ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 19/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

صراعات الداخل وحملات الخارج

صبحي غندور*

بعض أسباب ما يحدث في الولايات المتحدة الآن من حملات على الإسلام والوجود الإسلامي في أميركا هو جهل أميركي مشحون منذ عشرات السنين بالسلبية ضدّ العرب والإسلام، ثمّ جاءت الأعمال الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 لتعطيه زخماً كبيراً من الخوف والحذر وعدم الثقة بكل ما هو عربي وإسلامي.

هذا "الجهل الأميركي" استفادت منه ولا تزال القوى والجماعات الدينية والسياسية الأميركية الحاقدة على العرب، وهي توظّفه في أجنداتها الداخلية وفي مسائل السياسة الخارجية.

ورغم الدور الهام الذي تقوم به مؤسسات وجمعيات ومراكز عربية وإسلامية في الردّ على هذا التشويه وفي نشر المعرفة السليمة عن العرب والإسلام، فإنّ هناك انعداماً لتوازن القوى والإمكانات والعدد بين ناشري "الجهل" وبين الساعين لتعميم المعرفة السليمة.

أيضاً، فإنّ ضعف الهويّة العربية يساهم حتماً في ضعف دور الجالية العربية وفي مسؤوليتها عن نشر المعرفة الصحيحة بالعرب والإسلام وبالقضايا العربية. ف"فاقد الشيء لا يعطيه"، ولا يمكن أن ينجح العرب في الغرب بنشر الحقائق عن أصولهم الثقافية القومية والحضارية الدينية إذا كانوا هم أنفسهم يجهلونها، بل ربّما يساهم بعضهم، من المتأثّرين سلباً بما هو سائد الآن من تطرّف بالمفاهيم الدينية والإثنية، في نشر مزيدٍ من الجهل في المجتمعات الغربية، وفي تأجيج المشاعر السلبية بين الشرق العربي والإسلامي وبين الغرب العلماني/المسيحي.

ثمّ إنّ انعدام التوافق على "الهويّة العربية" لدى المهاجرين العرب يجعلهم يتحرّكون وينشطون في أطر فئوية محدودة تقلّل من شأنهم وتأثيرهم، كما تُغشي بصيرتهم عن أولويّات العمل المطلوب، فينحصر الهمّ لدى بعضهم ب"الآخر" من أبناء الوطن أو الدين الواحد المشترك. وفي الأحوال هذه، لا يمكن أن تكون هناك جالية عربية واحدة، أو عمل مشترك مع جاليات أخرى بشكل يؤثّر في عموم المجتمع الأميركي أو الغربي عموماً.

الملامة هنا لا تقع على المهاجرين العرب أنفسهم وحسب بل على المناخ الانقسامي السائد في معظم البلدان العربية، وعلى سيادة الأفكار والتصريحات التي تفرّق بين أبناء المنطقة العربية ولا توحّد. فاللوم أوّلاً وأخيراً على الأوطان الأصلية التي يهاجر الشباب العربي منها بكثافة كبيرة، والتي تظهر فيها وتنمو جماعات التكفير والرفض للآخر، والتي تتحمّل أيضاً الحكومات القائمة فيها مسؤولية تردّي الأوضاع والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ممّا يزيد من توفير البيئة المناسبة لجماعات التكفير في الداخل، وللتشجيع على الهجرة إلى الخارج.

فالفهم الخاطئ للعروبة والدين هو أيضاً حالة مرضية قائمة الآن في المجتمعات العربية كما هي علّة مستديمة في المجتمعات الغربية.

إنّ التطرّف يغذّي بعضه البعض الآخر، رغم التناقض في الشعارات وفي الأهداف. فهذه هي محصّلة السنوات الماضية التي مرّت على أحداث سبتمبر في أميركا ثمّ على حروب إدارة بوش.

بل إنّ نشأة الجماعات العنفية العاملة بأسماء إسلامية هي أصلاً نشأة مشبوهة ولدت في رحم المخابرات الأميركية خلال حقبة الصراع الأميركي مع القطب الشيوعي.

إنّ سياسة إثارة "الخوف" لدى الأميركيين والغربيين من عدوّهم الجديد: "الوجود الإسلامي"، شكّلت  بحدِّ ذاتها فائدة كبيرة لمن ينتهجون أسلوب الإرهاب وفكر التطرّف باسم الإسلام، فكرّروا أعمالهم في أكثر من مكان استناداً أيضاً إلى مبرّرات وذرائع وفّرتها الإدارة الأميركيّة السابقة من خلال حروبها في "العالم الإسلامي". وقد اشتعلت بشكل متزامن مع الحروب العسكرية "معارك الرسومات والتصريحات والملابس وأمكنة المساجد" لتعيد قسمة العالم بين مجتمعات غربية قائمة على الخوف من "الآخر" المسلم، وأخرى إسلامية تتحرّك فيها جماعات تغذّي كراهية "الآخر" الغربي!.

وللأسف، هناك عرب ومسلمون يقومون بخوض "معارك إسرائيليّة"، فهم عمليّاً يحقّقون ما كان يندرج في خانة "المشاريع الإسرائيليّة" للمنطقة من تقسيم طائفي ومذهبي وعرقي يهدم وحدة الكيانات الوطنيّة ويقيم حواجز دم بين أبناء الأمّة الواحدة. أليس هو مشروعٌ إسرائيلي تفتيت المنطقة العربيّة إلى دويلات متناحرة؟ ثم أليست هي "فكرة" إسرائيلية أصلاً أنّ "الإسلام هو العدو الجديد للغرب" بعد سقوط الأنظمة الشيوعية؟!.

كيف يمكن تحصين المنطقة العربية أولاً من هذا "الوباء الإنقسامي" المهدّد لكلّ جسد الأمَّة وكيف يمكن وقف هذا الانحدار العربي نحو مزيدٍ من التقسيم للأوطان والشعوب؟.

إنّ الإجابة عن ذلك لا تتوقّف على فردٍ أو جماعة أو طائفة بأسرها، وإنّما تشمل المسؤولية العرب جميعاً من المحيط إلى الخليج وفي كلّ بقعةٍ بالعالم يعيش عليها أبناء البلدان العربية.

فالمسؤولية تبدأ عند كلّ فرد عربي، وهي مسؤولية كلّ عائلة في أن تفرِّق عند تربية أولادها بين الإيمان الديني وبين التعصّب الطائفي والمذهبي الذي يرفضه الدين نفسه.

وهي مسؤولية كلّ طائفة أو مذهب، بأن يدرك أتباع هذه الطائفة أين تقف حدود الانتماء إلى طائفة، فلا نردّ على الحرمان من امتيازاتٍ سياسية واجتماعية، أو من أجل التمسّك بها، بتحرّكٍ يحرمنا من الوطن كلّه بل ربّما من الوجود على أرضه.

والمسؤولية تشمل أيضاً الأنظمة كلّها والمنظمات العربية كلّها التي استباحت لنفسها استخدام التناقضات الدينية أو العرقية في صراعها مع بعضها البعض أو من أجل تحقيق مكاسب سياسية آنيّة لها.

وعلى الجميع أيضاً، تقع مسؤولية فهم ما يحصل بأسبابه وأبعاده السياسية، وليس عن طريق المعالجة الطائفية والمذهبية لتفسير كل حدثٍ أو قضية أو صراع ...

***

أمّا بالنسبة للحملات على العرب والإسلام في الغرب، فإنّ الساحة الأميركية (كما هي كل ساحات دول الغرب) مفتوحة لبثِّ السموم والأحقاد على أيِّ أقلّية أو أيَّة قضية، لكن هي أيضاً ساحة مفتوحة (ولو بظروفٍ صعبة) على العرب والمسلمين لكي يصحّحوا الصورة المشوَّهة عنهم وعن أصولهم الوطنية والحضارية. وكما هناك العديد من الحاقدين في الغرب وأميركا على العرب والمسلمين، هناك أيضاً الكثيرون من أبناء أميركا والغرب الذين يريدون معرفة الإسلام والقضايا العربية من مصادر إسلامية وعربية، بل بعضهم يتعاطف مع هذه القضايا. فالغرب تحكمه الآن حالة "الجهلوقراطية" عن الإسلام والعرب والقضايا العربية، وهي الحالة التي تجمع بين مجتمع ديمقراطي تسهل فيه الحركة السياسية وأشكال التعبير المختلفة، وبين تجهيل تمارسه بعض الجهات السياسية والإعلامية بمسائل تتعلّق بالعرب وبالمسلمين وبقضايا المنطقة العربية.

إن المعرفة الأفضل لكلٍّ من الدين والعروبة، والعرض السليم لهما من قبل المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية، سيساهم بدون شك في معالجة الإنقسامات الطائفية والعرقية في المنطقة العربية، كما سيساهم حتماً في الردّ على حملات التشويه المثارة هنا أو هناك لأسبابٍ مختلفة.

كذلك، فإنّ البناء الدستوري السليم في البلدان العربية والإسلامية الذي يحقّق العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد ويضمن الحرّيات العامّة للأفراد والجماعات، هو السياج الأنجع لوحدة أي مجتمع، ولضمان عدم التدخّل الخارجي الذي بابه دائماً الصراعات المحلية.

وليكنْ المعيار دائماً في كلِّ كلمةٍ أو عمل أو حركة أو صراع، السؤال التالي: ماذا يخدم ما نقوله أو ما نفعله، ومن يخدم؟. ففي الصراعات والمعارك تكون الأعمال بالنتائج وليس بالنيّات!!

ــــــــــ

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

Sobhi@alhewar.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ