-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
من
أساليب التربية في القرآن
الكريم التحبب الدكتور
عثمان قدري مكانسي
يقول الله تعالى : (( أَلَمْ
تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ
مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا
فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي
أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ
بِإِذْنِ رَبِّهَا . . . .
))(1)
.
هكذا تفعل الكلمة الطيبة في
نفوس السامعين ، تدخل القلوب
دون استئذان ، ويتبوأ صاحبها
المكانة المقبولة في نفوسهم ،
ويستمعون له ، ويحبونه ، أما
الكلمة الخبيثة ، فعلى العكس من
ذلك تنفـّر الناس من صاحبها ،
ويجدونه ثقيلاً على أنفسهم ،
ثقيلاً على قلوبهم .
فحين عاتب الله عزّ وجلّ
نبيّه وحبيبه محمداً عليه
الصلاة والسلام حين أذن
للمنافقين أن لا يخرجوا معه في
غزوة تبوك بدأه بكلمة خفيفة على
النفس ، محببة لدى المخاطَب ،
فقال سبحانه : ((
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ
لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) ))(2)
فكان العفو قبل العتاب .
وحين عاتبه في أمر ابن أم
مكتوم ، لم يخاطبه مباشرة بل
حدّثه بضمير الغائب ، فقال : (( عَبَسَ
وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ
الْأَعْمَى (2)
))(3)
، ولم يقل عبستَ وتوليتَ أن جاءك
الأعمى . . . فإذا كان رب العزّة
يتحبب إلى خلقه ، ويتودد إليهم ـ
وهو الودود الرحيم ـ أفلا ينبغي
لنا أن نسلك هذا الطريق الذلول
لنصل إلى قلوب الناس ؟ ، والمؤمن
ألوف مألوف .
والله سبحانه رؤوف بعباده
حريص على إيمانهم ، يتحبب إليهم
برفقٍ قائلاً : (( قُلْ
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ
لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ (53) ))(4)
.
ويقول : (( يَا
عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا
إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ
فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) ))(5)
.
ويخاطب رسوله الكريم : (( نَبِّئْ
عِبَادِي أَنِّي أَنَا
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)
))(6)
، (( وَقُلْ
لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ
))(7)
. وهل أروع من تحبب المولى إلى
عباده؟! ويخاطب
موسى عليه السلام حين أمره أن
يترك مصر إلى سيناء بالمؤمنين (( فَأَسْرِ
بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ
مُتَّبَعُونَ (23) ))(8)
. فتجيب إلينا بكلمة (( عبادي )) .
وهذا لقمان الحكيم الذي
أكرمه الله سبحانه وتعالى
بالهداية ، فشكره على نعمته ،
فزاده منها ، يقول لولده
متحبباً متقرباً ينصحه : (( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ
عَظِيمٌ ))(9)
، ((
يَا
بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ
مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي
صَخْرَةٍ أَوْ فِي
السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي
الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا
اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
خَبِيرٌ (16) ))(10)
، ((
يَا
بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ
إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ
الْأُمُورِ (17) ))(11)
. فكرَّرَ
كلمة (( يا بُنَيَّ )) وهي كلمة
لطيفة أنيسةٌ تدخل القلوب
وتستقرّ بها .
وحين يأمرنا الله تعالى
ببرّ الوالدين ، يتلطف معنا ،
فلا يستعمل صيغة الأمر كي لا
يستثقله الإنسان فينفر منه ، بل
يأتي بصيغة الماضي والتذكير
بالفضل : (( وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا
عَلَى وَهْنٍ . . . ))(12)
، (( وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ
كُرْهًا . . . . ))(13)
.
((
وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
حُسْنًا . . .
. ))(14)
.
وتراه سبحانه وتعالى كثيراً
ما يستعيض عن الأمر بالوصية : [
(( ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ )) ، ((
ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ
)) ، (( ذَلِكُمْ
وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ
)) ](15)
.
ـ هذا يوسف عليه السلام
يخاطب أباه بأدب ولطف وتحبب ،
فيستعمل كلمة (( أَبَتِ )) ((
إِذْ
قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا
أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ
عَشَرَ كَوْكَبًا . .
. ))(16)
.
(( وَقَالَ
يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ
رُؤْيَايَ . . .
))(17)
.
ـ وإبراهيم الخليل يتلفظ
بالكلمة نفسها لأبيه الكافر ،
متقرباً إليه ، يدعوه إلى
الإيمان ويتحبب مكرراً هذه
الكلمة التي يعشقها الآباء ،
ناصحاً وواعظاً :
(( إِذْ
قَالَ لِأَبِيهِ أ
ـ (( يَا أَبَتِ لِمَ
تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ
وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي
عَنْكَ شَيْئًا )) ؟! ب ـ
(( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ
جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا
لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي
أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) ))
. جـ ـ
(( يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ
الشَّيْطَانَ إِنَّ
الشَّيْطَانَ كَانَ
لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) ))
. د
ـ ((
يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ
أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ
الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ
لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)
))(18)
.
ـ وهذا ابنه إسماعيل الذبيح
يخفف عن أبيه لواعجه ، ويساعده
على الاستسلام لأمر الله ،
وطاعته .
(( يَا
أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ
اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
))(19)
.
وهذه البنت الواعية ،
الموقّرة لأبيها تعرض عليه بأدب
أن يستأجر موسى عليه السلام
بالكلمة نفسها .
(( يَا
أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ
خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ
الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ))(20)
.
والأمثلة في هذا الباب
كثيرة .
كما أن الأنبياء عليهم
الصلوات والسلام جميعاً ، على
الرغم من أذى أقوامهم لهم ، وسوء
معاملتهم إياهم ، تجدهم حين
يخاطبونهم ، يتوددون إليهم
ويتقربون بقولهم : (( يا قوم )) ،
وفي القرآن عشرات الأمثلة من
هذا التودد منها : أ
ـ قول موسى عليه السلام : (( وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا
قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جَعَلَ
فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ
وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا
وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ
أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)
))(21)
. ب ـ قول إبراهيم عليه
السلام : (( فَلَمَّا
أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ
إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا
تُشْرِكُونَ ))(22)
. جـ ـ قول نوح عليه
السلام : (( فَقَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ ))(23)
. د
ـ قول هود عليه السلام : (( قَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ
))(24)
. هـ ـ قول صالح عليه
السلام : (( قَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ
بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ
))(25)
. و ـ
قول شعيب عليه السلام : (( قَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ
مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ
بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ . . ))(26)
. ز ـ
الرجل الصالح في سورة يس : (( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى
الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا
الْمُرْسَلِينَ (20)
اتَّبِعُوا مَنْ لَا
يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ
مُهْتَدُونَ (21)
))(27)
. ح ـ
مؤمن آل فرعون : (( وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ
رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا
قَوْمِ اتَّبِعُوا
الْمُرْسَلِينَ
(20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا
يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ
مُهْتَدُونَ (21) ))(28)
.
حتى إنَّ فرعون ذلك المتكبر
المتغطرس ، حين أراد أن يتقرب
إلى الغوغاء من شعبه ليضلهم (( قَالَ
يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ
مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا
تُبْصِرُونَ ))(29)
.
فحريٌّ بنا أن نكون من أتباع
الأنبياء ، محبين لقومنا ،
ندعوهم إلى العودة إلى الله
سبحانه وتعالى بلطف وتحبب .
وهذا ربُّ العزة يمدح النبي
ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلاً :
(( وَإِنَّكَ
لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ
(4) ))(30)
، ((
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ
الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ ))(31)
.
ولنا فيه عليه الصلاة
والسلام أسوة حسنة ، وفي إخوانه
عليهم الصلوات جميعاً . (1)
سورة
إبراهيم ، الآيتان : 24 ، 25 . (2)
سورة
التوبة ، الآية : 43 . (3)
سورة عبس
، الآيتان : 1 ، 2 . (4)
سورة
الزمر ، الآية : 53 . (5)
سورة
العنكبوت ، الآية : 56 . (6)
سورة
الحجر ، الآية : 49 . (7)
سورة
الإسراء ، الآية : 53 . (8)
سورة
الدخان ، الآية : 23 . (9)
سورة
لقمان ، الآية : 13 . (10)
سورة لقمان ،
الآية : 16 . (11)
سورة لقمان ،
الآية : 17 . (12)
سورة لقمان ،
الآية : 14 . (13)
سورة الأحقاف
، الآية : 15 . (14)
سورة
العنكبوت ، الآية : 8 . (15)
سورة الأنعام
، الآيات : 151 ـ 153 . (16)
سورة يوسف ،
الآية : 4 . (17)
سورة يوسف ،
الآية : 100 . (18)
سورة مريم ،
الآيات : 42 ـ 45 . (19)
سورة الصافات
، الآية : 102 . (20)
سورة القصص ،
الآية : 26 . (21)
سورة المائدة
، الآية : 20 . (22)
سورة الأنعام
، الآية : 78 . (23)
سورة الأعراف
، الآية : 59 . (24)
سورة الأعراف
، الأية : 65 . (25)
سورة الأعراف
، الآية : 73 . (26)
سورة الأعراف
، الآية : 85 . (27)
سورة يس ،
الآيتان : 20 ، 21 . (28)
سورة غافر ،
الآية : 30 . (29)
سورة الزخرف
، الآية : 51 . (30)
سورة
القلم ، الآية : 4 . (31)
سورة آل
عمران ، الآية : 159 . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |