ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
لماذا
إسرائيل خائفة من تاريخها؟! بقلم:
د. فوزي الأسمر تتعامل
الشعوب عادة مع تاريخها
بواقعية، فتفتخر بأمجاد ذلك
التاريخ، وتعتذر، في كثير من
الأحيان، عن الأخطاء أو الجرائم
التي أرتكبها قادتها على مر
الزمن. ويبقى التاريخ حقيقة لا
يمكن تغييرها، على الرغم من أنه
يمكن تزييفها. ولكن
قلما يحدث أن تخاف أمة من
تاريخها، وترفض أن تكشف عن
وثائقها بعد مرور أكثر من نصف
قرن على تلك الوثائق، كما هي
العادة المتبعة لدى الشعوب
المتحضرة، والتي تستقي من روافد
تاريخها، خطواتها المستقبلية،
وتحاول أن تصحح من الأخطاء التي
وقعت فيها. ولكن
تبين أن رئيس وزراء إسرائيل،
بنيامين نتنياهو، ليس بهذا
الوارد، فقد وقعّ يوم الحادي
عشر من تموز/ يوليو 2010 أمرا يمنع
فتح أرشيف دولته التاريخي
للباحثين والمؤرخين والمهتمين
بهذه الأمور. فأجل هذا الفتح
للأرشيف لمدة عشرين سنة أخرى. ويمكن
بسهولة أن يقول كل فلسطيني عاش
فترة حرب 1948، ورأى بأم عينه ما
حدث لوطنه ولأبناء شعبه، أن
السبب الحقيقي وراء هذا
التأجيل، يعود إلى الجرائم التي
ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب
الفلسطيني، من مذابح وطرد
جماعي. فقد شاهد الجميع ذلك، في
حين أنكرته إسرائيل أو أخفته في
غياهب أرشيفها. وعندما
كان الفلسطينيون، شهود العيان،
والمؤرخون منهم، يتحدثون عن
جرائم إسرائيل، والأساليب
الإجرامية التي اتبعتها أثناء
حرب 1948، وما قامت به بعد تلك
الحرب من قتل وطرد جماعي
للفلسطينيين، كانت حكومات
إسرائيل تسارع إلى دحض ذلك
معللة إياه بأنه نوع من التحريض
العربي على "الدولة
اليهودية". وللأسف تقبّل
العالم الموقف الإسرائيلي. ولكن
على مر الزمن بدأت الحقائق تظهر.
فبالنسبة لتأجيل فتح ملفات
الأرشيف كتبت صحيفة
"هآرتس"
في افتتاحية لها ( 29/7/2010)
تقول أن السبب وراء ذلك التأجيل
يعود إلى أن هذه الوثائق:
"تحمل ضمن ما تحمله عمليات
طرد وذبح للعرب (في فلسطين)
أثناء حرب الإستقلال (أي حرب
النكبة 1948) وللعمليات التي قام
بها الموساد في دول أجنبية،
وكذلك مراقبة الشاباك (أي
مخابرات الأمن العام
الإسرائيلية) للسياسيين من
المعارضة في الخمسينات، وإقامة
مركز للبحث البيولوجي في مدينة
نتسيونا والمنشآت النووية في
مدينة ديمونا"،
تقول هآرتس. وكانت
حكومات إسرائيل تنفي وتتنكر لكل
الحقائق حتى بعد أن فضح مردخاي
فعنونو، أسرار المفاعل النووي
الإسرائيلي، وخُطف من جانب
الموساد ووضع في السجن. وبعد
فضيحة العالم ماركوس كلينجبرغ
في الثمانينات الذي كان أحد
كبار الباحثين في مركز البحث
البيولوجي المذكور عندما تبين
أنه كان يتجسس لصالح الإتحاد
السوفيتي وسلمهم
معلومات عن نشاطات هذا
المركز. ومع ذلك بقيت إسرائيل
متنكرة لهذه الحقيقة، ولغاية
اليوم لا توجد معلومات كافية عن
نشاط ذلك المركز وكيف استعملت
إسرائيل نتائج أبحاث هذا المركز
العلمي.
وليس
غريبا أن تمنع إسرائيل مثل هذه
الوثائق عن أعين المؤرخين والتي
تدينها وتدين قيامها، وتؤكد
الرواية العربية عما حدث في
فلسطين، وطريقة إستلاء
الصهاينة عليها وما فعلوا
بسكانها وقراهم ومدنهم
وممتلكاتهم. ومن مثل نتنياهو
يعرف قوة كشف الوثائق وهو الذي
تربى على أيدي والده بن تصيون
نتنياهو زعيم الحركة الصهيونية
في الولايات المتحدة،
وبروفيسور التاريخ في ما بعد في
إسرائيل. وقد
اكتشف بعض الذين أطلق عليهم
كنية المؤرخين الجدد من اليهود
الإسرائيليين بعض هذه المذابح
وكتبوا عنها، من بينهم على سبيل
المثال البروفيسور ايلان
بابيه، والذي عمل أستاذا
للتاريخ لمدة
25 سنة في جامعة حيفا، فقد أصدر
كتابا كانت له ردود فعل عنيفة في
إسرائيل والعالم، وترجم إلى عدد
كبير من اللغات، تحدث فيه عن
"التطهير العرقي في
فلسطين". كما
تحدثوا عن الطرد الجماعي
للفلسطينيين إبان حرب 1948. وقد
منعت الحكومة الإسرائيلية نشر
أية معلومات يتعلق بهذا
الموضوع. ولعل قصة مذكرات إسحاق
رابين رئيس حكومة إسرائيل
السابق، مثال جيد. لقد كان
رابين القائد الذي احتل مدينتي
اللد والرملة، حيث وقعت مجازر
لا تزال عالقة في أذهان من
عاصروها، وحدث طرد جماعي
للسكان. وكتب رابين فصلا كاملا
في مذكراته عن ما حدث
في المدينتين وعن البطولات
التي قامت بها وحدته التي
احتلتهما،والتي بسببها ارتفعت
أسهم رابين
ليتبوق مناصب رفيعة في
الجيش وفي الحياة السياسية
الإسرائيلية. إلا أن
الرقابة العسكرية في إسرائيل
منعته من نشر هذا الفصل في كتاب
مذكراته. وأثار هذا المنع ردود
فعل محلية وعالمية. وكتبت عن ذلك
في حينه صحيفة "نيويورك
تايمز"، مذكرة القراء أن ما
جاء في: "كتاب رابين عن مدينتي
اللد والرملة ليس فيه جديدا فقد
كتب عنه شاهد عيان من اللد وهو
فوزي الأسمر في كتابه: أن تكون
عربيا في إسرائيل، حيث تحدث
بإسهاب عن ما حدث" جاء في
الصحيفة الأمريكية. ويبدو
أن هذا الموضوع بدأ يتفاقم. فقد
نشرت صحيفة "هآرتس" في
عددها يوم 30/7/2010 بحثا شاملا على
مدى 12 صفحة متسائلة عن: "ماذا
حدث لـ 130 ألف مواطن سوري كانوا
يعيشون على مرتفعات الجولان بعد
حرب 1967؟". وتقول
الصحيفة أنه حسب ما يقوله
الموقف الرسمي الإسرائيلي ، فإن
معظمهم، إن لم يكن كلهم ، قد
هربوا إلى العمق السوري في
أعقاب الحرب . ولكن :" حسب
الوثائق العسكرية ( الإسرائيلية
) وشهود عيان ، فإن أكثرية هؤلاء
السكان طردوا الشيء الذي يذكرنا
بما حدث لسكان اللد والرملة في
عام 1948 " تقول الصحيفة . وتضيف
"هآرتس" في نفس المقال تحت
بند "نظيفة من سكانها"
فتقول: "في صباح التاسع من
حزيران/ يونيو1967 يوم الهجوم
الإسرائيلي على مرتفعات
الجولان، دعا رئيس أركان الجيش
إسحاق رابين إلى اجتماع قادة
الحملة العسكرية. وقال الجنرال
رحبعام زئيفي في ذلك اللقاء: لا
يوجد الكثير من سكان في الهضبة
ويجب أن نستلمها وهي نظيفة كليا
من سكانها. ولكن الجيش
الإسرائيلي لم يُسلم هضبة
الجولان كما طلب زئيفي، ولكنه
(أي الجيش) عمل على تنفيذ ذلك.
وبعد مرور 20 سنة، وفي مقال حاول
فيه زئيفي تبرير عملية
الترانسفير في الجولان نشر في
صحيفة "يديعوت أحرونوت"،
أن الجنرال دافيد العازار
(كنيته دودو) هو الذي طرد كل
السكان العرب من قراهم على
مرتفعات الجولان، بعد حرب
الأيام الستة، وذلك بعد أن تلقى
أوامر من رابين رئيس أركان
الجيش وموشه ديان وزير الدفاع
وليفي اشكول
رئيس الوزراء". إن كشف
الوثائق في الأرشيف الإسرائيلي
سيؤدي إلى كشف الكثير من
الحقائق، في مقدمة ذلك الكذبة
الإسرائيلية التي تقول أن
القادة العرب هم الذين نصحوا
الفلسطينيين بترك بلادهم لأنهم
سيعودون إليها بعد فترة قصيرة. كذلك
أكذوبة أن معظم الفلسطينيين قد
تركوا بلادهم طوعا، وليس كما
تقول الدعاية العربية أنهم
طردوا من جانب إسرائيل. ثم
سيرتفع الستار عن المذابح التي
قامت بها العصابات الصهيونية
ضدّ المواطنين الفلسطينيين. وربما
سيجد الباحثون في تلك الوثائق
أيضا، معلومات عن المؤامرات
التي حاكتها إسرائيل ضدّ الدول
العربية، وتعاونها مع الدول
الاستعمارية من أجل إسقاط أنظمة
عربية ثورية وتقدمية. كل هذا
وارد، ولذا قررت حكومة إسرائيل
منع نشر هذه الوثائق، لأنها لا
تزال تسير في نفس الطريق وتتبع
نفس الأساليب لغاية اليوم خصوصا
مع سكان وأراضي المناطق المحتلة
منذ عام 1967. ـــــ * كاتب
وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |