ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التوازن
بين حياة الفرد ومتطلبات
الجماعة مراجعات
فكرية (2) د
نبيل الكوفحي أكدت
عملية المراجعة الفكرية - في
المقال السابق- على كونها ضرورة
للحياة وركن للتقدم، وتبدأ
المراجعة في اعادة موضعة الفرد
والجماعة وعلاقة كل منهما
بالآخر، إذ أن العلاقة البنائية
بين الفرد والجماعة علاقة
تحكمها أسس شرعية وقانونية اتفق
عليها تحت مسمى: الحقوق
والواجبات، كما هو الحال في أي
تجمع انساني، ونحن لا نضع الفرد
في موقع الندية للجماعة بل في
موقع التابع، لكن لخصوصية
التبعية الطوعية هذه، تقتضي أن
تراجع باستمرار، لان السكون
مظهر من مظاهر الموت. يقول
الامام البنا في مقدمة رسالة
المؤتمر الخامس، أيها الإخوان:
كنت أود أن نظل دائمًا نعمل ولا
نتكلم، وأن نكل الأعمال وحدها
الحديث عن الإخوان وخطوات
الإخوان، وكنت أحب أن تتصل
خطواتكم اللاحقة بخطواتكم
السابقة في هدوء وسكون ... ولا
بأس أن ننتهز هذه الفرصة
الكريمة فنستعرض نتائجنا،
ونراجع فهرس أعمالنا, ونستوثق
من مراحل طريقنا ونحدد الغاية
والوسيلة فتتضح الفكرة
المبهمة، وتصحح النظرة
الخاطئة، وتعلم الخطوة
المجهولة، وتتم الحلقة
المفقودة. هذه
الجماعة التي يعرفها الإمام
البنا في رسالة دعوتنا: ونحب مع
هذا أن يعلم قومنا – و كل
المسلمين قومنا – أن دعوة
الإخوان المسلمين دعوة بريئة
نزيهة ، قد تسامت في نزاهتها حتى
جاوزت المطامع الشخصية ،
واحتقرت المنافع المادية ،
وخلفت وراءها الأهواء والأغراض
، ومضت قدما في الطريق التي
رسمها الحق تبارك وتعالى
للداعين إليه : (قُلْ هَذِهِ
سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ
عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ
وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108) .
فلسنا نسأل الناس شيئا، و لا
نقتضيهم مالا ولا نطالبهم بأجر،
ولا نستزيد بهم وجاهة، ولا نريد
منهم جزاء ولا شكورا، إن أجرنا
في ذلك إلا على الذي فطرنا.
ما كان
للحركة الإسلامية و من حولها من
أن يستمروا بالسير دونما محطات
توقف متجددة، فمن صحت بدايته
حسنت نهايته، و لقد وعى أبو
القاسم إبراهيم بن محمد النصر
هذا المعنى أروع الوعي فقال: ما
ضل أحد في هذا الطريق إلا بـفساد
الابتداء , فإن فساد الابتداء
يؤثر في الانتهاء. فأحسن
البداية و أتـقنها يا داعية
الإسلام. ولان
كان التقليد من أهم الموارد
لبناء العقل، فالطفل الصغير
يقلد تصرفات أبيه وأمه وإخوانه،
ويغلب على ظنه صوابها ، إلا انه
يعتبر معيبا ومعيقاً في مراحل
الحياة المتقدمة، وقد عاب الله
على الكافرين في سورة البقرة
بقوله (وإذا قيل لهم اتبعوا ما
انزل الله، قالوا بل نتبع ما
ألفينا عليه أبائنا، أولو كانوا
آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا
يهتدون). ولإعادة
تموضع العلاقة بينهما ، ينبغي
أن يكون التوازن قائماً متحققاً
دونما افراط او تفريط، فالتوازن سنة كونية عبر عنها رب العزة
بقوله (وكل شيء خلقناه بقدر)،
وهي لازمة للاستمرار، والتوازن
يعني النمو الطبيعي لكل
المكونات ومساهمة كل المخلوقات
بشكل متكامل في رسم خريطة
الكون، وينسحب هذا على حياة
الفرد كما هو على الجماعة ، يقول
تعالى في سورة القصص (وابتغ فيما
آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس
نصيبك من الدنيا) ، ويقول في
سورة الإسراء (ولا تجعل يدك
مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل
البسط فتقعد ملوما محسورا) ولعل
الحديث الشريف الذي رواه أنس –
رضي- يعبر عن هذا بشكل دقيق (جاء
ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي
– ص- يسألون عن عبادة النبي – ص-
فلما اخبروا كأنهم تقالوها،
وقالوا: أين نحن من النبي –ص-
وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما
تأخر؟. قال أحدهم: أما أنا فاصلي
الليل أبدا، وقال الآخر: وأنا
أصوم الدهر ولا أفطر، وقال
الآخر: وأنا اعتزل النساء فلا
أتزوج أبدا، فجاء رسول الله –ص-
إليهم، فقال: أما والله إني
لأخشاكم لله واتقاكم له، لكني
أصوم وافطر وأصلي وارقد وأتزوج
النساء، فمن رغب عن سنتي فليس
مني). يقول الامام البنا في
رسالة المؤتمر الخامس، أيها
الإخوان: ... ولا
تصادموا نواميس الكون فإنها
غلابة، ولكن غالبوها
واستخدموها وحولوا تيارها
واستعينوا ببعضها علي بعض،
وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم
ببعيد. وبالرغم
من فضل الجماعة، فعلى الفرد ألا
يركن باموره إلى الجماعة في كل
شيء،لأن الأصل أن التكليف
والمحاسبة فردية (وكل آتيه يوم
القيامة فردا)، والانتماء
للجماعة مع التقصير في الواجبات
الشرعية، لا يعفي الفرد من
المسائلة يوم القيامة، فحينما
يعجز الإنسان عن التخطيط لحياته
فإنما يكون قد خطط للفشل، ومن
ذلك التوازن بين الحاجات
الشخصية وبين مصلحة الجماعة
ونشاطاتها. من أبرز
البديهيات في العمل الجماعي ان
يتنازل الفرد عن رأيه لصالح
قرار الجماعة، بل تعتبر هذه أحد
اركان البيعة العشرة المتمثلة
في " ركن الطاعة"، فالحكمة
والصواب هما في جانب الجماعة
أكثر منهما في جانب الفرد، حيث
يميل التفكير الفردي – في
الغالب- الى التغير ، بينما يميل
التفكير الجماعي للثبات، ويبنى
الكثير من التفكير الفردي على
" التفكير الرغبوي"،
فالهامش دقيق بين المشاعر
والأفكار لدى الفرد، بينما يؤسس
التفكير الجماعي على الاهداف،
ويجنح التفكير الفردي للمغامرة
بينما يتسم التفكير الجماعي
بالحذر. إلا أن
الركون التفكيري للجماعة على
حساب التفكير الفردي يقتل
الابداع، ويقف عائقاً أمام
المبادرة الذاتية، فعلى
القيادة ان تحسن توجية الأفراد
وتفتح لهم آفاقاً من المرونة
حتى لا تقتل ابداعاتهم، وهي
ممكنة من خلال تعظيم القيمة
المضافة لكينونة الفرد الذاتية
بالتربية الواقعية والتدريب
العملي وصقل تجاربهم واتاحة
الفرصة للعمل والخطأ. ان حرية
الداعية ، والأمل الذي يستيقنه
والرجاء بما عند الله من
ثواب: يدفعونه إلى البذل السخي،
يقول الراشد: إن التربية
الريادية تتطلب تعويد ذوي
القابليات والذكاء من المؤمنين
على التفكير الحر، والقياس، و
الاستقراء، والتحليل،
والتعليل، وتمرينهم على
استعمال القواعد المنهجية
والمنطقية، وهذا يتطلب تنمية
قابلية الوصف الدقيق لديهم،
واكتشاف العلاقات وفهم الواقع،
وكل ذلك من أسس الاجتهاد
وطرائقه. وينبغي
التحذير من المبالغة في إبراز
دور الجماعة (المجتمع او الدولة)
على حساب دور الفرد، لان ذلك
سيؤدي إلى انتاج نماذج سيئة من
أنظمة الحكم الاستبدادية كما
الحال في الانظمة
الاشتراكية
وكثير من دول العالم
الإسلامي، والتي حولت شعوبها
إلى متلقية للقرارات لا مشاركة
فيها، حتى ينحدر الأمر إلى حالة
الاستخفاف بها، تلك الحالة التي
أطلقت على وصف العلاقة بين
فرعون وقومه (فاستخف قومه
فأطاعوه، انهم كانوا قوم سوء
فاسقين) إن
الاستخفاف هو تحقير لدور العقل
في التفكير وتعطيله، حيث تحول
أقوال وأراء أصحاب السلطة إلى
مسلمات لا يجوز التفكير فيها،
ويصل الأمر إلى " دكتاتورية
فكرية" عبر عنها فرعون بقوله
(ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم
إلا سبيل الرشاد)، فهل نعقل تلك
القصص والمشاهد الواقعة؟! يقول
الله تعالى في سورة العنكبوت:
(وتلك الأمثال نضربها للناس وما
يعقلها إلا العالمون) إن
الزمان ليس متوقفاً والآخرون من
أعداء الأمة ليسوا نياماً، لذلك
ينبغي المسارعة في تصحيح كثير
من الاختلالات، يقول الإمام
البنا: أن من عرف حق الوقت فقد
أدرك قيمة الحياة، فالوقت هو
الحياة . ولأن
الوقت لا ينتظر، فهذه دعوة لكل
الأخوة خاصة ممن امتن الله عليه
بالخبرة والنضج والحكمة أن
يبادروا إلى إيجاد وتطوير
مقاربات عملية ناجعة في إيجاد
التوازن بين حياة الفرد
ومتطلبات الجماعة، حتى يمكن
البناء على ما تم لا هدمه، حيث
حذرنا الله بقوله (ولا تكونوا
كالتي نقضت غزلها من بعد قوة
أنكاثا)، وقد وصف حالكم الامام
البنا في رسالة المؤتمر الخامس
بقوله: ليس يعلم أحد إلا
الله كم من الليالي كنا نقضيها
نستعرض حال الأمة، وما وصلت
إليه في مختلف مظاهر حياتها،
ونحلل العلل والأدواء، ونفكر في
العلاج وحسم الداء، ويفيض بنا
التأثر لما وصلنا إليه إلى حد
البكاء. يقول الدكتور عبد الكريم
البكار: لم نكن في يوم من الأيام
أحوج منا اليوم الى العقلية
الناضجة التي تمتلك رؤية
تركيبية معقدة، تمكنها من
استخلاص أفضل ما في النماذج
القديمة من اجل سكبه في نماذج
جديدة ملائمة لروح العصر
ومتطلباته، فهل
من مجيب؟! ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |