ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أسرتي
تكمم فمي أ.د.
ناصر أحمد سنه* - جاءني
صديقي الوحيد، غاضباً مُحتداً:
لم أعد أطيق ما يفعلون؟. لم يعد
هناك شيء يسير علي ما يرام. - اهدأ
قليلا، وحدثي بالخبر. - أمور
أسرتي تتأزم.. أريد حلاً، ألم
تتصد لمثل هذه الأمور الأسرية /
العائلية/ الاجتماعية وتركت ما
دونها من مشاكل ومشكلات. -
تبسمت..لا تخلط الأمور ، فليس
هذا أوانه، وحثني ما الأمر؟.،
سأحضر لك قهوتك المُعتادة؟. - لا ..
لا شكراً، ليس هذا وقتها. لا
أريد مزيداً من ارتفاع ضغط
الدم، فشراييني ستنفجر. تنفس
الصعداء ثم تابع قائلاً:
"أسرتي تكمم فمي"،
ويصادرون حريتي. هم لا يريدون أن
أعبر عن رأي أو أن أظهر أي نقد.
كيف لي أن أطلب وأطالب بحريات
عامة وأنا محروم منها في بيتي
وداخل أسرتي؟. أفتني في بلواي؟. - معك كل
الحق.. هات المزيد. -
تصرفات أولادي لم تعد تعجبني،
لا أستسيغها عقلاً ولا نقلاً.
ملابسهم التي يشترونها،
والتقاليع التي يجرون ورائها
التي لا تمت لسمتنا بأدنى صلة،
والمظهر دال ومؤثر علي الجوهر.
ضيقة بنطالاتهم، متهدلة، تكاد
أن تسقط عن خاصرتهم. دعاياتهم/
شعاراتهم التي يحملونها ـ كتابة
وتصويراًـ فوق صدورهم وظهورهم.
يجلسون الساعات الطوال إما أما
الحاسوب، أو أمام المباريات
والأفلام. اتصالات أقرانهم بهم
في أي وقت من ليل أو نهار،
يثرثرون معهم بالساعات،
واستدعاءاتهم لهم في أي وقت
وحين، ناطقين مفوهين في الهاتف،
وخارج المنزل، ويخرسون ويصمتون
معي صمت القبور. وكلما حاولت
التعرف علي أقرانهم
وأصحابهم..ابتعدوا، حافين
أنفسهم بسياج من التعتيم،
والغموض. يخرجون دونما استئذان
فهم كبار، ويتعللون بأنهم
"إذا ما طلبوا إذناُ
فسيرفض" فيفعلون ما يشاءون
دون علمٍي"، فقد شابوا عن
الطوق، فهم "مستقلون"
ويطالبون بمزيد من الحرية. كثرت
مطالبهم التافهة، وعدم حرصهم
علي أشيائهم، فتضيع أو تُبدد أو
تُستنزف دونما صون لها أو صيانة.
لا يشاركون في شؤونهم المنزلية
تاركين أعبائها علي والدتهم.
وكلما أبديت لهم رأيا أو نصيحة
أو نقداً امتعضوا، وانزووا،
وانطووا علي أنفسهم أياما
وليالي. ردودهم وكلماتهم
مُستفزة، وأسلوب تحاورهم غير
ناضج أو واع، مهما بذلت في
تقويمه، فسرعان ما ينحرف مرة
ثانية. فلغتهم ومفرداتهم التي
يتشربونها ويتعاملون بها خارج
المنزل تطغي عليهم في داخله. - لقد
أرهقتك مراهقتهم؟، وماذا عن
والدتهم. - كف عن
هذا التقعر في الكلام. لقد قرأت
ما كتبت في هذا الشأن. التنظير
شيء، والواقع المؤلم شيء آخر .
إنه مُستنزف وخطير. إن والدتهم
تعاني مما أعاني، بيد أنها تشعر
ببعض الراحة حينما تري أنها
تقوم بما "يجب" عليها
القيام به من تدبير شئون حياتهم
اليومية والدراسية. وهي تسعي
جاهدة "لتقريب وجهات
النظر"، فلا تريد مزيدا من
"الخسائر"، لكنني اري أنها
تميل أكثر إلي جانبهم. - لقد
ربيناهم صغارا، فلما يجافوننا
كباراً؟. لقد لاعبناهم سبعاُ،
وأدبناهم سبعاً، ونحن تركنا لهم
الحبل علي الغارب، فماذا حدث
لهم؟. لعلهم يصدق عليهم قول
القائل: أعلمه
الرماية كل يوم =
فلما اشتد ساعده رماني. وكم
علمته نظم القوافي=
فلما قال قافية هجاني. - يتنهد
مواصلاً حديثه: كنا لا نأكل حتى
يأكلون، ولا نشرب حتي يشربون،
ولا نشبع حتى يشبعون، نحرم
أنفسنا من أشياء كي نوفر لهم
يريدون. كنا إذا مرضوا مرضنا،
وإذا تبسموا وفرحوا، فرحنا
وسعدنا. - هذا
واجبنا نحوهم ومن حقوقهم علينا. - نعم..
لكن لماذا هذا الذي يحدث الآن،
ولم نقصر في حق من حقوقهم. ألم تر
أن الله تعالي أوصاهم بنا مرارا
وتكرارا في قرآنه، وعهد إلينا
موعظتهم وتربيتهم: قال تعالي:
"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِنْدَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا
فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ
وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ
لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا،
وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ
الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي
صَغِيرًا"( الإسراء:23-24). وقال
تعالي:" وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ
حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ
لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا
إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ
فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"
(العنكبوت:8) ، وقال تعالي:
"وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا
تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ
وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا
لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا
الصَّلَاةَ وَآَتُوا
الزَّكَاةَ ثُمَّ
تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا
مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ
مُعْرِضُونَ" (البقرة: 83).
- أنهم
لا يعترفون بعدم قدرتهم على
التميز بين الخطأ والصواب، وبين
تصرفات الطفولة والنضج/ الرشد.
فهم قليلو الخبرة في الحياة،
ومع ذلك يرفضون النصح والنصيحة
ولديهم حساسية كبيرة نحوهما.
بينما يسعون لطلب المزيد من
"الحرية والاستقلال"،
ليعيشوا في عالمهم الخاص،
محاولين الانفصال عن الأسرة
والمجتمع بشتى الطرق. -
إذا ما عرفت الأسباب سهل
تشخيص الداء ووضع الدواء. - لقد
أفسدوا علينا أبنائنا، وسرقوهم
منا بمناخهم العام، وأنماط
حياتهم غير السوية المفروضة
علينا. بنظام إعلامهم
وفضائياتهم ومبارياتهم
وتسليتهم المائعة الهابطة.
فضلاً عن نظام تعليمهم،
واستنزافهم لأوقاتهم طلابا في
المدارس أو الجامعات، في الدروس
الخصوصية، وتفريع المدارس من
رسالتها التربوية والدراسية في
آن معا. فليس ثمة تربية ـ منهم
أيضاً ـ أو تقويم. شهادات
يعطونها، ويلفظونهم إلي
الشارع، دونما مساهمة في بناء
الإنسان. وإذا ما انتهوا من
تعليمهم ـ
فلا أفق مشرق لمستقبلهم ـ فلا
يجدون عملاً لائقاً، إلا
محاولات الهروب في "قوارب
الموت" علي شواطئ أوربا. وألم
تر إلي تكريس الفقر والإفقار
لاستنزاف الآباء ـ هجرة وسفراً
داخلياً وخارجياـ سعيا وراء
توفير حاجات أبنائهم المادية،
دون تفرغهم لما هو أهم من ذلك؟؟. - ما
العلاج، وما العمل؟ - ما
المسئول بأعلم من السائل، جئت
تشكو إليّ بلواك، لكنني "إنما
أشكو بثي وحزني إلي الله". ـــــــ *كاتب
وأكاديمي ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |