ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التطرف بقلم:
محمد عادل فارس من
التهم العصرية التي روّجها
أعداء الإسلام ضد دعاته: التطرف
والإرهاب والأصولية، فضلاً عن
تُهم روّجوها من قبل، كالرجعية
والتعصّب والتحجّر والتزمت.. وإذا
كان مرور الزمن كفيلاً بكشف
الخداع والتلاعب بالألفاظ.. فإن
أولئك الأعداء يُتقنون صناعة
الهمز واللمز والدعاية الكاذبة...
فإلى أن تنكشف خدعة يكونون قد
صنعوا سلسلة من الخداعات، وليس
يضيرهم كثيراً أن يفتضحوا في
كذبة أو خدعة، فكما حدّثنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن
ممّا أدرك الناس من كلام
النبوّة الأولى: إذا لم تستحِ
فاصنع ما شئت" رواه الأئمة
أحمد والبخاري وأبو داود وابن
ماجه. ونقف
الآن أمام واحدة من تلك التهم،
تهمة التطرف. ففي ظل غلبة لون
معين من الثقافة، ورغبة أربابه
بإلغاء الثقافات الأخرى، وجعلِ
مختلف الشعوب تبعاً لثقافة
الغالبين، ومحاولة إعادة صياغة
العقول والأخلاق والقيم
والمصطلحات.. بما ينسجم مع تلك
الثقافة... صار مقياس الاعتدال
والحق والصواب هو المقاربة مع
الثقافة التي تحميها الأسلحة
والمال والكمبيوتر والإعلام،
بل صار مقياس الرقي في الحياة
الشخصية هو النموذج الذي تفرضه
تلك الثقافة، فطرائق الطعام
والشراب واللباس والاستقبال
والضيافة والحديث... تكون أرقى
كلما تقمّصتْ شخصية تلك الثقافة!. ولا غرو
بعد هذا أن يكون الإسلام الذي
أنزله الله عز وجل ديناً بعيداً
عن الاعتدال في ظل هذه المفاهيم.
وحتى يُصبح هذا الدين معتدلاً
مقبولاً عند "هؤلاء" فلابد
من إدخال التعديلات تلو
التعديلات على أحكامه وآدابه
وقيمه حتى يُصبح ديناً بالصورة
التي تُرضي "الخواجات". أما
الذين يصرّون على فهْم الإسلام،
كما أنزله الله تعالى في كتابه،
وكما بيّنه الرسول صلى الله
عليه وسلم في حديثه وسيرته، فهم
المتطرفون!! ومن
أولويات ما أرادوا تحريفه في
الدين القويم، هو الجهاد، فمرّة
يقولون: إن الإسلام انتشر
بالسيف!. وينهض بعض المسلمين
ليقولوا: بل الإسلام لا يُقرّ
استخدام السيف إلا في حال
الدفاع عن أرض الإسلام أمام خطر
هجوم مباشر. ومرة يقولون:
الإسلام دين السلام، وهو لا
يقبل باستخدام القوة، وما حصل
في صدر الإسلام من حروب إنما كان
لاعتبارات طارئة، وأما اليوم
وقد انتشرت المطابع والإنترنت
وصار تبليغ الإسلام متاحاً فقد
انتفت شرعية الجهاد ابتداء. ثم
يقولون: الإسلام دين يُعنى
بطهارة القلب ونظافة الضمير،
وبإمكان المسلم – إن أراد – أن
يمارس شعائر الصلاة والصيام
والزكاة والحج... أما شؤون الحكم
والسياسة والاقتصاد والاجتماع
فلا شأن للدين فيها، وللناس أن
يختاروا في كل مسألة، أو في كل
ميدان من ميادين الحياة، ما
يرونه مناسباً لحياتهم... وهو ما
يعبّرون عنه بفصل الدين عن
الدولة، وبالإسلام العلماني!
وبأن الدين لله والوطن للجميع. ثم يرون
أن تعليم الدين، ولو في الحد
الأدنى الذي تسمح به الأنظمة
القائمة، بما فيه من تعليم
تلاوة القرآن الكريم وحفظه،
وتعليم أحكام الطهارة والصلاة،
وشيء من السيرة النبوية والحديث
الشريف... هذا التعليم يُشكّل
خطراً على "الحضارة
العالميّة"!. لماذا؟ لأن
الذين يدْرسون هذه الدراسات
تتشكّل عقولهم على نحو
يَعُدُّون الإسلام في مكانة
القداسة والتكريم، ومرجعاً
يرجعون إليه فيما شجر بينهم!!. وإذاً،
لابد من إلغاء الجهاد، ثم لابد
من إلغاء فكرة أن الإسلام دين
للحياة، ثم لابد من إلغاء الدين
أصلاً. وبعد
هذا كلّه يصبح المتطرف عندهم من
لا يرضى أن ينحصر في تلك القوالب
أو أن يفكّر بالطريقة التي
يريدون. *** على أن
من العدل أن نقرر أن في المسلمين
متطرفين فعلاً، كما هو بين
أبناء الديانات والمذاهب
والشعوب الأخرى. وهذا يقتضي أن
نتفق على معنى التطرف. فالتطرف
هو اتخاذ الموقف في الطرف، أي
بعيداً عن التوسط والاعتدال.
والتوسط والاعتدال في الإسلام
هو ما يُفهم من نصوص الكتاب
والسُنّة بعيداً عن التأثر
بالأفكار الوافدة، وبعيداً عن
ردود الأفعال تجاه أي مذهب أو
نظرية. وأهم ما يُترجِم التوسط
هو ما كان عليه النبي صلى الله
عليه وسلم في سيرته الشريفة، ثم
ما سار عليه أصحابه والتابعون،
وما رضيه جمهور علماء الأمة عبر
التاريخ. وعلى
هذا يمكن أن نميّز ألواناً من
المتطرفين: فالذين
يعملون على ليّ أعناق النصوص
لتوافق أهواء الغربيين،
وتَظهرَ على نحو يُرضي الثقافة
الغربية... هم متطرفون، وإن
كانوا أبعد الأصناف عن أن
يوصفوا بالتطرف، وفق ما يروّجه
الغربيون ومن سار في فلكهم، من
مفهوم التطرف، فهؤلاء عندهم هم
المعتدلون!. والذين
يَغْلون في الدين فيصفون
العُصاة والمذنبين بالكفر، ولا
يفرّقون بين من يرتكب صغيرة أو
كبيرة، وبين من يخرج عن الملّة،
فيدمغون الجميع بالكفر... هؤلاء
متطرفون. والذين
يتساهلون في إراقة الدماء وقتل
الأنفس من غير بيّنة شرعية،
وفتوى من أهلها، إنما يقتلون
على الشبهة... هؤلاء متطرفون. والذين
لا يفرّقون بين وصف المجتمع
بأنه جاهلي، بمعنى أنه يحكمه
نظام لا يدين بالإسلام، وبين
الحكم على أفراد هذا المجتمع،
فيظنون أنهم كفار. ولا يفرّقون
بين من وُجِد فيه وصفٌ من أوصاف
الجاهلية، وبين من يرفض الإسلام
ديناً للحياة، أو يرفض الاحتكام
إلى دين الله، أو يكفر بالله
ويؤمن بالطاغوت... نقول: إن هؤلاء
الغُلاة متطرفون!. والذين
يُسطّحون الأمور تسطيحاً
ساذجاً (أو خبيثاً) فيقولون: لا
ينبغي أن تتكلموا في الحلال
والحرام فتُعقّدوا الناس. دعوا
الناس يتصرفون كما يشاؤون...
وكذا الذين يُضيّقون على الناس
حتى لا يتركوا أمامهم فرصة
ليتحركوا أو يتنفسوا، بحجة أن
كل تصرف يكاد يكون حراماً...
هؤلاء وهؤلاء متطرفون. ورحم
الله الإمام سفيان الثوري حين
قال: "التشدد كل الناس
تُحْسنه، ولكن العلم رخصة من
عالم". فلا التشدد مطلوباً في
الإسلام، ولا الترخّص الذي يعني
التفلّت والتسيّب... إنما هو
اجتهاد العالم التقيّ البصير. والذين
يأخذون نصّاً مفرداً – آية
كريمة أو حديثاً شريفاً –
ويبنون عليه أحكاماً، من غير أن
ينظروا إلى سياق هذا النص، وأن
يجمعوا بينه وبين النصوص الأخرى
المتعلقة بموضوعه، وأن يطّلعوا
على اجتهادات أهل العلم في
الجمع بين النصوص (التي تُبين
وتوضّح وتُفصّل...) هؤلاء كذلك قد
يكونون من المتطرفين، لا سيما
إذا كان أحدهم قد تبنّى الرأي
مسبقاً ثم جاء يوجّه النص
ليوافق رأيه!. وخلاصة
الأمر: إذا كان التطرف سيئة، فإن
الاعتدال هو الحسنة. يُمكن
أن نذكر بعد ذلك ونؤكد أن التطرف
في أي اتجاه يكون محرّضاً على
تطرف في اتجاه مقابل، سواء كان
ذلك على مستوى الأفراد أو
الجماعات أو المؤسسات أو الدول. فحين
يتعلق الناس – في بيئة أو عصر –
بالخرافات والأساطير، تقوم
ردّة فعل باتجاه إنكار المغيبات.
وحين
تنتشر البدع في الاعتقاد أو
السلوك، تنمو فكرة الغلو في
محاربة البدع حتى يدخل في
المحاربة ما ليس بدعة... وحين
يستبدّ حزب أو فئة أو فرد
بالسلطة يحدث انفجار لا يُبقي
ولا يَذَر. وحين
يعمّ الترف والإغراق في
الكماليات ينشط التوجّه نحو
الزهد. وحين
تريد دولة أن تفرض سلطانها
وثقافتها على العالم كله وتُلغي
عقائد الآخرين وتمحو ثقافاتهم
يتولّد الكره والحقد على تلك
الدولة. وليس
علاج التطرف هو التطرف المضاد،
إنما علاج التطرف الاعتدال.
فإذا كان للتطرف المضاد فائدة
فإنما هي في فضح التطرّف الأول
وإثارة الاشمئزاز منه حتى يتولد
الاعتدال. وما أعظم الإسلام
الذي جعل أمّة الإسلام "أمة
وسطاً" وأمر بالعدل والقسط،
وأقام ميزان الحق بين الناس ((اعْدلوا
هو أقرب للتقوى)) (المائدة: 8). ((وكذلك
جعلناكم أمة وسطاً)) (البقرة: 143)
ولنقرأ قول الله تبارك وتعالى
ففيه الحق والنصح والسداد: ((يأيها
الذين آمنوا كونوا قوّامين لله
شهداء بالقسط ولا يَجْرِمنّكم
شنآن قوم على ألا تعدلوا. اعدلوا
هو أقربُ للتقوى. واتقوا الله إن
الله خبير بما تعملون)) (المائدة:
8). ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |