ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مراجعات
فكرية (4) النجاح:
بين الصواب والإخلاص د.
نبيل الكوفحي تفرض
المواقع المتقدمة الجديدة التي
انتقلت إليها الدعوة الإسلامية
العالمية وحازتها بفضل الله
تعالى وقفة تأملية على أبنائها،
يتدارسون خلالها أساليب تطوير
العمل، وتجويد التخطيط،
ومضاعفة الآثار الحسنة لبذلهم،
....، وشرط نجاح هذه الوقفة
الفاحصة إنما يكمن فى استعداد
نفسي في الدعاة للخروج من
المألوف الموروث من الأساليب
إذا أرشدت التجارب إلى ضرورة
ذلك، وأدى النظر العقلي إلى
اكتشاف خطأ. (الراشد في مقدمة
كتابه "صناعة الحياة)
تتشابك
وتختلط الأمور في أسبابها
ومظاهرها على كثير من الناس،
وتستهلك الكثير من الأوقات
والجهود في المعالجات الخاطئة
والمتكررة، ولعل هذا ناتج عن
خلط - قلة دراية- بين أسباب
النجاح والرغبة في تحقيقه،
وغلبة " التخطيط الرغبوي"
على التخطيط المنهجي،
والاستعجال في الحصول على
الثمار قبل نضجها. هناك
اختلاف جوهري بين أمور الدنيا
وأمور الدين، ويكمن ذلك في
استحضار النية والإخلاص في
العمل حتى يكون عند الله
مقبولا، يقول تعالى في سورة
البينة (وما أمروا إلا ليعبدوا
الله مخلصين له الدين) ، وفي
الحديث المشهور الذي رواه
الفاروق – رضي- قال سمعت رسول
الله –ص- يقول
)إنما الأعمال بالنيات،
وإنما لكل أمريء ما نوى...). لكن
هناك اتفاق بينهما: إن العمل حتى
يكون ناجحا ومقبولاً فلا بد أن
يكون صائباً، فالنوايا الطيبة
وحدها لا تكفي لنجاح العمل،
والأهداف النبيلة لا تتحقق
لكونها كذلك، بل لا بد من تحري
الوسائل الصحيحة، وإتباع
المناهج السليمة، وفي كثير من
أمور الناس استقرت البشرية على
خبرات ومسالك توصلها للنتائج
المرجوة، وفي أمور التعبد جعل
الله لها شروطاً واركاناً لقبول
العمل، ومنها أمور تتعلق بأوقات
كالصلوات الخمس، ومنها ما تعلق
بالزمان كصوم رمضان، ومنها ما
تعلق بالزمان والمكان كالحج،
وغيرها كثير، وفي الحديث الشريف
( قاربوا وسددوا واعلموا انه لن
ينجو احد منك بعمله...)، والعلم
شرط أساس في العبادة. وقد وعى
الصحابة والسلف الصالح
والعلماء الأوائل هذه الحقائق
جيدا، وطبقوها عملياً في حياتهم
، فأدركوا أن العلم شرط لبلوغ
الصواب، والعلم شرط في صحة
القول والعمل مصداقاً لقوله
تعالى في سورة محمد (فاعلم أنه
لا اله الا الله، واستغفر لذنبك
وللمؤمنين والمؤمنات)، وعلى
لسان سيدنا يوسف عليه السلام
قال تعالى في سورة يوسف (اجعلني
على خزائن الأرض إني حفيظ عليم)،
وفي الحديث الشريف (من يرد الله
به خيراً، يفقهه في الدين)، وكيف
نفهم أمره تعالى في سورة هود (واستقم
كما أمرت) بغير إتباع المنهج
الصحيح. وفهم
ذلك ببصيرة ثاقبة الإمام
البخاري، فقد وضع باباً في كتاب
العلم في جامعه الصحيح تحت
عنوان: باب العلم قبل القول
والعمل، ونقل عن عمر بن عبد
العزيز – رضي- قوله: من عمل في
غير علم، كان يفسد أكثر مما
يصلح، قال الحسن البصري: العامل
على غير علم، كالسالك على غير
طريق. سئل احد
السلف، هو الفضيل بن عياض عن "
أحسن العمل" في قوله تعالى (أيكم
أحسن عملا)، فقال: أحسن العمل :
أخلصه وأصوبه، قيل له: ما أخلصه
وما أصوبه؟ فقال: ان الله لا
يقبل العمل ما لم يكن خاصاً
صوابا، فإذا كان صواباً ولم يكن
خالصاً لم يقبل، وإذا كان
خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل،
وليس غريباً أن وضع الإمام
البنا ركن الفهم أول أركان
البيعة العشرة، لان الفهم في
لغة العرب معناه: العلم بالشيء
ومعرفته. ويقع
الخلط بين عامة الناس وأهل
الاختصاص في إشراكهم بالحل
والعقد في كثير من الأمور، إذ أن
عملية معرفة الخطأ (مظهر المرض)
لا تعني بالضرورة القدرة على
إدراك السبب وتشخيص الحل (العلاج)،
فذاك أمر يحتاج إلى اختصاص
وخبرة، وهذه أحد المزالق التي
تقع فيها الجماعات والأحزاب،
ولئن تم تطوير هذا الفهم من خلال
تكوين مجالس للشورى ولجان
مختصة، إلا أن تطبيق ذلك لا يعكس
هذه الحقيقة جيداً، يقول
العلامة الدكتور القرضاوي في
كتابه القيم (فقه الأولويات):
وأما الإحسان في أمر الدنيا فهو
الوصول به إلى درجة الجودة التي
ينافس فيها غيره، بل يتفوق
عليه، فلا مجال في الحياة إلا
للمتقنين. ولعل
احد أهم أسباب التأخر وضعف نجاح
الخطط، بل والفشل أحيانا كثيرة
يعود الى ضعف العلم وضعف
الأشخاص القائمين على العمل، أي
انها عائدة للقائمين على العمل،
وقد أوضح الله تعالى هذه
الحقيقة بقوله في سورة الشورى (
وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت
أيديكم ويغف عن كثير) وفي سورة
آل عمران ( أولما أصابتكم مصيبة
قد أصبتم مثليها، قلتم أنى هذا،
قل هو من عند أنفسكم)، ولقد تشعب
العمل الدعوي واتسع وأصبح به من
التعقيد ما يحتاج لاختصاص
وخبرات، ولم يعد الإخلاص ولا
الولاء للدعوة كافياًن لتولي
المسؤوليات، قال تعالى عن طالوت
في سورة البقرة (إن الله اصطفاه
عليكم وزاده بسطة في العلم
والجسم)، وهناك قاعدة في
السياسة الشرعية تفيد: بتقديم
أهل الكفاية على أهل الولاء.
ينبغي ان تكون هذه الحقائق
حاضرة في المراجعات لخطط الدعوة
ونتاجات العمل، ولا نعلق الفشل
على الظروف الخارجية ومكر
الأعداء ومؤامراتهم فحسب، اذ أن
معياري أخلاص
النوايا والولاء للدعوة ليسا
كافيين لبلوغ الصواب، ناهيك عن
وجود مظهر الصلاح على بعض
الأفراد، وقد حذر الرسول –ص- من
ظهور طائفة بقوله (... تحقرون
صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع
صيامهم، وعملكم مع عملهم،
يقرؤون القرآن لا يتجاوز
حناجرهم، يمرقون من الدين كما
يمرق السهم من الرمية)، فآفة
هؤلاء ليست في ضمائرهم ولا
بنياتهم بل في عقولهم وأفهامهم. وصواب
العمل يرتبط أحيانا بطبيعة
الظرف الزماني أو المكاني الذي
تمر به الجماعة، ففي أوقات
معينة تتأخر العبادات الفردية
الى مرتبة ثانية أمام أولوية
مصلحة الأمة والجماعة، ولقد عبر
ابن المبارك عن هذا لمن انصرف
إلى العبادة والمجاورة في الحرم
المكي ( وكان الفضيل يلقب بعابد
الحرمين، وله شهرة بكثرة الدموع
) بهذه الأبيات التي تحدد العمل
الصائب وأولويته في مرحلة معينة
: يا عابد الحرمين لـو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان يخضب جيده بدموعه
فنحورنـا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيلـه في باطل
فخيولنا يـوم الكريهة تتعب ريح العبير لكم، ونحن عبيرنا
رهج السنابك والغبار الأطيب ولقد أتانـا عـن مقـال نبينا
قول صحيح صادق لا يكذب لا يستوي غبار خيل
الله في
أنت امرئ ودخان نـار تلهب هذا كتاب الله ينطـق بيننـا
ليس الشـهيد بميت
لا يكذب ينسحب
هذا الفهم بين الولاء (الإخلاص)
والصواب كذلك على معايير الفرز
والاختيار، إذ أن عمليات
الانتخاب يشوبها – أحياناً-
خروج على هذه الأسس الشرعية
والمنطقية، لذلك نجد إفرازات
لقيادات لا تُراعى شروط الكفاءة
في اختيارها، بل تعتمد على
عوامل أخرى ليست موضوعية منها :
العلاقة الفردية، و"التحشيد
الأعمى" الذي يتجاوز مصلحة
الدعوية والوطن والأمة، وكان
نتيجة ذلك إفراز
بعض القيادات "غير
المؤهلة" للمواقع التي قدمت
لها، وانعكس ذلك على جودة
قرارات الجماعة وصوابها، وعلى
تراكم انجازاتها للوصول
للأهداف الكلية المرسومة، وذكر
فان الذكرى تنفع المؤمنين. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |