-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 04/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الأهمّ من نتائج قمّتي تورونتو 

العجز عن كبح جماح الرأسمالية المتوحّشة 

نبيل شبيب

أهداف طموحة إلى درجة استعراضية، وتغييب خطير للإجراءات والآليات العملية الضرورية، التي من الضروري أيضا أن تكون مشتركة عالميا، من أجل التوصل إلى تلك الأهداف.. ذاك في مقدمة ما خلفته قمة الثمانية وقمة العشرين في تورونتو، ولا يكمن جوهر المشكلة في المظهر الخارجي للحدث، أي في نوعية ما ينعقد من مؤتمرات، هل تضم دولا صناعية، أم صناعية وناهضة، أم تكون شاملة على مستوى الأمم المتحدة، فالحصيلة لا تتبدل، وهي ما يجري وصفه عادة بعبارة ازدياد الأثرياء ثراء والفقراء فقرا، على مستوى عالمي، وعلى مستوى كل دولة على حدة، مع ازدياد الوجه الفاحش الباطش للثراء الرأسمالي وازدياد الوجه المأساوي القاتل للفقر الجماعي. جوهر المشكلة كامن في طريقة التفكير المسيطرة رأسماليا على مبدأ يقول إن نسبة النمو الاقتصادي هي وحدها المعيار. 

 

صياغة مخادعة.. ومضمون أناني

مشهد طموح الأهداف وتغييب الآليات التنفيذية، الأقرب إلى "مشهد خداع" على أعلى المستويات، يتكرر باستمرار منذ عشرات السنين، ولهذا تذكر حصيلة القمتين في تورونتو عام 2010م بقمة الألفية على أعتاب عام 2000م، ولكنها تذكر بعشرات المشاهد الأخرى، ومنها على سبيل المثال، الوعد المتكرر منذ زهاء خمسين عاما، أن تزيد الدول الصناعية حجم المساعدات الإنمائية للدول الفقيرة، إلى أن تعادل سبعة أعشار في المائة من الناتج الاقتصادي العام فيها، ولم يحدث ذلك ولكن تضاعفت ديون الدول الفقيرة إلى درجة خانقة.

ليست المشكلة مشكلة "علاقات بين دول"، بل مشكلة سيطرة مبدأ اعتبار "نسبة النموّ الاقتصادي" معيارا للرفاهية، ولهذا نجد المشهد المذكور ثابتا على امتداد ستة عقود وأكثر، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية على الأقل، وبالتالي منذ ظهور موازين قوى عالمية جديدة، أسفرت عن استقرار الصيغة القائمة حتى اليوم للنظام الاقتصادي والنظام المالي عالميا.

هذا المبدأ الذي حذر منه بشدّة تقرير "حدود النموّ" الشهير لنادي روما قبل زهاء ثلاثة عقود، هو الذي ساهم إسهاما حاسما، في كل دولة رأسمالية على حدة، وفي العالم الغربي بمجموعه عبر تشابك علاقاته، ثم في العالم بتأثير العولمة.. ساهم في انتقال زمام صناعة القرار تدريجيا، من حكومات منتخبة (ناهيك عن الاستبدادية) سيان هل هي يمينية أو يسارية بالمفهوم الغربي للكلمتين، إلى مراكز القوى المالية، ليس في شكل مصارف ومؤسسات مالية عاملة في قطاع الاقتصاد العيني، للتجارة والبناء والاستثمارات، بل في صيغة "قوى موجهة" من وراء ستار، عبر مؤسسات المراهنات والمضاربات المالية، حتى أصبح حجم ما تحركه من أموال من أقصى الأرض إلى أقصاها، يعادل زهاء 95 في المائة من مجموع حركة تلك الأموال العالمية التي تُقدر بأربعة تريليونات (ألف مليار) دولار يوميا.

ما الذي يعنيه ذلك؟..

إذا تعرضت أي شركة أو مؤسسة أو جهاز إداري في دولة رأسمالية إلى أزمة انهيار قطاع أو أكثر من ميادين عملها، لا يمكن القول إنها قد تجاوزت الأزمة (كما يتردد عن تجاوز الأزمة المالية العالمية في الوقت الحاضر) إلا بعد إزالة الأسباب التي أدت إلى الانهيار، وتبديل المسؤولين عن تلك الأسباب. ولا تستخدم الحكومات السياسية الموارد الضرائبيبة لإنقاذ شركة منهارة من العجز دون تأمين هذا الشرط، إلا في حالات استثنائية للغاية، ولكن هذا المبدأ الثابت في النظام الرأسمالي على مستوى الدولة تغيبه الدول الرأسمالية الصناعية تغييبا شبه كامل في التعامل مع أكبر أزمة مالية واجهتها على مستوى عالمي، وخسر العالم بسببها ألوف المليارات من قيمة الإنجاز الاقتصادي، كما أُنفقت مئات المليارات من الموارد الضرائبية (الراهنة وعلى حساب أجيال مقبلة) لإنقاذ المؤسسات والمصارف المالية التي سببتها، أي إنقاذ المراهنين والمضاربين في نهاية المطاف. 

 

الرأسمالية المتوحّشة

هذا التعطيل لمبدأ أساسي في النظام الرأسمالي في مقدمة ما يُستخلص من نوعية النتائج التي أسفرت عنها قمة الثمانية وقمة العشرين في تورونتو بكندا. إن تغييب محاسبة المراهنين والمضاربين على أزمة عالمية كبرى صنعوها يعني غياب الإرادة السياسية، أو العجز السياسي في مواجهة هيمنة المال على صناعة القرار.

ويجري الحديث عن جانب النجاح في القمتين، من خلال الحديث عن "الهدف الطموح" المعلن تحت عنوان خفض ديون الدولة إلى النصف في عام 2013م والتخلص منه نهائيا عام 2016م، والجدير بالذكر أن المقصود ليس الديون بمجموعها من حيث الأساس، وقد بلغت في ألمانيا أكثر من تريليون يورو وفي الولايات المتحدة الأمريكية أربعة تريليونات، بل المقصود خفض منسوب زيادتها السنوية المعتادة في الدول الرأسمالية.

هذا "الهدف الطموح" لا تنقصه "الإجراءات" المتفق عليها فحسب، بل يكشف الخلاف حول اعتماد آليات مشتركة لتحقيقه عن تشبث كل دولة رأسمالية، بتحقيق مصلحتها المالية الخاصة في نطاق مبدأ "زيادة النمو الاقتصادي" دون حدود. هذا ما يدفع دولة كألمانيا إلى تبني آلية "التقشف"، ودولة كالولايات المتحدة الأمريكية إلى تبني آلية "الدعم المباشر" للانتعاش الاقتصادي، فالاقتصاد الإنتاجي في ألمانيا يعتمد على التصدير وقد نشطت الصادرات بعد ركودها أثناء الأزمة الرأسمالية العالمية، وكل دعم محلي للنمو الاقتصادي في بلدان صناعية أخرى يزيد من تنشيط صادراتها إليها، فيرفع النمو لديها، أما الاقتصاد الإنتاجي الأمريكي فيعاني من عجز تجاري خارجي دائم، فتعارض واشنطون السياسات التقشفية في دول صناعية أخرى، لأنها تعني مزيدا من انخفاض قيمة الصادرات الأمريكية إليها، وبالتالي استمرار العجز التجاري أو زيادته.

لم يكن المطروح في قمتي تورونتو ترسيخ صيغة أفضل لنظام اقتصادي ومالي عالمي أو مجرد تصحيح النظام القائم، أي لم تتعرض القمتان واقعيا إلى ما أسفرت الأزمة عنه، ومن ذلك ازدياد انتشار نسبة الفقر.. واللجوء.. وهوة التقدم والتخلف على مستوى عالمي شامل، وداخل كل دولة على حدة، إنما كان المطروحُ عددا من التصورات المختلفة بعدد الدول المشاركة في كل من القمتين، لانتزاع أكبر قدر من المنافع الذاتية فحسب.

أما الأزمة الرأسمالية العالمية والدروس المستخلصة منها، وجميع ما طُرح أثناءها من "أهداف "طموحة" للحد من هيمنة المال على السياسة ، فلم يكن لها وجود حقيقي في المداولات إلا قليلا، ولا في النتائج إطلاقا. 

 

إصابة مرضية قاتلة

لا خلاف حول أسباب الأزمة في الأصل، ولا حول الجهات المسؤولة عنها، ولا حول ضرورة مواجهتها بمزيد من الرقابة "السياسية والنيابية" على "القرارات المالية"، ولكن لا يمكن أن توافق واشنطون على تكبيل مؤسسات الرهان والمضاربة بالقيود، ومعظمها أمريكية، تساهم في امتصاص مزيد من رؤوس الأموال إلى الساحة الأمريكية.

كما لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أن توافقا على إجراءات تقيد طريقة عمل السوق المالية في نيويورك أو في لندن، إلا في حدود ما لا يضعف الزعامة العالمية لهما (وهذا ما تحركت في إطاره الإصلاحات التي صدرت في واشنون وأشاد بها أوباما قبيل انعقاد قمتي تورونتو) أما فرض رسوم ضرائبية على حركة الأموال عبر الحدود، فيحقق العائدات بنسبة أعلى لدول أخرى، هي التي تطالب بتلك الرسوم.

ويسري شبيه ذلك على فرض إسهام مالي حقيقي على المصارف والمؤسسات المالية التي سببت اندلاع الأزمة الأخيرة، كي تشارك في تحمل الأعباء الضخمة الناجمة عنها، فحتى إلحاحُ دولة كألمانيا على ذلك يتبين على حقيقته عند التأمل فيه، أنه أقرب إلى حملة دعائية سياسية داخلية، لموازنة الغضب الشعبي المتصاعد بسبب برنامج التقشف على حساب الطبقات الأضعف ماليا، وليس على حساب الشركات والمصارف التي يراد أن تستعيد قدرتها على مواصلة طريق "رفع نسب النمو الاقتصادي".

إنّ مجموع العبء المالي المترتب على القطاع المصرفي في نطاق الاقتراح الألماني، هو في حدود مليار ومائتي مليون يورو، بينما يقدر مصرف "دويتشه بنك" الألماني نفسه، ضرورة أن يصل مثل ذلك العبء إلى ما قيمته 140 مليارا.

إجراءات التقشف من جهة.. وإجراءات الدعم المباشر للنمو الاقتصادي من جهة أخرى.. وجهان لعملة واحدة، تنحصر قيمتها في تمكين رجال المال والأعمال من تنمية حصص أرباحهم المالية، بحجة أن هذا (كما تقول المدرسة الرأسمالية القديمة.. والجديدة في صيغة الليبرالية الجديدة، وكلاهما يمثل ما يوصف بالرأسمالية المتوحشة) هو السبيل إلى تنشيط الاستثمارات، وبالتالي رفع نسبة النمو الاقتصادي، ومن نتائج ذلك "المرجوة" زيادة أماكن العمل، كي تحصل الفئات الفقيرة على "نصيب" ما في نهاية المطاف.. يوما ما!..

ليس هذا أكثر من "تمنيات" أو هو ضرب من ضروب الأوهام، فهذه الإجراءات هي ذاتها التي يتكرر الأخذ بها منذ أكثر من ستين عاما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أسفرت عن ضخامة حجم الإنتاج الاقتصادي في الدول الرأسمالية بمعيار نسب النمو، ولكنها أسفرت في الوقت نفسه عن ازدياد هوة الفقر والثراء (ليس عالميا فقط) داخل نطاق الدول الرأسمالية بدرجة مذهلة، فأصبحت نسبة انتشار الفقر هي الأعلى في أثرى الدول الصناعية، ثم في الدول الأقل ثراء منها، دولة بعد دولة، بما في ذلك ألمانيا التي كانت تفخر (أثناء وجود المعسكر الشيوعي على مقربة من حدودها في حقبة الحرب الباردة) بما يسمى "الرأسمالية الاجتماعية" فيها، فبقيت الرأسمالية واضمحلت معالم صفتها "الاجتماعية" عاما بعد عام.

لم تكن الأزمة العالمية أزمة مالية بل هي أزمة النهج الرأسمالي نفسه، ولن يتحقق الخروج من الأزمة عبر إجراءات رأسمالية شكلا ومضمونا.

لقد اعتمدت الدول الرأسمالية الكبرى منذ نشأتها الثانية بعد الحرب العالمية الثانية على "امتصاص الأموال" من خارج حدودها (أي مما سمي عالما ثالثا) عن طريق النظام المالي العالمي الذي ثبتته فور امتلاكها القدرة على صناعته كنتيجة من نتائج تلك الحرب، فكانت حصيلة حركة الأموال العالمية (القروض وفوائدها الربوية والمساعدات الإنمائية والاستثمارات الأجنبية والتبادل التجاري) في حدود ألفي مليار دولار خلال عقدين من السنوات بعد الحرب، ثلثاها إلى الدولة الأمريكية المتزعمة للعالم الرأسمالي، وازدادت في هذه الأثناء أضعافا مضاعفة.

على أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت إلى جانب ذلك انتشار عقود المشتقات المالية القائمة على المراهنة والمضاربة، فنشأت بذلك شبكة علاقات مالية منفصلة، ليس عن الاقتصاد العالمي بمعنى كلمة عالمي فحسب، إنما هي منفصلة أيضا عن الشبكة المالية المرتبطة بالاقتصاد العيني داخل الدول الرأسمالية نفسها، من مصارف مالية واستثمارية دون مراهنات ومضاربات، فأصبحت هذه الدول نفسها رهينة هيمنة عدد محدود من الأفراد، القادرين على توظيف كميات ضخمة من الأموال للتأثير على الأسواق المالية المتعاملة في نطاق الاقتصاد العيني، تأثيرا يخدم مراهناتهم، وإن انطوى على توجيه ضربة موجعة لمنطقة اقتصادية بكاملها، كما جرى مع جنوب شرق آسيا، أو إلى دولة رأسمالية كما جرى مع اليونان مؤخرا وهو ما استهدف منطقة اليورو من خلالها أيضا.

لا يكاد يوجد خلاف كبير بين الخبراء المعتبرين على أن ظاهرة الرهان والمضاربات ظاهرة مرضية أعطت للرأسمالية الحديثة وجها قبيحا نشر مصطلح "الرأسمالية المتوحشة" لوصفه. ولا يبدو من قبل قمتي تورونتو ومن بعدهما أنّ الزعامات السياسة الغربية راغبة أو قادرة، أن تعالج هذه الإصابة المرضية ببتر العضو المريض من جسدها الرأسمالي، فقد تغلغل مفعول الإصابة في سائر أعضائها، مما يستدعي القول إنها أصبحت قاتلة، يمكن أن تقضي على الرأسمالية نفسها، قبل أن تشفى بالتخلص منها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ