-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 05/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


العلاقات التركية الإسرائيلية من التحالف إلى التخالف

دكتور ناجى صادق شراب*

تعكس العلاقات التركية ألأسرائيلية خصوصية الحالة التركية التى تحكمها العديد من المحددات والمتغيرات التى فى مجموعها تشكل مكونات السياسة والدور التركى ، وقد يبدو نموذج العلاقات بينهما غريبا أو غير مألوف لدولة أسلامية يلعب الدين دورا مهما فى تحديد توجهاتها السياسية ،وتلعب الحتمية ألتاريخية أيضا نفس الدور، فتركيا فى زمن أ لخلافة العثمانية كانت السلطة المسؤولة مباشرة عن فلسطين والقدس. ولا يمكن فهم هذه العلاقات ألا فى السياق السياسى الداخلى وألأقليمى والدولى الذى يحدد أطار السلوك السياسى لتركيا ، ويحدد توازانات القوى التى تسعى لتحقيقها ، وايضا فى أطار التهديدات والتحديات وألأخطار التى تواجهها تركيا كدولة أقليمية مؤثرة .ومن جانبها أسرائيل حريصة على هذه العلاقات لما تمثله تركيا من دور ، وكدولة أسلامية يمكن العبور والنفاذ من خلالها للعالم ألأسلامى والعربى ، بل وابعد من ذلك ان علاقاتها بدولة أسلامية قد يضعف دور العامل الدينى فى الصراع العربى ألأسرائيلى ، ويقوى موقف أسرائيل فى مواجهة الدول العربية وألأسلامية ، ناهيك عن بعد المصلحة المشركة لكليهما . وهذه العلاقات شأنها شأن أى علاقات بين أى دولتين يمكن أن تتعرض للتقارب وألأبتعاد، وحتى يمكن تصور حد قطع العلاقات بينهما . وتثير هذه العلاقات تساؤلات كثيرة ، وهذه التساؤلات فرضتها بشكل قوى حصار غزة ، وألأعتداء العسكرى ألأسرائيلى على سفينة مرمره الذى راح ضحيته تسعة من الشهداء ألأتراك ، وفى مقدمة هذه التساؤلات هل يمكن أن تحل غزة والقضية الفلسطينية محل المكون ألأسرائيلى فى السياسة التركية ودورها ألأقليمى ؟ هذا هو السؤال الذى يحتاج الى أجابة واضحة متحررة من ألأنفعالية والعاطفية الذاتية ، ، وألأجابة لا يمكن أن تتم إلا من خلال فهم وسبر أغوار ومحددات العلاقات التركية ألأسرائيلية .وينطبق على العلاقات التركية ألأسرائيلية أكثر من نموذج من العلاقات بين الدول، نموذج  التحالف، ونموذج المصلحة المشتركة المسيطر ونموذج موازين القوى  ونموذج العلاقات الخاصة. وهذه النماذج لا يمكن فهمها ألا فى سياق المحددات البيئية  ألأقليميةوالدولية الذى يحدد توجهات السياسة ألتركيةواهافها العليا وحدود الدور الذى يمكن أن تقوم به.

ومن منظور هذه النماذج والمحددات لا بد من ملاحظة التالى ، اولا اسرائيل متغير تابع فى العلاقات بين البلدين ، والمتغيرات الرئيسة العلاقات مع الولايات المتحده ، والعلاقات ألأوربية والتطلع نحو ألأنضمام ألى ألأتحاد ألأوربى ، وحيث أن أسرائيل تشكل مكونا رئيسيا فى كل من السياسة ألأمريكية الأوربية فى منطقة الشرق ألأوسط ، فمن هنا يستمد المتغير ألأسرائيلى أحد أهم أبعاد أهميته ، والملاحظة الثانية الهامة فى تفسير هذه العلاقة أن تركيا دولة أكثر محورية فى المنطقة واكثر قبولا ودولة صديقة بالنسبة لدول المنطقة كالدول العربية وأيران  ، والذى يعنى أن  تركيا  تدرك أن دورها  هوفى محيطها ألأقليمى كمدخل لدورها فى النظام الدولى والذى يفسر تواجدها فى كل توازنات القوى التى قد شهدتها المنطقة. ، وبالتالى المفاضلة هنا للدور ألأقليمى وليس للعلاقات مع أسرائيل ، وهذا هو الذى يفسر لنا هذا السلوك التهديدي بمراجعة العلاقات مع أسرائيل بعد حادثة السفينة مرمره وأعادة صياغتها لأن ما قامت به أسرائيل قد مس هذا الدور ، والملاحظة الثالثة أن تركيا دولة فوق المتوسطة ، واسرائيل دولة صغرى دون المتوسطة ، لكن الدولتين يجمعهما أنهما نموذجا لدولة القوة ، ويحكم علاقاتهما موازين القوى السائده وهذا قد يفسر لنا احد أهم أبعاد هذه العلاقات وهو أن تركيا لا ترهن علاقاتها ألأقليمية ومصالحها مع دوله بعلاقاتها بإسرائيل ، بل قد يكون العكس ، وهذا السلوك هو الذى جعل الدور التركى أكثر توازنا وأكثر قبولا ، وذلك من خلال التأكيد على أستقلالية القرار والسياسة الدولية عن أسرائيل ، وتحاول أن لا تظهر أو تصور هذه العلاقات فى شكل علاقات التبعية وعدم ألأستقلالية ، وهذه السياسية عكست الى حد كبير خصوصية الحالة التركية ، فالدولة الساعية للقيام بدور أقليمى محورى لا يمكن أن تكون سياسة تابعة لإرادة دولة أخرى وإلا فقدت مصداقية وشرعية هذا الدور . قد  هذه الملاحظات هى التى تفسر التطورات التى قد لحقت بالعلاقات بينهما وصولا الى مرحلة السفينة مرمره.

وبتتبع تطور العلاقات بين الدولتين والتى قد تمتد الى ما قبل قيام أسرائيل وإحتضان الدولة التركية للعديد من اليهود والسماح لهم بالعيش فى ظل التسامح الأسلامى ، ولذلك لا تشعر تركيا باى عقدة أتجاه أضطهاد اليهود ، وعموما مرت هذه العلاقات بمرحلتين عريضيتين ، ألأولى ما قبل حكم حزب العدالة والتنمية ، وقد أتسمت فيها العلاقات بدرجة كبيرة من التقارب والتعاون ألأقتصادى وألأمنى ، وقد وصلت ذروة هذه العلاقات الى درجة التحالف ألأمنى بتوقيع ألأتفاق ألأمنى بين تركيا وأسرائيل عام 1996، والتعاون الأستخباراتى ، والمعلوماتى ، وقد وصلت حجم التجارة بينهما الى ما يقارب ثلاثة مليار دولار ، وينطبق على هذه المرحلة نموذج التحالف ، وبدأ التحول فى هذه العلاقات مع المرحلة الثانية بوصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم عام 2002، وقد أمتزجت السياسة التركية فى هذه المرحلة ببعد أسلامى ، وبعد قومى عثمانى ، والبحث عن دور اقليمى قوى تطبيقا لنظرية العمق ألأستراتيجى التى جسدها داوود أوغلو وزير الخارجية التركى ، وهنا فقد ساد نموذج المصلحة المشتركة بين البدين ، والحرص على أستمرار العلاقات ، على الرغم من التوترات التى بدأت تعترى العلاقات بينهما ، وأهمها ، الحرب التى شنتها أسرائيل على غزة وعملية الرصاص المصبوب، فقد أثارت هذه الحرب غضب ومعارضة الحكومة التركية لأنها جاءت فى أعقاب زيارة رئيس الوزراء التركى آنذاك أيهود أولمرت لأنقرة ، مما أعتبرته تركيا أحراجا وإهانة لها ، حيث أعتبر أردوغان ما قامت به أسرائيل من حرب بإرهاب الدولة ، ولا شك أن هذه الحرب تشكل منعطفا وتحولا هاما فى مسار العلاقات بينهما ، وأنعكس ذلك فى النقد الشديد الذى وجهه رئيس وزراء التركى السيد أردوغان فى منتدى دافوس وإتهامه بيريز بقتل ألأطفال الفلسطينيين ، وانسحابه من هذه المناظرة والملتقىالدولى ، مما قد حل حالة من عدم الثقة بينهما ، وسارت العلاقات بينهما نحو مزيد من التوتر ، والتخالف وألأبتعاد مع حادثة السفير التركى أوغوز تشليكول حيث أستدعى السفير التركى للخارجية ألأسرائيليى وأختير له مقعدا أقل من المقعد الذى يجلس عليه نائب وزير الخارجية ألأسرائيلية دانى أيالون، ولم يتم وضع العلم التركى على الطاولة التى توجد بينهما ، ولم يكن ألا العلم ألأسرائيلى ، وهو الذى أعتبرته تركيا أهانة لها أستوجبت أعتذارا أسرائيليا وزيارة من أيهود باراك وزير الدفاع ألسرائيلى لأحتواء ألأزمة ، والحيلولة دون تدهور العلاقات ، وجاءت مرحلة السفينة مرمره والهجوم ألأسرائيلى عليها الذى راح ضحيته تسعة من ألأتراك لتشكل مرحلة جديده من التدهور والتهديد بمراجعة العلاقات التركية ألأسرائيلية ، فهذه الحادثة مست الدور ألأقليمى التركى ، ومست هيبة ومصداقية هذا الدور ، وهو ما يفسر لنا هذا الموقف التركى الشديد والذى ذهب لربط العلاقات بما تقوم به أسرائيل من أجراءات لرفع الحصار على غزة . وعلى الرغم من مظاهر التوتر والتحول فى الخطاب السياسى التركى ، لكن لم يصل الى حد التفكير فى قطع العلاقات ألتركية ألأسرائيلية لما من ذلك من تداعيات سلبية على علاقات تركيا بالولايات المتحده وأوربا ، ويبقى أيضا عامل المصلحة المشتركة المقننة هو العامل الحاسم فى هذه العلاقات فى هذه المرحلة ، وقد يقف وراء هذا الموقف التركى البعد الداخلى وألأنتخابات الداخلية وموقف ألأحزاب الأسلامية والقومية المعارضة ، وهناك أيضا الهدف األأستراتيجى لتركيا وهو تاكيد دورها ألأقليمى ، وهذا ما قد يدفع تركيا الى أعادة صياغة علاقاتها مع أسرائيل على أسس ومعاييرجديده و فى هذه الصياغة القلق من سياسة أسرائيل الداعمة للأقليات ولا سيما ألأكراد ، وفى الوقت ذاته العلاقات بينهما يحكمها التنافس فى الدور ألأقليمى فى نظام أقليمى فيه القوى ألخرى وخصوصا أيران فى علاقات عدائية مع أسرائيل ، والموقف العربى مغيب ، وتربط تركيا هذا التوجه بما يمكن أن تكشف عنه العلاقات ألأمريكية ألأسرائيلية والتباين وألتوتر الذى بدأ يعلو العلاقات ألأستراتيجية والتحالفية بين الولايات المتحد وأسرائيل . وبالتالى تتوقف عملية أعادة تقييم العلاقات التركية ألأسرائيلية على الدور و المحدد ألأمريكى فى العلاقات بين كل من تركيا وأسرائيل. وعموما لا يمكن الحكم على خيارات وسيناريوهات العلاقات التركية ألأسرائيلية ألا فى ضوء ألأخذ فى ألأعتبار كل المحددات والقيود التى تحكم الدور التركى الصاعد والطامح للعب دور اقليمى ودولى بارز ، فلا شك أن الحفاظ على العلاقات التركية ألأمريكية لا بد أن ياخذ فى ألأعتبار موقع أسرائيل فى السياسة الأمريكية ، ودور اللوبى الصهيونى ، وايضا دور الكونجرس والتلويح بأحياء قضية أبادة ألأرمن المعروضة على جدول أعمال الكونجرس ألأمريكى، وعامل المصلحة المشتركة ، وحاجة تركيا للخبرة ألأسرائيلية فى مجال التصنيع الحربى والعسكرى ، وفى مجال الرى والهندسة الوراثية ، والتى تشكل اساس مشاريع الرى الضخمة التى تقيمها تركيا ، والى جانب ذلك حاجة تركيا الى الرأسمال اليهودى ، والدعم ألأقتصادى الدولى ، ويبقى الحفاظ على العلاقات التركية ألأسرائيلية ورقة أنضمام مهمة لتركيا لدخول ألأتحاد ألأوربى ، وإدراك تركيا أن الدول ألأوربية او على ألأقل بعضها كألمانيا وفرنسا تأخذ ذلك بعين ألأعتبار ، وتحرص تركيا أن يكون لها دور فى عملية الوساطة بين سوريا واسرائيل تأكيدا لدورها ألأقليمى وحرصا منها على تجنب خيار الحرب ألأقليمية ، كل هذه المعطيات هى التى قد تفسر لنا التصريح الذى أدلت به نائبة فى حزب العدالة والتنمية بأن لا مشكلة لتركيا مع أسرائيل أو تل أبيب بل مع الحكومة ألأسرائيلية ، وهذا ألأدراك قد يكون متبادلا وهو الذى قد يحول دون ذهاب العلاقات الى حد ألأزمة البنيوية ، وحد قطع العلاقات بالكامل ، وهو ما يؤكد أن نموذج المصلحة المشتركة هو المسيطر على العلاقات بينهما ، وتبقى مرتبطة بالدور ألأمريكى ، ولكن هذا لا يعنى أن لا تخضع هذه العلاقات الى اعادة صياغة ومراجعة وأعادة ترتيب فى سلم ألأولويات التركية ، وخصوصا أن هناك العديد من المستجدات ألأقليمة والداخلية التركية التى قد طرأت على العلاقات بين البلدين ولتدشنها مرحلة السفينة مرمره ، لكن من السهل فى العلاقات على مستوى الدول ألأقليمية أو الطامحة للقيام بهذا الدور أن تخضع سياساتها لأحداث زمنية أو بقضايا جزئية . وفى ضؤ كل هذه المحددات والقيود التى تحكم العلاقات التركية ألأسرائيلية يمكن تصور السيناريوهات التالية : سيناريو قطع العلاقات وهو خيار وسيناريو مستبعد لكل ألأعتبارات السابقة التى تم ألأشارة اليها اعلاه، والسيناريو الثانى سيناريو العلاقات التحالفية وهو خيار أيضا مستبعد فى ظل تركيبة النخبة السياسية الأسلامية الأيدولوجية فى تركيا ، وتراجع دور المؤسسة العسكرية لحساب السلطة السياسية التى يمثلها حزب العدالة والتنمية ، وبسبب العلاقات المضطرة والمتنامية بين تركيا والدول العربية وخصوصا الدول الخليجية وزيادة حجم ألأستثمارات العربية والخليجية فى تركياوما تمثله ألأسواق العربية للمنتوجات التركية الصناعية والزراعية ، وأيضا بسبب الدور المحورى الذى تلعبة القضية الفلسطينية فى السياسة التركية كقضية أقليمية ، وأما السيناريو الثالث ألأكثر واقعية وقبولا وهو سيناريو أستمرار العلاقات كأى علاقات بين دولتين تربطهما مصلحة مشتركة ومتبادلة ،وعلى حد أحد المراقبين أزالة الشحوم الزائده من على العلاقات التركية وألأسرائيلية لتبدو أنها علاقات تحكمها التحولات فى موازين القوى فى المنطقة ، وتحكمها منهج وظيفية العلاقات بين اى دولتين ، فهى نمط من العلاقات الوظيفية والبنيوية التى ليس من السهل أن تحكمها أعتبارات مصلحية وقتية قد تزول بزوال أسبابها.وقد يتم تقليص لهذه العلاقات لكن دون ألغائها ، بمعنى وقف صفقات أقتصادية أو مناورات عسكرية ، لكن فى النهاية تبقى هذه العلاقات محكومة ألى جانب عامل المصلحة المشتركة بعامل العلاقات الذى يربط كل منهما بالولايات المتحده وأوربا ، فهى علاقات يحكمها نموذج مركب من العلاقات البنيوية والوظيفية والمصلحية ، وهو مايفرض أستمرار العلاقات بينهما.  

ـــــــ

*|أكاديمى وكاتب عربى

drnagish@gmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ