ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مدرستان
وإسلام واحد بقلم:
محمد عادل فارس كثيراً
ما تتضمن أحاديث المفكرين
ومقالاتهم، تقسيم الناس إلى
فئتين (أو أكثر) وفق بعض
الاعتبارات، كشرقيين وغربيين،
ومعتدلين ومتطرفين، ويمينيين
ويساريين، وسلفيين وصوفيين... وهذه
التقسيمات لا تعني بالفعل أن
الناس موزعون بالضرورة إلى أحد
طرفي القسمة، إنما تعني تميز
ملامح يغلب وجودها لدى أحد
الطرفين، بمقابل ملامح أخرى لدى
الطرف الثاني. وفي هذا
العصر ينقسم دعاة الإسلام، وفق
أحد الاعتبارات، إلى فريقين: فريق
يؤكد أهمية العمل السياسي، لأن
ساسة الشعوب يملكون القرار،
ويتحكمون بشعوبهم في مختلف
جوانب الحياة، في الثقافة
والتربية والإعلام والاقتصاد...
فضلاً عن تحكمهم بالقرارات
السياسية الظاهرة كعقد
التحالفات، وحياكة المؤامرات،
وإبرام المعاهدات، وصناعة
الحرب والسلم... وفريق
يؤكد أهمية التربية والعناية
بالنفوس والعقول، بدءاً من
تقوية الإيمان وترسيخه في
النفوس، ومروراً بالتزكية
والتربية الأخلاقية، وانتهاءً
بالبناء الثقافي والفكري
والمهاري لأبناء المجتمع. حجة
الفريق الأول أن أصحاب القرار
السياسي هم الذين يوجّهون
المجتمع، ليس فقط فيما يصدرون
من قرارات، وما يملكون من قوة
التنفيذ لقراراتهم، وما
يستطيعون أن يمرروه في الخفاء...
بل فيما يتحكمون به كذلك من بناء
ثقافة الشعوب، وتوجيهها الوجهة
التي يريدون... وهم بذلك
يستطيعون أن يهدموا، خلال فترة
وجيزة، ما يبنيه أصحاب الفريق
الثاني خلال مُدَدٍ طويلة.
وإذاً فإن أصحاب الفريق الثاني،
في نظر هؤلاء، إنما يشغلون
أنفسهم فيما لا طائل تحته، أو،
في أحسن الأحوال يشغلون أنفسهم
في أمور ثانوية، يمكن أن تؤتي
ثماراً مؤقتة ضئيلة، بل إن ظهور
هذه الثمار، أو استمرارها،
مرهون برضا أصحاب القرار
السياسي، فإذا أحسّ هؤلاء أن
تلك الثمار تعرقل مخططاتهم
وتتجه بعكس سياساتهم، فسرعان ما
يتخذون من القرارات والإجراءات
ما يمحقها ويذهب بأصحابها!. وحجة
الفريق الثاني أن دخول معترك
السياسة والعمل العام يثير
حفيظة القادة السياسيين،
ويشعرهم بوجود من ينافسهم على
صلاحياتهم، بل ينافسهم على
كراسيهم، ويستثيرهم للقضاء على
أولئك المنافسين. بل ما قيمة أن
تدخل معترك العمل السياسي من
غير أن يتعمق الإيمان في
القلوب، وتترسّخ آثاره في
النفوس، وتبنى عليه الأخلاق،
وتُصلَح المفاهيم والقيم،
وتقوَّم العادات والأعراف...؟ إنه، ما
لم يتم ذلك كله، فلا قيمة لأي
عمل، ولا ثمرة لأي جهد. وإنه من
غير الإيمان العميق، والأخلاق
القويمة، والفكر السليم،
والعبادة الصادقة، لن يتخرج إلا
متصارعون على حطام الدنيا، سواء
استخدموا في صراعهم قوة الساعد
والسلاح، فاستباحوا الدماء
والأرواح والنفوس التي حرّمها
الله، وقَتَلوا على الشبهة... أو
استخدموا قواعد "اللعبة
الديمقراطية" فتعلموا كيف
يُقْصون الخصوم، ويخدعون
الناس، ويزوّرون إرادات
الناخبين، ويستأثرون بالمكاسب. أما
العمل في بناء النفوس، وتعمير
القلوب بالإيمان والذكر،
وتقويم الأفكار.. فإن ثمراته
دائماً طيبة يانعة، وإن نتائج
هذا العمل هي التي تأتي
بالصالحين المصلحين الذين إذا
عمل أحدهم بالتجارة فهو التاجر
الصدوق، وإذا عمل في التعليم
فهو المربي الرحيم، وإذا كان
موظفاً فهو الدؤوب المستقيم،
وإذا صار قاضياً فهو العدل
الحكيم، وإذا تولى سياسة الأمة
فهو الحازم الأمين. ويعود
الفريق الأول ليقول: إن تجاهل
العمل السياسي، أو إهماله، أو
تجاوزه... هو تعطيل لأحكام
الإسلام. فهذا الدين، كما أنزله
الله، يتناول العقائد
والأفكار، كما يتناول العبادات
والتزكية والأخلاق، ويتضمن
السياسة والاقتصاد والاجتماع.
وآيات القرآن الكريم، وأحاديث
النبي صلى الله عليه وسلم
وسيرته العطرة تنطق بهذا كله.
ولن يتحقق الإسلام إلا بأن
نأخذَهُ جملة واحدة. ولئن
قصُرتْ همم بعض الناس، أو حالت
ظروف دون تطبيق جانب من أحكام
الإسلام، فلا يعني إقصاء ذلك
الجانب أو نسيانه، بل يعني فقط
أن نعمل بما أمكن، وأن نجتهد
لرفع الهمم وتغيير ما بالأنفس
حتى يغير الله ما بالقوم،
ويكرمهم بظرف يرون فيه الإسلام
وقد ارتفعت راياته لتظلل حياة
المجتمع كله. وإنه لا يجوز أن
نكون كالذين يؤمنون ببعض الكتاب
ويكفرون ببعض، أو الذين جعلوا
القرآن عضين (أجزاء وتفاريق)،
اتباعاً لأهوائهم، أو تغطية على
شح نفوسهم، أو خلطاً بين
مصالحهم القريبة ومصلحة
الإسلام العليا!. ويقول
الفريق الثاني: نحن لا ننكر شمول
الإسلام وربانيته، إنما نعمل
بالممكن والمجدي والمهم إلى أن
يفرِّج الله تعالى ويهيئ لنا من
أمرنا رشداً وفرجاً ومخرجاً. والسجال
المفترض بين الفريقين قد لا
ينتهي، قد يهدأ وتنخفض وتيرته
تارة، ويشتد وترتفع حدته تارة. وحين
تصدق النيات، ويُقبل المسلمون
على كتاب الله تعالى وسنة نبيه
صلى الله عليه وسلم بقلب مفتوح،
بريء من الأهواء، تقترب وجهات
النظر، ويرى كل فريق جوانب
الخير في إخوانه الآخرين،
ويتعاون الفريقان على البر
والتقوى، ويجتهدان في بلوغ
درجات القرب والرضوان، وعندئذ
يتقاربان ويتوافقان ويتناصحان،
ويكُفّان عن التلاوم وتبادل
الاتهامات بالتقصير أو بالضلال. ((ومن
يتّقِ الله يجعل له مخرجاً،
ويرزقه من حيث لا يحتسب)) سورة
الطلاق: 2 و3. ((إن
تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً
ويكفرْ عنكم سيئاتكم)) سورة
الأنفال: 29. ((والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا.
وإن الله لمع المحسنين)) سورة
العنكبوت: 69. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |