ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 01/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

هل الكذب نقيصة أم مهارة؟

أ.د. محمود نديم نحاس*

كتب لي صديقي المهندس من بلده يقول بأنه استقال من العمل في شركة كبرى وأقام لنفسه مؤسسة صغيرة. وشرح أسباب ذلك بأنه وُضع على رأس لجنة هندسية للكشف عن مبنى جديد للشركة ظهرت عيوبه من أول سنة، وقد سبق للجنة الإشراف أن استلمت المبنى ووقّعت بأن بناءه تم حسب المواصفات!

يقول: بعد الكشف على المبنى وتسليم التقرير ناداني مديري، وقال لي إن تقريري لن يسرَّ مدير الشركة، وسيُصاب بجلطة بسببه! فأجتبه: معاذ الله أن أسبب له ذلك، لكني ما كتبت إلا ما رأيت. فراح يفهمني أنه من الأفضل تغيير التقرير ليتناسب مع تقرير اللجنة التي استلمت المبنى. وأخذ يعطيني دروساً في العلاقات الاجتماعية، فما كل ما يُعلم يُقال، وليس من الضروري أن تقال الحقيقة دوماً، فهذا من الكياسة وحسن التصرف، وأن الإنسان عليه أن يقول ما يجلب له المنفعة ولو خالف الحقيقة أحياناً، وبإمكاني الاحتفاظ بأخلاقي لنفسي، لكن في العمل لابد من التأقلم مع الآخرين حتى لا أبدو نشازاً!

ولما استيأس مني أخذ التقرير وهو يتوعدني بعدم ترشيحي لأي لجنة أو دورة أو شيء فيه منفعة! ثم علمت أنه عدّل التقرير بالطريقة التي رآها مناسبة ورفعه إلى مديره. ورغم التعديل فإن مديره لم يعجبه، وأعطى مديري دروساً تتفق في فلسفتها مع الدروس التي أخذتها أنا، وأن مدير الشركة إذا أصابه شيء من جرّاء التقرير فمديري هو المتهم! ومن تعلّم في طفولته قول الحقيقة لينال الثواب من أمه فعليه أن يعلم أن قول الحقيقة هنا لا يؤهله للحصول على المكافآت والامتيازات في الشركة!

ثم إن ذاك المدير أخذ التقرير وعدّله بحيث صارت مواصفات المبنى أفضل مما تم التعاقد عليه!

سألت صاحبي: وكيف تم إصلاح العيوب؟ قال: الأمر بسيط، فقد وضعوا في التقرير فقرة صغيرة تقول بأن اللجنة المشرفة على التصميم والتنفيذ لم ترد أن تكلف الشركة مبلغاً كبيراً في سنة واحدة ولذا فإنها وضعت مواصفات تشطيب متوسطة الجودة ليتم استكمالها من ميزانية الصيانة خلال السنوات التالية، فوافق المدير على ميزانية سنوية لصيانة المبنى، استُخدمت لإصلاح العيوب!

يقول صاحبي: رحت أفكر كيف يربي هؤلاء أولادهم؟ هل يربونهم على الأخلاق الحميدة؟ أم على مثل هذه الأخلاق التي أعطوني بها درساً؟ وكيف يتحول الكذب من نقيصة إلى مهارة تجلب المنافع؟ وكيف يتحول النفاق إلى كياسة تأتي بالمغانم؟ هل فقد هؤلاء إحساسهم فوقعوا في ازدواجية بين ما يعلمون وما يعملون؟ وهل حصل عندهم انفصال بين المظهر والجوهر؟ وبين الصورة الجميلة والحقيقة الموجعة؟

ويضيف: لما رأيت انتشار مثل هذه الأخلاق في جسد الشركة فررت منهم قبل أن يصيبني ما أصابهم، آملاً أن يجعل الله لي من أمري يسراً.

ــــــــــ

*كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز

nahasm@yahoo.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ