ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هوراشيما
ونزع السلاح النووي بقلم
: د. فوزي الأسمر
أحيا العالم قبل أسبوعين
مرور 65 عاما على قيام الولايات
المتحدة باستعمال أول قنبلة
ذرية في العالم
ضدّ مدينة " هوراشيما "
اليابانية إبان الحرب
العالمية الثانية .وقد جاء هذا
الإحياء هذه السنة مختلف حيث
حضر السفير الأمريكي لدى
اليابان جان روس هذه الذكرى
المأساوية لأول مرة منذ انتهاء
الحرب العالمية . غير أن
الولايات المتحدة لم تعتذر
رسميا على ما قامت به. ولم يقبل
اليابانيون ولا الرأي العام
العالمي حضور السفير الأمريكي
بمثابة اعتذار أمريكي .
وقد أعادتني هذه
الذكرى إلى زيارتي
للمدينة المنكوبة , عندما
دعيت للقيام
بجولة محاضرات في اليابان
على أثر صدور كتابي " أن تكون
عربيا في إسرائيل " باللغة
اليابانية . وتذكرت حادثة وأنا
عائد من
هوراشيما برفقة المترجمة وأحد
أعضاء المركز الذي دعاني لهذه
الجولة .
جلست في القطار السريع(Bullet
Train ) وأنا
مهموم مما رأيت في متحف الكارثة
وما سمعته من شرح عن هذه الكارثة
الإنسانية . وكان يجلس أمامي
شيخا يابانيا لفت نظره الحديث
الدائر بيننا . وبعد
فترة كسر الشيخ صمته وتحدث
إلينا بلغة إنجليزية جيدة قائلا
: " أنا من الناجين من محرقة
هوراشيما وأستطيع أن أتفهم
شعورك لما رأيته وسمعته " .
فقلت له على الفور :" كيف تقيم
اليوم ما قامت به أمريكا في حينه
" .سكت الشيخ
لحظة ثم نظر مباشرة إلى
عيوني وقال :" لقد كنا في حالة
حرب وأستطيع أن أفهم أن أمريكا
أرادت من وراء عملها هذا حسم
الموقف العسكري باستعمالها هذا
السلاح ضد هوراشيما . ولكن الذي
لا أستطيع فهمه حتى الآن هو :
لماذا قامت بضرب مدينة نيكاساغي
, خصوصا بعد أن رأت ما حدث في
هوراشيما ؟ " .وأضاف : "إنني
لا أعتقد أن أمريكا كانت
ستستعمل هذا السلاح الفتاك ضدّ
ألمانيا النازية " .
والواقع أن الكثيرين من
المؤرخين والمحللين السياسيين
والإستراتيجيين العسكريين رأوا
في هذا العمل بأنه عمل غير
إنساني ولا أخلاقي, وأنه يعبر عن
إرهاب قامت
به دولة , ورأوا أن أمريكا
ارتكبت جريمة حرب باستعمالها
هذا السلاح . فقد قضت على أكثر من
140 ألف إنسان, تساقط لحمهم
وأصبحوا هياكل عظمية خلال ثوان.
ولم تدمر المدينة فقط ولكنها
حرقت الأرض كلها أيضا .
ولم تكن القيادة الأمريكية
متحدة بالرأي بالنسبة لاستعمال
هذه القنبلة . حيث عارض ذلك في
حينه الجنرال دوغلس ماك آثر
والذي أصبح في ما بعد حاكما
عسكريا لليابان. والجنرال داويت
أيزنهاور , والذي أصبح في ما
بعد رئيسا للجمهورية في
الولايات المتحدة. فقد اعتقدا
أنه لا يوجد ضرورة لاستعمال مثل
هذا السلاح الفتاك خصوصا وأن
اليابان بدأت ترسل إشارات تدل
على استعدادها للاستسلام.
ولكن الذي أصر على أن تقوم
طائرة " بي
ــ 29 "
بإلقاء القنبلتين على
المدينتين اليابانيتين
كان الرئيس الأمريكي في
حينه , هاري ترومان ,والذي علل
موقفه هذا بأنه عبارة عن
انتقاما على
قيام سلاح الجو الياباني
بتدمير البوارج الحربية
الأمريكية في
" بيرل هاربور ", وأن إخراج
اليابان من الحرب أنقذ حياة
الملايين من الأمريكيين
.
ولكن بلا شك كانت هناك أبعاد
أخرى بالنسبة للقيادة
الأمريكية. فاستعملها لهذا
السلاح أصبحت الولايات المتحدة
القوة العسكرية العظمى الأولى
في العالم, وقد
مكنها هذا العمل أن تصبح قائدة
سياسية وعسكرية لهذا العالم. ويبدو
أن الإدارة الأمريكية الحالية ,
بمشاركتها في هذه الذكرى, أرادت
الإشارة إلى موقف الرئيس
الأمريكي باراك أوباما الداعي
إلى " عالم خال من السلاح
النووي " . وسارعت وزيرة
خارجيته , هيلاري كلينتون ,
بإطلاق تصريح لدعم موقف السفير
الأمريكي روس الذي شارك في هذه
الذكرى, حيث قالت في كلمتها أن
الولايات المتحدة تريد :"تنظيف
العالم من السلاح النووي " . طبعا
كلها شعارات براقة :عالم خال
من السلاح النووي وتنظيف العام
منه . أما تنفيذها فإنه يحتاج
إلى أكثر من تصريحات براقة
تتعاطف معها شعوب العالم قاطبة. فلكي
تتحلى واشنطن بمصداقية بالنسبة
لهذا الموضوع فإن عليها معالجته
بصورة واقعية ومتزنة, لا أن تتخذ
مواقف متحيزة . ففي الوقت الذي
يرفض الرئيس أوباما إعطاء جواب
للسؤال الذي طرحته عليه الصحفية
المخضرمة , هيلين توماس , في
المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض
, حول الدول الشرق أوسطية التي
لديها ترسانة نووية , يقوم
بحملة عالمية
ضدّ المشروع النووي
الإيراني ,و بإنزال العقوبات
على طهران . فالعام
يعرف اليوم أن لدى الكيان
الصهيوني ترسانة نووية تهدد
فيها كل دول منطقة الشرق الأوسط
, والإدارات الأمريكية , بما
فيها إدارة أوباما , تغض الطرف
عن ذلك , وتجري وراء إدانة
ومعاقبة إيران فكيف يمكن أن "
ننظف العالم من السلاح النووي
" ؟ وإسرائيل ليس فقط لديها
ترسانة نووية , بل إنها ترفض
التوقيع حتى على " اتفاقية
عدم انتشار الأسلحة النووية "
؟ وكيف
ننظف العالم من السلاح النووي
والولايات المتحدة تفرش مظلة
نووية فوق اليابان وكوريا
الجنوبية ؟ هذا العمل الذي
يخيف كوريا الشمالية
ويجعلها تتمسك بمشاريعها
النووية . صحيح أن
الولايات المتحدة قد توصلت مع
روسيا إلى اتفاق لتخفيض كمية
الأسلحة النووية المتواجدة لدى
الدولتين, ولكن لم تعلنان عن
نيتهما في التخلص نهائيا
من هذه الأسلحة. وماذا مع
بقية الدول التي في حوزتها
أسلحة نووية: الصين وفرنسا
وبريطانيا والهند وباكستان
وغيرها ؟ ماذا تفعل الولايات
المتحدة لإقناعها بالتنازل عن
ترساناتها النووية ؟ إن
تنظيف العالم من هذا السلاح
الفتاك, والأسلحة الفتاكة
الأخرى (الجرثومية والكيماوية
وغيرهما ) هو مطلب إنساني, ولكن
لا يمكن تحقيق هذا الهدف بدون
مصداقية كاملة, وعدم تمييز بين
الدول. فإذا لم يتم ذلك فإن
الأمور ستسير بعكس شعار "
تنظيف العالم من السلاح النووي
", بمعنى أنه سيزيد عدد الدول
التي تتطلع للحصول على هذا
النوع من السلاح أو الحصول على
سلاح فتاك آخر لتتوازن كفتي
الميزان. وبسبب
الترسانة النووية التي يملكها
الكيان الصهيوني ,فإن بعض دول
منطقة الشرق الأوسط ستكون في
مقدمة الدول التي تتطلع إلى مثل
هذا التوازن الاستراتيجي في
حصولها على أسلحة نووية أو
أسلحة فتاكة أخرى . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |