ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سيرٌ،
فسيلٌ من الدماء.. كيف نُوقف
هدرها؟ أ.د.
ناصر أحمد سنه* باتت
حوادث السير علي الطرق،
ومضاعفاتها الخطيرة من الكثرة
والفداحة بحيث تستدعي تضافر كل
الجهود الفاعلة للحد منها،
وتوفير السلامة علي الطرق، ومن
ثم إنقاذ الأرواح، ووقف هدر
الدماء. عندما
حدثت أول وفاة نجمت عن تصادم
سيارات عام 1896م.. أبدى قاضي
التحقيق توصية صارمة مفادها:"ينبغي
ألا يتكرر ذلك أبداً". ويبدو
أن توصيته قد ذهبت أدراج
الرياح، فالمتوالية العددية
للوفيات في ازدياد، وشلالات
الدم علي الطرقات تستصرخ كي
نُوقفها!!. فحوادث
السير تمثل ـ حسب تقرير منظمة
الصحة العالمية (أبريل 2007م) ـ
"أهمّ مسبّب للوفيات بين
الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 25
عاماً، والذكور أكثر عرضة من
الإناث. فتلك الحوادث تتسبّب في
قتل زهاء أربعمائة ألف (000 400) من
هؤلاء الشباب سنوياً. بينما
يقدّر العدد الإجمالي السنوي
الذي يقضي من جراء الحوادث بما
مقداره 1.2 مليون شخص. فضلاُ عن
إصابة/ أو إعاقة ملايين آخرين من
أطفال يلعبون في الشوارع،
ومارين، وراكبي دراجات هوائية
ونارية، وسائقين مبتدئين،
ومستخدمي وسائل نقل عمومي الخ". لاشك
أن حوادث السير والطرق،
ومضاعفاتها الخطيرة، تعم مناطق
العالم بلا استثناء. بيد أنها
تكثر نسبياً، في أفريقيا وبلدان
الشرق الأوسط
(مصر، ودول الخليج). فلا يكاد
يمر يوم في بلدننا العربية (وبخاصة
مصر) دون سيل من الدماء من
جرائها. ومن بين
التكاليف المادية والصحية
والاقتصادية الباهظة (نحو 518
مليار دولار أمريكي في شتى
أرجاء العالم)، تمثّل تكاليف
تلك الحوادث، بالنسبة لكثير من
البلدان النامية، ما بين 1% - 5.1%
من الناتج القومي الإجمالي.
تاكليف تتجاوز، في بعض الحالات،
المبلغ الإجمالي للمعونات
الإنمائية الدولية. مما جعل هذا
الموضوع يتصدر البرنامج
الإنمائي العالمي، وتهتم به
الأمم المتحدة عبر تنظيم كثير
من الفعاليات في جميع أنحاء
العالم. نهج
استباقي ووقائي عملا
بنهج استباقي ووقائي.. هناك
إمكانية للتنبؤ بملابسات وظروف
عدد كبير من تلك الحوادث
وتوقيتها. ويمثل الوعي بذلك
النهج أمكانيات كبيرة لتقليلها
لأدني حدودها، وصولا لمنعها. وجود
خطط عمل وطنية في مجال السلامة
على الطرق، من حيث تحسين بنية
الطرق والجسور والأنفاق،
وضرورة تنفيذ المشاريع الخاصة
ببنيتها الأساسية، وزيادة
الاستثمارات الموظفة في ميدان
تحقيق سلامة مستعمليها. ينبغي
مراعاة المواصفات القياسية
فيها: إنارتها، وانتشار لوحاتها
الإرشادية، تحديد حدود السعة
والسرعة عليها، نوعية المركبات
(وخصوصاً الشاحنات)، ووقت
مرورها، ومراقبتها، وتوافر
الخدمات المختلفة عليها،
وبخاصة وسائل الإسعاف الجيدة
والسريعة، يقلل كثيرا من تلك
الحوادث. قواعد
صارمة لفرض قوانين المرور علي
الجميع دون استثناء أو محاباة
او تهاون أو تهويل، حتي يصبح
إتباعها سليقة ووازعا داخليا
وأن غابت أعين الرقباء. فينبغي
اتخاذ تدابير مثل: انتهاج مبدأ
التدرّج في الحصول على رخص
القيادة، وتنفيذ تدابير
محسّنة، مثل تخفيض حدود السرعة،
وفرض عقوبات مُشددة على كل من
يقود وهو متعاطي الكحول، أو
المخدرات. ووجوب ارتداء الخوذات
الواقية الخاصة براكبي
الدراجات النارية "ارتد خوذة
واقية دون أي عذر". دورات
مكثفة لتحسين مستوى فهم
السائقين العاملين في القطاع
التجاري، لأسباب التصادمات
وزيادة فرص الوقاية منها،
وأهمية استخدام أحزمة مقاعد
السيارات. "كن آمناً، وكن
مرئياً" لرفع مستوى رؤية
أطفال المدارس على الطرق من
خلال توزيع العاكسات والمواد
التعليمية المتعلقة بالسلامة
على الطرق. حث
المدارس والجامعات على تعليم
الشباب مبادئ السلامة، وإدخال
مناهج مدرسية جديدة في هذا
الخصوص. وتوفير الحملات
والبرامج التدريبية وإعداد
التقارير الإخبارية الإعلامية
التوعوية بمدي فداحة تلك
الحوادث، والتعاون بين الجميع ـ
أفرادا ومؤسسات ـ لخفضها لأدني
حدود ممكنة. توفير
وسائل نقل عامة ميسرة وذات
كفاءة (كالقطارات والباصات
الكبيرة بين المدن الكبري
والمحافظات، وشبكة خطوط قطارات
عبر الأنفاق، وغيرها)، يقلل من
الإعتماد علي وسائل النقل
الخاصة مما يوفر سيولة في
المرور، ويقلل من أزدحام الطرق
وحوادثها. السيارة
الخاصة أهم مثل "للظاهرة
الإستهلاكية"، حسب ما يري "اريك
فروم". ففي عصر السيارة حيث
الإقتصاد كله "متمركز" حول
انتاجها، والحياة يحددها ـ بشكل
كبيرـ قيام وسقوط السوق
الإستهلاكية للسيارات (كما في
الأزمة المالية/ الأقتصادية
العالمية الحالية). تلك
السيارات الجديدة المسرعة
الباعثة علي الشعور "بالتفوق
والمكانة والغلبة، وقهرالزمن"
لكنها تسفر بالنهاية عن حوادث
مفجعة. لذا ينبغي التوعية بعدم
التعويل علي "النمط
الإستهلاكي المظهري"،
والإسراف في التقليد، ومجاراة
خطوط انتاج وتسويق الشركات
الرأسمالية العملاقةـ
وإلحاحها علي اقتناء"الاحدث"
من الأنواع. وعلي المشاهير
والمعنيين بصناعة البرامج
الترفيهية ألا يفتنوا الشباب
بالسرعة وأن يدعوهم إلى شد
أحزمة المقاعد وارتداء الخوذ
الواقية. إن "أبنائنا
فلذات أكبادنا تمشي علي الأرض"،
فعلي الآباء وأولياء الأمور
والراشدين أن يكونوا قدوة حسنة
لأبنائهم الشباب، فيداومون علي
توجيههم وإرشادهم لتجنب مثل هذه
الحوادث، وأن يكونوا قريبين
منهم عندما يطلبون النصح والدعم
الأبوي. ولا ينبغي للشواغل أن
تمنع من أداء الدور التربوي،
ومتابعتهم في كيفية شغل أوقات
فراغهم، وفي حلهم وترحالهم، وفي
كيفية مصاحبة الرفاق . إن
الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة إنّ
الخصائص الجسمية البدنية،
والحركية السلوكية للأطفال،
وحاجتهم إلي اللهو، ومستوى
رشدهم واهتماماتهم وتنقلاتهم،
تستلزم ضرورة اتخاذ تدابير خاصة
لضمان سلامتهم. مع تهيئة مساحات
مأمونة يمكن للأطفال اللهو فيها.
مع فرض استخدام حزام الأمان
والكراسي المخصّصة للأطفال
أثناء تواجدهم في السيارات. صفوة
القول: من المؤسف أن لا يتناسب
"رد الفعل" مع فداحة حوادث
السير وسيل
الدماء: "فهي لا تسبب سوي رد
فعل إعلامي مؤقت". لكن ليبقي
أثرها: حصاد الأرواح، وتدمير
الأسر، وتخريب الطاقات
البشرية، وإفراغ الصفوف
المدرسية، وإحداث الإعاقات
المستديمة الخ". لذا فينبغي
ألا يكون حبل التوعية بهذه
الحوادث قصيراً، بل يستديم
تحسين فهمنا للمعاناة الجسدية
والنفسية والاجتماعية
والاقتصادية لها. إنّ انعدام
السلامة على طرق السير أصبح من
العقبات الكبرى التي تقف في
تحسين الصحة وتوفير التنمية ما
يستلزم توجيه السياسات
والبرامج الرامية إلى توقي
الوفيات التي تحدث ـ دونما داع ـ
على طرق العالم. ـــــــــــ *كاتب
وأكاديمي من مصر ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |