ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 21/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

تحية إلى النجاشي الجديد

مهداة إلى الأخ ميشيل كيلو

د. منير محمد الغضبان*

اللقاء على القيم الكبرى لا يحتاج إلى وحدة فكرية بمقدار ما يحتاج إلى وضع الأولوية لهذه القيمة لدى كل فرقاء  الأرض.

ولقد تم اللقاء بين الإخوان المسلمين ، والأستاذ ميشيل كيلو على بعض هذه القيم في الهواء لا في مباشرة اللقاء .

فكل من يطالب بالحرية للإنسان أيا كان هذا الإنسان ويطالب برفع الظلم والاضطهاد . ويطالب بتحقيق العدالة بين المواطنين ، أيا كانت عقيدة وجنسية وطائفة هؤلاء المواطنين . هم أبناء مدرسة واحدة ، تدخل ضمن إطار الفقه النبوي الخالد :

إنما أرسلت لأتمم صالح الأخلاق .

وفهم فقهاء المسلمين على مر العصور أن الحرية والعدل تقوم بهما السموات والأرض ، وهما من أهم أولويات وهموم الأمة المسلمة ، وأول شرط من شروط الحكم الإسلامي إذ لا يعتبر إسلاميا إذا فقده .

(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به )

والشرط الثاني الحكم بما أنزل الله

(وإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )

وإن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر ، فشرط العدل يلزمكم إلى قيام الساعة . لأنه يشمل الناس جميعا لا المؤمنين وحدهم .

والشرط الثالث هو الشورى ، وحق اختيار الحاكم وحق محاسبته .

فهي هوية الأمة المسلمة ، و(أمرهم شورى بينهم )

فالطريق إلى الشرط الثاني هو وجود دولة الحرية والديمقراطية . حيث تجتمع تحت مظلتها كل الأطياف . والأجناس والأحزاب والآراء والاتجاهات ، وفي ظلها يتنافس أبناء البلد الواحد والوطن الواحد ، يدعون إلى أفكارهم وآرائهم واتجاهاتهم ويتم اختيار الحاكم من خلال صناديق الاقتراع التي تعبر عن إرادة الأمة فيمن تحب أن يحكمها من الشعب . مع المحافظة على العدل الشامل بين أبناء الأمة جميعا . مهما كان الفريق الذي يحكم فيها .

أخي ميشيل كيلو ..

لقد كان اللقاء السياسي بيننا من أجل حرية شعبنا هو الأساس في أن نتعرف على بعضنا ،وإني ليؤسفني أنني لم ألتق معك إلا من خلال كتاباتك وآرائك . وقد مثلت عظمة الصمود في وجه الطغيان وذقت مرارة السجن في سبيل حرية شعبك سنوات طوالا، لم تلن قناتك ولم تهن عزيمتك . وأقدر أنك لا تعرفني ، ولكنك تعيش في قلبي رمزا من رموز النضال في قلب الساحة ، وحجة على جميع القاعدين إسلاميين وغير إسلاميين ..

لكني أعجب من هذا السفير الجديد الذي جاءنا من خلال مقالك في صحيفة (السفير) والذي أعتبره وثيقة خالدة أشهد بها عن نقاء فكرك من كل معالم الوثنية والشرك وأنت تقول وأنت تتحدث عن الإسلام : ( ورغم أنه آخر الأديان السماوية ، وأكثرها قطعا مع ما شاب غيره من التباس في فهم الله وإبرازا لمركزيته في منظومته العقدية ، وتركيز أعلى تعاليمه وتجرده عن كل ما هو بشري أو دنيوي ، فإن الإسلام يبقى دين تواصل وتكامل مع الأديان السماوية الأخرى من جهة ، ومع الواقع في بعديه الراهن والتاريخي من جهة أخرى )

لقد قرأت في كتاب الله عن وصف فريق أهل الكتاب ( منهم أمة مقتصدة ) لكنني لم أر إلا نماذج قليلة من هذه الأمة المقتصدة .

ولقد قرأت في كتاب الله عز وجل:

(ليسو سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ، وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين )

وإني لأرجو الله تعالى أن تكون ممن شملتهم هذه الآية الكريمة الخالدة نموذجا حيا لهذا الإيمان  العظيم . حيث مارسته سلوكا . وآمنت به فكرا . ووهبت حياتك من خلال فهمك لدين التواصل هذا بين الأديان جميعا . يتعايش  معها بما هي عليه ، ويعلن رأيه صريحا في منظومة العقيدة .

وأذكر المعاني التي أشرت بها إلى التعايش بين الإسلام والأديان الأخرى من تجربتي الشخصية ، فقد عشت ثلاث سنوات في (حينة ) البلد الذي لا يوجد فيه سني واحد، حين غضب علي الحزب الحاكم فنقلني هناك حيث كان سكانه من الدروز والمسيحيين ، وعشت أجمل حياتي معهم ، في مدرسة واحدة ليس فيها مسلم غيري، كنا حوالي ستة زملاء نعيش معا في المدرسة وخارج المدرسة ، يقول لي أحدهم : نحن نعاملك بصفتك (شيخ) و(بطريرك ) و (حاخام)لأننا لا نؤمن بالدين ، ، وإذا أردنا أن نعرف شيئا عن أي من هذه الأديان الثلاثة  نأتيك لعلك تستطيع أن تقنعنا بالدين والإله . بينما قال زميل حبيب آخر ، وأنا أقرأ معهم كتاب خصائص التصور الإسلامي ) لسيد قطب ، عقب فصل عن الكاثوليكية ، وهو كاثوليكي ، قال :لم اؤمن بالله إلا هذه الساعة ، لأني كنت أرى في الدين أشياء لا يقبلها العقل ولا العلم فإن كانت صادرة عن الله ، فلا وجود له ، والآن عرفت أن بشرا أدخلوا في هذا الدين ما ليس فيه ، وأن كل ما يناقض العقل البشري هو تدخل بشري في كتب الله ..

وقال لي ثالث ، وهو من الضباط الكبار في الجيش السوري:

أنتم المسلمون جبناء تخافون أن تقولوا الحقيقة ، فقد سألتك عن الجزية فغمغمت في الجواب ، واعتبرتها مثل الزكاة . ذلك لأنكم تفهمون أن الجيش مهمته الدفاع عن الوطن وظَلَم الإسلام غير المسلمين حين منعهم من دخول الجيش وأَخَذ منهم الجزية مقابل حمايتهم . إن مهمة الجيش في عهد رسالة محمد والخلفاء من بعده هو نشر الدين الإسلامي في الأرض والدعوة له . فكيف يرضى المسيحي أن يكون في جيش ينشر غير دينه ، ويعرض حياته للموت . وأولاده لليتم من أجل نشر الدعوة لغير الدين الذي يدين به .

فلم يكن في الأرض أعدل من الإسلام ، حين ضمن للموا\طنين حماية وطنهم مقابل مبلغ للمال وحمل المسلمين وحدهم مسؤولية الدعوة لدينهم ونشر مبادئه.

لكنني يا أخي ميشيل أراك في هذا المقال ، تقدم منهج حياة ، لا كلمة مداراة ، وأتمنى أن نجد من يجيد الثناء على هذا الدين مثلك .

وتحضرني أنت مع الحدث التاريخي العظيم في الحبشة ، وقد دخلت نقطة علاقة في هذا التاريخ .

فقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين ملكا مسيحيا ليقيموا عنده هربا من دكتاتورية الوثنين عبدة الأصنام ، وقال في كلمته الخالدة لهم صلى الله عليه وسلم :

( إن في الحبشة  ملك لا يظلم عنده أحد ، فالحقوا ببلاده حتى  يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه ) وفي ظل العدل الذي ننشده تتعايش الأديان والطوائف والأحزاب في تواد وتواصل وتراحم وكما سماه الإسلام .

( أن تبروهم وتقسطوا إليهم )

فالعدل والبر أعلى درجات الفضائل في الوجود ، فكان العدل من أعظم صفات الله تعالى ( يا عبادي إني قد حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا )

والبر أعلى درجات الإحسان بعد العبادة ويمثله بر الوالدين .

وتحضرني هذه المقارنة :

طلب النجاشي من المسلمين أن يتلوا عليهم شيئا مما جاء به محمد .

فقد اختار جعفر رضي الله عنه سورة مريم وتلاها عليه ، فما كان منه بعد أن سمع هذه التلاوة إلا أن انبهر بعظمة القرآن وقال :

إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة .

وقال لرسولي قريش : انطلقا ، فوالله لا أسلمهم إليكما .

ثم سألهم :ماذا تقولون في عيسى ابن مريم ؟ فقال جعفر : نقول فيه الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .

فضرب النجاشي في الأرض . فأخذ منها عودا ثم قال :

والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود

وهذا نجاشينا الجديد الأستاذ ميشيل كيلو يقول:

( دمج الإسلام صحيح المسيحية واليهودية في دعوته ورسالته . واعتمد بعد التدقيق أو التصحيح قصصا أورداها ورموزا قدماها أعلى هو من شأنها وعظمها ، وكرس بعض نصه الإلهي لشخوص بعينهم بلغ تكريمها الذروة في سورة مريم المخصصة لأم سيدنا عيسى ، ليس  في الإنجيل ما يماثلها من تعظيم لشأن العذراء سيدة نساء العالمين ومن وصف لها ولشخصها وظروف حملها وولادتها ووصف من أنجبته ، فالسورة نص إلهي خلدهما وأدخل حبهما إلى قلوب المؤمنين ، فصار باعتماده من صحيحهما كلمة الله الأخيرة إلى عباده ...)

فأكرر التحية والترحيب بالنجاشي الجديد الذي نلتقي معه فكرا بعد أن التقينا  معه سياسة ،ونعمل معا جاهدين لإحياء حرية شعبنا كله في مظلة الأمن والحرية التي نريد ( وقل جاء الحق وما يبديء الباطل وما يعيد )

ـــــــ

*باحث إسلامي سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ