ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مفاوضات
بالإكراه أم هي الخيار د.
مصطفى يوسف اللداوي* لست
أدري هل أن السلطة الفلسطينية
مجبرة على إجراء مفاوضاتٍ مع
العدو الإسرائيلي، وأنها مكرهة
على لقاء الإسرائيليين،
والتفاوض مع حكومة بنيامين
نتنياهو، نتيجة الضغوط
الدولية، والإملاءات
الأمريكية، والرغبات العربية،
وأن الرئيس الأمريكي باراك
أوباما الذي انقلب على نفسه
وعلى سياسته، وتنكب لوعوده،
وتراجع عن تعهداته، ونكص على
عقبيه، متراجعاً عن خطاباته في
القاهرة واستانبول، ووعوده في
واشنطن ومختلف العواصم
الأوروبية، قد أكره رئيس السلطة
الفلسطينية محمود عباس على
البدء في مفاوضاتٍ مباشرة مع
الحكومة الإسرائيلية، وأنه
بالفعل أرسل له رسالةً يتهدده
فيها بالويل والثبور وعظائم
الأمور، إن هو لم ينصع للإرادة
الأمريكية، ويخضع للشروط
الإسرائيلية، ويتوقف عن إملاء
شروطه المسبقة بوقف الاستيطان،
ووقف الإجراءات الإسرائيلية
الأحادية الجانب، وإلا فإن
الإدارة الأمريكية ستعاقب
السلطة الفلسطينية، وستحرمها
من كل أشكال الدعم والمساندة،
وستتخلى عن محمود عباس وسلطته،
وأن العلاقات الأمريكية
الفلسطينية ستتضرر، وأن
الولايات المتحدة الأمريكية لن
تضغط على الحكومة الإسرائيلية
لتجميد الاستيطان، وستترك
الشعب الفلسطيني تحت رحمة
الحكومة الإسرائيلية، ولن
تطالب الإتحاد الأوروبي والأمم
المتحدة وروسيا بدعم السلطة
الفلسطينية. فهل
جاءت استجابة السلطة
الفلسطينية لخيار المفاوضات مع
العدو الإسرائيلي تجنباً لهذه
الأخطار، وتلافياً لكل هذه
التهديدات، وحرصاً منها على
مصالح الشعب الفلسطيني، وعلى
لقمة عيشه، وسلامة أبناءه،
وخوفاً على الاقتصاد الفلسطيني
المزدهر من التردي، وحفاظاً
منها على وحدة الصف الفلسطيني،
وللحيلولة دون تعميق انقساماته
واختلافاته، وأنها خشيت بالفعل
انقلاب الإدارة الأمريكية على
السلطة الفلسطينية، وتخليها عن
التزاماتها تجاه الشعب
الفلسطيني، وأنها صدقت بأن
الإدارة الأمريكية ستتخلى عن
حماية الفلسطينيين من القتل،
ولن تدافع عن حقوق الفلسطينيين
المصادرة، ولا عن بيوتهم
المنتهكة، ولا مقدساتهم
المداسة، وأنها ستطلق يد
إسرائيل لتعبث أكثر، وتقتل
أكثر، وتشرد أكثر، وتصادر
المزيد من الأراضي، وتطرد
المزيد من السكان، وتحرم
المواطنين من حق الهوية
والإقامة، ولهذا السبب فإن
السلطة الفلسطينية قد خافت من
التهديدات الأمريكية، فانصاعت
لشروطها، وقبلت الرسالة
الأمريكية، وعملت بمقتضاها. تخطئ
السلطة الفلسطينية كثيراً
عندما تستجيب لرسالة التهديدات
الأمريكية، وتقبل الشروع
بمفاوضاتٍ مباشرة مع الحكومة
الإسرائيلية، إذ بماذا تهددنا
الولايات المتحدة الأمريكية،
فليس هناك ما تقوى على تهديدنا
به، كما ليس هناك شئ أكثر نخاف
عليه أو منه، وهي لا تقدم لنا
شيئاً يجبرنا أو يدفعنا إلى
القبول بشروطها، أو الخضوع
لتهديداتها، فكما أن السجل
الإسرائيلي حافلٌ بالجرائم
والمحرمات ضد الشعب الفلسطيني
كله، فإن سجل الإدارة الأمريكية
حافلٌ بالمخازي والظلم للشعب
الفلسطيني، فمنذ متى التزمت
الولايات المتحدة الأمريكية
بحماية الشعب الفلسطيني، وصون
حقوقه، ومنذ متى أجبرت الولايات
المتحدة إسرائيل على القبول
بالقرارات الدولية، والاستجابة
لشروط المجتمع الدولي، وكم مرة
وقفت الولايات المتحدة
الأمريكية مساندةً لإسرائيل في
جرائمها ضد الشعب الفلسطيني،
وكم مرة استخدمت الولايات
المتحدة الأمريكية حق النقض
"الفيتو" في مجلس الأمن
الدولي، للحيلولة دون اتخاذ أي
قرار يدين إسرائيل، أو يجرمها،
أو حتى يعنفها ويحملها
المسؤولية، فالفلسطينيون لا
يحفظون في ذاكرتهم يوماً أن
الولايات المتحدة الأمريكية قد
ساندتنا في حقوقنا، أو أيدت
مطالبنا المشروعة، بل إن
الفلسطينيين لا يذكرون من
الولايات المتحدة الأمريكية
إلا كل مساندة ودعمٍ للكيان
الإسرائيلي في كل جرائمه، فهو
الذي يمده بالسلاح والعتاد
والخبرة والمؤونة، فإسرائيل
تقتلنا بالسلاح الأمريكي، وتصد
مظاهراتنا وتجمعاتنا بقنابل
الغاز الأمريكية، وتقيد معاصم
مناضلينا بقيودٍ أمريكية، فهل
أن الولايات المتحدة الأمريكية
قد امتنعت عن
كل أشكال مساندتها للظلم والبغي
والعدوان الإسرائيلي، حتى أنها
تهددنا بالعودة إليه من جديد،
حال عدم قبول الفلسطينيين بلقاء
الإسرائيليين. أم أن
استجابة السلطة الفلسطينية
لقرار المفاوضات المباشرة مع
الكيان الصهيوني، إنما هو
استجابة طبيعية لخيار
المفاوضات الوحيد الذي يؤمن به
البعض، ولا يقبلون بغيره وسيلةً
أو طريقاً ونهجاً لاستعادة
الحقوق، إذ يوجد في السلطة
الفلسطينية فريقٌ لا يؤمن بغير
المفاوضات، ولا يعترف بأي
وسيلةٍ أخرى للنضال، بل ينبذ
المقاومة ويعتبرها عنفاً،
ويرفض أشكال النضال المختلفة
ويعتبرها عبثاً، فهل أن هذا
الفريق هو الذي مارس ضغوطه على
مجلس الجامعة العربية، وطلب
منها رفع يدها عن ملف المفاوضات
الإسرائيلية الفلسطينية، وعدم
تقييد العملية التفاوضية
بشروطٍ معينة، أو ربطها بأزمنة
ومواقيت محددة، وأن هذا الفريق
نفسه هو الذي أوعز إلى الإدارة
الأمريكية، إلى ضرورة أن تمارس
الإدارة الأمريكية ضغطاً
معلناً على السلطة الفلسطينية،
لتبرير قبولها الشروع في
مفاوضاتٍ مباشرة مع حكومة
بنيامين نتنياهو. إنه
لعيبٌ كبيرٌ ومخجل، أن تخضع
السلطة الفلسطينية إلى
تهديداتٍ أمريكية قديمة، وأن
تصدق وعوداً أمريكية مكذوبة،
وأن توهم نفسها وشعبها بأن
الولايات المتحدة الأمريكية
ستذهب بالشعب الفلسطيني وراء
الشمس، إن لم تستجب سلطته إلى
الشروط الأمريكية، وقد نسيت
السلطة الفلسطينية أو تناست أن
الشعب الفلسطيني قدم مئات آلاف
الشهداء ولم يخنع، ودمرت مدنه
ومخيماته وقراره ولم يخضع، ونكل
به العدو الإسرائيلي ولم
يستسلم، ومازال آلافٌ من أبناءه
رهن السجون والمعتقلات، ولكنهم
شامخين بإرادتهم، أقوياء
بصمودهم، أعزاء بثوابتهم،
فخورين بأهلهم وشعبهم، الذي صمد
أمام الحصار، وثبت تحت هول
الحرب، وقصف الصواريخ
والدبابات، وهجوم البوارج
والطائرات الحربية، وقد كان هذا
كله تحت سمع وبصر الإدارة
الأمريكية، التي لم تحرك ساكناً
لنجدة الشعب الفلسطيني، ولم
تصدر أمراً إلى الحكومة
الإسرائيلية بوقف عدوانها على
قطاع غزة، في الوقت الذي لم
يستنجد الفلسطينيون بالإدارة
الأمريكية، ولم يطلبوا نصرتها،
ولم يلتمسوا الحماية منها،
فإنهم اليوم لا ينتظرون منها
ضغطاً على الحكومة
الإسرائيلية، ولا يأملون منها
رخاءاً أو عوناً لتحسين ظروف
عيشهم، لأن المفاوضات مع العدو
الإسرائيلي لن تورث إلا ذلاً،
ولن تثمر إلا عجزاً وتقصيراً،
ولن تفضي إلا إلى استسلامٍ
وتفريط ومزيدٍ من الضياع، بينما
العزة والركون إلى المقاومة
والقوة، ستفضي إلى نصرٍ وعزةٍ
وكرامةٍ وتحرير، وهذا هو خيار
الشعب الفلسطيني الوحيد، الذي
يحفظ الكرامة، ويستعيد الحق،
ويحقق العزة والمهابة. ــــــــــ *كاتبٌ
وباحث فلسطيني-دمشق ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |