ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إنقاذ
العولمة (ربما يكون الوقت قد حان لكي
تدرك النخب العربية بأن
المطالبة بإعادة توزيع الدخل هي
الطريق إلى الخلاص الوطني
والقومي والديموقراطي.) بقلم
نقولا ناصر* في مقال
بعنوان "صفقة جديدة
للعولمة"، نشرته مجلة
"فورين أفيرز" التي يصدرها
مجلس العلاقات الخارجية
الأميركي في عددها لشهري تموز
وآب (يوليو وأغسطس)، كتب أستاذان
جامعيان للعلوم السياسية
والاقتصاد، لا علاقة سابقة أو
لاحقة لهما بالشيوعية أو
الاشتراكية بل كان أحدهما
مستشارا اقتصاديا للبيت
الأبيض، يدعوان إلى "إعادة
توزيع الدخل" - - وهذه دعوة
شيوعية – اشتراكية بالتأكيد - -
كشرط لوقف الانكفاء المتسارع
الحالي في الولايات المتحدة إلى
"الحمائية" بدل العولمة
التي زجت واشنطن العالم فيها
لأمركته، من أجل حماية إنتاجها
الوطني، وحث الكاتبان على وضع
الأسس ل"لصفقة جديدة
للعولمة" من أجل
"إنقاذها" تعتمد أساسا على
إعادة توزيع الدخل على أسس أكثر
مساواة بين الناس. ففي
الولايات المتحدة، "انعدام
المساواة الآن أكبر منه في أي
وقت آخر خلال السبعين عاما
الماضية. ومهما كان السبب، كانت
النتيجة اندفاعا نحو الحمائية.
ومن أجل إنقاذ العولمة، يجب على
صناع السياسات نشر مكاسبها على
نطاق أوسع. والطريقة الأفضل
لعمل ذلك هي إعادة توزيع
الدخل"، كما كتب كنيث ف. شيف
أستاذ العلوم السياسية بجامعة
ييل وماثيو ج. سلوتر أستاذ
الاقتصاد الذي خدم في مجلس
المستشارين الاقتصاديين للبيت
الأبيض لمدة ثلاث سنوات حتى عام
2007. إن الولايات
المتحدة اليوم، من حيث الدخل
والثروة، كما كتب غودفري
هودجسون في "أوبن
ديموكراسي" في السادس عشر من
الشهر الجاري، "هي البلد
الأكثر عدم مساواة في العالم ..
والفجوة بين الثروة والفقر أعلى
منها في أي مكان آخر وهي تتسع
بثبات"، ليحذر الكاتب من أن
"الحلم الأميركي" يكاد
ينهار لأنه بالرغم من أن إعلان
الاستقلال الأميركي ينص على أن
كل البشر قد خلقوا متساوين، فإن
الآباء المؤسسين الذين كتبوه
لبلادهم كانوا يقررون مبدأ
طبيعيا للحقوق "أكثر من
التفكير في مساواة اقتصادية
مطلقة أو حتى نسبية" بينما
كان الحلم بهذه المساواة في
الفرص الاقتصادية هو "الحلم
الأميركي" الذي يتغنى به
القادة الأميركيون للعولمة. لذلك فإن
ملايين الأميركيين الذين ألقت
بهم أزمة العولمة الاقتصادية
العالمية التي ما زالت آثارها
تتفاعل عالميا، ممن يعيشون
بالملموس اليومي تفاقم انعدام
المساواة - - الموجود أصلا في صلب
نظامهم الرأسمالي - - بسبب
العولمة، لن يكونوا معنيين،
مثلهم مثل ما يزيد على مليار
إنسان في العالم كانوا ضحية
لهذه العولمة، ب"إنقاذ"
العولمة الذي دعا إليه شيف
وسلوتر، لكنهم بالتأكيد
سيكونوا معنيين تماما بإعادة
توزيع الدخل، بالعولمة أو
دونها. فانعدام
المساواة لم يعد سمة يتميز بها
المركز الأميركي للعولمة بل هو
ظاهرة عالمية اليوم. على سبيل
المثال، قال تقرير لمجموعة
بوسطن للاستشارات (BCG)
آخر الشهر الماضي إن أقل من واحد
في المئة من الأسر في العالم هي
أسر "مليونيرية"، لكنها
تملك حوالي (38%) من ثروة العالم،
وإن عدد هذه الأسر قد ارتفع
بنسبة (14%) إلى (11.2) مليون أسرة
عام 2009 بالمقارنة مع العام الذي
سبقه، منها (4.7) مليون أسرة في
الولايات المتحدة التي تحتل
المرتبة الأولى عالميا تليها
اليابان والصين والمملكة
المتحدة وألمانيا على التوالي.
وحسب التقرير، كانت الكويت وقطر
والإمارات العربية المتحدة
ثلاث دول عربية من بين أكثر ست
دول في العالم "كثافة" في
الأسر المليونيرية. وحظيت
العولمة في الوطن العربي
باهتمام المفكرين والسياسيين
على حد سواء. فالمفكر العربي
الراحل د. محمد عابد الجابري في
كتابات له أكد انعدام المساواة
كواحد من أهم سمات العولمة،
وبين كيف أن "تعميم الفقر"
هو "نتيجة حتمية" لها،
وكذلك "التفاوت" بين الدول
والتفاوت "داخل الدولة
الواحدة" هو من نتائجها
"المباشرة"، ومما كتبه في
هذا الشأن: "لتوضيح
هذه الظاهرة نقتبس ما يلي: إن خمس دول، هي
الولايات المتحدة الأميركية
واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، تتوزع فيما بينها
(عام 1995) 172 شركة من أصل 200 من أكبر الشركات
العالمية. وهذه الشركات المئتان
العملاقة هي التي تسيطر عملياً
على الاقتصاد
العالمي، وهي ماضية في إحكام
سيطرتها عليه، إذ ارتفعت استثماراتها في جميع أنحاء
العالم وفي المدة ما بين 1983-1992
بوتائر سريعة جداً:
أربع مرات في مجال الإنتاج
وثلاث مرات في مجال المبادلات
العالمية. وفي تقرير للأمم المتحدة (في
التاريخ المذكور) أن 358 شخصاً من
كبار الأثرياء
في العالم يساوي حجمُ مصادر
ثروتهم النقدية حجمَ المصادر
التي يعيش منها
ملياران وثلاثمائة مليون شخص من
فقراء العالم. وبعبارة أخرى إن عشرين في المئة من كبار أغنياء
العالم يقتسمون فيما بينهم
ثمانين في المئة من
الإنتاج المحلي الخام على
الصعيد العالمي، وأن الغنى
والثروة ارتفعا بنسبة ستين في
المئة في الولايات المتحدة
الأميركية بين عامي 1975-1995، غير أن المستفيدين من هذا
الارتفاع الكبير في الغنى
والثروة لا يتجاوز عددهم
نسبة واحد في المئة من الشعب
الأميركي. والنتيجة الاجتماعية
لهذا التركيز المفرط للثروة على
الصعيد العالمي هي تعميق الهوة بين الدول، وبين شرائح المجتمع
الواحد، ليس فقط بين الطبقات بل
أيضاً بين الفئات
داخل الطبقة الواحدة وبين
الفصائل والأفراد داخل الفئة
الواحدة." وهذا
"التفاوت" واضح اليوم في
الفوارق الكبيرة في الدخل
ومستوى المعيشة بين الدول
العربية، وقد تحول إلى عقبة
جديدة أمام أي توجه للتكامل
باتجاه أي شكل من أشكال الاتحاد
بينها، ناهيك عن الوحدة، ليس
فقط بين الغنية وبين الفقيرة
منها، بل حتى بين الدول الغنية
نفسها التي تستغني كل منها
بغناها عن أي حاجة لأي اتحاد مع
شقيقتها حتى لو كان اتحادهما
سيزيد كلتاهما قوة واستقرارا
وأمنا وغنى أيضا، والمسيرة
الأبطأ من السلحفاة لدول مجلس
التعاون الخليجي العربية مثال
غني عن البيان. والتفاوت
"داخل الدولة الواحدة" من
دول التجزئة العربية يتسع بين
قلة متناقصة تزداد ثراء وشراسة
في احتكار القرار الاقتصادي
والسياسي وبين قاعدة شعبية
تزداد عددا وحرمانا اقتصاديا
وسياسيا،وكلما تقلص حجم الطبقة
الوسطى الفاصلة بين القلة صانعة
القرار وبين القاعدة الخاسرة
باضطراد من هذا القرار ضاق
الحاجز الذي يمنع الاحتكاك
المباشر بين قطبي الانقسام
الطبقي المتفاقم، وهو احتكاك
يهدد، إن وقع، بأوخم العواقب
لدولة التجزئة العربية التي
تترنح الآن تحت الضغوط
الاقتصادية والسياسية
والعسكرية للعولمة وكاسحة
ألغامها الأميركية التي تصول
وتجول دون رادع في الوطن العربي
ومحيطه الإسلامي الشرق أوسطي. إن العصبيات
الدينية والمذهبية والطائفية
والعرقية والقبلية التي تزيد
الفقراء العرب فقرا تزيدهم أيضا
فرقة وتمزقا، ولا يمكن أن يكون
ذلك صدفة، ففي خلاصهم الاقتصادي
خلاص للدولة الوطنية القطرية،
بينما استمرار تفرق صفوفهم هو
المقدمة الموضوعية لتفكيك هذه
الدولة على أسس مماثلة. وفي المنظور
الاستراتيجي الأطول مدى ربما
يكون الوقت قد حان لكي تدرك
النخب "القومية" المتناقصة
عددا بأن آمالها في تحقيق أي شكل
من أشكال الوحدة أو الاتحاد
العربي لها ممر إجباري اليوم
يتمثل في التركيز على الضرورة
الملحة لإعادة توزيع الدخل في
الوطن العربي، وفي الاصطفاف
سياسيا، وفي النشاط جماهيريا،
على هذا الأساس.
وربما حان
الوقت أيضا لكي ترتفع أصوات
الأكلديميين والسياسيين وغيرهم
من النخب الطامحة إلى تغيير
جذري يقود إلى مجتمعات عربية
أكثر مساواة وعدلا، وبالتالي
أكثر أمنا واستقرارا وتنمية
وديموقراطية، للمطالبة الصريحة
بإعادة توزيع الدخل بين دول
التجزئة العربية من جهة وفي كل
دولة منها من جهة أخرى، فهذا هو
الطريق إلى الخلاص الوطني
والقومي والديموقراطي. غير أن
الظاهرة اللافتة للنظر أن
"تعميم الفقر" المفترض فيه
أن يوحد الفقراء لم يوحدهم لا
بين العرب ولا بين غيرهم من
الشعوب والأمم، إذ لا شيء
يفرقهم مثلما يفرق الغنى بين
الأغنياء بسبب تنافسهم على
المزيد من الإثراء، كون
"المنافسة" هي جزء لا يتجزأ
من النظام الرأسمالي الذي نشأوا
في أحضانه ومن العولمة التي
تزيدهم ثروة وعددا. وعلى سبيل
المثال، عندما استطاعت الحركة
العمالية الفلسطينية الموزعة
على ثلاث اتحادات نقابية أن
تتوحد "على الورق" في بيان
"موحد" أصدرته في السابع من
حزيران / يونيو الماضي تناشد فيه
التضامن من عمال أحواض السفن في
العالم احتجاجا على العدوان
الذي شنته بحرية دولة الاحتلال
الإسرائيلي على "أسطول
الحرية لغزة"، تضامن معها
عمال الموانئ في سان فرنسيسكو
والسويد والهند وتركيا وجنوب
إفريقيا بينما استمرت الحركة
عادية جدا في الموانئ العربية
التي سجل عمالها موقفا تاريخيا
عندما رفضوا خدمة سفن بريطانيا
وفرنسا اللتان شاركتا دولة
الاحتلال في العدوان الثلاثي
على مصر عام 1956، ولم تكن توجد
وقتها سفن إسرائيلية تتجرأ على
دخول أي ميناء عربي. ــــــــــــ * كاتب عربي
من فلسطين ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |