ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مراجعات
فكرية (8) الحركة
الإسلامية والحوار مع الغرب د.
نبيل الكوفحي يختلف
الناس في موضوع الحوار مع الغرب
من حيث ضرورته وفائدته، و
الحركة الاسلامية ليس بعيدة عن
هذا الاختلاف، وان كان التوجه
العام هو عدم الرغبة به خاصة في
السنوات الاخيرة، وربما يكون
تناول هذا الموضوع شائكاً، لكنه
موضوع ينبغي أن يطرح ويتم
التفكير فيه من جديد، فخسائرنا
كأمة وشعوب وحركات اسلامية
كثيرة، والحوار لن يزيد تلك
الخسارة، بل ربما يعمل على
تقليلها، خاصة بعد محاولة القس
المعتوه تيري جونز حرق المصحف
الشريف، وبروز أصوات غربية
رسمية وشعبية وفكرية منددة بذلك
التوجه العنصري البغيض. أصبح
الاهتمام الغربي بالحوار مع
الحركات الإسلامية واضحاً وطلب
الاتصال بها والحوار معها
معلناً, ونذكِر أنه قد صدر عن
الاتحاد الأوروبي في نيسان 2005
وثيقة تتبنى الحوار مع الحركات
الإسلامية, وجاء خطاب الرئيس
الامريكي اوباما في القاهرة في
اواسط عام 2009 يحمل بعض الرسائل
الايجابية تجاه المسلمين. يعد الحوار من وسائل الدعوةالى
الله ومنهج في التعامل مع الآخرين, قال تعالى (ادع إلى
سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي
أحسن)، فالإسلام لم يكتف بالأمر بالحوار، ولكن أراده أن يكون حواراً بالطريقة التي هي
أحسن، ففي حال
الموعظة اكتفى بأن تكون حسنة،
أما في حال
الجدال لم
يرض إلا
بأن يكون بالتي هي
أحسن، لأن
الموعظة تكون مع الموافق، والحوار يكون مع
المخالف، وهذا ما قاله القرآن في
حوار أهل
الكتاب في
سورة العنكبوت: ( ولا
تجادلوا أهل
الكتاب إلا
بالتي هي
أحسن إلا
الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون). يستند
الحوار الى مجموعة مفاهيم
ينبغي أن يتضمنها فكر
المسلم، فهو يعتقد بأن اختلاف
البشر في أديانهم واقع بمشيئة الله تعالى "ولو شاء ربك لجعل
الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك
ولذلك خلقهم" (هود: 118 - 119)، وهو
يؤمن أن الحساب على الكفر
والضلال ليس في هذه الدنيا، ولكنه
في الآخرة كما قال تعالى "
فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع
أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله
من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله
ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا
وبينكم الله يجمع بيننا وإليه
المصير (الشورى:15). والمسلم
يؤمن بكرامة الإنسان من حيث هو إنسان,
وفي الحديث: أن النبي صلى الله
عليه وسلم مروا عليه بجنازة، فقام لها واقفا، فقالوا: يا رسول
الله، إنها جنازة يهودي! فقال:
"أليست نفسا؟"
ويؤمن أيضاً بأن عدل الله
لجميع عباد الله، مسلمين وغير مسلمين، كما قال تعالى:
"ولا يجرمنكم شنآن قوم على
ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب
للتقوى" (المائدة: 8). لتوجه
الغرب والإدارة الأمريكية
للحوار مع الحركات الإسلامية
"المعتدلة" أهدافاً معلنة
وخفية، منها شعورها بأهمية
الشعوب ودورها في صياغة
مستقبلها, وادراكها بأن الحركات
الإسلامية تشكل شريحة هامة
ومكون رئيس في بنية هذه الشعوب.
وتزداد القناعة لدى بعضهم بان
الاستبداد الذي تمارسه أنظمة
حكم فردية أو شمولية في العالم
العربي هي التي تنهب الثروات
وتصادر الحريات وتنشر الفساد
ويساعد على نشوء "حركات العنف
والتطرف". تقول رايس وزيرة
الخارجية الأمريكية السابقة (
لقد أخطأنا بسياستنا سابقا بدعم
الأنظمة الديكتاتورية لتحقيق
الاستقرار على حساب الحريات).
وقد أدرك البعض في الولايات
المتحدة أنه لا يمكن تهميش هذا
التيار، وأن الحوار هو السبيل
الوحيد للوصول لنوع من التوافق
بما يحقق في النهاية المصالح
المشتركة للشعوب. ولا يخفى انها
محاولة لاحتواء للحركات
الإسلامية من خلال دمجها
بالعملية السياسية, وصولاً
لتخفيف الاحتقان ومستوى
الكراهية عند الشعوب للغرب
ولأمريكا خاصة. تضمن
القران الكريم أسساً منهجية
للحوار، قال الله تعالى ( يا
أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر
وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله
اتقاكم إن الله عليم خبير)
الحجرات 13. فحكمة الله بالغة في
تنوع البشر بين ذكر وأنثى
لاستمرار النوع البشري،
والتنوع المعرفي: فتعدد الشعوب
والقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا
فيما بينهم . وقال تعالى أيضاً:
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في
الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن
تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما
ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم
في الدين
وأخرجوكم من
دياركم وظاهروا على إخراجكم أن
تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم
الظالمون" (الممتحنة 8 – 9. والقاعدة الأساسية أن لكل
إنسان حرية الاختيار، قال تعالى
( وقل الحق من ربكم، فمن شاء
فليؤمن، ومن شاء فليكفر) الكهف:
29 ويؤكد (لا إكراه في الدين، قد
تبين الرشد من الغي) البقرة: 256. يعبرالقرآن
الكريم عن الطريقة التي ينبغي
أن ندير بها الحوار مع الآخرين
(وإنا أو إيّاكم لعلى هدى أو في
ضلال مبين) (سبأ24)، أي قد أكون
أنا على هدى
وقد أكون على ضلال، وقد تكون
أنت على هدى وقد تكون على ضلال،
فتعال نتحاور من أجل اكتشاف هذه
الحقيقة. هناك
موجبات وايجابيات الحوار، فهو
يزيل كثيرا من الشكوك التي
زرعها بعض الحكام المستبدين
وأجهزتهم القمعية عن الحركات
الإسلامية وخاصة المعتدلة منها,
وبالتالي التقليل من حملات
الاستهداف وتحييد بعض الخصوم
والأعداء. وربما
يقلل من الصورة المفزعة التي
تستخدمها الأنظمة المستبدة عن
الحركة الإسلامية فيما لو نجحت
هذه الحركات الإسلامية في أي
انتخابات ديمقراطية في بلادها.
وبلا شك يقدم صورة صحيحة عن
المشروع الحضاري الإسلامي
وتصحيح الصورة السلبية عن
الإسلام والحركات الإسلامية
التي اوجدها الاعلام الغربي
والتأثير الصهيوني. وربما
يدرك الغرب أننا مع مبدأ
التداول السلمي للسلطة وفتح
الحريات السياسية والعقائدية
وتعزيز الديمقراطية وحقوق
الإنسان وبناء مؤسسات المجتمع
المدني والاهتمام بقضايا
المرأة ومحاربة الفساد
والاستبداد، وتحقيق العدالة
الاجتماعية وبناء الاستقرار في
بلدنا وفي المنطقة. لا شك
ان هناك شروطاً وضوابط
للحوار، منها احترام سيادة
أوطاننا وحرية شعوبنا وعدم
التدخل بخصوصياتنا الدينية
والثقافية والاجتماعية،
فالحوار هو حوار المصالح
المشتركة, وبالرغم من هيمنة
الغرب فإن الحوار معه لا يعني
الاستسلام له، فالحوار في هذه
الحالة مواجهة ومقاومة مطلوبة.
وينبغي التذكير بألا يكون
الحوار محصوراً في قضايا عقدية
أو دعوة الطرف الأخر لديانته بل
يكون الحوار لقضايا مصلحيه
للطرفين وقضايا مشتركة
للإنسانية، مع التأكيد على
الاحتفاظ بحقنا بالمقاومة
لكافة أنواع الاحتلال في بلادنا
وبالطرق التي نراها نحن مناسبة. هناك صعوبات
في وجه الحوار، وأسباب ذلك
مختلفة، فمنها ما هو متعلق في
المسلمين، وبعدهم العملي عن
الإسلام وخلافاتهم الشديدة،
ومنها ما هو متعلق بالغرب، في
قيادته التقدم العلمي والتقني،
وهيمنته السياسية والاقتصادية
على معظم دول
العالم، ووهم أستاذيتة الفكرية
والعقائدية، رغم إفلاسه
الحضاري، وانحداره القيمي
والأخلاقي ، وتغليب مصالحه
الخاصة على مصالح كل المجتمعات
الإنسانية الأخرى القائمة من
حوله. وهناك
إشكالية أخرى وهي تلك المتعلقة
بالموقف من الاحتلال
الإسرائيلي، أو تبني الأجندة
الإسرائيلية لمستقبل
المنطقة,وما يمكن أن يصل إليه
الحوار في موضوع الاحتلال
الإسرائيلي، سواءً ما متعلق
بنمط التسوية مع الفلسطينيين،
او في الحل النهائي أو عودة
اللاجئين أو القدس. ومن
الصعوبات أيضاً الشبهات التي
تثار في أوساط الجماهير حول
الجهات التي تشارك في الحوار مع
الأميركان أو تتقرب منهم بأي
شكل من الأشكال، بالاضافة ما
يثيره من شكوك في أوساط
الأنظمة، وخوفاً من توافق
أميركي مع المعارضة في سياق
الخوف من الاستبدال. مضمون
هذا الحوار متنوع، فهو حوار
حضاري بين ثقافة إسلامية وبين
ثقافات غربية يسعى أصحابها إلى
تكريس هيمنتها على العالم. وهو
حوار سياسي بين قوى عربية
وإسلامية ترغب في تحقيق
طموحاتها وبين قوى غربية تخشى
من صعودها. وهو حوار مصلحي بين
طرفين يرى كل منهما أن من مصلحته
أن يتفاهم مع الآخر ويتعايش معه. وهو حوار حول حقوق الإنسان وهي لا تبعد عن
مقاصد الشريعة، فالضروريات
الخمس التي من أجلها وضعت
الشريعة ابتداء: الحفاظ على
النفس ، والعقل، والدين،
والعرض، والمال.
وبشكل عام فانه يمكن التحاور
في كثيرمن الامور، مع التذكير
ان عدم الحوار مع الغرب لا يلغي
أثرهم ودورهم وتدخلهم في بلاد
العرب والمسلمين، فالاشتباك
حاصل معهم، فاما أن نحاول أن
يكون بعضه لصالحنا، أو أن نتركه
فيكون وبالاً علينا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |