ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تركيا
المستقبل لا
مستقبل للجهود التركية دون
تجاوب العالم العربي والإسلامي نبيل
شبيب لم يعد
يوجد مجال منطقي للتشكيك في
توجّهات السياسة التركية على
طريق حزب العدالة والتنمية،
وسبق التشكيك فيها من جانب
أطراف مختلفة، شديدة التباين،
لأسبابٍ متناقضة وبتعليلات
شديدة الاختلاف عن بعضها بعضا.
كما لم يعد يوجد مجال للتشكيك في
أنّ السياسة التركية -سواء
تابعت نهجها الحالي أو تعرّضت
لنكسة كبيرة غير منتظرة- سوف
تؤثّر إيجابا أو سلبا على
المنطقة العربية والإسلامية من
حولها، وعلى قضاياها المصيرية
والمحورية، وفي مقدّمتها قضية
فلسطين. ولعلّ
من أهمّ ميزات السياسة التركية
إقليميا، أنّها –رغم كل ما يقال
في الغرب عن الدعوة إلى اعتبار
الحكم فيها نموذجا مستقبليا
للعالمين العربي والإسلامي- لم
تمارس من جانبها إطلاقاً ما
يمكن أن يوحي بالرغبة في "تصدير
ثورتها"، بمعنى الطريقة التي
اتبعتها في تحقيق ما تحقّق حتى
الآن، من حيث المنطلقات
والأهداف والوسائل. ومن حصيلة
ذلك -على الأرجح- غياب ما يمكن
وصفه بردّ الفعل المضادّ على
"تصدير الثورة" وفق ما سبق
إعلانه من جانب ثورة إيران في
أعوامها الأولى على الأقلّ.
ولكن هل نجد مقابل ذلك من ردود
الفعل الإيجابية إقليميا ما
يرقى إلى مستوى ما تحقّق في
تركيا ومن خلالها في السنوات
الماضية، وهل يمكن التنبّؤ
بعلاقات إيجابية، أوثق من مجرّد
التعاون الجزئي في بعض
الميادين، بحيث يتحقّق التغيير
المنشود على صعيد مكانة المنطقة
العربية والإسلامية على خارطة
المستقبل العالمية؟.. بعبع
"بني عثمان" العلماني الاستفتاء
القادم على تعديلات دستورية في
تركيا يوم 12/9/2010م، مع مرور 30
عاماً على آخر انقلاب عسكري
رسمي، انبثق الدستور الحالي عنه
وعن منطق لغة القوّة العسكرية
آنذاك.. هذا الاستفتاء هو الخطوة
الحاسمة الأولى بعد سائر ما
سبقها من خطوات تمهيدية
للانتقال بنظام الحكم من عسكري
استبدادي علماني منذ نشأة تركيا
الحديثة، إلى نظام قائم على
الديمقراطية بصيغتها العلمانية
الغربية، وليس إلى إقامة "خلافة
بني عثمان" من جديد، كما دأبت
أقلام عربية علمانيّة على وصف
مسيرة حزب العدالة والتنمية،
وهي تحسب أنّها "تخيف"
العرب والمسلمين من تلك
المسيرة، ولا تقدّر أنّ عنوان
"الخلافة" يزيد من حماسة
كثير من المسلمين لتركيا ولا
يخيفهم، بغضّ النظر عن تعدّد
الرؤى الإسلامية المعاصرة بشأن
تطبيق ما يثبّته الإسلام تحت
عناوين العدالة والشورى
والأمانة والاستقامة!.. إلاّ
أنّه لا توجد ابتداءً علاقةٌ
لهذه المسيرة المعاصرة في تركيا
بمسألة الخلافة وعودتها، ولا
يبدو أنّ مستقبل تركيا في حدود
ما يمكن استشرافه من المعطيات
الحالية سيتخذ صيغة ما في هذا
الاتجاه، على الأقلّ ليس في
إطار ما يمكن تقديره منطقيا
ومنهجيا لمدة جيل أو جيلين. رغم ذلك
لم ينقطع إلى وقت قريب التشكيكُ
في السياسة التركية تجاه
المنطقة العربية أيضا، بحجّة
عدم استكمالها بتقويض ما سبق
قيامه في عهود الحكومات
العلمانية التركية من علاقات
تركية-إسرائيلية، عسكرية وغير
عسكرية، حتّى إذا وصلت سياسة
الحكومة التركية الحالية إلى
مستوى "مواجهة مكشوفة أولى"
ابتداء من الحرب العدوانية 8006م
ضدّ أهل فلسطين في غزة، وصولاً
إلى العدوان الإجرامي على "أسطول
الحرية".. إذا بالتشكيك
يتواصل بأسلوب "فكر المؤامرة"
التقليدي وعلى خلفية التوجّه
الإسلامي في تركيا، فلم يعد
المعيار قائما على منجزات
تتحقق، وإنّما على خلفية تحقيق
تلك المنجزات من خلال سياسة "إسلامية"
بل "مشتبه بها!" أن تكون
إسلامية، وهو ما يعبّر عن درجة
بعيدة من العداء العقائدي وليس
عن موقف عقلاني أو واقعي أو
مصلحي. زيادةً
فيما تحسبه تلك الأقلام "تحذيراً
من بعبع الخلافة العثمانية"
وصل التشكيك بها إلى عهد عبد
الحميد الثاني وما ثبّته
التأريخ له –أثناء العهود
العلمانية العربية نفسها- بشأن
قضية فلسطين، وكأنّ ما صنعه أو
لم يصنعه قبل قرنٍ من الزمن،
يصلح لتعليلٍ –إيجابي أو سلبي-
للموقف الحالي الواجب من حكومة
أردوجان، وليس حكومة عبد
الحميد، وفق سياساتها الآن،
وليس قبل أن يولد أردوجان نفسه!..
إلى
الأعلى ازداوجية
"براجماتية"! البراجماتية
بلفظتها الأجنبية الأصل هذه،
اتجاه فلسفي سياسي نشأ في
الولايات المتحدة الأمريكية
قبل زهاء قرن من الزمن (وانتشر
في الغرب عموما)، ليسوّغ اتباع
سياساتٍ لا أخلاقية، لا "تعرقلها
القيم"، مع الانطلاقة
العالمية الأولى للهيمنة
العسكرية والاقتصادية
الأمريكية، في اتجاه أمريكا
الوسطى والجنوبية أولا، ثمّ
قارات العالم الأخرى ثانيا،
وكثيراً ما تُستخدم في الكتابات
السياسية العربية تلك اللفظة
الأجنبية المعرّبة، ولا تستخدم
كلمة "الواقعية" التي يمكن
اعتبارها "ترجمة اصطلاحية"
لها.. ذلك أن إيحاءاتها اللغوية
والتأريخية في الوعي المعرفي
العربي والإسلامي، لا يُسقط
عنصر الأخلاق والقيم من
الممارسة السياسية. بل
كثيرا ما يساء استخدام تعبير
"كونوا براجماتيين!"
لتوظيفه اتهاماً مسلّطاً على
رؤوس من يؤكّدون استبقاء
الثوابت، والأهداف الجليلة
البعيدة، ويحرصون على موقع
القيم في أيّ تصوّر أو موقف
سياسي، لا سيما عندما يقوم على
منطلقات إسلامية. بغضّ
النظر عن منطلقات حزب العدالة
والتنمية بهذا المقياس، فممّا
لا شكّ فيه أنّ سياسته تفوّقت
بمعايير "البراجماتيين"
الغربيين والمستغربين، على
سياساتهم هم تحت هذا العنوان!.. مسألة
انضمام تركيا إلى الاتحاد
الأوروبي مثال بيّن على ذلك..
فلا تزال تعليلات الأوروبيين
المعارضين والمعرقلين لسير
المفاوضات، يطرحون أسباباً لا
علاقة لها من قريب أو بعيد
بموازين المعطيات والمصالح
الواقعية، بل بدأت معارضتهم
لقبول تركيا "دولة أوروبية"
أثناء تعاقب الأحزاب العلمانية
على السلطة في تركيا، واستمرّت
بعد وصول حزب العدالة والتنمية.
وقد بدأ آنذاك -قبل زهاء عشرين
سنة- حديثُهم عن كون تركيا دولة
إسلامية من حيث غالبية سكانها،
وجرى تصعيده حتى أصبح صريحاً
مباشراً لتعليل معارضة
الانضمام في هذه الأيام، وقد
انضمّت دولٌ عديدة إلى الاتحاد
الأوروبي دون أن تحقّق شروط
الانضمام حتى الآن من بعد
انضمامها –مثل رومانيا
وبلغاريا- بينما تقرّر "إرهاق"
تركيا وحدها بمسلسل مفاوضات
مطوّل، على مدى لا يقلّ عن 15
سنة، على أمل تحميلها يوماً ما
مسؤولية "سحب طلب الانضمام"
تعجيزا، رغم أنّها حقّقت منذ
الآن الجزء الأكبر من "شروطه
الرسمية"!.. إنّ
السياسة التركية الواقعية في
عهد حزب العدالة والتنمية، هي
التي أرغمت الاتحاد الأوروبي -بعد
مرور زهاء 30 سنة من قبل على
تقديم طلب الانضمام- إلى
الموافقة أصلا على "إجراء
مفاوضات مشروطة حول الانضمام"..
وهي في الوقت نفسه التي أظهرت –داخل
تركيا نفسها- وفق مجرى تلك
المفاوضات أنّ رفض الرافضين، لا
سيما في ألمانيا وفرنسا، لا
يستند إلى أسبابٍ موضوعية بل
إلى ما يُسمّيه "البراجماتيون"
أسباباً "إيديولوجية"،
بمعنى أسباب عقائدية محضة، ممّا
ساهم في هبوط نسبة تأييد
الانضمام في استطلاعات الرأي
التركية من زهاء 75 إلى حدود 40 في
المائة خلال ثماني سنوات مضت. إلى
الأعلى المصالح
المستقبلية السياسة
الواقعية التركية فتحت الأبواب
إقليميا تجاه إرمينيا
واليونان، وروسيا وإيران،
وكذلك تجاه المنطقة العربية..
ولا تزال مواقف التشكيك "العربية"،
على مستوى "المعارضة" وبعض
الحكومات، تنطلق من المنظور
المصلحي الذاتي، أو "الإيديولوجي"
الذاتي لكل منها على حدة، بعيدا
كلّ البعد عن تقدير المصلحة
الواقعية.. البراجماتية على
صعيد المنطقة العربية
والإسلامية بمجموعها وقضاياها. لم
تنطلق سياسة حزب العدالة
والتنمية من شعارات إيجابية أو
سلبية، ولا من تطلّعات
وتمنّيات، بل من وقائع قائمة
على الأرض، وسياسات عملية
لصناعة وقائع أفضل على الأرض.
وذاك ما لا يزال غائبا –على ما
يبدو- عن القطاع الأكبر الذي
يتحدّث تحت عناوين سياسية، سواء
تحت شعارات إسلامية أو علمانية،
في البلدان العربية في الدرجة
الأولى، من موقع السلطة أو موقع
المعارضة على السواء. خطوات
التقارب السورية-التركية
كمثال، لم تنشأ -من جانب تركيا
على الأقلّ- إلاّ بمنظور ما يمكن
أن يتحقق عبر مصالح البلدين،
بمنظورٍ إقليمي ودولي، أوسع
نطاقاً من حدود نظام الحكم
القائم في كلّ من البلدين،
وبينهما من الاختلاف الجذري ما
لا يخفى على أحد.. ورغم ذلك صدرت
الاعتراضات الأولى على خلفيّة
"التخويف" من الجانب
الإسلامي المعروف عن جذور حزب
العدالة والتنمية، ولا تزال
مستمرّة على صعيد التعامل مع
قضية فلسطين أيضا!.. وتجنّبت
السياسة التركية السقوط في
منزلقات الصراعات العربية-العربية،
أو التنافس على "زعامة"
عربية أو إقليمية، حقيقية أو
موهومة، ومع ذلك تبدو على
التعامل معها درجة خطيرة من
العجز عن الخروج من قيود الصراع
وطلب الزعامة، لتحقيق مصلحة
حقيقية على مستوى إقليمي مشترك. إنّ
الانفتاح العربي، الرسمي وغير
الرسمي، على السياسة التركية
الحالية، يخدم المصالح التركية..
هذا صحيح، ويجب أن يكون كذلك،
فهذا جوهر السياسة الواقعية
القويمة المعاصرة، ولكنّه يخدم
بقدر أكبر بكثير المصالح
العربية، فأوضاع العالم العربي
هي –كما يقول حتّى أشدّ
المدافعين عنها حماسةً وتعنّتا-
أوضاع العجز على مختلف الأصعدة،
داخليا وإقليميا ودوليا، وهي
الأحوج إلى أرضية إقليمية تخفّف
من ذلك العجز. ولئن
كانت المسيرة التركية غير قابلة
للتقليد في البلدان العربية
لاختلاف المعطيات الناجمة عن
تاريخ مائة عام وأكثر مضت، فهذا
ما يُفترض أن يطمئن الذين لا
يريدون التغيير على نهجٍ
يعتبرونه قائماً على جذور
إسلامية، فلا مسوّغ لتخوّفهم
منه على علمانيّتهم أكبر من
تخوّف العلمانيّين الأتراك
أنفسهم!.. لهذا..
ولأسبابٍ عديدة تطرح هذه
المسيرة من خلال انفتاحها على
المنطقة العربية فرصةً تاريخية
بالغة الأهمية لتصحيح المسارات
المبعثرة في المنطقة العربية في
الوقت الحاضر، سواء ما كان منها
على الصعيد السياسي الرسمي، أو
خارج هذا الإطار. وبقليل
من الالتزام الفعلي لا الوهمي
بما تفرضه الواقعية، والتحرّك
العقلاني العملي وليس
بالشعارات، للتجاوب مع ما يحقق
المصلحة الذاتية، يمكن التعجيل
بتعاون إقليمي، وصناعة مستقبل
آخر غير ما تنذر به أوضاع
الهيمنة والتبعية الراهنة،
وينذر به أيضا موروث صراع
الاتجاهات والتيّارات والمحاور.
لن يكون
مستقبل تركيا نفسها، بعد أن
قطعت سياسات حزب العدالة
والتنمية أشواطا بعيدة، معلّقا
بالتجاوب أو عدم التجاوب معها
في المنطقة العربية، إنّما لا
ريب أن مستقبل انفتاحها على
المنطقة العربية سيرتبط
ارتباطا وثيقا بردود الفعل على
ذلك، هل تكون عقلانية واقعية
متوازنة، أم تغلب عليها أوهام
التشبّث بشعارات دون مضمون،
وانحرافات دون ثمرة، وهذا ما
يؤثّر على مستقبل المنطقة
العربية نفسها، أكثر من تأثيره
على مستقبل تركيا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |