ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سنوات
سبع عجاف عريب
الرنتاوي بالأمس،
شنت الولايات المتحدة حربها
الكونية على العراق بحثاً عن
أسلحة دمار شامل، وتتبعاً لخيوط
وخطوط العلاقة بين نظام صدام
البعثي وقاعدة ابن لادن
الإرهابية، ودائما تحت شعار:
شرق أوسط أكثر أمنا وديمقراطية،
بدءً من بغداد، بوابة التغيير
العظيم ورافعته الكبرى، أما
الوسيلة فبناء الأمة "Nation Building" على طراز ما حصل في ألمانيا ويابان ما
عبد الحرب العالمية الثانية. اليوم
تغادر الولايات المتحدة
العراق، وينسحب جنودها من هناك
قبل الموعد المقرر خشية
اقتناصهم في أضعف حالاتهم
الدفاعية والهجومية، وبعد
سنوات سبع عجاف من الاحتلال
والقتل اليومي المجاني وفضائح
الفساد وبلاك ووتر وأبو غريب.
وبعد مليون قتيل عراقي وخمسة
ملايين يتيم وأربعة ملايين لاجئ
ومئات مليارات الدولارات
المهدورة، ها هي واشنطن تعترف
بأن عراق صدام حسين لم تكن لديه
أسلحة دمار شامل، ولم يثبت لها
أنه كان يتمتع بصلات بالإرهاب
والقاعدة، حتى "يأجوج ومأجوج"
اللذان أبلغ جورج بوش نظيره
الفرنسي جاك شيراك أنهما
يختبئان في بابل القديمة، وأنه
ينوي خوض المعركة الفاصلة "هار
مجدون" أو جبل مجدّو معهما،
فقد فرّا إلى مثلث الحدود
الباكستانية الأفغانية مرورا
بإيران، وفقا لما يرويه الصحفي
الفرنسي جان كلود موريس عن
مكالمة هاتفية بين الرجلين عشية
الحرب على العراق في 2003. أيا يكن
من أمر، فلسنا هنا بصدد إعادة
تناول ما بات معروفاً للقاصي
والداني من أكاذيب وأساطير
إدارة جورج بوش والمحافظين
الجدد وبلهوانيات كولن باول في
مجلس الأمن، أو حتى الأكاذيب
الساذجة في 10 داوننغ سترتيت،
والظروف الغامضة لمقتل العالم
البريطاني ديفيد كيلي، فكل هذا
قيل بشأنه الكثير، فالأهم اليوم
هو محاولة الإجابة على السؤال:
كيف تترك الولايات المتحدة
العراق، وهل أصبحت بلاد ما بين
النهرين أفضلا حالا بعد سنوات
سبع من الاجتياح والاحتلال؟. في
الحقيقة أن كل ما كتب تقريباً في
هذه المناسبة، باستثناء النصوص
الرسمية الأمريكية، تشير إلى أن
عراق اليوم أشد خطورة ودموية
وانقساما مما كان عليه الحال
زمن صدام حسين ونظامه البعثي،
وأن النظام القائم اليوم، أكثر
فساداً ودموية وتشبثا بالسلطة
واصطراعا عليها مما كان عليه
النظام بالأمس، وأن "دولة
المسجد والحسينية والقبيلة"
التي خلّفها صدام حسين بعد ثلث
قرن من حكم البعث، أشد عوداً
وأفعل حضوراً من "لا دولة
التعددية والديمقراطية
والمحاصصة الطائفية والمذهبية"
التي جاءت بها الولايات
المتحدة، وأن دولة/ الأمة التي
عجز البعث وصدام عن بنائها في
العراق، باتت بعد سبع سنوات من
الاحتلال، حلماً عصياً على
التحقق والتجسيد في المدى
المتوسط أو الطويل. العراق
تحوّل إلى ملاذ آمن للقاعدة
والسلفية الجهادية بكل
مدارسها، أصبح دولة فاشلة بكل
المقاييس المتعارف عليها، وبعد
أن كان سداً في وجه التوسع
الإيراني بات جسراً يختصر طريق
طهران نحو الشرق الأوسط وقلب
العالم العربي وقضية فلسطين،
وأن "مبدأ الدومينو" الذي
حركته الدبابات الأمريكية التي
اجتازت نهر دجلة، قد أخذ يفعل
فعله في كثير من الدول العربية،
فالمثلث السني في العراق تقابله
مثلثات ومربعات في دول ومجتمعات
عدة، والهلال الشيعي الذي ارتسم
في سماء المنطقة بعد الحرب،
تناظره أهلّة تطل على سماء دول
ومجتمعات عربية عدة. عراق ما
بعد سنوات الاحتلال، هو عراق
أخطر على أمن المنطقة
واستقرارها وسلمها الأهلي
وعيشها المشترك، والطبقة
الفاسدة التي رأينا صورها على
"ورق الشدة" في أول أيام
الغزو، استبدلت بطبقة أشد فسادا
ودموية وانتهازية، فهل هذا ما
جاءت الولايات المتحدة من أجله،
وهل هذا هو العراق الذي بشرونا
بمقدمه الميمون، ولوّحوا به
كخيار سيقض مضاجع الاستبداد
والشمولية، ويقوض أنظمة الحكم
الديكتاتورية والقمعية. زعمت
واشنطن أنها ستقطع رأس
الدكتاتورية والتطرف في الشرق
الأوسط كله وليس في العراق
فحسب، لكنها بعد سنوات سبع
عجاف، نجحت في توفير التربة
المناسبة لاستنبات المزيد من
الديكتاتوريات ونشر التطرف،
والأنظمة التي "هزّها"
التبشير بالديمقراطية من بوابة
العراق، عادت لتستخدم العراق
كنموذج طارد لشبح الديمقراطية،
ولسان حالها يقول: هل تريدون
ديمقراطية (عن جد)، هل تريدون
عراقاً آخر. تخرج
الولايات المتحدة من العراق
مهزومة، تجرجر أذيال الخيبة،
هذا ما تذهب إليه معظم الكتابات
والتقييمات هذه الأيام، بيد أن
قلة قليلة منها يرى عكس ذلك
تماما، يرى أن الولايات المتحدة
نجحت أيما نجاح في العراق،
بدلالة أنها استطاعت أن تمحو
دولة من دول الاقتدار العربي من
على خريطة المنطقة، وألحقت
بالعراق وشعبه إعاقة مزمنة، لن
ينجو من تداعياتها الكارثية
لعشرات السنين القادمة، فهل
نعدُّ ذلك نجاحا أم فشل، سؤال
متروك لكل واحد منّا أن يجيب
عليه. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |