ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
من
ذكرياتي مع الأخ القائد الشهيد
أمين يكن ـ
رحمه الله تعالى ـ (4
ـ 4) بقلم
: محمد فاروق البطل الموقف
الخامس: لقاؤه الشجاع بالرئيس
وحصوله على قرار بالمفاوضات: من واقع
غَيْرة الأخ أبي عابد على
الجماعة التي تعب في بنائها،
ولها في عنقه بيعة، وله معها
تاريخ عريق، عمل جاهداً لإيقاف
المذبحة في أوائل الثمانينات،
وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وقد
آتاه الله من الشجاعة، وقوة
الشخصية، والثقة بالنفس، ما
جعله يطلب لقاء الرئيس حافظ ا
لأسد لمفاتحته في الحل، والبحث
معه في سُبُل حل أزمة البلد.
ومَن يعرف حافظ أسد يُدرِك
أي جرأة نادرة، وأي شجاعة
فائقة، كان عليها الأخ أبو عابد
ـ رحمه الله تعالى ـ؟؟ وللأخ
القارئ الكريم أن ينشئ التصور
التالي: حافظ أسد في قمة
سلطته،وفي قمة ديكتاتورية
وتسلطه، ملك أوراق الحكم،
ومفاصل الحكم، ورجال الحكم،
بقبضة فولاذية، وكما لم
يملِكْها أي رئيس قط سابق أو
لاحق!! في مقابل أخ فرد أعزل،
مجرد من أي سلطة أو قوة، ليس له
أي دعم إلا من الله، يستند إلى
جماعة ضعيفة، مُحارَبة
مضطَهدَة مشرَّدة، توزَّعت
شبابَها السجون والمقابر
والمنافي، يريد أن ينتزع من هذا
الرئيس القوي المستبد قراراً
بحل الأزمة عبر المفاوضات،
لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. أقول:
لولا أن الأخ الكريم أبا عابد قد
ملك من إيمانه بالله، ويقينه
بتأييده، ورضائه بقضائه وقدره،
ولولا أن الله منحه الثقة
بالنفس، وأعطاه قوة الحجة، وقوة
الشخصية، لما ملك الجرأة
والشجاعة أن يحاور حافظ أسد،
ولمدة أربع ساعات متواصلة،
والمعروف عن حافظ أسد أنه كان
يصابِر محاوره، ولمدد طويلة، لا
يستعين بقلم ولا بورقة ولا
بسكرتير، حاضر الذهن، قوي
الذاكرة، يستظهر معلوماته عن
ظهر قلب، هكذا حدَّثني الأخ
أمين يكن عن لقائه الأول،
ولقائه الثاني مع حافظ أسد،
وهكذا حدَّثني الأخ فتحي يكن ـ
رحمه الله تعالى ـ وهكذا تحدَّث
كل مَن لقي حافظ أسد من قادة
العالم ورجال الإعلام والسياسة. ثم إن
الأخ أمين يكن ـ رحمه الله تعالى
ـ لو لم يكن حكيماً دقيقاً في
تصرفه، حذِراً من أي خطأ، لكان
يمكن أن تجرَّه النتائج إلى
مالا تُحمَد عقباه، ولكن الله
سلَّمه ووفَّقه، وبفضل الله
أولاً، وبما يعلمه سبحانه من
صدق الأخ أمين وإخلاصه له، وحبه
لدعوته، وحرصه على جماعته نجح
في مهمته، وتمَّ التوصل إلى
قرار بين الرجلين لحل الأزمة
عبر التفاوض. كان
القرار الذي خرج به الأخ أبو
عابد بعد هذا اللقاء الطويل
والصريح هو أن يلقاني، والأخ
عبد الله الطنطاوي، والأخ
الشهيد حسني عابو،
وكنا نحن الثلاثة في السجن،
وفوجئنا بزيارته، حيث نُقلتُ
والأخ الطنطاوي من سجن كفر سوسة
إلى فرع التحقيق المركزي في
الحلبوني، لنجد أنفسنا وجهاً
لوجه مع الأخ الحبيب أمين يكن
بعد طول غياب وشدة شوق، طبعاً
لقي كلَّ واحد منا على انفراد،
وتحت المراقبة، فأفضى إليَّ
بالقرار الذي أصدره الرئيس في
إجراء المفاوضات ابتداء منا نحن
الثلاثة، على أن يتولَّى
مفاوضتنا العماد حكمت الشهابي،
وذكر الأخ أمين أن الرئيس مازحه
ضاحكاً باقتراح اثنين ليتوليا
مفاوضتنا... أولهما العماد مصطفى
طلاس، وهو يعلم أنه مرفوض، فسحب
الاقتراح الذي لم يكن جاداً فيه
أصلاً. والثاني: هو العماد علي
دوبا، وقدَّر الرئيس أنه مرفوض
مِن قبلِنا لأنه طائفي، فلم
يتوقف عنده. وبالفعل
فقد لقِيَنا الأخ أمين نحن
الإثنان، أما الأخ حسني عابو
فإنه لم يُمكَّن من لقائه، لأن
المجرم رفعت أسد لما بلغه خبر
التفاوض واللقاء، عاجل إلى الأخ
حسني ومجموعته، فرماهم بالرصاص
في سجن القلعة، وأرداهم شهداء
بإذن الله تعالى. كان
جوابي للأخ أمين أبي عابد حين
عرض عليَّ قرار التفاوض، وأنه
قد تمَّ ترشيحي والأخ أبا أسامة
لهذه المهمة. قلتُ له: نحن هنا
معتقلون، ولا ندري ماذا يجري في
الساحة الخارجية، فالأولى أن
تلقى القيادة، وتحيطها علماً
بذلك، وفعلاً فقد سافر الأخ
الشهيد أبو عابد إلى الأردن
والسعودية للقاء إخوتنا
المسؤولين، فوافقوا... وبعد فترة
يسيرة، نُقِلنا نحن الإثنان مِن
سجن كفر سوسة، إلى مبنى
المخابرات العسكرية، ولم نكن
نعرف هذا المكان قبل، ولكننا
وجدنا معاملة مختلفة، وسجناً
مختلفاً، وجاءنا نقيب ليخبرنا
أننا سنلقى العماد علي دوبا
رئيس المخابرات العسكرية
والرجل الثاني في السلطة، وكانت
مفاجأة إذ كان المفترض أن يكون
القادِم والمحاوِر هو العماد
حكمت شهابي!! فلماذا تمَّت عملية
الاستبدال؟! طبعاً الجواب معروف:
حكمت شهابي سني ويبقى محل شك!! وخلال
ثلاثة أيام كان النقاش بيني
وبين العماد دوبا حاداً
وشديداً، كان يسألني عن سُبُل
حل الأزمة؟؟ وأجيبه بالحلول
التي أعرفها وأؤمن بها، مِن
إلغاء قانون الطوارئ والأحكام
العرفية والمحاكم الاستثنائية،
وحل البرلمان المزيَّف، وإجراء
انتخابات حرة، وإنهاء تسلط
البعث، وتحرير الجيش من سلطته...
ليكون للوطن كله لا لحزب ولا
لطائفة...الخ. طلباتي
هذه قلتها بملء الصدق والقناعة،
لكنني أقول الآن: إنها لم تكن
طلبات واقعية في الظروف
السابقة، لكنْ أوحَتْ بهذه
الطلبات بعض الأخبار التي كانت
تُنقَل لنا عن انتصارات الثورة
الإسلامية، وأحياناً تصلنا مِن
ضباط مشجِعين ومؤيدِين عبر
السجانين. وكان
جواب العماد دوبا حين يقرأ
طلباتي (أقول طلباتي لأن الحوار
كان منفرِداً، ولم أجتمع مع
الأخ الطنطاوي في جلسة حوار
مشتركة مع العماد دوبا) ولكنني
كنت قد اتفقت مع الأخ أبي أسامة
أن لا نساوم على كرامة الجماعة
وثوابتها وحقوقها، وأن نحافظ
على كرامتها وعزتها، خاصة ونحن
نعيش فضلة عمر من أفضال الله
العزيز الحكيم، ذلك أننا كنا
نُقدِّر حين مضَوْا بنا إلى
المزة بعد حادثة المدفعية، أن
ثمة حكم بالإعدام قد صدر بحقنا،
وأنه في المزة سيتم التنفيذ. كان
جواب العماد دوبا حين كان يقرأ
طلباتي: الرفض، ومطالبتنا
بتخفيض الطلبات، وأننا
معتقلون، وأن جماعتنا مهزومة،
ويقول: أنا لا يمكن أن أقدم هذه
الطلبات للسيد الرئيس، لأنه
سيضربني بها على رأسي!! وهكذا
استمر الجدل العقيم بيني وبين
العماد دوبا... لا مجال للتفصيل
هنا في هذا الموضع، لكنني
سأعرضه بإذن الله مستقبَلاً في
مذكراتي. مساء
اليوم الثالث دُعِينا للقاء
العماد حكمت شهابي الذي لم يسبق
لي أن لقيته، كنت في هذا اللقاء
مع الأخ الطنطاوي والعماد دوبا،
ابتدأ الشهابي حديثه ساخراً
منا، وأنه حين قرأ طلباتنا،
تصوَّر أنه قادم للقاء وفد
دولة، أو وفد حكومة!! ليقول
بعدها: أنتم معتقلون... نحن
الدولة...نحن السلطة... وكان
حواراً استمر قرابة ساعة.
وبفضلٍ من الله كنا نملك ما
نقوله في مواجهة الرجلين،
وتصحيح ما سألني عنه العماد
شهابي حين قال: هل أنت يا أستاذ
فاروق مع القَتَلة؟ هل أنت مع
الإرهابيين؟ وأجبته...وحمَّلت
الدولة مسؤولية الأحداث، وأن
السلطة الديكتاتورية وسوء
المعاملة في السجون هي التي
دفعت بالشباب إلى أحضان العنف،
وأنهم لم يتركوا لهؤلاء الشباب
فرصة المراجعة أو التفكير...إن
اعتقلوهم جلدوا أبشارهم
وعذَّبوهم وانتزعوا منهم
الاعترافات الباطلة... وإن لم
يتمَّكنوا من اعتقالهم،
اعتقلوا آباءهم وأمهاتهم
وإخوتهم وأخواتهم فأين المفر
لهؤلاء الشباب؟! وأين حبل
النجاة؟! ثم حدَّثتُ العماد
حكمت شهابي عن وسائل التعذيب
الرهيبة... فقال لي: أنا لا أعرف
هذا...! أجبته: معذرة سعادة
العماد أنت كنت رئيساً
للمخابرات العسكرية قبل أن تكون
رئيساً للأركان؟ وفي عهدك كان
يُمارَس التعذيب، ومن خلال هذه
الأدوات والوسائل التي حكيتُها
لك. ثم قال العماد أنا عاتب
عليكم أن لا توصِلا لي هذه
الأخبار!! وذكر مِن أصدقائه
وأقربائه الذين هم من إخوتنا
مَن كان يمكن أن يكونوا وسيلة
التوصيل، قلت له: ذلك مستحيل...
لأنه لا يمكن لأحد أن يصل إليكم،
فأنتم في أبراج عاجية، وذكرت له
اسم شخص مِن أصدقائه، وقف ثلاثة
أيام على باب الأركان بأمل
لقائه، لكنه هُدِد بالاعتقال
فرحل، وهكذا انتهى اللقاء،
وطالبني العماد حكمت شهابي
بالصبر... بعد أن اطمأن أن العماد
دوبا مشغول بالحديث مع الأخ أبي
أسامة الطنطاوي ـ حفظه الله
تعالى ـ. بعد هذا
الحوار تم الإفراج عنا نحن
الإثنان، ثم صدر قرار الإفراج
عن أكثر من /400/أخ معتقل جَعَلَ
الله ذلك في ميزان حسنات الأخ
القائد الشهيد أمين يكن، أسكنه
الله فسيح جناته. والمؤسف
أن الأخ عدنان عقلة ـ غفر الله
له ـ اعتبر خطوة الأخ أمين
والمفاوضات التي جرت عملية
خيانة، وأصدر قراره باغتياله...
وحسبنا الله ونعم الوكيل. بعد أن
صدر قرار الإفراج عنا نحن
الإثنان حضر الأخ أبو عابد
بسيارته السوزوكي المكشوفة إلى
السجن في كفر سوسة لينقلنا منه
إلى حلب، سألته: أخي أبا عابد!
أبهذه السيارة تذهب إلى القصر
الجمهوري، وتلقى الرئيس
والمسؤولين ؟ قال: نعم. لا أملك
غيرها، وأحمد ا لله عليها. فاتني
أن أقول إن الأخ أمين قابل
الرئيس مرتين، وفي كل مرة كان
يمتد اللقاء قرابة أربع ساعات...
مرة ليحاوره في حل المشكلة. ومرة
ليخبره بقرار الجماعة
بالموافقة على المفاوضات أملاً
بحل المشكلة. محاولة
أخرى في حل الأزمة: وتمضي
السنون والأيام ليتحرك الأخ أبو
عابد من جديد، بمسعاه الحميد
باحثاً عن حل مشرِّف... كان ذاك
عام /1996/ حيث لقي المسؤولين في
دمشق، وتلقي منهم تشجيعاً، فجاء
إلى عمان والرياض وجدة، وقابل
القيادة، وكنت معهم، وعرض عليهم
اقتراحاته فوافقوه وشجعوه،
وعاد إلى دمشق، ليخبر المسؤولين
بموافقة الجماعة على الدخول في
حلقة جديدة من المفاوضات،
فقالوا له: هذه الموافقة تحمل
رأي فريق في الجماعة، لابدَّ أن
تأتي بالموافقة من الطرف الآخر،
يعنون مجموعة الأخ عدنان سعد
الدين ـ رحمه الله تعالى ـ عاد
الأخ أبو عابد إلى عمان، والتقى
إخوة هذا الفريق، فكانت
الموافقة أيضاً، ثم التقى
الفريقين مجتمعين، وكان
الإجماع على تفويضه في حلٍ كريم.
وعاد إلى دمشق ليخبر المسؤولين
بالقرار، فسبُّوا الإخوان
وشتموهم، وقالوا كيت... وكيت
مِمَّا في جعبتهم من بذيء
الكلام، وقبيح الشتائم. وكانت
النتيجة التي توصَّل إليها
القائد الشهيد أبو عابد ـ رحمه
الله تعالى ـ أن القوم ليسوا
جادين في شأن المفاوضات، وإنما
هي ورقة يلجأون إليها لتمزيق
الصف، وإحداث الفرقة والخلاف،
كلما أحسوا أن الجماعة موحدة،
وتمارس المعارضة بقوة... هذه
النتيجة نفسها هي التي توصل
إليها الشيخ عبد الفتاح أبو غدة
ـ رحمه الله تعالى ـ حين أرسل له
الرئيس حافظ أسد عبر وسيط : لو أن
دعوة وُجِهت لك من قبل الرئيس
لزيارة دمشق ومقابلة الرئيس
والحوار معه في حل الأزمة هل
تلبي الدعوة؟ فكان جوابه
الموافقة بعد استشارته للقيادة
وموافقتها على المبادرة. وقد
حملت له هذا الجواب بنفسي في
الرياض لكن الذي حدث أنه زار
دمشق ومكث في سورية طويلاً،
منتظراً تحقيق الوعد، دون
فائدة، فلم تجر مقابلة! ولم يجر
حوار! ليعود الشيخ بنفس النتيجة
التي توصل إليها الأخ أبو عابد . لم تمض
إلا فترة يسيرة حتى سقط الأخ أبو
عابد في عملية اغتيال جبانة لا
ندري مَن وراءها؟ لكن نُقدِّر
أن الأخ الشهيد دفع ثمن مواقفه،
وأن الأمر لا يبعد عن الوساطة
التي قام بها، والمواقف التي
التزم بها. وكتب
الله له الشهادة بذلك بإذنه
سبحانه ـ رحمه الله رحمة واسعة
وأسكنه فسيح جناته، وتقبله في
عباده الصالحين. أكتفي
بهذا القدر من مواقف الأخ
الشهيد أبي عابد البطولية،
وبهذا القدْر من ذكرياتي معه،
على أمل أن أتابع الحديث عنه
تفصيلاً في ذكرياتي المفصلة إن
شاء الله. اللهم
ارحمه رحمة واسعة وأجزل مثوبته
وتقبله في عبادك الصالحين يا رب
العالمين. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |