ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ألا
إن لربكم في دهركم لنفحات بقلم:
الشيخ إبراهيم صرصور* لا شك أن الحياة
صراع بين الأضداد ، وما خلق الله
سبحانه العقل إلا ليأخذ دوره في
حسم هذا الصراع ، أو على الأقل
إدارته بما يخدم المصلحة العليا
للإنسان ... هنا وقع الخلاف : فما
هي المصلحة العليا للإنسان ، من
يحددها ،
ومن المخول بحمل الناس عليها ،
وما هي الحدود الفاصلة بين
الحرية الشخصية وحق المجتمع في
حماية نفسه ، وما هي المصادر
التي على المجتمع أن يستقي منها
مُثُلَهُ لتوجيه
مسار الناس ... إلى غير ذلك من
الأسئلة الجوهرية ... الإسلام الحنيف
حسم هذه القضايا، وأعطى
الإجابات الشافية عليها بما
يضمن انسيابية الحياة البشرية،
وتلبية أشواقها في كل المجالات
الروحية والعقلية والجسدية، بل
جعل الإسلام هذه الضرورات فرائض
لا يجوز التفريط بها بحال من
الأحوال مهما كانت الظروف...
مرجعية ذلك أن الله ما خلق هذا
الكون وما خَلَقَنا فيه عبثا ،
مصداقا لقوله تعالى
: ( أفحسبتم
أنما خلقناكم عبثا ، وأنكم
إلينا لا ترجعون ، فتعالى الله
الملك الحق ، لا إله إلا هو رب
العرش الكريم ) ، كما أنه لم يبدع
في هذا الوجود لغير غاية جليلة
وهدف نبيل ، لقوله تعالى :
(أيحسب الإنسان أن يترك سدى؟
) ... وضع الإسلام وصفا دقيقا
لمبتدأ الحياة، كما وضع وصفا
لمنتهاها، وحدد الطريق الواصلة
بينهما وهي سنوات العمر ومشروع
الحياة... عبر الفلاسفة عن هذه
الأدوار بأسئلة سَمَّوْها
الأسئلة الخالدة: من أين ؟ وإلى
أين ؟ ولماذا ؟ ... كما أن التعمق
في الفلسفة كما يقول ( فرانسيس
بيكون ) ينتهي حتما إلى الأيمان
، " ذلك لأن عقل الإنسان قد
يقف عندما تصادفه كَمٌّ من
الأسباب المبعثرة ، فلا يتابع
السير إلى ما وراءها ، ولكنه إذا
أمعن النظر فشهد سلسلة الأسباب
كيف تتصل حلقاتها ، لا يجد
بُدّاً من التسليم بالله " ...
فإن نظر الإنسان من حيث هو إنسان
بتجرد كامل وحيادية مطلقة في
الأدوات القادرة على ضبط حركة
الإنسان والمجتمع في هذا الكون
، لا بد أن تَرُدَّه إلى المصادر
الإلهية وعلى رأسها القرآن
العظيم ، لِتُسَلِّمَ لله
سبحانه - بعدما سَلَّمَتْ
بوجوده وبحكمته فيما سنَّ وشرع
من أنظمة عابرة لكل جوانب
الحياة ، فلا تكون السعادة
الحقيقية وغير المتوهمة إلا
فيما فرض على
عباده ... ولذلك تحدث علماؤنا عن
فقهين ، لا فقهٍ واحد ، جعلوهما
روح الشرائع المنظمة للوجود فوق
المعنى الاصطلاحي المعروف
للفقه ... الفقهان هما ، الأول :
فقه عن الله فيما خلق وأبدع ،
وهو دعوة إلى دراسة الكون
وأسراره ، وتجربة الشعوب والأمم
من اجل الاعتبار والاستبصار ...
وأما الفقه الثاني ، فهو الفقه
عن الله فيما سَنَّ من القوانين
وشرع ،وفيه دعوة إلى التزام
المنهج الرباني دون سواه من
مناهج الدنيا الممثلة لمجموعات
الضغط المجتمعي ، فيكون الناس
بذلك سواسية كأسنان المشط ، لا
فرق بين عربي وأعجمي ولا بين
أسود ولا ابيض ، إلا بالتقوى ....
هذان الفقهان لا بد لهما معا
لضمان إقامة كيان إنساني مميز ،
وأي محاولة للفصل بينهما لا بد
أن تؤدي لارتكاسة
يَضِلُّ بسببها الإنسان
ويشقى ، تماما كما قال الله
تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له
معيشة ضنكا . ) .... مِلاك ذلك كله
يعتمد على نظرة ثاقبة لطبيعة
الدنيا، فهي
مساحة بين محطتين: الميلاد
والموت.. مساحة زمنية يقدرها
الله، جعلها حيادية حتى
النخاع... وجعل المسؤولية
الكاملة في توجيه دَفَّتها
ملقاة على كاهل أكرم المخلوقات
عليه وهو الإنسان ، فإما أن
يمسك بزمامها فيقودها إلى
الخير والفلاح ، وإما أن ينحرف
بها فيندفع بها ومعها إلى جهنم
الدنيا قبل الآخرة .... على هذه المساحة
التي نسميها ( الحياة ) ، بمعناها
الأعمق ، وليس أية حياة ،
محطات تعبدية في حياة
المؤمن وضعها الشارع الحكيم ،
والتي أطلق عليها الرسول الكريم
صلوات ربي وسلامه عليها ( نفحات )
في حديثه المشهور ( ألا إن لربكم
في دهركم لنفحات ، ألا فتعرضوا
لها ) ، تعتبر وبامتياز ورشة
تدريب على هذه المعاني ، تعزز
المعنى المطلوب للحياة فتجعل
لها هدفا ساميا يمد الجسور
القوية بين الدنيا والآخرة .من
هذه المحطات ، الأيام العشر
الأولى من ذي الحجة والتي تمهد
لحدث جليل من أحداث الإسلام ،
ولنسك عظيم من أنساكه ، ألا وهو
الحج .. فهي تقدم وجبة دسمة تمتزج
فيها الفيوضات الروحية ،
والمشاعر القلبية
مع الفعل البشري النبيل
المتسامي عن كل الدنايا
والرذائل ، فلا تعدو النتيجة
إلا أن تكون انسجاما رائعا بين
عالم الأرض وعالم السماء ... هذه
الأيام العشرة ترفع الطين فتعيد
له وهجه وألَقَهُ، فتتعزز في
الواحد منا القيم التي يصبح بها
قريبا من عالم الملائكة، وإن
كانت يداه معفرتان بأديم
الأرض... ولذلك قال
بعضهم: ( أيها الناس إن الآمال
تطوى والأعمار تفنى، والأبدان
تبلى، وإن الليل والنهار
يتراكضان كتراكض البريد،
ويقربان كل بعيد ويبليان كل
جديد. وفي ذلك عباد الله ما
يُلهي عن الشهوات ، ويُسَلِّي
عن اللذات ، ويرغب في الباقيات
الصالحات ) ... وكان الحسن البصري
رحمه الله يقول
: ( المبادرة المبادرة ،
فإنما هي الأنفاس لو حُبِسَت
انقطعت عنكم الأعمال التي
تتقربون بها إلى الله . رحم الله
امرأ نظر لنفسه وبكى على ذنبه،
ثم قرأ: " إنما نَعُدُّ لهم
عدّا " )..... أعاننا الله
وإياكم على هذا الخطر العظيم ،
وأوقع الدنيا من قلوبنا موقعها
من قلوب المتقين ، فإنما نحن له
وبه سبحانه ...
ــــــــــ *رئيس الحركة
الإسلامية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |