ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 19/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

بناء الشخصية المسلمة الدعوية

(1 من 8)

بقلم: الدكتور محمد بسام يوسف

مدخل

يُعتَبَر الأخ المسلم بذرة الأمة المسلمة، وهو اللبنة الأساسية التي يُبنى بها بناء المجتمع المسلم، ودرجة قوّة هذه اللبنة تنعكس على البناء كله، وضعفها سيحوِّل البناء إلى كومةٍ غير مؤهَّلةٍ لتحقيق أي هدفٍ أو خدمة أي غاية.

إذا استعرضنا القرآن الكريم، سنجد أنه اهتمّ بشكلٍ أساسيٍ –سوى السياسة والاقتصاد وموقف الأمة الإسلامية من غيرها من الأمم- بأمرين اثنين:

1- كيف يجب أن يكونَ عليه الإنسان المسلم.

2- الدوافع التي تؤدّي إلى تحرّكه مجاهداً دؤوباً، لتحقيق هدف الإسلام في الأرض، وتحقيق العبودية لله عزّ وجلّ وحده لا شريك له.

وهذا يوضّح بشكلٍ لا لبس فيه، أهمية صياغة هذا الإنسان، صياغةً ربّانيةً خاصة، تؤهِّله لحمل أعباء بناء مجتمعٍ مسلم، يبدأ منه ومن أخيه القريب، وينتهي بآخر بيتٍ في مجتمعه.. بل في الإنسانية كلها.

عندما نتحدّث عن بناء الشخصية المسلمة للإنسان المسلم، علينا أن نحدِّد: الصفات الأساسية اللازمة التي تؤهِّله ليكونَ عنصراً فاعلاً في المجتمع المسلم.. أولاً، والمنهج الذي سينقل هذا الإنسان من حالته الراهنة، إلى الحالة التي يجب أن يكونَ عليها.. ثانياً.

أولاً: الصفات الأساسية التي يتّصف بها الإنسان المسلم الفاعل

وهي الصفات التي تؤهِّل الإنسان المسلم، ليكون مسلماً عاملاً ناجحاً ضمن مجتمعه، إذ من الضروري أن تتوافر في هذا الإنسان:

أ- صفات تتعلّق بما يأمره به الله عزّ وجلّ.

ب- وصفات تتعلّق بما يحتاجه منه العمل الدعويّ من مؤهِّلات.

على ضوء ذلك كله، يمكننا أن نحدِّدَ الصفات الأساسية التي يجب أن يكونَ عليها ابن الدعوة الإسلامية.. بما يلي:

1- موقفه من منهج الله عز وجل: اعتزاز به بلا حدود، أعلى درجات هذا الموقف: التزامه الدقيق بمنهج الإسلام وآدابه وأخلاقه، وتنفيذه في أفضل شروطه.. وحَدّه الأدنى: اقتناعه بمنهج الإسلام، والسعي الجادّ لتنفيذه في أفضل شروطه.

2- التزامه بالدعوة والعمل والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، ثم اختياره للجهاد والعمل الدعويّ المنتِج، لا العمل الذي يُحبّه.. إن كانا يتعارضان.

3- الارتفاع بمستوى عمله وجهاده إلى مستوى سَدّ الثغرة يومياً، بعملٍ دؤوبٍ وصبرٍ ومصابرةٍ واتّزان، ضمن خطواتٍ تنفيذيةٍ واضحة.

4- عِلميّته: يَبني أمورَه ومواقِفَه على اليقين والعلم، ويَحلّ مشكلاته على ضوء الفهم والحقيقة، لا الخيال والظنّ والتخمين.

5- كتمانه مع يقظته: عمله دائب، ولسانه صامت، يعرف عدوَّه ولا يعرفه عدوُّه.

6- يألَف ويؤلَف: أي منظّم الفكر والسلوك، وملتزم بعمله الدعويّ من غير فرديّةٍ أو فوضوية، ومن غير شذوذٍ عن تنفيذ المهمات المطلوبة بالضبط، لتحقيق الأهداف الدعوية المرسومة.

7- مُطوِّر لأساليب عمله الدعويّ باستمرار، وفق تطوّرات العصر والبيئة والظروف، ووفق تطوّرات مراحل الدعوة.. لا يجمد، ولا يتحجّر.

*     *     *

1- موقفه من منهج الله عز وجل: اعتزاز به بلا حدود، أعلى درجات هذا الموقف: التزامه الدقيق بمنهج الإسلام وآدابه وأخلاقه، وتنفيذه في أفضل شروطه.. وحَدّه الأدنى: اقتناعه بمنهج الإسلام، والسعي الجادّ لتنفيذه في أفضل شروطه:

 

أ- إنّ صلابة العلاقة وقوّتها بين المسلم ومنهج الله عزّ وجلّ، هي التي تؤهِّله لكي يكون:

1- مسلماً حقيقياً ملتزماً.

2- ولبنةً صالحةً في بناء المجتمع المسلم، التي تهدف إلى نصرة الإسلام وتحقيق أهدافه.

ب- إنّ الموقف المهلهل المتخلخل أو المتردِّد من منهج الله عزّ وجلّ، يحمل بين طيّاته نتيجتَيْن اثنتَيْن:

1- سخط الله سبحانه وتعالى، وبالتالي عدم استحقاق نصره وتأييده، بل انتظار عقوبته.

2- وفشل الدعوة الإسلامية، حين لا تقدِّم للناس صورةً مشرقةً ومشرّفة، للفكرة التي تدعو إليها، بل تُنفِّرهم منها، لأن هذه الدعوة –بإنسانها هذا- تُلحِق منهج الله عزّ وجلّ بمناهج البشر الوضعية الخاطئة الظالمة.

ج- إنّ موقف الداعية المسلم المؤمن من منهج الله سبحانه وتعالى، يتّسم بما يلي:

1- الطاعة المطلقة لله عزّ وجلّ، ولرسوله صلى الله عليه وسلّم، ومن غير حدود: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..) (النساء: من الآية59).. وطاعة أولي الأمر مَنوطة بطاعة الله ورسوله.. والمؤمن لا يكون مؤمناً حقاً، حتى يجعل حُكمَ الله قائماً: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)..

هكذا!.. تسليم مطلق لحكم الله سبحانه وتعالى، ومن غير أي حرجٍ نفسيّ.

2- وماذا يعني ترك الطاعة لله ورسوله؟..

يعني الخروجَ عن الإسلام: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:32).. لاحظوا: (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن طاعة الله ورسوله.. (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)!..

3- وهل تُقَدَّم الطاعة في ظروف الحياة الهيّنة الليّنة فحسب؟..

بل تُقدَّم في الظروف الحياتية كلها، أكانت صعبةً شاقّةً أم هيِّنةً لَيّنة.. في العُسر واليُسر، وفي كل مراحل العمر: [قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وكان أحدَ نقباء بيعة العقبة الثانية: بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم، على السمع والطاعة في عُسرِنا ويُسرِنا ومَنشَطِنا ومَكرَهِنا..] (سيرة ابن هشام، ج2، ص73).

4- وكيف تكون الطاعة؟..

أ- بقوّةٍ وليس بوهنٍ أو ضعف، ومن غير تردّد: (.. خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ..) (البقرة: من الآية63).. (.. فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ..) (المائدة: من الآية48).

ب- ومن غير مماطلةٍ أو تأخّرٍ بالتنفيذ: [عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا أصاب غنيمةً أمر بلالاً فنادى في الناس، فيجيئون بغنائمهم، فيَخْمسُهُ ويُقِسِّمُه، فجاء رجلٌ بعد ذلك بزِمامٍ من شَعر، فقال: يا رسول الله: هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة، فقال: أسمِعتَ بلالاً ينادي ثلاثاً؟.. قال: نعم، قال: فما منعَكَ أن تجيءَ به؟.. فاعتذرَ إليه، فقال: كُن أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبَلَهُ منك] (أخرجه أبو داود).

ونذكِّر في هذا المقام، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد التوقيع على (صلح الحديبية)، وطلبه من الصحابة أن يقوموا فينحروا ويحلقوا ويُحِلّوا، فلما لم يُجبه أحد فوراً-لهول الموقف بعد توقيع الصلح ورجوعهم عن مكّة من غير فتح- دخل على أمِّ سلمة رضوان الله عليها قائلاً: [هلك المسلمون، أمرتُهُم فلم يمتثلوا!..].. فقد اعتبر عليه الصلاة والسلام، أنّ تأخّر المسلمين في الطاعة، سيوقعهم في الهلاك!..

ج- والطاعة ولو كان الخطر متوَقَّعاً: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173).

د- والطاعة ولو تخلّى الناس كلّهم: (قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة:25).. (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ..) (النساء: من الآية84).

هـ- والإقبال على الطاعة مع إخباتٍ (أي مع طاعةٍ فيها لين وتواضع لله عزّ وجلّ) وإنابةٍ (أي مع طاعةٍ فيها إخلاص وتوبة وعودة إلى الله عزّ وجلّ) وخشوعٍ (أي مع طاعةٍ فيها ضراعة وتذلّل لله عزّ وجلّ وحده لا شريك له): (.. فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) (الحج: من الآية34).. (.. رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة: من الآية4).. (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ..) (الحديد: من الآية16).

و- وإن أخطأ في الطاعة قُضَّ مَضجَعُه: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم نائماً، فوجدَ تمرةً تحت جَنبِهِ فأخذها فأكَلَها، ثم جعل يتضوّرُ (يتلوّى ويتقلّب) من آخر الليل، وفَزِعَ لذلك بعضُ أزواجِهِ فقال: إني وجدتُ تمرةً تحت جَنْبي فأكلتُها فخَشِيتُ أن تكونَ من تَمْرِ الصدقة] (مسند الإمام أحمد ح6433). صلى الله عليك يا حبيبنا وقدوتنا يا رسول الله.

وهكذا، فالمسلم لا يفكِّر هل يطيع أم لا، بل يفكِّر كيف يؤدّي الطاعةَ على أفضل وجوهها.

*     *     *

بسم الله الرحمن الرحيم

بناء الشخصية المسلمة الدعوية

(2 من 8)

بقلم: الدكتور محمد بسام يوسف

2- التزامه بالدعوة والعمل والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ، ثم اختياره للجهاد والعمل الدعويّ المنتِج، لا العمل الذي يُحبّه أو تميل إليه نفسه.. إن كانا يتعارضان:

فلا يدخل معترك الدعوة إلا مسلم مجاهد دؤوب، مستعدّ للعمل وفق خطتها، ملتزماً بهذه الخطة بعيداً عن أهوائه ورغباته الخاصة، أي ملتزِماً بالعمل المنتِج المثمر حتى لو كانت نفسُهُ لا تميل إليه لصعوبته، أو لأنه شاقّ أو مخطَّط يحتاج إلى الدقة في المتابعة والتنفيذ.. ويبتعد عن العمل غير المنتِج حتى لو كانت نفسه تحبه أو تميل إليه لسهولته أو للانسجام معه، لكن من غير إنتاجٍ أو تحقيقٍ للنجاحات.

هناك أمثلة عديدة من السيرة النبوية توضّح هذه الفكرة، نذكر منها بإيجازٍ شديد:

1- صُلح الحديبية: والصدمة النفسية التي أصابت الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- بعد توقيع الصلح، الذي أنهى –في الظاهر- آمالهم بفتح مكة، ثم تبيّن لهم أنّ هذا الصلح الذي كرهته نفوسهم، كان مقدّمةً لفتح مكة من غير إراقة الدماء، فكان هو الجهاد المنتِج الذي حقّق للمسلمين أكثر مما أملوه وأحبّوه واستعجلوه، وكانت النتائج والثمرات أعظم بكثيرٍ مما توقّعوه، وبأقل الخسائر.

2- غزوة تبوك أو غزوة العُسرة: إذ كان الجهاد الذي أراده الله عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وسلم.. شاقّاً وصعباً جداً على النفوس التي قد لا تميل إليه، لكنه كان مُنتِجاً مُثمِراً بدرجة صعوبته الكبيرة وشدّتها. هذه المسيرة التي لا مثيل لها، علّمت الصحابةَ وكلَّ مسلمٍ إلى يوم الدين، أنّ الجهاد الذي تحبّه النفس وتميل إليه (تأخير الغزوة حتى تنضجَ الثمار ويخفّ الحَرّ ويكثر الزاد والظَّهر) ليس بالضرورة هو الجهاد المنتِج، والمنافِقون فحسب، هم الذين يتخلّفون عن هذا النوع من الجهاد، ويضعون لأنفسهم العراقيل والأعذار: (وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (التوبة: من الآية81).. أما المؤمنون الثلاثة الذين تخلّفوا عن هذه الغزوة –على الرغم من هذه الشدّة والصعوبة-، فقد قاطعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر الصحابة بمقاطعتهم، كما فرّقهم عن زوجاتهم.. إلى أن تابوا توبةً صادقة، فتاب الله عنهم لذلك، ولسابقتهم العظيمة في ميادين العمل والجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ.

من ذلك يمكننا أن نستنتجَ قاعدةً مهمّةً في بناء الداعية المسلم، هي:

إنّ ابن الدعوة الإسلامية قد يقوم بأعمالٍ جهاديةٍ دعويةٍ يُحبّها، لسهولتها وإمكانية أدائها بيسرٍ وقليلٍ من الجهد، لكن عليه أن يبتعدَ عن هذا النوع من العمل بلا تردّد، إن كان لا يحقِّق شروط الجهاد المنتِج المقرَّر في خطة دعوته وما تقرِّره، وذلك مهما كلّفه هذا الالتزام من عناءٍ نفسيٍ وجهدٍ شاقٍ جسديٍ أو ماديّ.. إذ من غير هذا الالتزام الدقيق، لن يتحقّق هدف ولا نصر، فتصبح الأهواء المتقلّبة هي الخطة وصلب العمل والدعوة، والأهواء لا تُنتِج خيراً، ولا تُقدِّم للإسلام والمسلمين أي فائدةٍ أو ثمرة، ولا تدفع خطة عدوّ، ولا مَكرَ ماكِر: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111).

*     *     *

بسم الله الرحمن الرحيم

بناء الشخصية المسلمة الدعوية

(3 من 8)

بقلم: الدكتور محمد بسام يوسف

3- الارتفاع بمستوى عمله وجهاده إلى مستوى سَدّ الثغرة يومياً، بعملٍ دؤوبٍ وصبرٍ ومصابرةٍ واتّزان، ضمن خطةٍ واضحة:

 

يمكننا تصنيف الجهاد والعمل الدعويّ –من حيث الجدوى والحياة الدعوية- إلى خمسة أصناف:

1- الجهاد الطارئ:

إذ يدخل الداعية ميادين العمل والجهاد بدوافع آنيةٍ محدودة الأثر، ثم يشعر بالتثاقل خلال مدةٍ قصيرة، بانتهاء تلك الدوافع وذلك الأثر المحدود، فيعود إلى حياة الراحة، ويبتعد عن ميادين العمل والجهاد!..

هذا جهاد خاسر، وذلك مجاهد لا خير فيه لدعوته.

2- الجهاد الفوضويّ:

إذ ينخرط الأخ بالعمل في مكانٍ وزمانٍ معيّنَيْن، وعندما تبدأ الثمرات بالنضج.. يَمَلّ ويترك ميدانه إلى ميدانٍ آخر يستهويه.. وهكذا، تتعدّد الميادين والأساليب، لعدم وجود رؤية دعويةٍ محدَّدةٍ واضحة، ولعدم توافر التعاون والتنسيق مع إخوانه من الدعاة.. إلى أن يجدَ نفسَه بمواجهة الفشل، فيصيبه الإحباط، ويترك الجهاد نهائياً، ثم يتحوّل إلى كابوسٍ لنفسه ولإخوانه وللمسلمين، وينزوي لا يرى في ميادين الدعوة الإسلامية وأبنائها.. سوى العجز والفشل، ولا يمارس سوى النقد والتجريح، ولا يبثّ سوى الإحباط واليأس!.. والسبب في كل ذلك، هو عمله وجهاده الفوضويّ، من غير تخطيطٍ ولا رؤيةٍ واضحة!..

هذا أيضاً جهاد أو عمل خاسر لا خير فيه.

3- الجهاد المنتِج لفترةٍ قصيرة:

إذ ينشط الداعية بنفسٍ يملؤها الأمل والحنين إلى الانتصار وتحقيق الأهداف الكبيرة، لكنها أماني من غير رصيد، وأحلام لا تحمل بين طيّاتها الإحساس بثقل الواجب وما يحتاجه العمل من تضحياتٍ وثباتٍ وصلابة.. يشعر بالغبطة حين يجني بعض النتائج، لكنّ نفسَه تنحني مع ظهور أول المعوِّقات (الحياتية أو الخاصة بقلة الإمكانات أو المتعلّقة بالعدوّ)، لأنه يعاني من هشاشة التربية والرعاية، وبناؤه يعمل في حالات الراحة والسلم، لا في حالات الشدّة والظروف الصعبة، فيتهاوى غير الصابرين، ولا يثبت إلا قويّ النفس، متين العلم والفهم، صلب الإيمان بحتمية نصر الله عزّ وجلّ للمؤمنين: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214).

4- الجهاد المنتِج بشكلٍ محدود، وبدأبٍ قليل:

إذ يفهم الداعية الفكرةَ والواجبَ المنوطَ بالمسلم العامل، ويعرف الطريق الصحيح لذلك، ويتحرّك، ويشعر بضرورة الاستمرار، ويستمرّ.. لكن إن طولِبَ بدأبٍ أكبر، فإنه يُطيل الفكر والنظر!.. ويحتجّ بحججٍ يراها شرعية، قائلاً: القليل الدائم خير من الكثير المنقطع!.. أما أن يكون كثيراً دائماً فلا يتصوّره، أو يغيب عن ذهنه وعمله!..

5- الجهاد المنتِج المستمرّ، بدأبٍ كبير:

وهل يفيد الدأب الكبير بذاته؟.. لا، لا يفيد، إذ يجب أن يكونَ هذا الدأب ضمن خطةٍ مجديةٍ متكاملة، فيقوم الداعية بسدّ ثغرةٍ يومياً ضمن عملٍ دعويٍّ رفيعٍ، لا يضطرّ فيه ابن الدعوة الإسلامية أن يسأل: ماذا سأعمل؟.. لأنّ الدعوة التي لا تعثر على الطريقة العملية لتوظيف طاقات أبنائها، ستبقى بلا جدوى ولا إنتاج ولا ثمرات.. بينما الدعوة الناجحة القوية، هي التي يقلق أبناؤها، لأنهم لا يملكون الوقت الكافي، لسدّ الثغرات الكثيرة، والقيام بما يجب أن يقوموا به من أعمالٍ جهاديةٍ أو دعويةٍ مجدية.. فيزيدون من ساعات بذلهم اليوميّ، لتغطية هذه الجوانب ضمن صف الدعوة الربانية المباركة!..

وهكذا، فبهذا الصنف من الجهاد والعمل الدائب المستمرّ، نسبق الأمم، ونغرس النجاح في كل مكان.. وبهذا وحده، تمتلئ النفوس بالآمال، وتنمو غراس الانتصار وتحقيق الأهداف، أصلها ثابت، وفَرعها في السماء.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ