-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
من
أساليب التربية في القرآن
الكريم الغفران
والصفح الدكتور
عثمان قدري مكانسي
يقال : غفر له ذنبه : غطّى
عليه وعفى عنه . وصفح عن ذنبه :
أعرض عنه .
فالغفران أكثر تسامحاً
وعفواً من الصفح ، وفي كلٍّ خيرٌ
.
والقرآن الكريم يعلمنا
الصفح والغفران ، وأن لا نحمل
لأحد في قلوبنا ضغينة ، ولا في
نفوسنا كشحاً ، فالدعاة إلى
الله أسوتهم النبي ـ صلى الله
عليه وسلم ـ الذي ما كان يغضب
لنفسه أبداً ، وكان أبشَّ الناس
وجهاً ، لا يقابل الإساءة
بالإساءة ، بل يقابلها بالعفو
والغفران ما لم تكن في جنب الله
سبحانه . 1ـ
والله سبحانه وتعالى غفّار
الذنوب وستار العيوب ، يعلمنا
الغفران فيبدأ بنفسه ، وهو الذي
لا يعجزه شيء ، لكنّه يحب أن
يغفر لنا .
يقول لنا سبحانه : (( يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ ))(1)
.
وأمرنا أن نغفر للناس ،
ونتشبّه به سبحانه فقال : (( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا
وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ ))(2)
. 2ـ
بل إنه سبحانه أمر ملائكته
الكرام أن يستغفروا لنا ، وهذا
من كرمه وفضله سبحانه ، فيقول : ((
الَّذِينَ
يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ
حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَيُؤْمِنُونَ بِهِ
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ
آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ
كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً
وَعِلْمًا فَاغْفِرْ
لِلَّذِينَ تَابُوا
وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ
وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ
جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي
وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ
مِنْ آَبَائِهِمْ
وَأَزْوَاجِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ
أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(8) ))(3)
.
ويقول سبحانه في استغفار
الملائكة للمؤمنين أيضاً : ((.
. . .
وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ
بِحَمْدِ رَبِّهِمْ
وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي
الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))(4)
.
وهذا يعقوب عليه السلام
يعتذر إليه أبناؤه لخطئهم في
حقه ، وحق يوسف عليه السلام ،
فيقول : (( . . . .
سَوْفَ
أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ ))(5)
.
وهذا سيدنا أبو بكر الصدّيق
حين يرى مِسطحاً نال من السيدة
عائشة رضي الله عنها ، وكان
يتصدق عليه ، فأقسم أن لا ينفعه
بنافعة أبداً ، ولكنَّ الله
سبحانه يعلمنا أن نعفو ونغفر ،
فينزل آية يَأمره وغيره أن
يعفوَ ويصفحَ ، فهذا أولى
بالمسلم : (( وَلَا
يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ
مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ
يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى
وَالْمَسَاكِينَ
وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلَا
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ
اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) ))(6)
. فقال الصدّيق : بلى يارب ؛ أحب
أن تغفر لي .
وفي معركة أحد خالف الرماة
رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ ، فأمره الله سبحانه أن يعفو
عنهم ، ويستغفر لهم ، فهم بشر
يخطئون ، والعفو عنهم يجمعهم
على حب رسول الله ـ صلى الله
عليه وسلم ـ ، والطاعة له ،
وتصحيح أخطائهم (( فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ . .
. . ))(7)
.
والإنسان إذا عفا عن أخيه ،
وصفح عنه ، أحبّه أخوه ، وعظم في
عينه ، وكذلك أُمِرَ رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ أن يقبل
بيعة النساء ، ويستغفر لهن إذا
التزمن التوحيد ، وامتنعن عن
السرقة والزنا ، وقتل الأولاد ـ
حين تطرح المرأة جنينها أو تمنع
نفسها فلا تحبل ـ ويمتنعن عن
إلحاق لقيط برجل ليس أباه ،
ويلزمن أنفسهن بطاعة رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ ((
.
.
. . فَبَايِعْهُنَّ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))(8)
.
وسيدنا يوسف عليه
السلام ، كان إخوته سبب بلائه ،
وبُعدِه عن والده مدة أربعين
سنة ، فلما كشف نفسه لهم ، ورأوا
مكانته السامية في مصر ،
اعتذروا له طالبين الصفح
والغفران ، فعفا عنهم وسأل الله
تعالى المغفرة لهم (( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ
اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ
كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ
لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ
الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ
لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ
(92) ))(9)
وما أجمل أن يدعو المسلم
لأخيه بظهر الغيب ، ويسأل الله
أن يغفر لهما ويجمعهما على ما
يحب ويرضى . . إنه الدين الذي جمع
قلوب العباد (( وَالَّذِينَ
جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا
الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ
فِي قُلُوبِنَا غِلًّا
لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا
إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
(10) ))(10)
.
مجتمع فيه تآلف ومحبّة ، كل
واحد يرجو فيه الخير له ولأخيه ،
هو مجتمع جذوره ذاهبة في الأرض
ثباتاً ، وذُراه ذاهبة في
السماء سموّاً وعلوّاً .
ـ حتى إن القرآن ليذهب أبعد
من هذا ، فمن أساء إليك ، فلا
تُسىء إليه إلا بقدر إساءته لك ،
والأفضل من هذا الصفحُ والعفوُ
والصبرُ (( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا
بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ
خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)
وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ
إِلَّا بِاللَّهِ . . .
))(11)
.
ماذا تفعل مع إنسان أساء
إليك ، وأنت تريد له الخير ،
أتمنع الخير عنه وتقول لا بد من
عقابه ، أم تتناسى إساءته ، وكأن
شيئاً لم يكن ، أم تقابل إساءته
بالإحسان إليه ؟ .
لعل القرآن الكريم يريد لك
أيها المسلم الداعية أن تكون
أكبر من ردة الفعل ، فلك هدف
تصبو إليه . . هذا ما يريده
القرآن ، ومنزل القرآن سبحانه
وتعالى (( وَمَنْ
أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ
دَعَا إِلَى
اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا
وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ
الْمُسْلِمِينَ (33)
وَلَا تَسْتَوِي
الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا
الَّذِينَ صَبَرُوا
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا
ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) ))(12)
.
وجعل الله تعالى أخذ الحق
أمراً لا يُلام الإنسان عليه ،
لكنَّ العفو أمر يحبه الله
تعالى
(( وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ (40)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ
ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا
عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
))(13)
.
لكن حين نعلم أن الله تعالى
أعدَّ جنة عرضها السماوات
والأرض للمتقين نسأل عن سمات
هؤلاء المتقين ، لعلنا نكون
منهم : أ
ـ (( الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ
وَالضَّرَّاءِ ب ـ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ جـ ـ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ د ـ
وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ (134) هـ ـ
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا
أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ
إِلَّا اللَّهُ و ـ وَلَمْ
يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا
وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) زـ أُولَئِكَ
جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ
أَجْرُ
الْعَامِلِينَ (136) ))(14)
.
اللهم اجعلنا منهم يا رب
العالمين . (1)
سورة
الزمر ، الآية : 53 . (2)
سورة
التغابن ، الآية : 14 . (3)
سورة غافر
، الآيتان : 7 ، 8 . (4)
سورة
الشورى ، الآية : 5 . (5)
سورة يوسف
، الآية : 98 . (6)
سورة
النور ، الآية : 22 . (7)
سورة آل
عمران ، الآية : 159 . (8)
سورة
الممتحنة ، الآية : 12 . (9)
سورة يوسف
، الآيتان : 91 ، 92 . (10)
سورة الحشر ،
الآية : 10 . (11)
سورة النحل ،
الآيتان : 126 ، 127 . (12)
سورة فصلت ،
الآيات : 33 ـ 35 . (13)
سورة الشورى
، الآيتان : 40 ، 41 . (14)
سورة آل
عمران ، الآيات : 134 ـ 136 . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |