-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ولكل وِجهة.. فما وِجهتك؟

بقلم: محمد عادل فارس

تصحيح العقائد والتصورات والمفاهيم هو البداية للسير على الطريق الصحيح.

والانسجام مع هذه العقائد والتصورات والمفاهيم هو مقتضى السير على الطريق الصحيح.

كثيراً ما نرسم في أذهاننا صوراً ذات أبعاد مضطربة، تشوِّه الحقيقة، وتقود إلى مسلك خاطئ، كالذي يرسم صورة إنسان فيجعل يده مثلاً، طويلة بطول قامته كلها، غليظة بغِلَظ جذعه، فإذا روجع في ذلك احتج بأن لليد في جسم الإنسان أهمية كبيرة، وأن وجودها أمر طبيعي لا يجوز أن يجادل فيه أحد!. والحق أن الجدال ليس في وجود اليد وأهميتها، ولكن في نسبة حجمها إلى حجم الجسم. فهذا مثل لمن يبالغ في تقدير خصلة أو فضيلة أو شعيرة، فيكون مؤدى مبالغته هذه أن صَغَّر من شأن ما يقابلها أو يجاورها من قيم.

نحن نقول في مناسبات كثيرة، وقولنا حق: إن من سمات الإسلام العظيم ذلك التوازن الرائع الذي حققه في تصور المؤمن، وفي تشريعات الحياة، بين الدنيا والآخرة، وبين الفرد والمجتمع، وبين الرجل والمرأة، وبين أشواق الروح وحاجات البدن... لكننا، تحت ضغط أهوائنا وشهواتنا، أو تحت ضغط المفاهيم الدخيلة على حضارتنا، نرانا وقد أخللنا بهذا التوازن، فقدَّمنا ما حقُّه التأخير، وأخّرنا ما حقُّه التقديم، وحقّرنا ما حقُّه التعظيم...

ومن ذلك موضوع التوازن بين الدنيا والآخرة.

لقد تواردت النصوص الشرعية، بالعبارة مرة، وبالإشارة مرة، في ترجيح وزن الآخرة على الدنيا. من ذلك قوله تعالى:

(والآخرة خيرٌ لمنِ اتّقى، ولا تُظلمون فتيلاً) سورة النساء: 77

(بل تؤْثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى) سورة الأعلى: 16 و17.

(وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب. وإن الدار الآخرة لهي الحَيَوان. لو كانوا يعلمون) سورة العنكبوت: 64.

(واضرب لهم مَثَل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح. وكان الله على كل شيء مقتدرا) سورة الكهف: 45.

ولو سأل أي مسلم نفسه: أي الأمرين أعظم: الدنيا أم الآخرة؟! لأجاب بداهةً: الآخرة. ولكن لو دقق المسلم في سلوكاته ومواقفه واهتماماته لوجد أنه يعكس الأمر، ويجانب هذه الحقيقة، أو أنه يخالفها مخالفة يسيرة حيناً، ومخالفة حادة، حيناً آخر.

ألم يخاطب القرآن الكريم فريقاً من أصحاب النبي ممن حضروا غزوة أحد بقوله: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) سورة آل عمران: 152. بلى، وإن الأمر هو إرادة الدنيا، أو إرادة الآخرة!!.

وإنهما اتجاهان متباينان، فالذي يريد العاجلة أو الحياة الدنيا، ويوجّه إليها اهتمامه، يفترق افتراقاً هائلاً عن الذي يريد الآخرة ويسعى لها سعيها.. يفترقان في سعيهما واهتماماتهما، كما يفترقان في جزاء كل منهما:

(من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفِّ إليهم أعمالهم فيها، وهم فيها لا يُبخَسون. أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار. وحبط ما صنعوا فيها، وباطل ما كانوا يعملون) سورة هود: 15 و16.

(من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد، ثم جعلنا له جهنم، يصلاها مذموماً مدحوراً. ومن أراد الآخرة، وسعى لها سعيها وهو مؤمن، فأولئك كان سعيهم مشكوراً) سورة الإسراء: 18 و19.

لقد سيقت الآيات الأخيرة في بيان الفرق الشاسع بين الكافرين الذين يكون اهتمامهم كله للدنيا، والمؤمنين الذين يريدون الآخرة بحق!. وإذاً لا ينبغي لمؤمن أن يكون فيه شبه بصفة أهل النار.

فالمسلم الذي يبحث عن أي وسيلة، ويفتش عن أي فتوى، حتى يقلص ما يجب عليه من زكاة في أمواله، فضلاً عن أن يتصدَّق مما رزقه الله، ويدّخر لنفسه بذلك ذخراً عند الله... هذا المسلم يؤثر العاجلة الفانية، على الآخرة الباقية (كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة) سورة القيامة: 20 و21.

ألم يخاطب الله تعالى قوماً دُعُوا إلى الإنفاق فبخلوا، فقال لهم: (ها أنتم هؤلاء تُدْعَون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخلُ، ومن يبخلْ فإنما يبخلُ عن نفسه) سورة محمد: 38.

والمسلم الذي يتقاعس عن الجهاد في سبيل الله، وقد يخذِّل المجاهدين، أو يغمز فيهم، ويتوجه باللوم للشهداء، أو يرثي لمسلكهم، ويصوّرهم بصورة الخاسرين، ويقول عنهم: مساكين، لقد أضاعوا زهرة شبابهم، وخلّفوا وراءهم أرامل وأيتاماً وآباء مسنّين وأمهات.. أليس حراماً عليهم أن تركوا تلك الأرملة الشابة، وذلك الرضيع اليتيم، وذلك العجوز الذي ربّاهم كي يحفظوا شيبته؟! ألم يكن خيراً لهم أن يتمتعوا بحياتهم، ويحفظوا أسرهم من الضياع؟!

هذا المسلم، لا شك أن ثقل اللحم والطين هو الذي يشدُّه إلى هذه الاعتبارات، ويجعله ينسى ما أعدّه الله في الآخرة للشهداء والمجاهدين:

(وقالوا: ربنا لمَ كتبتَ علينا القتال؟ لولا أخّرتنا إلى أجل قريب!! قل: متاع الدنيا قليل، والآخرة خيرٌ لمن اتّقى. ولا تُظلمون فتيلاً. أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيّدة). سورة النساء: 77 و78.

(ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً. بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله...) سورة آل عمران: 169 و170.

والمسلم الذي يوازن بين حالين: حال رجل فضّل زينة الحياة الدنيا، وقصّر بواجبه تجاه ربه ودينه، ولعله وقع في مخالفات شرعية شتى... لكنه حقق لنفسه ثروة وجاهاً ومركزاً اجتماعياً مرموقاً... وحال رجل آخر تحرّى ميزان الحلال والحرام، فآثر الحلال ولو كان قليلاً، على الحرام والشبهات، ولو كانت مصحوبة بالمكاسب الدنيوية... المسلم الذي يوازن بين هاتين الحالين، فيفضل الأولى على الأخرى، إنما يقع في التصور الخاطئ الذي وقع فيه المشركون الذين أخبر الله تعالى عنهم: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بيناتٍ قال الذين كفروا للذين آمنوا: أي الفريقين خير مقاماً وأحسن ندياً؟) سورة مريم: 73. يقولون: أي الفريقين أعظم مكانة اجتماعية، وأحسن جمعاً من الأصحاب والجلساء؟! مَن؟ رسول الله ومن معه من المستضعفين، أم أبو جهل والكبراء والملأ؟!

إن الثروة والجاه والمركز الاجتماعي ليست معيار الحق والصواب والخير، إنما المعيار هو الإيمان والعلم النافع والعمل الصالح، سواء اقترن بزينة الحياة الدنيا أو كان عاطلاً عنها.

والمسلم الذي يغلِّب شهواته في حب المال والجاه.. ويركب في ذلك كل مركب، من حلال أو حرام، ويتغافل عما ينتظره، لقاء هذا، من عذاب الله وبطشه ونقمته... لا شك أنه يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة.

والمسلم الذي يبحث عن فتاة ليخطبها، فيهتم بالجمال أولاً، ويتغافل عن أي ضعف في دينها، وإذا حذّره أحد الأصدقاء من ضعف دينها قال: لا بأس، سوف يتحسّن دينها بعد الزواج... لا شك أنه يُؤْثر - في موقفه هذا - الدنيا على الآخرة، ويغامر مغامرة غير محمودة.

والمسلم الذي تتاح له فرصتان للعمل: إحداهما ذات دخل مناسب وضوابط شرعية تامة، وأخرى ذات دخل أعلى بكثير، لكنها محوطة بالشبهات، بل المحرمات، بسبب نوع العمل، أو بسبب البلد الذي سيعمل فيه... فيختار الفرصة الأخيرة هذه، بحجة أن المؤمن مأمور بالعمل، وأنه نعم المال الصالح للرجل الصالح... إنما يغالط نفسه حرصاً على متاع الدنيا، وغفلة عن نعيم الآخرة، وعذاب الآخرة، وينسى قول الله تعالى: (بقيةُ الله خير لكم إن كنتم مؤمنين) أي إن الربح الحلال، مهما بدا قليلاً، هو خير للمؤمن وأكثر بركة.

 والأمثلة على هذا كثيرة وكثيرة، نواجهها كل يوم في حياتنا.

ولسنا هنا نتحدث عن الهفوات والزلات، ولا عن الفواحش التي يُلِمُّ بها الإنسان مرة ثم يتوب، ولا عن أحوال يكون فيها الإنسان في موضع المضطر.. إنما عن كثيرين ممن جعلوا مسلكهم في الحياة الدنيا يَدُلُّ على أنهم يؤثرونها على الآخرة.

وغني عن البيان أننا لا ندعو إلى إهمال الحياة الدنيا، والتقصير في عمارة الأرض، والقيام بالدور الذي خلق الله تعالى الإنسان للقيام به... إنما ندعو إلى أن نضع كل أمر في نصابه الصحيح، وفي هذا الشأن ندعو المؤمن إلى ابتغاء رضوان الله وما أعدَّه الله لعباده المؤمنين في الآخرة... وألا ينسى "نصيبه" من الدنيا.

(وابتغِ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسَ نصيبك من الدنيا) سورة القصص: 77.

إنه في حس المسلم لا مكان في الحقيقة لسؤال: الدنيا أم الآخرة؟! لأن حقيقة أن الآخرة هي المبتغى وعليها المعوّل، وأن الدنيا دار ابتلاء واختبار وعمل وعمارة وإقامة للعدل والإحسان وتعاون على البر والتقوى... هذه الحقيقة ينبغي أن تكون حاضرة في حس المسلم: (وقل اعملوا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردُّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) سورة التوبة: 105

========================

من مواطن مقهور ... إلى رئيس الجمهورية الدكتور

مواطن سوري مقهور

 منذ مدة وأنا أود التحدث إليك لكني كنت أخاف أن يوهن كلامي عزيمة الأمة، أو يدور في خلدك أنني أضعف الشعور الوطني للشعب، أو أنني أسس لتنظيم يسعى للإطاحة بنظامك، أو يعتبر البعض ما أقول تهديدا للنظام الاقتصادي الاشتراكي للبلد. لكني تجاوزت كل مخاوفي هذه، وصممت على مخاطبتك بكل ما في نفسي من خواطر لا تفارقني وأفكار تراودني. ومن البداية أقول لك أنني سأخاطبك بصفتك مواطنا سوريا وإن كنت تجلس على كرسي الرئاسة، وسأكون صريحا وصادقا معك فيما أقول.

 قد يزعجُك أن أذكر أنني قد فرحت يوم موت والدك، وصدقا لم يكن ذلك شماتة وإنما أملا بحدوث التغيير المنشود في الوطن. واسمح لي أن أتجرأ فأقول أنني كنت أعلم أن فرحك بموته لم يكن أقلَ من فرحي  مع مسحة الحزن التي كانت تبدو على وجهك  كيف لا وقد قفزتَ من طالبٍ يدرس في الغربة إلى رئيس دولة يتسابق كبار قادة نظام والده لإظهار الطاعة والولاء له، وتتفاجأ بما يقوله (الطبالون) عن مآثرك التي كنت تبحث عنها بين جنبيك، وتتعجب منهم كيف جمعوا مجلس الشعب ليغيروا دستور البلد في بضع دقائق كرمال عينيك، ويمنحونك من الرتب العسكرية ما لم تكن تحلم به لتصبح القائد العام للجيش والقوات المسلحة.

 أقنعت نفسي بأن التغيير قد يأتي معك، فأنت لم تشارك فيما ارتكب نظام والدك، وأنت مثقف  كما يقولون  درست في الغرب. وفعلا غمرني الأمل بربيع دمشقي أزهرت براعمه، وكثر الحديث عن الإصلاح ومحاربة الفساد وتحديث الدولة وإطلاق طاقات المجتمع، لكن لا أدري ما الذي دهاك فنكصت على عقبيك  لا تنزعج من كلامي فقد وعدتك بالصراحة والصدق، ويبدو أنك قلما تسمعهما من أحد  وبدأ التراجع عن الأمل, وعادت الاتهامات المحفوظة, وظهرت نغمة الدفاع عن العهد البائد، اقصد عهد والدك، وبذلك أوقعتكَ بطانتك في فخ تحميلِك أوزار ما فعل أبوك، بل وتبريرِ ذلك، وعادت الأجهزة التي أظن أنك لا تعرف عددها لتستأنف أنشطتها المكروهة بقفازات حريرية وليس بقبضات حديدية, فقد استفادت من ثقافتك الغربية في كتم الأنفاس بطريقة ديمقراطية.

 لست ضليعا في السياسة، ولكني أتعجب كيف كنت تنسل من الأزمات التي كادت تعصف بحكمك، هل لديك وصفة سحرية للبقاء في الحكم مثل والدك حتى تغادر روحُك جسدَك ؟ (يا ويل الشعب السوري إن حصل ذلك) . أسمعهم يتحدثون عن صفقات سرية، وفبركة معلومات عن أبناء شعبك  الذين يسمون أنفسهم معارضة  تزود بها ماكينة مكافحة الإرهاب العالمية. وتدهشني سعة صدرك وطول بالك على استباحة العدو لأرض وسماء وماء الوطن، فتقابل كل ذلك بالإصرار على المفاوضات معهم سرية وعلنية مباشرة وغير مباشرة، وتلح على الرعاية الأمريكية، وتوضح لهم أن هناك فرقا بين الحب والمصالح، لتؤكد لهم أنك رجل براغماتي تستحق الدعم. وبما أنني لا أفهم في السياسة فإنني أتساءل : أليس فيما سبق توهين لعزيمة الأمة واستسلام للمشروع الغربي الذي تتصدى له، وتثقب آذاننا بخطاباتك وتصريحاتك عن دعم المقاومة ؟.

 كلُ ما قلتُه لك حتى الآن ليس جديدا ومضى عليه زمن، و لابد أنك تتساءل ما الذي (فقع مرارتي) ودفعني للتحدث إليك ؟ إنها أمور عدة حصلت مؤخرا أوصلت قهري إلى مداه فقررت أن أجازف وأكتب لك مهما كانت العواقب. فهل أنا أفضل من (شيخ القانون والقضاء) الذي رميته في السجن دون أن يرف لك جفن ؟ أم أنني أقل شجاعة من (طل) التي تندّي كوات سجن الحرائر ؟ أم أنني لم أسمع ب (آيات) وما جرى لها ؟ وذلك ال (علي) الذي قضى في السجن بضع سنيه المحكوم بها فمننتَ عليه بالمزيد لأنه جرح الشعور القومي ... أخجلُ أن أقول الفارسي، وكأنكم استبدلتم لفظة (العربي) من عنوان الحزب الذي تتحكمون بالوطن والمواطن باسمه.

 صدمني اكتشافكم مؤخرا أن نظام حكمكم علماني، فكان عليكم إثبات ذلك بإعلان الحرب على المنقبات، في وقت تزامن مع حملة المتعصبين في بعض الدول الغربية على النقاب أيضا، فهل هي مصادفة ؟ أم ذكاء سياسي لكسب أوراق جديدة لدى أصحاب الشأن ؟ أم اقتفاء غبي بقرارات اتخذها والدك أواسط سبعينيات القرن الماضي فأوصلت البلاد إلى ما نهرب جميعا من ذكره لما ألحق بالوطن والشعب من كوارث ومصائب نرجو أن لا تعود، فهل ترغبُ أن تجازفَ مرة أخرى كما فعل والدك، لتُذكرَ في التاريخ كديكتاتور وليس كدكتور ؟

 ومن العجائب أن شيخا جليلا نحبه ونقدره، لكنه مغرم بآل أسد، نصح المنقبات المبعدات عن سلك والتعليم أن يقبلن بالأمر الأهم وهو تربية الأجيال وهن كاشفات الوجوه (وقد أكون معه في هذه المفاضلة) بدلا من الإصرار على النقاب وترك مهمة التعليم، ولا أدري إن كن سيبقين في سلك التعليم إن فعلن ذلك, لكنه لم يفطن إلى نصحك يا أيها الدكتور الرئيس باحترام الدستور وإطلاق الحريات العامة, والإفراج عن المعتقلين ظلما وجورا, وكف أيدي أقربائك وأنسابك وأزلامك عن مال الدولة وجيوب المواطنين.

 لقد بلغت التجاوزات حدا لم يدع مجالا لمن يتبنون مواقف نظامكم ويدافعون عنها دوما، سوى الخروج عن صمتهم والجهر بالقول : (سوريا التي تحرج مؤيديها بلا مبرر مقبول) كما عنون الكاتب الأردني ياسر الزعاترة مقالته، وسبقه مراسل الجزيرة في عمان ياسر أبو هلالة بمقالته (سوريا يا حبيبتي) وتحدث فيه عن تقرير (سنوات الخوف) الذي يشرح قضية عشرات آلاف المفقودين في سجون والدك.

 كلمة أخيرة : قد يكون كثير من المواطنين يدعون لك، لكنني سأدعو عليك، فليس في جعبة مواطن مقهور مثلي سوى ذلك. فهل سيصلني منك ما يمنعني من البدء بالدعاء ؟ أرجو ذلك ,,,

التوقيع

مواطن سوري مقهور

=========================

ذلك الثوب الذي

لبنى ياسين

كاتبة وصحفية سورية

كعادتي تماماً، وعند كل منعطف قاس للخيبة يباغت مسيرة حزني، أركض إلى الأسواق، أبحث عن التخفيضات في الملابس الباهظة ، عن أي شيءٍ بوسعه أن يغلفَ كآبتي ليمنحَ عقلي جواز مرور مزيف إلى الفراغ والتلاشي .

أتجولُ برفقة قائمة من الأحزان لا تخفيضات عليها، أتتني هكذا.. وحدها دون طلب مني ولا حتى إذن ، برفقة خدمة التوصيل المجاني حتى شغاف القلب وحتى آخر شريان للفرح ما يزال يكافح من أجل البقاء.

 أتصفح الواجهات الزجاجية الباذخة، أبحث فيها عن شيء يناسب مقاس حزني الذي غدا ثخيناً، يخطر في بالي أنه عليَّ أن أبحث في المتاجر المتخصصة بالمقاسات المنتفخة ، فأرداف هذا الحزن كما أكتافه تكاد تصبح في مقاس ثلاثة أشخاص معاً .

 تطالعني بنظرات فضولية نساء خشبيات واقفات بوضعيات استعراضية على تلك الواجهات وقد سلطت الأضواء من الأعلى عليهن يرتدين أثواباً بحلة الفرح والجمال ، تسألني إحداهن بفضول هامسة بصوت لا تدركه أذن غير أذني : ما بك؟ فأتلافى النظر إليها مجدداً لئلا يباغتني هوس الأوجاع المتناثرة في قلبي, وأبادلها حديثا يسمعه كل من حولي ناعتاً إياي بالجنون .

 يسرقني فستان جميل ترتديه امرأة خشبية سوداء بملامح ناعمة، وشعر معقوف إلى الأعلى، مصنوع من الساتان والمخمل، تلك الأقمشة التي تمنح جسدي شعوراً خالصاً بأنوثة طاغية أحب أن أجاهر بها نفسي، وأن احتفل بها سراً بيني وبين امرأة أخرى تشبهني تماماً، تقف ساخرة مني في كل مرة .

 ثوب أحمر صارخ اللون كغضبي، حوافه مطرزة بخيوط ذهبية باذخة تبدو كمن يتحدى ساعة الصفر لحدث ما.. حدث استثنائي جداً في حياة لا شيء استثنائي فيها إلا مقاس حزنها..

يأسرني الثوب بأناقة جماله، أحاول أن أشيح النظر عنه فيأبى انصرافي، يتحداني ، يتحدى شجاعتي الهاربة مني، يجبرني على الانشغال به، أعيد عيني إليه خلسة عن نفسي، وأسرق منه نظرة أخرى أحاول أن أجعلها تبدو كنظرة وداع، إلا أنها تعاندني فلا تبدو كذلك، بل تظهر لي كمن يرحب بقدوم شخص عزيز.

 لا بأس .. لا بد وأن حزني يستحق أحياناً أن أغافله بحدث ما، وأن أتجاهل صراخه في قلبي .

 ألقي نظرة عابرة على السعر فيتوقف قلبي، أعيد النظر ثانية لعل خطأً ما يعلن ظهوره في قراءتي فلا يعلن .. السعر مرتفع جداً، ولم أضع في حسباني أن اشتري ثوباً للفرح بثمن كهذا، أنا التي تضنُّ علي المناسبات بمرور عابر، أحاول ثانية أن أنتزع نفسي من أمامه، وأنتشل عيني من على الحواف المطرزة، إلا أن زواياه تغمز لي، تخبرني بأنني أستحق أحياناً، ولأسباب غير مفهومة تماماً، رفاهية المخمل، والساتان، وغواية اللون الأحمر المطرز بورود ذهبية تسترق النظر إلي فيفوح أريج غيها حتى آخر السوق .

 افتح حقيبتي، أعدُّ النقود التي في حوزتي، هي كل ما أملكه هذا الشهر، وهي أيضاً على قدر السعر المطلوب تماماً، لفرحٍ مزيفٍ بي رغبة تكتسح قلبي اكتساحاً لشرائه، وكأنما فصل السعر تفصيلاً على مقاس النقود التي في حوزتي .

 أدخل إلى المتجر، ودون أي تردد كان يتملكني قبيل دقائق من دخولي فقط، أتجه إلى البائع، أطلب منه الثوب الذي على الواجهة، فيفاجئني بتوجهه إلى مكان آخر، ليحضر لي من مكان ما في المتجر نفس الثوب الذي طلبته، إنما بمقاس أكبر جعله يفقد أناقة أنوثته الطاغية .. أنظر إلى عينيه مباشرة وأعيد طلبي مصرّة على كل تفاصيله :

 أريد الثوب الذي على الواجهة .

 فيخبرني وعيناه تنطقان بالدهشة: عفواً اعتقدت أنك تريدينه لك؟ سأحضر لك نفس المقاس الذي على الواجهة .. أعيد النظر إليه وقد كاد الغضب يفجر عروق رقبتي : قلت لك ذاك الذي في الواجهة ولا شيء غيره، ولا حتى مثله.

 يبدو الامتعاض واضحاً على وجه الرجل، ويحاول إفهامي ثانية بأنه سيأتيني بنفس الثوب، وذات المقاس الذي ترتديه المرأة الخشبية السوداء التي تقف على الواجهة ساخرة من حزني، معتقداً أن بي مسّاً ما يعيق فهمي لما يقصد، ويغادرني لينتشله بسرعة عائداً به إلي, فأفهمه بأني أعلم أن هذا الثوب هو نسخة طبق الأصل عن ذاك، إلا أنني أريد الأصل، ولا أريد النسخة.. أريد ما على الواجهة، وتحت الأضواء، وفوق المرأة الخشبية السوداء.

 كأني بنفسي أنتقم من النظرة الساخرة في عينيها بتعريتها من ثوب الفرح، كأني أنتقم من تفاصيل الجسد الخشبي الشهي الذي لا تكوره الدهون, ولا الكيلوغرامات الزائدة، ولا يبدو كمستودع للحوم الفاسدة التي منها تفوح رائحة العرق، وتنوء بتفاصيل ثنيات دهنية مترهلة تبدو كدرجات سلم ينزل بي إلى حضيض اليأس .

 

 يتجه البائع وقد بدا الغضب واضحاً على ملامحه إلى الواجهة، لينزل المرأة الخشبية من عليائها، وأتجاهل غضبه تماماً كأنني لا ألمح آثاره ترتسم فوق الملامح السمراء لرجل لا يستطيع أن يفهم ما بي، وما الذي أغضبني عندما أحضر ذلك المقاس الضخم، فأنا الآن معنية فقط بأمر غضبي وخيبتي، من غيري يحاول رشوة الفرح بفستان ينتظر يوماً مناسباً لارتدائه ؟ يوماً مكللاً بشيء أنتظره، ولا يعيرني التفاتاً.

 يخلع البائع الفستان بحذر ورفق من فوق المرأة .. كأني به خائف على الأميرة النائمة من أن توقظها أصابع تقتحم خلوة كبريائها لتنتزع منها فستان الفرح الأحمر، إلا أن الأميرة تغط في سبات عميق لا تستيقظ منه، لا تقلقها وصفات الريجيم التي لا فائدة ترجى منها، ولا يهمها إحصاء عدد أثواب الفرح التي يرتديها جسدها الخشبي البارد ويخلعها دون أن يمر به الفرح فعلاً .

 يطوي الثوب برفق حرصاً على الحواف المطرزة، يضعه في كيس ورقي كبير يزهو عليه اسم المحل بطباعة فاخرة تشي بفخامة هذا المكان ورقيه، ويمد يده لي به متمتماً: مبروك.

 لا أجد في نفسي رغبة بالرد على تهنئته، فأتظاهر بأنني لم أسمع شيئاً، بينما أحمل غنيمة الفرح منتشية بانجاز قد يوفق في جلب شيء منه إلى قلبي، ولو من باب الفضول.

 اتجه إلى صندوق المحاسبة، أمدُّ يدي إلى المحاسب براتب شهر كامل، تتخاذل يدي للحظة، وتبدو كمن يريد التراجع في الثواني الأخيرة، ويصرخ عقلي: "إنه راتب شهر أيتها الغبية" ، إلا أن النشوة في قلبي تجبرني على منح الرجل ثمن مرورها العابر، أستدير للخروج، فيستوقفني المحاسب قائلاً :

لحظة..الفاتورة .

أتجاهل صوته فليس بي نية لإعادة الفستان، أو حتى استبداله، أحمله وفي قلبي أمنية خائفة، واتجه وقد حصلت على ما حلمت به إلى باب السوق، أوقف سيارة أجرة، أخبر السائق بعنوان بيتي، وأطير في عوالم أخرى، يخرجني منها السائق وقد وصل إلى الشارع الذي همست له باسمه، فأوجهه نحو البيت، قائلة:

انعطف يميناً.. يساراً .. الآن ..عند هذا المدخل .

أضع في يده أجرة إيصالي، وأهرول إلى بيتي، أصعد الدرجات الخمس بسرعة، أدير المفتاح في قفل باب المنزل، وأتسلل بهدوء إلى غرفتي تلافياً لسؤال لا أريد الإجابة عنه حول محتوى الكيس الأنيق الذي أحمل، اُخرج الثوب الأحمر بحذر..أنظر إليه بفرح ..أعانقه.. أشم رائحته .. أرتبه على علاقة الثياب الخشبية، وأودعه خزانة ملابسي إلى جانب أثواب أخرى للفرح لعل ذلك يحدث.

====================

مونديال تهويد القدس!

بقلم/ د. أيمن أبو ناهية

أستاذ الاجتماع والعلوم السياسية – غزة

aym164@yahoo.de

استغلت دولة الاحتلال انشغال العالم بالمونديال لتنفذ مونديال تهويد الأحياء والأماكن والمساكن العربية في القدس وقد شجعها على ذلك من قبل التجاهل الأميركي لقرارها إحياء خطة بناء 1600 وحدة استيطانية المقامة على ما يسمى ب "رامات شلومو" في القدس الشرقية، وأيضا بناءها حي استيطاني آخر على أراضي بلدتي شعفاط وبيت حنينا والواقعة بين مستوطنتي "بزغات زئيف" و"النبي يعقوب" في خطة تهدف إلى بناء 600 وحدة سكنية جديدة. وهذا ما شجعها اليوم على إصدار أمراً يفرض على أهالي حي البستان في بلدة سلوان هدم منازلهم على نفقتهم الشخصية لإقامة بدلا منها مشروع استيطاني، حيث أعلنت بلدية الاحتلال في القدس البدء بتنفيذ خطة لبناء "حديقة يهودية تلمودية" جديدة على حساب الأملاك العربية في المدينة بما يسمى ب"غان حاميليش" (حديقة الملك) لتكون واجهة للهيكل الذي سيتم بناؤه على أنقاض المسجد الأقصى، وواجهة ل"مدينة داود" التي ستقام بدلا من بلدة سلوان، وهو ما يتطلب هدم 22 منزلا عربيا حسب إعلان بلدية الاحتلال.

فقد أشرت في مقالات سابقة أن لهذا المخطط الاستيطاني أهداف عده تحاول سلطات الاحتلال من خلالها تحقق حلمها منذ سنين طويلة لاسرلة وتهويد المدينة المقدسة بكاملها وجعلها إرثا يهوديا خالصا بعد تجريدها كليتا من زيها العربي وطابعا الإسلامي المسيحي، لذا يعتبر هذا المخطط الاستيطاني الضخم الأثقل والأشد خطورة على المدينة لما يحمله من أبعاد جيوسياسية وديموغرافية على حد سواء وهي كالتالي:

أولا: على اعتبار أن هذا المخطط المهدد الرئيس لقلب المدينة، إذ يطل على البلدة القديمة والمسجد الأقصى، ولا يبعد عن باب أسوار الأقصى هوائياً أكثر من 150 مترا، فهو يسهل التوسع بضم أطرافها.

ثانيا: كون أن بلدية الاحتلال في القدس تفرض على أهالي حي البستان هدم منازلهم بأنفسهم وتنظيف الأرض وتسليمها لها في مدة أقصاها شهر، تحت طائلة التعرض لعقوبات تتراوح بين الغرامة والسجن أو مصادرة ممتلكاتهم الأخرى بحجة دفع فواتير الهدم، فهي تستغل عامل الزمن خاصة وان العالم منشغل حاليا بالمونديال.

ثالثا: لجوء اللجنة اللوائية في بلدية الاحتلال إلى مادة قانونية تقضي "بمحاكمة الحجارة بدلا من الإنسان"، أي أن هذا القرار التهويدي يسأل بيوت المقدسيين في حي سلوان؛ "لماذا أنت هنا؟! انك في المكان الخاطئ وعليك أن تزيلي نفسك بنفسك مع دفع التكاليف"، يعني ذلك إعلان حرب جيوسياسية وديمغرافية بالدرجة الأولى حيث أن خطر الهدم يتهدد كل منازل الفلسطينيين في حي البستان، ولا يقتصر على 22 منزلاً فقط كما تزعم بلدية الاحتلال.

رابعا: قرار سحب هويات المقدسيين وطردهم وترحيلهم من بيوتهم في القدس هو أيضا بمثابة حرب ديموغرافية وتطهير عرقي مخالف لكل القوانين والأعراف الدولية خاصة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، فحسب هذه الخطة سوف يتعرض 1500 فلسطيني مقدسي للتشريد، بهدف تقليص عدد الفلسطينيين في المدينة وتوفير مساحات من الأراضي لصالح البناء الاستيطاني اليهودي، خاصة وان معظم عمليات هدم البيوت تتم دون إنذار مسبق ناهيك عن انه تصرف دون حق إذ تقوم بلدية القدس بهدم المنازل بشكل فجائي.

خامسا: تقويض فكرة القدس العاصمة المقبلة للدولة الفلسطينية، كون أن هذه الهجمة تطال كل شيء في القدس لتفريغها من أهلها.

سادسا: الالتفاف على المقدسات العربية وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك وهو آخر ما سيتبقى للعرب والمسلمين في المدينة كي تتخلص منه بلدية الاحتلال، بعد أن تُفهم العالم أن المدينة أصبحت ملكا يهوديا خالصا ولا حق لأحد فيها من غير اليهود، فلن تجد من يعارضها في ذلك.

حقا هي جريمة إضافية تكشف عن الوجه القبيح للاحتلال، وتسقط عنه وعن زيفه ورقة التوت لسياسته الممنهجة في محو الوجود الفلسطيني من المدينة عن بكرة أبيه، ومحاولة لتذويب المعالم الفلسطينية بصبغتها العربية (الإسلامية والمسيحية) برموز ودلالات يهودية وتلمودية مخترعة، واخلص بالقول أن ذنب تهويد مدينة القدس معلق في رقاب الجميع، فالسكوت على جريمة تهويد المدينة هو بمثابة الموافقة على ما تقوم به بلدية الاحتلال في سلوان وغيرها من الأحياء العربية في المدينة، فلا عذر لتقصير الأمتين العربية والإسلامية ولا عذر لصمت المجتمع الدولي و لا عذر لسكوت لمنظمات الدولية ولا عذر لتخاذل منظمات ومؤسسات حقوق الإنسان ولا عذر لتواطؤ الغرب على جرائم تهويد القدس.

=========================

فرنسا تُطفئ أنوار الأقصى.

أ.د. ناصر أحمد سنه

كاتب وأكاديمي من مصر

nasenna62@hotmail.com

هل صدقتم أننا "دعاة حرية التعبير عن الرأي"، و"الحوار المتبادل"، و"مقارعة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، والصورة بالصورة"، و"التعايش السلمي".. واهمون أنتم.

هل بهرتكم شعارات"الثورة الفرنسية.. الحرية والإخاء والمساواة".. ساذجون أنتم. هذه لنا فقط، لعرقنا البيض الجرماني / الأنجلو سكسوني/ الصهيوني. نحن الساسة ادري بالمصالح والمطامع، نرسل الشعارات، نسن القوانين نقلب السياسات وفق رأينا: (.. قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: 29). لقد اختزلنا تضحيات الثوريين، ولنا كل الحق في اختزالها وتغييرها وفق مطامعنا الصهيو غربية. لقد كانت حقبة تاريخية وانتهت. لقد تغيرت شعارات "عصر الأنوار"، للتوافق مع متطلبات رأس الحربة الصهيوني، شوكتنا التي في حلقومكم، خنجرنا الذي في خاصرتكم، طفلنا المُدلل "إسرائيل"، الذي وجوده من وجودنا، ويلبي إطماعنا في الثروات والطاقات والكفاءات، ودعم الدكتاتوريات.

لقد بات "الفضاء الإعلامي"، و"قنواته المتعددة"، و"الفضاء الإلكتروني"، وإمكاناته الهائلة عوامل فاعلة  ذات شأن كبير في توجيه السياسات، وتنفيذ "الإستراتيجيات"، وكسب/ خسارة الانتخابات، والدعوة إلي الحملات والإضرابات والإعتصامات، ودعم الديكتاتوريات، وغض الطرف عن الانتهاكات، و"الترويج" للحروب التي نشنها عليكم،، ثم العمل لإزالة أثارها، وغسل أدمغة الناس من كراهية القاتل، وتحويلها إلي المقتول، الذي ممنوع عليه الصراخ، فكفاه شرفاُ أنه قُتل بأيدينا.. تريدون أن تنافسونا في هذا المجال..أغبياء أنتم.

هل تريدون "تشكيل اتجاهات الرأي العام" المحلي العربي، والإقليمي الشرقي أوسطي، والدُولي العالمي، و"التأثير عليه" وفق أجندتكم أنتم؟. هل تريدون أن تري الشعوب، وبخاصة "رأينا المحلي" أشلاء الأطفال النساء والشيوخ ..مبتورة، مشوهة، تُستخرج من تحت المنازل التي نهدمها فوق رؤؤسكم، من تأثير أسلحتنا المحرمة (الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، الخ" المباح استخدامها وتجريبها فيكم؟؟.

إن نقل تلك الصور للضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ (إننا لا نفعل ذلك عندنا مطلقاً)، لا يترك للمشاهد فرصة للهروب منها. تريدون إن تستصرخونه ل"يحدد موقفه" منها عبر التعبير عن رأيه.. انتفاضا وتضامنا وتظاهرا وتعاطفا وكتابة مشافهة الخ.. وسنعمل علي وقف ذلك بكل السبل.

إننا ليل نهار.. نسعى جاهدين برأسمالنا، وإغوائنا وإلهائنا.. لتغيير توجهات (إلا شرذمة قليلون ليس لها وزن ولا ثقل، متعاطفة معكم، ومع قضاياكم، وعما قليل سنجردهم من المواطنة، وننفيهم) وقناعات من نحتاجه فقط يوم التصويت في الانتخابات، ثم نفعل ما يحلو لنا لا ما يحلو لهم. إنها لعبة "الديمقراطية.. يا أعداء أنفسكم"، والمبررات جاهزة العدو تلو العدو جاهز مُعلب مقولب.. عدو شيوعي أحمر، وهذا تنين أصفر، ثم إرهاب أخضر سيدمر "حضارتكم.. ومتعتكم ورفاهيتكم".

أننا بذلك لا نريد للشعوب أن تعلم / تدرك أنها وحدها  وليس نحن القادة الذين يدفعون الثمن من جراء الحروب المستمرة التي نشنها.. نريد ألا يتكر تاثرها بفضائياتكم فيعلو صوتها ضاغطا ومؤثرا، كما حدث إبان "حرب فيتنام" وغيرها.

هل تريدون للرأي العام العالمي، الذي كافح لإسقاط نظام "الفصل العنصري/ الأربتهايد"، ومواجهة حكومة"بريتوريا" في جنوب إفريقيا، وساند  بفطرته المسالمة الشعوب المضطهدة/ المقهورة في أنحاء المعمورة، أن يكافح من أجلكم، وأن يساندكم ويقف معكم؟؟ ..هيهات هيهات.

نعلم تماما.. أن جوهر قيام الرأي العام بأثره وتأثيره يستند إلي حرية الرأي والتعبير، وقيم الإيجابية والمشاركة، ودور المثقفين والمفكرين، وحرية الوصول علي المعلومات المؤثرة والمكونة لتوجهاته، وهل دور وسائل الإعلام المتعددة، وعلي رأسها الفضائيات الإخبارية يخرج عن ذلك؟. لكن لن نتركه يفعل ذلك بكل ما أوتينا من قوة، وبطشن ومال وإعلام.. سخرناه لخدمتنا.

لقد برزت خلال دفاع "طفلنا الُمدلل" عن نفسه وغزوه لبنان صيف 2006م، وحربه علي "غزة"(2008/2009) ، و"حقه المشروع..دفاعاً عن أمنه" في تفتيش سفن "أسطول الحرية" في المياه الإقليمية محاولات منكم لجذب الرأي العام بأنواعه، ونيل ثقته بقضاياكم عبر فضائيات: "الجزيرة"، و"الأقصى"، و"الحوار"، و"القدس" و"المنار" و"العالم" و"الساعة" الخ. سنهددها، وسنقصفها(قصفنا مبني فضائية "الأقصى"، كما قصفت "المنار" من قبل، وكان نفس المخطط جاهزاً من قبل للجزيرة)، ونرهبها، ونحاصرها، ونطفئها واحدة إثر أخري حسب التكتيكات والظروف التي نراها مناسبة.

إننا وإسرائيل نفرض تعتيماً إعلاميا شديدا ونمنع العديد من وكالات الأنباء من تغطية الأحداث، ليبقي المواطن الغربي أسيراً لإعلامنا الأمريكي الأوربي الذي يقدم له ما نريد تقديمه عن: "اورشاليم، وأسحله التدمير الشامل العراقية، وتحالف صدام والقاعدة، وتخلف الطالبان، وقيامنا بتوفير حلاقين للنساء في كابول، وإدخال هؤلاء وغيرهم من " البربر" إلي فضاءات الحضارة". هل تناوئنا بكسر هذا التعتيم؟؟. لتطفي أنوار "الأقصى"، وكل من تسول له نفسه فعل ذلك، وليوقف بثها عبر "أقمارنا".

سنوقف النسخ العربية والإنجليزية في آن معاً هل تريدون تعريف شعوبنا الغربية بحقيقة ما يجري خارج إمبراطوريتنا..في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان والشيشان وتركستان الشرقية وكشمير والصومال وكوسوفا، وسبتة ومليلة الخ.

 فقط نسمح بكل من يوالي إسرائيل لتقديم كافة أشكال الدعم لها، وبخاصة الدعم الإعلامي. لا نمل من بث "إعلانات مدفوعة الأجر" عبر شبكات ووسائل الإعلام الدولية والأمريكية والأوربية "لتجميل صورة إسرائيل، و"دفاعها عن نفسها". بينما سنعمل ، ما بقينا، علي "تشوي صورة الفلسطينيين، والعرب والمسلمين، والصينيين، وكل من يريد محو إسرائيل من الوجود، والرأسمالية العالمية التي أنتهي التاريخ عندها.. وانتصرت علي ما سواها".

وسنشجع، بكل وسائل الدعم والتأييد، ولن يضيرها شيء، ما دمنا راضين عنها، مئات الفضائيات العربية ما بقيت مروجة "للتسلية المُخدرة/ وتغيب الذبيحة عن الوعي بما هي عليه أو قادمة إليه"، والدعاية "لسياساتنا في مناطق نفوذنا ومطامعنا"،"والترويج لثقافة التسامح/ التفاوض/ دفع عجلة السلام/ ونبذ مقاومة، و"كراهية" المحتل الذي سرق الأرض، وهتك العرض، ودمر البشر والشجر والحجر.. داعين الشعوب للقول: "رجاء زيدونا.. زيدونا، إننا نستحق ذلك، أننا نحب المحتلين ونعشقهم ولا نكرههم. انتم أسيادنا وأولياء النعم علينا، وما نحن إلا عبيد إحساناتكم.. قمحكم، وألبانكم، وملابسكم، وسياراتكم، وهواتفكم النقالة".

انتم تراهنون علي الرأي العام. ليكن، إنه "عاطفي وسريع التأثر ومتلقب المزاج في كثير من المواقف"، سيتبلد من استمرار الأمر، وسيفقد التفاعل، مع الأحداث بسرعة. وينقلب البعض ليسجن نفسه في إطار من السلبية، محاولا "الهروب من تحمل المسئولية إلي فضائيات التسلية"، كنوع من التعذيب الذاتي أو "انتقاما سلبيا من عجزه وعجز السلطة التي أدت إلي به إلي هذه الحالة". بيد أن بإعلام مضاد منا سنوقعه في حبائلنا، ولن يفلت من قبضتنا.

 متوهمون أنتم ومزهوين ب "رأب الصدع" الذي كان ملحوظا في الماضي بين الرأي العام العالمي وبين قضاياكم. تقولون إن: عدالة قضيتكم، ودفاع أهلها عنها، وتضحياتكم الكبيرة في سبيلها، وصبركم وصمودكم وتنامي دور الرأي العام، وتأثره بثورة الإعلام والاتصال.. كل هذا هراء، أننا نحن من سمح بكل هذا تنفيسا عن شعوبنا. وتزعمون: أن المساس بحقكم في الحياة والطفولة والمستقبل والأمل والعيش المشترك والمؤسسات الدينية الرمزية.. معتقدات عامة للرأي العام العالمي ستواجه بمقاومة شديدة وكفيلة بإثارته وتعاطفه معكم.. نحن أدري بشعوبنا ، ونشكله كيفما شئنا ن فنحن أوصياء عليه وهو الذي أعطانا ثقته وصوته في الانتخابات فلا تهتمون كثيرا بتمرده الشكلي علينا".

هل تحلمون أن الحكومات العربية ستعامل إسرائيل بالمثل؟، من حيث التشويش على قنواته الفضائية، ووقف بث القنوات الأوروبية. كونوا واقعيين، الحرب التي أعلناها سننتصر فيها وأعيدوا الحسابات.

إننا متحدون وحلفاء أقوياء .. إستراتيجيتنا ووجهتنا وهدفنا واحد. فإطفاء أنوار الأقصى، عبر إصدار مجلس البث الفرنسي تعليماته إلى إدارة القمر الصناعي "يوتلسات" بوقف إرسال وبث "قناة الأقصى" الفضائية، التي تبُث من غزة، ويُلتَقط إرسالها في فرنسا، جاء موافقة لطلب من الاتحاد الأوروبي بالعمل الفوري لإيقاف بثها، لمخالفتها قوانين البث الأوروبية" إن برامجها تُحرِّض على الكراهية، والعنف بخلفية دينية". نعم إن هذا الأمر يقرر  ضمنياً  أن هناك كسبا كبيرا لمعظم توجهات الرأي العام العالمي بتنوعاته معكم. تعاطفا وتضامنا وتأزرا، أصدقاء جدد، وأحرار جدد، ومتضامنون جدد، وقضايا مرفوعة أمام المحاكم ضد الصهاينة الخ. لكن لن ندع ذلك الأمر يمر دون وقفة حازمة مهما كان رد الفعل تجاهها.

ومن يهن يسهل الهوان عليه = ما لجرح بميت إيلام.

 قرارنا الفرنسي/ الأوربي/ الأمريكي/ الإسرائيلي تجاه فضائيات عربية (الرحمة والأقصى وغيرهما)، بسب أنكم لا تعرفون حقوق الإنسان فليس غريبًا أن لا يحترم أحد حقوقكم في الإعلام، وغيره.

جملة واحدة نقولها لكم: ممنوع الصراخ عند قتلكم، لا تزعجونا وتزعجوا شعوبنا، فلن نجعلهم سيتعاطفون معكم، أو أن يذرفوا دمعة حزناً عليكم. كفاكم فخرا وشرفا أننا نقتلكم ونستبيحكم ونشردكم ونهدم بيوتكم وعشوائياتكم، ونقبل نفطكم وثراوتكم، ونخفف  بقتلكم  من "إحترار الأرض، وازدياد سكانها"جراء وجودكم، ووجود زيتونكم وكرومكم.

==========================

احذروا الغوغائية فإنها قاتلةُ نهضتكم ووحدتكم !!!

الكاتب والأديب:الشيخ خالد احمد مهنا

رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية القطرية- الداخل الفلسطيني

منذ سنين خلت حدث الخلاف الفقهي والسياسي بين الشيعة والسنة وحين لم يراع في الخلاف قاعدة"المتفق قبل المفترق" حدث التصارع والتطاحن والتعصب المذموم والتطرف في الرأي والترف في الفتن والفجور في الخصومة، وأجج هذا الخِلاف وما يزال مجموعة من الناس والوعاظ والمتفيهقين،والمترفين علمياً، الذين إن راجعت مذكرات كل مدعٍ منهم وجدته قبل استفحال الخلاف عنصر خامل في الجماعة والأمة والمجتمع، ولكنهم برزوا في الفتن وتصدروا لواء وراية التجاذب والتراشق، ومن قديم كما روى الهيثمي في مجمع الزوائد – عن الطبراني عندما قال له معترضاً على نُصحه ووحدة الجماعة والأمة..

(إنك – والله ما نهيتنا ، بل أمرتنا ودمرتنا، فلما كان منها ما تكره برأت نفسك، ونحلتنا ذنبك، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

(ما أنت وهذا الكلام قبحك الله، والله لقد كانت الجماعة، فكنت فيها خاملاً، فلما ظهرت الفتنة، نَجَمت فيها نجوم قرن الماعز) سير الإعلام النبلاء 120\1

فنفرت القلوب من بعضها البعض، وبدل الاستغفار وهو أحد العواصم التي يطرد به الانشقاق بين الأطراف نأينا عن الله ولو فعلنا ذلك لأمدنا الله بعونه وتأييده ، وهذا الفقه تنبه إليه الصحابة رضوان الله عنهم كما ثبت في صحيح البخاري عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما أنزل قوله:

"قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم "

قال أعوذ بوجهك، أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك فلما نزلت( أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ) قال هاتان أهون..

فالعذاب الفوقي أو من تحت الأرجل من البراكين والزلازل يحتاج إلى استعاذة بالله وإنما يكفي تفرقنا أحزاباً وطرائف قدراً وشيعاً وأحزاب الاستغفار من الذنوب.. أجل.. بدل الاستغفار المُنجي والعاصم والعيش بأشواق الآخرة تحزب كل طرف إلى طرفه وطاول بنيان الفجور في الخصومة وطاولت النجوى الأبراج والأفلاك والشهب حتى وصل الأمر إلى حد تصدر فيه العوام والغوغائيون ودهيماء القوم المجالس والمنابر فأنكروا زواج السني من شيعيه وأنكر الشيعة زواج الشيعي من سنيه وتوارث هذا الفقه أجيال وأجيال وخلق كثير ، وللأسف انحرف بعض الدعاة وأنصاف العلماء – لأنهم لا يرون بعين البصيرة – مع ركب الغوغاء وتأثروا بما ساقه العوام لهم من أقوال ومنقولات، فسقطوا في الفتن وتوسعت رقعة الخلاف وانتصر كل معسكر لمعسكره، ونشدوا الحق بالتعصب، واختلطت الأولويات، وظلت الأمور هكذا كقاعدة في كل زمان ومكان..

ولقد حدث أن ( عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذّم ذات مرة بني تميم معمماً لحكمه – فأستأذن الأحنف بن قيس وقال إنك ذكرت بني تميم فعممته بالذم، وإنما هم من الناس فيهم الصالح والطالح.. قال صدقت) سير اعلام النبلاء 91\4

كلمة واحدة صدرت من عمر بن الخطاب لو لم يعقبها كلمة صدقت لأستغلها عامة الناس ليؤججوا نار العداوة والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة والقرآن الواحد ،ولكنه بعين البصيرة لجم ألسنتهم وأفسد على الشيطان خططه...

ولو ترك لهم الحبل على الغارب لأوغل الغوغائيون ين في الأرض فساداً وانتهاكاً للحرمات وظلم للناس بالأموال، واتهام للجميع بذنوب البعض ،وأخذ مخالفيهم بالريبة والشك ..

ومن يستقرا التاريخ الماضي لا يحتاج إلى كثير من الجهد ليصل إلى نتيجة أن عوام الأتباع والغوغائيين في عالم الناس هم الذين اعتنقوا الشعوبية، وهم الذين ذبحوا المسلمين في ثورة الزنج، وأن الغوغائيين من أهل العراق هم الذين اتهموا أهل الحجاز وأن الغوغائيين من أهل مصر هم الذين حملوا الفتنة في فترة عثمان بن عفان..

ولأن خطر هؤلاء على وحدة الأمة عظيم وقف التابعي محمد بن أسلم رضي الله عنه وهو الذي عاصر محنة الأمام أحمد بن حنبل فقال محذراً منهم: ( احذروا الغوغاء فإنهم قتلة الأنبياء).

كيف بعالم اليوم والكثير من الناس يعيشون في فراغ فكري وثقافي وفقهي والفراغ يولد فن المشاغبات والفتن والملاحم ، وبيد هؤلاء مفاتيح الإعلام وأقلام الصحافة؟؟؟

 طبعاً... عند هذا الحد من الزمزمات والزفرات التي أرسلتها والتي تكفي لتحريك أكبر سفينة في البحر لن أكتفي اليوم لأن مبنى العذاب العربي والإسلامي والإقليمي والمحلي يحركني لأخرج زفرات أخرى... فطريق صمودنا مسدود..

وطريق تضامننا مسدود... والطريق إلى غزة مسدود.. والطريق بين فتح وحماس مسدود... وبين اليمنيين مسدود..

وبين الشعب العراقي ا لواحد مسدود والسوداني مسدود والسوري مسدود والمصري مسدود.. كل فئة بنفسها مولعة، وربما نسمع عن قريب صدور فتوى من علماء ودهمياء قوم تمنع وتحرم تزاور العراقي مع العراقي وتزاوج المصري من المصرية وتصافح الشمالي مع الجنوبي ، وتلاقي الفتحاوي مع ألحمساوي على مائدة إفطار واحدة ممنوع ومحرم... أو ربما نسمع عن شهر ذي الحجة وذي القعدة.. لشعبِ دون آخر وحركةٍ وفئةٍ دون أخرى وربما نسمع عن أعياد لنفس الأمة تختلف عن أعياد باقي الأمة فنحن على موعد مع عشرات أعياد الفطر وعشرات وعشرات أعياد عيد الأضحى..

الشهود والوقائع والإثباتات والدلائل لا استطيع الاستفاضة بها في هذه العجالة وهي أشبه بشرح قضية تناطح الأمة مع بعضها البعض عبر الموبايل..

همومنا كثيرة ً ومآزقنا ،أكثر، وما أن تهدأ عاصفة فتنة في بيوتنا حتى تشب النيران في بيوت أخرى، يذكرنا هذا الواقع بما حصل لبعض ملوك الأندلس، حيث اعتدى بعضهم على بعض واستعدى بعضهم بأقوام آخرين من القوط والإفرنج فضاعت البلاد، واختلطت الرايات وبيع الدين بعرض من الانتصار للباطل.

وها نحن وبسبب الانتصار لذاتنا وشخوصنا نُمنَع من النصر، ونمنع من التوافق والرفعة والعزة، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في صحيح مسلم يقول:

(منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مُديها ودينارها، ومنعت مصر من أرديّها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم.. وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم.....).

لقد قضيت السنة الأخيرة من عمري وأنا أعمل في إطفاء الحرائق بين الأشقاء والأخوة والعائلات والسياسيين المتخاصمين في مواقع شتى وقبل فترةٍ طويلة وصلت أنا الآخر إلى طريق مسدود بعد أن انتقلت العدوى إليّ وأدركت أننا في مأزق حقيقي ولا بد لنا من وسيلة للخروج مما نحن فيه.. رفعت سماعة الهاتف وطلبت " شرلوك هولمز": هاي شرلوك، صباح الخير، أريدك في مكتبي لأمر في غاية الأهمية.. بحوزتي قضية تستهويك وتستفزك إلى أقصى الحدود، وبالنسبة لبدل الأتعاب اطمئن فنحن العرب والمسلمين لا نأكل حقوق الغير أبداً، نحن لا نأكل إلا حقوق بعضنا..

وأغلقت السماعّة، واستلقيت في غرفتي ريثما يحين موعد اللقاء..

لم يطل انتظاري كثيراً إذ سرعان ما دخل (شرلوك هولمز) بأناقته،وعينيه المتوقدتين وشغفه المعهود بحل الألغاز المبهمة والقضايا المستعصية، فبادرته في الحال وأنا آخذ معطفه وقبعته... سيدي نحن بحاجة ماسة إليك... قال وهو يحشو غليونه، ومن أنتم؟

قلت: نحن خير أمة أخرجت للناس..

قال وماذا تشتغلون؟

قلت:ببعضنا البعض، حتى صارت قضايانا مثل صنبور ماء أمام مبنى الأمم المتحدة..

قال شرلوك: لا تتشاءم ولا تيأس من رحمة الله فلا بد من مخرج ، ولكن هل لي ببعض الوثائق والمستندات التي تساعدني في مهمتي.؟؟؟

قلت طبعاً... كل شيء أمامك جاهز ومبوب ومرقم...

 هذا ملف الإسلاميون... هذا ملف فتح وحماس... هذا ملف التكفيريين... هذا ملف آلاف الجمعيات والمؤسسات التي تعمل لنصرة الأقصى والقدس..

هذا ملف الأحزاب... هذا ملف العراق وأفغانستان والعلاقات بين الحركات والسلطة في عالمنا العربي..

هذا ملف الشيعة والسنة... ولبنان والسودان والجزائر وتونس والمغرب وإيران.. ثم هذا أخيراً ملف فلسطين.. منذ أن كانت طفلة بجديلتين إلى أن كبرت وتضخمت وإذا ما صار عندنا قضايا جديدة أخرى من الآن حتى الصباح- ودمعت عيناي - سأرسلها لك فوراً، وكلي أمل بأن لا تخيب ظني ورجائي وظن أهل هذه الديار المنسيين بك وبمقدرتك الخارقة على الخروج بأفضل النتائج والحلول..

قال: وهو يتناول قبعته ومعطفه بعد أن استدعى فُلّه وشاحنة كبيرة لحمل الملفات إلى اللقاء بعد عام في مثل هذا الموعد...

بالأمس حضر فعلاً حسب الموعد تماماً، فهرعت إليه مستوضحاً وقد بدت عليه آثار الإنهاك والجهد والتعب والنصب..

هل قرأت كل الملفات؟

حتى آخر كلمة

وهل وجدت لنا الحل والطريق؟

طبعاً

وما هو؟

طريق الفال يوم واللوري فان والنوم بون والمسكنات ، فمنذ فتحت أول ملف اسودت الدنيا في وجهي..

 لقد مشطت الملفات عبارة عبارة، وصفحة صفحة، ونقطة نقطة فما رأيت إلا مجموعات أكلت مجموعات ولم أر إلا أنظمة وتجمعات وشِلَل قد محت إحداهن الاخرىوشخصياً وصلت إلى نتيجة... لا أمل

باختصار انتم أمة كنتم أمة ولقد غدوتم كذبة كبيرة...

===========================

يعود اليهود على أثرهم

د. فايز أبو شمالة

خطران حقيقيان يتهددان الوجود اليهودي في فلسطين، ولن يسمحا للدولة العبرية بالبقاء على قيد الحياة، خطران يعيدان عن حدود دولة إسرائيل الراهنة، ولكنهما قريبان جداً من حيث التأثر بوجودها، ومن تصاعد قوتها، وتنامي تأثيرها، وقد أشارت كتب اليهود القديمة إلى أن تمرد ملوك إسرائيل، وتجاوزهم الحد المسموح فيه في العلاقات الدولية كان السبب في زحف "نبوخذ نصر" الكلداني على رأس جيشه من الشرق، واقتلاع دولة يهوذا من جذورها، وقد أشارت كتب اليهود القديمة إلى أن تمرد ملوك إسرائيل، وتجاوزهم الحد المسموح فيه في العلاقات الدولية للمرة الثانية، كان السبب في زحف "طيطس" الروماني على رأس جيشه من الشمال، واقتلاع دولة إسرائيل من جذورها.

الملاحظ في التاريخ اليهودي المسجل بأيدي اليهود، أن الدولة العبرية في المرتين السابقتين اللتين دمرت فيها، كانت قد انتصرت في صراعها مع جيرانها، وأخضعتهم لها، وبسطت نفوذها على المنطقة المحيطة فيها، بل وأقامت الأحلاف مع القوى القريبة، وانتقلت بهم من حالة العداء الشديد لها، إلى حالة الصداقة، وتبادل المنافع، بل وظفت دولة إسرائيل في الزمن الغابر فرعون مصر "نيخو" ليحتل مدينه "جازر" من الفلسطينيين، ويقدمها مهراً لابنته التي زوجها من ملك اليهود.

والملاحظ من التاريخ اليهودي أيضاً؛ أن اليهود أسسوا دولتهم الأولى والثانية على الدم، والقتل، والتدمير، واحتلال مدن الفلسطينيين، والكنعانيين، واغتصاب حقوقهم، وطردهم من الديار، والملاحظ كذلك أن نهاية الدولة العبرية الأولى والثانية كان التدمير بالوحشية ذاتها التي قامت فيها دولتهم الأولى والثانية!.

هل يعود التاريخ على نفسه ليصيب دولة الصهاينة المصير ذاته الذي سحق دولتهم في الزمن السابق، وإن تبدلت الجغرافيا قليلاً، بظهور العداء الإيراني من الشرق، وبروز الكراهية التركية من الشمال. ولاسيما أن الدولة العبرية الراهنة قد قامت على الاغتصاب، والقتل، والنسف، والعدوان، وفرضت نفسها على المحيط المجاور لها، واستسلم معظمهم برضا تام، لتبدأ بالتوسع إلى أبعد مدى، لتتجاوز ما كان عليه تأثير الدول العبرية السابقة، حتى صارت اليوم مصدر القوة والقرار والنفوذ في السياسة الدولية؟.

اليهود في إسرائيل يعرفون النهاية، ويقرؤونها في كل هجوم إرهابي يقترفونه، وهم يغرقون في بحر تاريخهم ليزدادوا ظمئاً للأمن، ولكن الأمن لا تبذره رياح الإجرام، الذي وثقتها صفحات التاريخ من اللحظة الأولى لاغتصاب فلسطين..

========================

المداهنة مرض إجتماعي خطير

الدكتور طالب الرمَّاحي

تكمن خطورة هذا الخلق في أنه يتعارض تماما مع أهم المباديء الإسلامية ، وهو ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وقد ورد في الحديث أن ( لادين لمن لايدين الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) ، ولذا فإن الدعوات السماوية والوضعية قد جعلت جوهر أهدافها ( الإصلاح ) والإصلاح هو لب الأمر بالعروف والنهي عن المنكر . فالقرآن الكريم قد ركز في أغلب سوره على الإصلاح ، وقد ظهر واضحا من خلال تدب ر القرآن أنه قد أوصى الإنسان بأخيه الإنسان ، فحرم الكذب والخيانة والغش والاعتداء بكل صوره المادية والمعنوية ، وهذه المباديء وغيرها تشترك في منع المؤمن من أن يساعد على الظلم والفساد ، فيما تحثه على التعاون في البر ومنه الإصلاح .

والإمام الحسين عليه السلام قد جعل شعاره ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وقال في (مانشيت) كبير وهو يحث السير إلى كربلاء : جئت لكي آمر بالمعروف وأنه عن المنكر . إلا أننا لم نأخذ بهذا المبدأ واكتفينا من الحسين عليه السلام ( باللطم والنواح ) . كما أن النظم الوضعية والتي اعتمدت الأسس الإنسانية في علاقاتها عمدت إلى صياغة قوانين تنظم العلاقات الإجتماعية ، فالشعوب المتقدمة وخاصة في الدول الغربية قد انتبهت إلى خطورة ( المداهنة ) ، ورسمت أطر قانونية وتربوية واضحة للعلاقات الاجتماعية ، استطاعت هذه الأطر بمرور الزمن أن توجه المجتمع الإنساني فيها باتجاه الاحترام المتبادل بين الإنسان وأخيه الإنسان وبين المجتمع والحكومات القائمة . ومن أكبر الثمار التي جنتها تلك الشعوب هو القضاء التام على الفقر بعد أن قاد التعامل السوي إلى العدل .

لم يك الحال في مجتمعنا المسلم كما يطمح إليه الإسلام ولا المباديء الإنسانية ، فقد تفشت الخصال السيئة الفاسدة بشكل يثير الكثير من الأسف ، مع امتلاكنا لمقومات الكثير من الأسس التي يمكن أن يبتنى عليها مجتمع قد يكون أفضل بكثير من المجتمعات الغربية والتي ابهرتنا بإنجازاتها الإنسانية والعلمية .

فالإمام علي عليه السلام قد رسم لنا طريقا مهيعا لحياة إنسانية خالية من المثالب ، في أغلب أبعادها ، ومنها بُعد العلاقات الإنسانية ، ففي تحذيره من ( المداهنة ) والتي تعتبر آفة خلقية خطيرة تكرس الظلم وتشيع الفاحشة ، وتربط المجتمع بخيوط المصالح الشيطانية الضيقة ، قال عليه السلام : رحم الله رجلاً رأى حقا فأعان عليه ، أو رأى جورا فرده . وأن مفهوم هذا القول البليغ هو ( أن الله لن يرحم من لايعين على الحق ولا يرد الجور ) . كما أن الإمام من خلال قوله يحث على العمل والتحرك في النصرة أو الخذلان ، ولا يكفي أحدنا أن يستنكر أو ي نصر بقلبه ، ( فالنية الصالحة لاتصلح عملاً فاسداً ) ، وعمل القلب لوحده وهو أضعف الإيمان له أحكامه وظروفه التي تتضمن خطورة ما ، ولا أعني هنا العمل في أوساط تلك الظروف ، وأن ما أعنيه أن يتبرع أحدنا ( لمداهنة الظالم ) لعلاقات خاصة تربطه بالظالم أو مصالح معينة تتضرر بنصرة الحق أو انتقاد الجور .

وضرر المداهنة بين الأشخاص يؤدي إلى تخلف وضعف بنية المجتمع ، بينما المداهنة بين المجتمع والحاكم الظالم تؤدي إلى كوارث إجتماعية خطيرة ، وكما رأيناها واضحة عبر تاريخنا القديم والمعاصر ، ابتداءا من مداهنة الأمة لخلفاء بني أمية وانتهاءا بمداهنة بعض شرائح الشعب العراقي للنظام البعثي المقبور .

فالمداهنة في علاقاتنا الإجتماعية أصبحت ظاهرة خطيرة ، ليس في حاجة إلى كثير جهد لكي تراها واضحة وجلية في ممارسات غالبية الناس ، وهي أكثر وضوحاً لدى شخصيات تمتلك وزنا اجتماعيا معينا من خلال بعض الأعمال التي تؤديها لمؤسسات دينية أو جتماعية ، ولعل البعض يمارس دور المصلح لوحده أو من خلال لجان معينة . والذي يثير الإستغراب أنك لو عرضت على أحدهم قضية خلاف ، فإنك سوف تجده وبشكل عفوي يميل بشكل صارخ للطرف الظالم ، ويزهد حتى بالحياد ، بل يتحول إلى مدافع عن الجور ، وإن وضعتَ أمامه الكثير من الأدلة التي تبين الحقيقة .

ومن خلال التجارب التي مررت بها ، وجدت أن حب الذات وتغليب المصالح الشخصية مهما صغرت هي الدافع وراء التخلف في نصرة الحق ، فغالبية أولئك الذين استخفوا بحقوق أحد الخصمين كانت لهم منافع مادية أو اجتماعية مع الخصم الآخر ، وهذه الظاهرة الإجتماعية ليست جديدة في المجتمع العربي والإسلامي بالذات ، وقد ورثتها مجتمعاتنا كابرا عن كابر لسببين رئيسيين ، الأول هو الجدب الإيماني وانعدام التقوى داخل النفوس بسبب تربية معينة سائدة ، فالشخص الذي يستسيغ الباطل بلا شك يعيش حالة من الإستهزاء الداخلي وقلة الاكتراث بحلال الله وحرامه ، فهذا الإستهزاء يصبح بتوالي السنين عادة مستعصية في سلوكه ، اشبه بالبخل أو الجبن أن الطمع ، أو أي خصلة تأصلت بسبب التكرار ، وبذلك تراه يمارسها مع الجميع على أنها أمر عادي . السبب الثاني هو غياب الحس الإنساني لدى الشخص ، فنحن نألف الكثير ممن لادين لهم لكنهم يتمتعون بخلق إنساني رفيع يمنعهم من التجاوز على الآخرين أو أن يترددون في دفع الضرر الذي قد يلحق بمن حولهم ، لم يك ذلك بدوافع من الإعتقاد بوجود محاسبة إلهية ، وأنما بدوافع إنسانية نبيلة وجدت فينا بالفطرة مع ايماننا بالله ، فمن لم يمنعه إيمانه بالله من اتباع الحق ، فإن إيمانه بآدميته ، ت حتم عليه احترام نظيره في الخلق ، ولذا فإن المسلم الذي يدعي الإيمان بالله ولا يؤمن بآدمية غيره ويستسيغ ظلم الآخرين هو أكثر الناس هلاكاً يوم القيامة .

فالدخول بين خصمين هو وضع النفس في موضع الحكم والقضاء ، والله تعالى قال : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل .

إن الحديث عن المداهنة في علاقاتنا الاجتماعية ، يحتاج إلى ابحاث كثيرة فلها أبعاد اجتماعية وفردية ، وقد بين لنا القرآن بشكل واضح خطورتها ، إلا أن باحثينا وعلماءَنا لم يتناولوها كما ينبغي ، لاسباب كثيرة لايسعها هذا المقال ، كما أن الأحاديث النبوية لم تغفلها أيضاً ، وأختم بما ذكره الإمام علي عليه السلام في عهده لمالك الأشتر فيقول في هذا المعنى : ولا يكون المحسن والمسئ عندك بمنزلة سواء ، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الإحسان في الإحسان ، وتدريباً لأهل الإساءة على الإساءة . وهذا يعني بوضوح أن مهادنة الباطل هو محاولة لإشاعة الفاحشة وتشجيع أهلها ، وأن إعراضك عن إنصاف صاحب الحق ، هو محاولة منك في دفع الناس للتزهيد في العمل بالحق .

وقانا الله وإياكم شرور نزعاتنا وهدانا الطريق المستقيم .

والحمد لله رب العالمين .

===================

محنة الأمة بين حماية (نفسيتها) ومراعاة (خصوصيتها)

الدكتور ياسر تيسير العيتي

قضيت عامين ونصف في السجن بسبب اتهامي بإضعاف نفسية الأمة بالموافقة على بيان يدعو إلى الإفراج عن معتقلي الرأي وإطلاق الحريات والسماح بالعمل السياسي لجميع المواطنين بلا تمييز!

تنص المادة 286 من قانون العقوبات السوري على عقوبة الاعتقال لكل من (نقل أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة) واضح أن الغاية من هذه المادة حماية نفسية الأمة، لكنها تؤدي إلى عكس ذلك تماماً لسببين: أولاً: إن هذه المادة تشكل بحد ذاتها إهانة للأمة وسبباً لإضعاف نفسيتها إذ أنها تلقي في روع الأمة أن نفسيتها من الضعف والهشاشة بحيث أن مقالةً أو خبراً أو بياناً يمكن أن يؤثر فيها ويوهنها وكأن أفراد هذه الأمة يستمدون المعلومات من مصدر واحد فقط، وكأن مئات القنوات الفضائية ومواقع الانترنت لم تدخل إلى كل منزل، وكأن الناس لا عقول لهم يفكرون بها ويميزون ويحاكمون! وثانياً: لأن حماية نفسية الأمة لا تكون بقوانين من هذا النوع وإنما بنشر ثقافة تُشعر كل فرد من أفراد الأمة بمسؤوليته عن حمايتها، ولا يكون ذلك إلا في أجواء الحرية حيث يشعر أفراد الأمة بالأمان إذا أرادوا التعبير عن آرائهم – و إذا كانت هذه الآراء لا تعجب البعض فليواجهوها بالحجة والمنطق – فلا شيء يقوّي نفسية الأمة أكثر من احترام حق أفرادها في التعبير ولا شيء يضعف نفسيتها أكثر من مصادرة هذا الحق.

إن الحالة النفسية للأمة تُعرف بالنظر إلى سلوك أفرادها، فإذا انتشرت في الأمة مظاهر الصدق والإخلاص والشجاعة في قول الحق وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية وتحمل المسؤولية والتحلي بروح المبادرة فذلك يدل على قوة نفسية الأمة، أما إذا انتشرت في الأمة مظاهر الكذب والنفاق والسكوت على الخطأ وتغليب المصالح الشخصية على المصلحة العامة والتهرب من المسؤولية وانعدام روح المبادرة فذلك يدل على ضعف نفسية الأمة.

إن الله لم يخلق أمة قوية وأخرى ضعيفة بل خلق الأمم كلها متساوية في استعدادها للقوة أو الضعف فالأمم العربية والتركية والصينية واليابانية والفرنسية والألمانية تتساوى في إمكانيات أفرادها واستعداداتهم وما يقوّي أمة ويضعف أخرى هي الطريقة التي يُعامَل بها الإنسان في هذه الأمة أو تلك.

فعندما يُعامَل الإنسان في الأمة على أنه إنسان سوي يستحق ممارسة حقوقه كاملة – بما في ذلك حقه في التعبير والتجمع والنشاط السياسي - فسيتصرف كإنسان سوي وسينطلق في دروب الحياة منتجاً ومبدعاً. أما عندما يُعامل الإنسان في الأمة على أنه إنسان ناقص لا يستحق ممارسة حقوقه كاملة فسيتصرف كإنسان ناقص فيكذب وينافق ويركن إلى الظلم ويتهرب من المسؤولية ويقصر في أداء واجباته.

إن الأمة العربية تحمل في داخلها بذور القوة والتقدم لكنَّ البعض من هذه الأمة يحرمون تلك البذور فرص النمو بحجة (الخصوصية) التي يفترضون فيها أن للأمة وضعاً خاصاً يجعلها قاصرة عاجزة متخلفة تحتاج إلى الوصاية الدائمة ولا تستطيع ممارسة حياة سياسية طبيعية تختار فيها حكامها وتحاسبهم. هؤلاء البعض لا يرتاحون للمساءلة والمحاسبة التي تقتضيها تلك الحياة السياسية الطبيعية التعددية التداولية وهم يمارسون دور الوصاية على الأمة مستثنين أنفسهم من (الخصوصية) التي افترضوها وكأنهم ليسوا جزءاً من الأمة وكأن الله خصَّهم وحدهم من بين أفرادها بالقدرة على التفكير السليم!

========================

خُذوها...وإتركونا لمصيرِنا وحِلمنا

بقلم: فراس ياغي

firas94@yahoo.com

هنيئا لكم قُدرَتكم وتَمكُّنكم من مفرداتِ اللغةِ العربية.. لم يوقفكم شيء..كُنتم ولا زلتم تَتَشدّقون بما لا تَستطيع المُحيطات في هذا الكون مِن تحمله..ليس لديكم حُدود في فَهم المسافةِ الزمانيةِ والمكانية..فالزمن تَوقفَ عندَ جلساتِ الثرثرةِ التي تُسمى "مفاوضات"..والمكان يُحدد "امريكيا" كراعي يَعيش حالةَ عِشق مع مَحبوبته..فالعلاقة ليست إستراتيجية فحسب..ولا ضامنة أبدية لأمنها فقط..بل هي جُزء منها وهي الكُل الامريكي..ليس لديهم "حزب" حاكم يُقرر كما نحن كيفا يُريد وبِما شاء..لديهم مُؤسسة ودولة لا تحييد عن جَوهَرتِها الشرق أوسطية..فبالنسبة لهم "اجمل الاشياء هي التي يقترحها الجنون ويكتبها العقل" كما يقول الكاتب الفرنسي "اندريه جيد"..والعلاقة بين "إسرائيل" و"أمريكيا" بطريقتها الحالية هي الجنون بحد ذاته..لكنه الجنون المحبب على القلب والعقل..ورغم حديث السفير الاسرائيلي "اورون" عن التباعد "Tectonic rift" ومصطلح القتامَةُ "Bleak terms " في معرض وصفه للعلاقة مع "الولايات المتحدة"، لكنها في واقع الامر لا تتعدى حدود حجم الكلمة ولا حتى عدد أحرفها..الحالة النفسية بينهما لا تسمح بالانجراف أكثر..والعِشق بينهما لا يَترك مساحة حرية يمكن أن يتسلل منها من يفكر بتحسين صورة أمريكيا..إن كان أمريكي الاصل او متأمركاً..الجنون بينهما لا يعطي هامشاً لمن لا يرى غيرَ "البيت الابيض"..والخيار هنا، إما قبول هذا الجنون والترحيب به..وإما مواجهته، وغيرَ ذلك، وهو كذلكَ، كُله "علاقات عامه"، كما يقول صاحب "الحياة مفاوضات".

"الفقراء لديهم هوس المفاتيح ويخافون أن يفتحوا فمهم خوف أن يفقدوا وهم الآخرين" كما تقول الكاتبة الجزائرية "مستغانمي"..وفقراؤنا في السياسه وفي تمثيلنا لا يجرؤون حتى مُجرد التعبيرَ عن الرفضِ بالصمتِ المُعبِّر..وهُم دائموا الحديث عن النقيضين وبقوة..فإما مفاوضات وبطريقة تُرضي الآخر الغربي وبغض النظر عن رضا من يُمثلون أو لا يُمثلون..وإما تهديد الآخر بمصطلحات "الوضع جِد خطير" أو "حَل السلطة" او "الدولة الواحدة" والتي يُرددها دائما الدكتور "صائب عريقات"..هؤلاء سَيطروا على كُل الكراسي وبغض النظر عن الكفاءة والجدارة..هؤلاء يَعيشون على مفهوم العلاقاتِ القصيرةِ والعنيفةِ بالمفردات اللغويةِ مع شعبهم فتكون نتائجها سريعة العطب دائما، معتمدين على كَذبة الذاكرة القصيرة..وبَدل أن يَعترفوا بأنهم فَشلوا..يستمرون، فهم يَشغلون كل المناصب ولا يجدون أحداً غيرهم قادر على شُغلها..هم كالعسكر والانقلابيون، ولكن باسم حُبهم للديمقراطية ودفاعا عن مَدنية وعِلمانية المجتمع فلا بَديل عَنهم..إذا ذَهبوا هناك خَطر يُحدق ب "الحزب" الحاكم الوهمي..هذا يَدفع بقواعد "الحزب" الذين يحصلون كما يقال ب "العامية" على "مَصة إصبع" للالتفاف الوهمي حولهم والدفاع عنهم خوفا من ضياع حتى هذه "المصة"..مصيبتنا أننا كل مرة كنا نقول لا يوجد بدائل..وفي كل مرة كنا نكتشف أن البدائل كثيرة ولكن بعد ان نُبَدِد ما نحن قادرينَ عليه في اللحظةِ والزمنِ المناسبين..يبدو أن حال الشرق الذي يعيش على الكلمة والجملة المعبره وعلى مفاهيم مرتبطه بتراث مشوه نابع من تَشكل عادات وتقاليد وثقافات أساسها الامتداد العائلي وما يصاحب ذلك من مفاهيم سيطرة "شيخ" القبيله واحترام الصغير للكبير وعدم التمرد على العادةِ وعلى المتعارف عليه، يعكس نفسه وبقوة على تشكيلة الاحزاب وشكل القيادات..هم لا يستطيعون الخروج من هذه الشرنقة التي ستخنقهم في النهاية وستبدد ليس حِلمهم الشخصي وإنما حلمهم وحلمنا بالهوية الوطنية الجمعية ككل.

خذوا مثلا تأجيل إجراء "الانتخابات المحلية"..القائد الفتحاوي المناضل "حسام خضر" عزا التأجيل لعجز حركة "فتح" عن تشكيل قوائم في أغلب المواقع وتخوفها من نتائجها..والاعلامي الاول، الفتحاوي المخضرم "نبيل عمرو" تحدث عن الفشل الذريع في تبرير التأجيل.. ومع إتفاقي معهما على هذا التحليل، ولكن السؤال المهم لماذا تمت الدعوة لها أصلا؟ فتحديد موعد لاجراء الانتخابات بحد ذاته كان تعبير عن هروب وعجز..هروب للأمام باسم أن كل شيء يتقدم وطبيعي ويزدهر، وعجز لعدم قدرتنا على إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة..اليسار والديمقراطيون والمستقلون وأصحاب الرأي في "فتح"، كلهم أرادوا عمل شيء ما لأنهم لا يستطيعون أو لا يريدون تشكيل "لوبي" شعبي وضاغط قادر على فرض المصالحه على من ليس له مصلحة فيها وبالطريقة الفلسطينية، فلا "الكوارتت" مهمة أمام الانقسام..ولا حتى المفاوضات والمقاومة لها أهمية بين أفراد شعبنا في ظلِّ إستمراره، خاصة أن الاولى تستخدم للعجز عن طرح البدائل، والثانية تستخدم للهجوم على الاولى..وبمعادلة بسيطه يعرفها كل علماء الاجتماع والسياسه، بل كل فرد بحسه الفطري، لا مفاوضات "مثمرة" ولا مقاومة "مثمرة" كما قال الكاتب "هاني المصري" بدون وحدة وطنية.

الجميع يخطيء..ولا أحد له صفة الكمال سوى الواحد الاحد..والاعتراف بالخطأ صفة الشجعان..والاعتذار للشعب من صفات القائد والقيادة..وما يجري من أخطاء تراكمت ومستمرة تجري خارج السياق الوطني الفلسطيني، ومهما لبست من عباءات مَصنوعة في الغربِ أو الشرق، فلن يُجملها ولن يُخلصها من المتاهات التي دخلتها، سوى جُرأة الاعلان عن الخطايا التي إقترفناها، قبلَ أن نصلَ للخطيئة الكبرى التي لا يُمكن إصلاحها، ويضيعُ حُلمَ الاستقلال والحرية والدولة، ف "الكتابة لا تُعطى..الثقافة لا تُعطى..الحرية لا تُعطى..الكتابة تَنصنع..الثقافة تَنصنع..والحرية أيضا وأيضا" كما قال الشاعر والصحفي اللبناني "عقل العويط".

أعلم أنكم غَيرتم أحلامكم..بل لم يَعد لديكم حُلم..لكن لا تَستولوا على أحلامِ أُمهاتنا وآبائنا وأطفالنا..فهذا ليس حقاً لكم..إتركونا نحلم بطريقتنا..فالانسان ليس جسد وروح وحسب، بل هو أيضا جزء من حلم وتخيل كامن في هذا الفضاء..هو جزء من الكل، فلا تضيعوا الكل بعد أن ضَيعتم الجُزء، أعلم أن أحلامكم تحددت بمصالحكم المادية وبمقدار ما لكم من ثَروة..خُذوها وإرحلوا وإتركونا لمَصيرنا وحُلمنا..فنحن أقدر منكم لأننا نرى أكثر وأعمق مما تَرون.

======================

بعد اجتماع دول العشرين في كندا

لا حلول للأزمة الاقتصادية العالمية

إلا بالعودة إلى النظام الاقتصادي في الإسلام

عصام عبد القادر غندور

رئيس الهيئة الشرعية - بيروت

حول اجتماع دول العشرين في كندا لمعالجة الأزمة الاقتصادية العالمية أذاعت الهيئة الشرعية في اللقاء الاسلامي الوحدوي البيان التالي:

 اجتماع الثمانية الكبار في تورنتو بكندا، قادة النظام الرأسمالي في العالم، ومن ثم اجتماع العشرين الاستلحاقي الذي ضمّ عشرين دولة غنية بينها دول أقل غنى، ما كانا إلا للنظر في استفحال الأزمة الاقتصادية العالمية وبروزها كحالة مستعصية تنذر بالمزيد من الانهيارات في بنية النظام الرأسمالي.

وعندما اجتمع الثمانية الكبار خلف أبواب مغلقة، ما كانوا ليكذبوا على بعضهم، كما يكذبون على الشعوب، وهم أدرى بعجزهم على المعالجة، فدعوا الى اجتماع دول العشرين الغنية لتحميلها الجزء الاكبر من تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية وتهديد من يمتنع تحت عناوين كاذبة مخادعة كالتنمية وانقاذ شعوب الدول الفقيرة.

والازمة الاقتصادية العالمية الراهنة ليست وليدة اليوم يل هي أزمة مستحكمة منذ أزمة الكساد العالمي عام 1929 (الكساد الكبير) الى انهيار سوق الاسهم الاميركية الى انهيار وول ستريت عام 1987 الى خسائر دون جونز 22.6% من قيمته الى انهيار الاسهم في هونغ كونغ في اليابان فأوروبا ثم أميركا الى "تسونامي القرن" وهو وليد الرأسمالية التي طغت عليها العولمة والخصخصة ومضاربات أسواق المال، وهذه الانهيارات في الاقتصاديات الكبيرة تؤكد على شمول الازمة وانسحابها على كافة الحقول الاقتصادية وهي كلها من سمات الرأسمالية لان النظام الاقتصادي الرأسمالي يحمل فشله في أحشائه نتيجة الأسس التي يقوم عليها والتي أفرزت أذرعاً تهيمن بها على العالم، ما أفضى الى وضع غريب تتكدس فيه الثروات الضخمة في يد قلة قليلة الى درجة الثراء الفاحش، والغالب الاعظم من البشر في فقر مدقع . وقد فشلت جميع الحلول الترقيعية البائسة، دون أن يتوقف نهب ثروات الدول الدائرة في فلك الدول الكبرى.

 هذه الازمة لا حل لها، ولا سبيل الى تجاوزها ومعالجة أسبابها إلا بالعودة الى النظام الاقتصادي في الاسلام الذي يرتكز الى أربعة قواعد :

1  المال لله قال تعالى "وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ? وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ? وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ?33?" سورة النور

2  الجماعة مستحلفة فيه قال تعالى: "آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ? فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ?7?" سورة الحديد

3  كنزه حرام قال تعالى "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ?34?" سورة التوبة

4  تداوله واجب قال تعالى" كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ? وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ? وَاتَّقُوا اللَّهَ ? إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ?7?" سورة الحشر

بعد هذا البيان الواضح الذي حكم العالم طيلة ثلاثة عشر قرنا هل يجوز أن نستبعده ونقول بأن الاقتصاد غريب عن الاسلام والادعاء أن الاسلام لم ينظر في مقومات الحياة لا بل يعيدها الى القرن التاسع عشر!

 إن الاقتصاد الاسلامي يحيط بالكليات والجزئيات وثابت على الزمان والمكان وقد أفضى استبعاده الى تعاسة العالم وجعله يعيش في ضنك شديد وكما نرى اليوم والله عز وجل قال "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى? ?124?" سورة طه.

=======================

صمَّامات أمان التعدّدية العربية

صبحي غندور*

التعدّدية بمختلف أشكالها، ومنها الإختلاف في الخلق والأجناس واللغات والطوائف، هي سنّة الخالق الحتمية على هذه الأرض، والطبيعة تؤكّد تلك الحقيقة في كلِّ زمانٍ ومكان. لكن ما هو خيار بشري ومشيئة إنسانية هو كيفيّة التعامل مع هذه "التعدّدية" ومن ثمّ اعتماد ضوابط لأساليب التغيير التي تحدث في المجتمعات القائمة على "التعددية".

فليس المطلوب عربياً، وهو غير ممكن أصلاً، أن تتوقّف كل مظاهر الانقسام في المجتمع. فهذه دعوة للجمود ولمناقضة طبيعة الحياة وسنّتها التي تقوم على التحوّل والتغيير باستمرار، وعلى التصارع بين ماضٍ وحاضر ومستقبل. لكن المؤمّل به هو أن تأخذ الصراعات السياسية والاجتماعية أولويّة الاهتمام والتفكير والعمل بدلاً من الصراعات الأخرى التي تجعل الفقراء مثلاً يحاربون بعضهم البعض فقط لمجرّد توزّعهم على انتماءات أثنية أو طائفية أو قبلية مختلفة.

فحينما ينتفض شعبٌ ما في أيِّ بلد من أجل المطالبة بالعدالة السياسية والاجتماعية، تصبح حركته قوة تغيير نحو مستقبل أفضل، بينما العكس يحدث إذا تحرّكت الجماعات البشرية على أساس منطلقات أثنية أو طائفية، حيث أنّ الحروب الأهلية ودمار الأوطان هي النتاج الطبيعي لمثل هذا التحرّك.

إنّ المجتمعات الديمقراطية المعاصرة قد توصّلت إلى خلاصات مهمّة يمكن الأخذ بها في أيّ مكان. وأبرز هذه الخلاصات هي التقنين الدستوري السليم لتركيبة المجتمع ممّا يصون حقوق "الأكثرية" والأقلّيات معاً، رغم مبدأ خضوع الجميع لما تختاره أكثرية الناخبين حينما تكون هناك انتخابات عامَّة في البلاد.

وأيضاً لا بدّ في هذه المجتمعات من توافر الحدّ الأدنى من ضمانات الأمن والغذاء، وبعض الضمانات الاجتماعية والصحية، ممّا يكفل التعامل مع مشكلتيْ "الخوف" و"الجوع"، فلا تكون "تذكرة الانتخاب" أسيرة ل"لقمة العيش"، ولا يخشى المواطن من الإدلاء برأيه أو المشاركة بصوته الانتخابي كما يملي عليه ضميره لا كما يرغب من يتحكّم بلقمة عيشه أو من يرهبه في أمنه وسلامته.

هذه أسس هامّة لبناء المجتمعات الحديثة ولتوفير المناخ المناسب لوحدة الأوطان ولتقدّمها السياسي والاجتماعي ولمنع الاهتراء في أنظمتها وقوانينها، كما هي عامل مهم أيضاً في منع تحوّل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية إلى براكين نار تحرق نفسها ومن حولها.

إذن، من غير توفّر مقومات نظام سياسي ديمقراطي، فإنّ أيَّ ضغط عنفي لتغييرٍ ما في المجتمع قد يتحوّل إلى أداة تفجير اجتماعي وأمني يصعب التحكّم بنتائجه.

كذلك، فإنّ عدم الالتزام بأساليب التغيير الديمقراطية يعني تحويراً للانقسامات السلمية نحو مسارات عنيفة. فالانقسامات السلمية الصحية في المجتمعات تحتاج لضمانات التغيير الديمقراطي من قبل الحاكمين والمعارضين معاً.

وقد يساعد، في تعميق هذه الخلاصات، فرز مهم لا يحدث عادة لدى المنشغلين في هموم تغيير المجتمعات. فبمقدور المجتمعات العربية أن تحقّق خطوات إيجابية أوسع لو وضعت باعتبارها لائحة "التمييز المطلوب" هذه:

أولاً: التمييز المطلوب في العمل السياسي ما بين تغيير الحكومات وبين مخاطر تفكيك الكيانات الوطنية. فالخلط بين النظام الحاكم والكيان الوطني الواحد هو خطر على الوطن كلّه. لذلك التمييز ضروري بين تغيير أشخاص وسلطات وقوانين وبين تهديم أسس الكيان الوطني والمؤسسات العامة في الدولة.

ثانياً: التمييز ضروري بين رفض أسلوب العنف المسلّح من أجل التغيير، وبين حق المقاومة المشروعة من أجل التحرير حينما تكون هناك أجزاء من الوطن خاضعة للاحتلال.

أيضاً، التمييز مطلوب بين أسلوب المقاومة المشروع ضدّ جيش الاحتلال على الأرض المحتلّة، وبين أساليب العنف الإرهابية التي تستهدف الأبرياء والمدنيين، تحت حجج وذرائع لا تقرّها أبداً شريعة دينية أو معتقد سياسي.

ثالثاً: التمييز بين الطائفة أو المذهب، وبين الطائفية والمذهبية. فالحالة الأولى هي ظاهرة طبيعية إنسانية موجودة في أكثر من مجتمع يقوم على التعدّدية. أمّا الحالة الثانية، فهي ظاهرة مرَضيَة تؤدّي إلى تفكّك المجتمع وضعفه وانقسامه.

رابعاً: التمييز بين الاعتزاز بالوطنية المحليّة، وبين الانعزاليّة الإقليمية التي لا تحقّق أمناً ولا تصنع وطناً قادراً على العيش في عصر العولمة.

أيضاً، كما التمييز مطلوب بين الحرص على الولاء الوطني وبين التقوقع الإقليمي، فإنّ من المهم التمييز بين الانفتاح على الخارج وبين التبعية له.

خامساً: التمييز بين الانتماء القدَري للعروبة، وبين الحركات القومية السياسية. فالعروبة هي انتماء ثقافيّ مشترك بين العرب كلّهم، وهي هويّة حضارية لكلّ أبنائها، في حين أنّ الحركات القومية هي حركات سياسية لها مضامين فكرية وعقائدية (ربّما متصارعة أحياناً فيما بينها)، تماماً كما هو أيضاً حال الحركات السياسية الدينية، وضرورة التمييز بين اجتهاداتها الفكرية وبين الدين نفسه.

سادساً:     التمييز ما بين قدسية الكتب والرسالات السماوية، وبين إنسانية الفقهاء ورجال الدين والحركات السياسية التي تحمل أسماءً دينية. فلا يجوز تكفير الآخرين لمجرّد اختلافهم مع رأي فقيه أو عالم ديني أو حركة سياسية دينية.

سابعاً: التمييز بين الدين والدولة (وليس فصل الدين عن المجتمع)، وتحديد المرجعية في التشريع الدنيوي القانوني للمؤسسات الشعبية المنتخَبة. فالتمييز ضروري بين أهمّية دور الدين في المجتمع وبين عدم زجّه في مهام الدولة وسلطاتها.

***

في مقابل هذه العناصر من "التمييز المطلوب"، فإنّ قوى التغيير في المجتمعات العربية معنيّة أيضاً بعدم الفصل بين جملة قضايا:

أولاً:       عدم الفصل بين الحرّية السياسية والحرّية الاجتماعية، أي "بين تأمين لقمة العيش وبين نزاهة البطاقة الانتخابية".

ثانياً:      عدم الفصل بين حرّية الوطن وحرّية المواطن. فالاستبداد الداخلي هو المسؤول عن القابليّة للاستعمار الخارجي.

ثالثاً:       عدم الفصل بين أهمّية الإصلاح الداخلي في كلّ بلد عربي وبين ضرورة إصلاح العلاقات العربية/العربية من أجل تكامل الأقطار العربية واتّحادها على أسس دستورية سليمة.

رابعاً:     عدم الفصل بين الأطروحات النظرية وبين أساليب العمل التطبيقية. فكثيرٌ من الحركات السياسية العربية تقول ما لا تفعل، وتفصل بين الفكر والممارسة.

خامساً:    عدم الفصل بين المنطلقات والغايات والأساليب. فكثيرون يصفون الواقع ويكتفون بالحديث عنه، ويحصرون فكرهم وأنفسهم في التعامل مع هذا الواقع فقط بدلاً من اعتباره منطلقاً من أجل التغيير وتحقيق مستقبل أفضل ..

وكثيرون يتحدّثون عن الغايات بمعزل عن الواقع، ويكتفون بوصف الحلول وكأنّها كلمات سحريّة سوف تتحقّق بمجرّد النطق بها ..

وآخرون كثيرون أيضاً استباحوا في أساليبهم ما يتناقض مع الشعارات والغايات التي يطرحونها، فاجتمع لديهم شرف الأهداف مع انتهازية الأساليب.

***

أخيراً، فإنّ التمييز مطلوبٌ بين قدرتنا كعرب على تصحيح انقساماتنا الجغرافية من أجل حاضرنا ومستقبلنا، وبين انقساماتنا التاريخية في الماضي التي ما زلنا نحملها معنا جيلاً بعد جيل، ولا قدرة لنا على تغييرها أصلاً!

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

Sobhi@alhewar.com

=========================

الموقف الأمريكي والأوروبي من قضية الحصار ومتغيرات التعامل !

بقلم صبري حجير

جهات دولية عديدة أعلنت عن مواقفها إزاء قضية الحصار على قطاع غزّة ، لكن السؤال مَن الذي سوف يقرر رفع الحصار ؟ الرئيس الأمريكي أوباما قال في أعقاب الإعتداء على اسطول الحرية " ينبغي إيجاد مقاربة جديدة للحصار " والإتحاد الأوروبي طالب في بيانه الرسمي رفع الحصار عن قطاع غزة ، والأمم المتحدة قالت " أن الحصار الذي طال أمده لابدّ أن ينكسر " !

الدولة الصهيونية تريد أن تُبقي الحصار لكن مع تعديلات طفيفة ، آخذة في اعتبارها المواقف الدولية من هذا الموضوع .

الحصار المضروب على قطاع غزّةَ بات في صلب القضية الفلسطينية ، والموقف منه يندرج من ضمن الموقف العام للقضية الفلسطينية ، لأن الحصار ليس هو القضية بل هو جزء من القضية الكبرى .

الموقف الإسرائيلي من عملية التسوية مع السلطة الفلسطينية بات مكشوفاً استناداً لما جاء من تصريحات لوزير الخارجية الصهيوني " أفيغدور ليبرمان " يوم  الثلاثاء 29 – 6 – 2010  التي أكد فيها إستحالة قيام دولة فلسطينية مستقلة في العامين القادمين ! وعليه فإنّ معرفتنا لحقيقة المواقف التي تعبّر عنها الأطراف المنادية بإزالة الحصار ، أو كسره ، أو تغيير قواعده ، قد يوصلنا الى نتائج في هذا الموضوع الساخن ، ومن المهم أولاً معرفة حقيقة الموقف الأمريكي ، ثمّ الموقف الأوروبي من موضوع الدولة الفلسطينية المستقلة ، ومن موضوع فكّ الحصار عن قطاع غزّةَ .

فيما لو أردنا أن نقيّم المواقف االدولية ، بشأن القضية الفلسطينية ، فينبغي أن نعيدها الى متغيراتها الأصلية ، ممّا يُوجب علينا أيضاً أن نقيّم تطور الإتجاهات الدولية التي تؤثر في تلك المتغيرات ، سلباً أو إيجاباً ، وأن نحدد الدول التي تتغير مواقفها وفقاً لما تنطوي عليه مصالحها الحيوية ، والتي تنسجم مع ذاتها في العديد من المتغيرات والمستجدات . في مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية واستراتيجيتها في المنطقة العربية أولاً ، ومعرفة حقيقة العلاقة التبادلية بينها وبين الدولة الصهيونية .

تتميزالسياسة الأمريكية في المنطقة العربية بأهدافٍ ثابتة وواضحة ، وباتت معروفة للجميع . الأهداف الأمريكية بالنسبة للقضية الفلسطينية تتحدد تبعاً للعديد من الثوابت السياسية ، وتخضع الى عملية الصياغة والترتيب وفقاً للخصائص المكونة للادارة الأمريكية ، أي الى مدى قوة أو ضعف الإدارة الأمريكية ، وميزات هذه الإدارة من تلك ،  ومن حيثُ التوافق مع سياستها التطبيقية في المديين ، القريب والبعيد . وأخيراً معرفة مدى المؤثرات التي تصيب السياسة الأمريكية من جرّاء التعامل مع القضية الفلسطينية ، وخاصة من جهة أوروبا ، والقوى الدولية الناهضة .

منذُ أن حطت إرادتها على أرض المنطقة العربية ، وضعت السياسة الأمريكية أهدافاً ثابتة لها ، كان أول تلك الأهداف المحافظة على النفط العربي والتحكم فيه ، وثاني تلك الأهداف الثابتة المحافظة على أمن  (اسرائيل ) ودعم وتطوير قدراتها العسكرية والتقنية والإقتصادية ممّا يسهل لها السيطرة والتحكم في المنطقة العربية . وثالث الأهداف الأمريكية هو توجيه الإندفاعات والقدرات العربية الى صراعات داخلية ومحلية ، وإلهاء المجتمعات العربية بمشاكل داخلية ، لا تُعد ولا تُحصى ، وهي من أجل ذلك تساند الأقليات وتشارك في تحطيم التكامل القومي ، وتشجع القيادات العربية على لتعامل فيما بينها بالصورة التي نراها هذه الأيام ، صورة المحاور والعلاقات المجزأة   !

أمّا الإتجاه الدولي الآخر المعني  بالقضية الفلسطينية ، هو الإتحاد الأوروبي التي كانت سياسته تأتي دائماً متوافقةً مع مجريات السياسة الأمريكية ، لكن الأوروبين باتوا يدركوا مقدار الأحداث والتفاعلات والتطورات في المنطقة العربية التي تصيبهم مباشرةً ، وتتحكم في مصالحهم العامة ، والتي تجعلهم مضطرين للتعامل معها ، فضلاً عن نزوعهم للإستقلال عن فلك السياسة الأمريكية في كثير من القضايا الدولية ، في هذا السياق جاء طلب وزراء خارجية الإتحاد الأوروبي من إسرائيل ، في بيانهم الأخير ، بتغيير سياسة الحصار المفروض على قطاع غزة ، وكذلك مناداتهم بتحقيق دولى بهذا الشأن وفتح فوري ومتواصل للحدود مع غزّةَ ، وبدون شروط ، حتى يسمح بتدفق المساعدات الإنسانية والبضائع والأفراد من وإلى غزة .

ويدرك المتابعون بأن أوروبا حريصة على علاقة اتصال مع الأطراف الفلسطينية الفاعلة ، بما فيها حركة حماس الفلسطينية ، التي باتت لاعباً مهماً في تقرير الشأن الفلسطيني .

ويعرف الأوروبيون أن كل خطوة يخطونها باتجاه القضية الفلسطينية ، واتجاه المنطقة العربية ، في كافة المجالات ، ستكون بالضرورة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها الإستراتيجية !

في العودة للسياسة الأمريكية فإننا نراها تتميز بخصائص محددة لا بدّ أن تفرض طبيعتها وثقلها على القضية الفلسطينية ، فهي تنطلق من خلفية الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي ، وتحليل العلاقة الحقيقية بين مفهوم الأمن القومي الأمريكي بوجود اسرائيل مرتبط بالعلاقة الداخلية بين مؤسسات الإدارة الأمريكية ذاتها ، فالسياسة الإستراتيجية الأمريكية تخضع في تصور ومدركات الإدارة الأمريكية لحقيقة التفاعلات الداخلية ، حيثُ القوة اليهودية ذات وزن ، وحيثُ قوة اللوبي الصهيوني الذي يمتلك فاعالية داخل الإدارة الأمريكية ، فالمحافظة على الأمن الإسرائيلي لا يُفهم في التقاليد الأمريكية على أنه مشكلة خارجية ، بل هو أحد أهم العناصر السياسة القومية للادارة الأمريكية ، وتتفق جميع الإتجاهات الحزبية على أن ترى في هذا الأمن مشكلة أخلاقية لا ترتبط فقط بالهيبة الأمريكية ، بما يُعبر عنه بالقيم السياسية الأمريكية .

في الشأن الفلسطيني ؛ يلتقي الهدفان الأمريكي والإسرائيلي على تحويل الصراعات الوطنية الفلسطينية الى صراعات محلية وفصائلية ! فإذا كان الصراع الوطني الفلسطيني يمثل اقصى مراحل التكتل والوحدة الوطنية ، فإن تحويله الى صراعات فصائلية ، مدفوعة الأجر أحيانا ( دايتون ) الى إضعاف القدرة الفلسطينية بما في ذلك إضعاف قدرة الطرف الفلسطيني المقتنع بالتفاوض أيضاً ، فجميع المشاكل والإنقسامات الفلسطينية الداخلية هي مشاكل مصطنعة ، ترتب عليها نشوء فئة فلسطينية تستمد قوتها من قوة علاقاتها مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي ، وهذه الفئة تعيش وتنمو في بيئة الإنقسام والصراعات الجانبية !

أمّا في الشأن العربي ، كما يظهر ، فإن الصراعات الجهوية والطائفية والمذهبية والمناطقية تغذيها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ،  فجميع المشاكل العربية مشاكل مصطنعة فرضتها إرادات اجنبية مثل الصراعات الطائفية في العراق ، والصراع حول دارفور في السودان !

كما تتفق التوجهات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية على منع أي تطورعربي جدي يسعى نحو تحقيق الوحدة أو التضامن العربي بشكل عام ، أو أي توجه عربي يسعى نحو التقدم في مسارات التقوية الذاتية للمجتمع العربي .

على ضوء ما تقدم من تقيمٍ ، فإنّ الموقف الأمريكي من موضوع الحصار ليس مقنعاً للشعب الفلسطيني ،لأنه يسعى الى تغيير شكلي لا يمسُ جوهر الحصار على قطاع غزّةَ ، بل لا يمتُّ بصلةٍ الى الصراع العربي الإسرائيلي من جهة أخرى ، وسوف يمضي الموقف الأمريكي متساوقاً مع الرؤية الصهيونية اتجاه الدولة الفلسطينية التي عبر عنها بوضوح ليبرمان أخيراً ، بغض النظر عن الزيارات المتكررة لجورج ميتشل الى المنطقة التي باتت تمثل ديكوراً ديبلوماسياً للإدارة الأمريكية .

ــــــــــــــ

*كاتب فلسطيني مقيم في السويد

sabri_hajir@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ