت بعض الشيء في
نهجها السياسي عن روسيا بوتين ,
على ان ذلك لم يكن في النهج
السياسي العام , إنما حدث ذلك في
الفكر الشخصي والنظرة الذاتية
لكلا الرئيسين تجاه بعض القضايا
, فبينما نجد ان بوتين متشددا
بعض الشيء تجاه عدد من القضايا
السياسية والعسكرية , وخصوصا
تلك التي تمس الأمن القومي
الروسي ومصالح روسيا القومية ,
نجد ان الرئيس الروسي ميدفيديف
يتعامل مع ذلك الوضع بشيء من
الليونة السياسية , او
البراغماتية 0 وبينما
عرفنا الرئيس بوتين وهو الرجل
الذي انتشل روسيا التي كانت
تعيش حالة من عدم الاستقرار
السياسي، جراء تغير الحكومات في
ظل الرئيس الأسبق بوريس يلتسين
والمحاولات الانفصالية لبعض
الجمهوريات التابعة للاتحاد
الروسي ، إلى ضنك الأزمة
الاقتصادية عام 1998 م , بسياساته
المتشددة تجاه القومية الروسية
ومكانة روسيا العالمية
وشخصيتها التاريخية , شاهدنا
ميدفيديف يتعامل مع الوضع بشي
من الليونة والتجاوب مع وجهات
النظر الغربية , وهو ما يشير
كذلك الى أمرين مهمين على صعيد
السياسة الخارجية الروسية
الحديثة , وهما : (
1 ) رغم بعض الشكوك في قدرة
ميدفيديف على الخروج من جلباب
بوتين , إلا ان روسيا ميدفيديف
ومن خلال الواقع قد أكدت على عكس
ذلك , فالسياسة الخارجية في عهد
ميدفيديف قد اختلف في بعض
جوانبها عما كانت عليه في عهد
بوتين , وهو ما ينفي فرية أ،
بوتين قد اختار ميدفيديف لأنه
رجل يسهل السيطرة عليه ، إذ يطمح
بوتين بأن تبقى الأمور تحت
سيطرته ويظل الآمر الناهي من
خلف الستار 0 (
2 ) التأكيد على ديمقراطية
الرئيس بوتين وشخصيته الحكيمة
في التعامل مع مكانه الراهن
كرئيس للوزراء وليس رئيس للدولة
, - وبمعنى آخر - , قدرته على عدم
التدخل المباشر والديكتاتوري
في الصلاحيات الممنوحة له وتلك
الممنوحة لميدفديف , بالرغم من
ان الجميع يعلم قدرة بوتين على
الهيمنة على مجريات السياسة
الخارجية والداخلية لروسيا 0 وهو
ما اثر بعض الشيء في السياسة
الخارجية الروسية خلال فترة حكم
ميدفيديف , حيث وجدنا أن هناك
نوعا من الاضطراب النفسي في
أسلوب تعامل روسيا مع بعض
الملفات الدولية الحساسة ,
وخصوصا الملف النووي الإيراني ,
فكان روسيا لم تستقر بعد على
مرفأ معين في وجهة نظرها من هذا
الملف , فتارتا نراها متشددة جدا
في رفضها لأي عقوبات قد تفرض على
إيران , بينما نشاهدها في فترات
أخرى اقرب الى مرافقة الغرب في
فرضها والتشديد عليها ؟ 0 وهنا
يبرز " خوف الروس وحيرتهم
وفقدانهم لسياسة الموقف الواحد
" في فترة حكم ميدفيديف ما بين
شريك شرقي وجار جغرافي مهم
وملايين الدولارات والمشاريع
الحيوية التي تحتاجها روسيا ,
وما بين حليف غربي لا زالت روسيا
حتى الآن غير مستعدة لمواجهته
والوقوف في وجه رغباته وسياساته
تجاه بعض الدول التي تعتبرها
الولايات المتحدة الاميركية
داعمة للإرهاب 0 الأمر
الأخير الذي نود الإشارة إليه
هنا هو ان بوتين سيظل الرجل
الأول في روسيا , وسيبقى يضع
الخطوط العامة للسياسة الروسية
الحديثة في الخارج والداخل حتى
النهاية , وان لم يكن على قمة
الهرم السياسي الروسي , بينما
ستظل السياسة الروسية في عهد
ميدفيديف على ما هي عليه من توجه
براغماتي حتى إشعار آخر , و- نقصد
– عودة بوتين في العام 2012 م من
جديد كرئيس للجمهورية الروسية ,
ومنه عودة روسيا من جديد خلال
العقد الثاني من القرن الحادي
والعشرين الى تبني الخيارات
القومية , وربما توترت العلاقات
الروسية من جديد مع الغرب بسبب
السياسة القومية المتشددة
لبوتين 0 في
نهاية المطاف نؤكد على ان روسيا
لم تختفي ولن تختفي بسبب نهجها
الحذر وخوفها من تصعيد التوتر
مع الغرب في ظل الرئيس ميدفيديف
, وخصوصا تجاه بعض الملفات
الحساسة كالملف النووي
الإيراني , فما يحكم السياسة
الخارجية الروسية ابعد من
المصالح مع الغرب , وان كان ذلك
هو الظاهر على الأمر , إلا ان
مشاعر العداء للغرب وتحديدا
الولايات المتحدة الاميركية
ستظل دائما في الواجهة , ولكن كل
ما في الأمر بان ذلك الكره
والعداء قد اختلط مع خوف "
مشروع " من توتر العلاقات
وتصعيدها في وقت تجد روسيا فيه
نفسها بأنها لا زالت غير قادرة
على مواجهة الغرب خارج النطاق
العسكري , وهذا بالطبع خيار لا
يمكن التفكير حتى في نهجه في
الوضع الراهن 0 ــــــــــ *باحث
في الشؤون السياسية والعلاقات
الدولية – رئيس تحرير صحيفة
السياسي التابعة للمعهد العربي
للبحوث والدراسات الاستراتيجية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |