ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الكثير
من يتخذ هواه إلهاً الدكتور
عثمان قدري مكانسي - كنت في
لقاء ضم ثلة
من قدماء معارفي بينهم رجل كنت
ألقاه أيام الشباب لقاءات
متباعدة ومعرفتي به ضعيفة ،
وأظن به الخير ، فابتسامته لا
تفارقه ، وكلماته منتقاة تجذب
إليه من يجالسه . ولعل هذه
الابتسامة وهذه الكلمات التي
يقابل بها الناس تترك في نفس من
يراه للوهلة الأولى أو على
فترات متباعدة راحة وطمأنينة
تجعل الحاضرين يأنسون إليه
ويظنون منه الخير. - قلت لصاحبي حين
خرجنا من هذا اللقاء ، يبدو أن
هذا الرجل لطيف ، وقد نازعتني
نفسي أن أدعوه إلى مجالسنا
ولقاءاتنا ، فيكون واحداً منا ،
ما رأيك؟ نظر إليّ صاحبي وتصتع
ابتسامة باهتة وهز رأسه ، ولم
يعلّق . قلت: لعل بينهما مواقف لا
أدريها ، ولعله يعرف ما لا أعرف
، فوجد في اقتراحي تسرعاً
وألمحَ بما صدر عنه إلى جهلي
بأمور لو علمتها لكان لي رأي آخر
قد يكون مخالفاً لما رأيته في
هذا اللقاء القصير . - لم أشأ
أن أترك الأمر يمر هكذا دون أن
أحظى بجواب شافٍ لحركة صاحبي
وابتسامته . إلا انني تغاضيت عن
اقتراحي هذا مدة حاولت فيها أن
أجمع بعض المعلومات عن هذا
الرجل لأفاجئ بها صاحبي إيجاباً
أو سلباً . ولم آلُ جهداً في ذلك
..... - هو
صاحب تجارة عامّة سريع البديهة
كثير المعارف قليل الأصدقاء
طريقته في الحياة : " ابذلِ
الوعودَ وأكثرْ منها ، ولا عليك
أن تتفلت من الوفاء بها إلا
لمصلحة آنيّة ، لطيف الكلمات
وناعم الألفاظ وديبلوماسي
الحركات ، لكنه سريع التقلب حين
ينال أربه أو يفشل في الحصول على
هدفه . تتغير فجأة وداعته وتنقلب
سريعاً خصومةً فاجرةً ، ولا يجد
حرجاً بعد ذلك أن يغشى المجالس
كرة أخرى إن اشتم رائحة فائدة ما
، وكأن شيئاً لم يكنْ ." - بهذا
وصفه غالب من يعرفه أو اكتوى
بناره أو ناله بعضُ أذاه . ورغبت
أن أجد من يمدحه أويرى رأيا فيه
غير هذا ممن يعرفه فلم أحظَ بذلك
إلا من رجل ذكره بعكس ما قيل فيه
، فإذا بهذا الرجل – كما تبيّن
بعد ذلك- من الطينة نفسها ،
فتيقنت أن الطيور على أشكالها
تقع . وفهمت إذ ذاك معنى ابتسامة
صديقي وهزّة رأسه .
- قد
يتهمني القارئ أنني أبحث عن
عورات الناس وأتتبع سَقطاتهم
وأنشر أخبارهم ، وأهتك أسرارهم
، وأجعل سيرتهم على كل لسان ،
فأقع في النميمة والغيبة . وينسى
هؤلاء أن توجيه الضوء على أمثال
هذا يحفظ الأمة من الوقوع في
براثنهم ، دون تسليط الضوء على
أعيانهم ، وعلى مبدإ سيدنا
المصطفى صلى الله عليه وسلم " ما
بال أقوام " . فهؤلاء
يعيشون تحت لواء أهوائهم ،وعمل
الإنسان بهواه نوع من عبادة
الذاتِ تذكرنا به الآية الكريمة
" أفرأيت من
اتحذ إلهه هواه " .
فالمحب لذاته لا يهوى شيئا
إلا ركبه . ولا خطر على باله ما
يهواه إلا فعله واستحسنه . فإذا
استحسن شيئا وهويه اتخذه إلها .
قال سعيد بن جبير : كان
الجاهليون يعبدون الحجر ; فإذا
رأوا ما هو أحسن منه رموا به
وعبدوا الآخر . وقال مقاتل : نزلت
الآية القرآنية " أفرأيت
من اتخذ إلهه هواه .. " في
الحارث بن قيس السهمي أحد
المستهزئين , لأنه كان يعبد ما
تهواه نفسه . وقيل : المعنى
أفرأيت من ينقاد لهواه ويجعله
معبوده ؟! واهاً لذوي العقول
الضعيفة . - قال الشعبي : إنما سمي
الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في
النار . وقال ابن عباس : ما ذكر
الله هوى في القرآن إلا ذمه , قال
الله تعالى : " .... واتبع
هواه فمثله كمثل الكلب " [
الأعراف : 176 ] . فشبه
من اتبع هواه بالكلب . وقال
تعالى : " واتبع
هواه وكان أمره فرطا " [
الكهف : 28 ] .فخسر
وضاع عمله هباء منثوراً .
فمن غلب عليه هواه كان ظالماً
لنفسه . وقال
تعالى : " بل
اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير
علم فمن يهدي من أضل الله
" [ الروم : 29 ] .
ومن اتبع هواه سلك سبيل الضلال
. - وقال عبد الله بن عمرو بن
العاص عن النبي صلى الله عليه
وسلم : " لا
يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا
لما جئت به " فمن اتبع
هواه لم يكن من المسلمين . وقال
أبو أمامة : سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقول : " ما
عبد تحت السماء إله أبغض إلى
الله من الهوى " والنفس
الضالة صنو الشيطان . وقال شداد
بن أوس عن النبي صلى الله عليه
وسلم : " الكيس
من دان نفسه وعمل لما بعد الموت .
والفاجر من أتبع نفسه هواها
وتمنى على الله " . وقال
عليه السلام : " إذا
رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا
ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي
برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك
أمر العامة " . وقال صلى
الله عليه وسلم : "
ثلاث مهلكات وثلاث منجيات
فالمهلكات شح مطاع وهوى متبع
وإعجاب المرء بنفسه . والمنجيات
خشية الله في السر والعلانية
والقصد في الغنى والفقر والعدل
في الرضا والغضب " . - أما
أبو الدرداء رضي الله عنه فمن
حكمه المنثورة : إذا أصبح الرجل
اجتمع هواه وعمله وعلمه ; فإن
كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم
سوء , وإن كان عمله تبعا لعلمه
فيومه يوم صالح . - ووتعال معي إلى الشعر ،
واسمع ما يرويه الأصمعي ، يقول :
سمعت رجلا ينشد : إن الهوان هو الهوى قلِبَ
اسمُه **** فإذا
هويت فقد لقـِيت هوانا وسئل ابن المقفع عن الهوى
فقال : هوان سرقت نونه , فأخذه
شاعر فنظمه وقال : نون الهوان من الهوى مسروقة
****
فإذا هِويتَ فقد لقيت هوانا وقال شاعرآخر المعنى نفسه
واللفظ نفسه مختلفاً قليلاً : إن الهوى لهُو الهوان بعينه **** فإذا هويت فقد كسبت هوانا وإذا هويت فقد تعبّدك الهوى
****
فاخضع لحبك كائنا من كانا ولعبد الله بن المبارك رضي
الله عنه أبيات رائعة تصف الهوى
: ومن البلايا للبلاء علامة ٌ
**** ألاّ يرى لك عن هواك نزوع فالعبد عبد النفس في
شهواتها *** والحر يشبع تارة
ويجوع ولابن دريد شعر لطيف ينهي
فيه عن الهوى
: إذا طالبتك النفس يوما
بشهوة ****
وكان إليها للخلاف طريق فدعها وخالف ما هويت فإنما ****
هواك عدوٌ والخلاف صديق ولأبي عبيد الطوسي بيت ظريف
يقول فيه : والنفس إن أعطيتها مناها ****
فاغرة ٌ نحو هواها فاها وقال أحمد بن أبي الحواري :
مررت براهب فوجدته نحيفا فقلت
له : أنت عليل ؟. قال نعم . قلت
مذ كم ؟ قال : مذ عرفت نفسي ! قلت
فتداوَ قال
: قد أعياني الدواء وقد عزمت على
الكي . قلت وما الكي ؟ قال
: مخالفة الهوى . وقال
سهل بن عبد الله التستري : هواك
داؤك . فإن خالفته فدواؤك . وقال
وهب : إذا شككت في أمرين ولم تدر
خيرهما فانظر أبعدهما من هواك
فأته وحسبنا في هذا الباب قوله
تعالى : " وأما
من خاف مقام ربه ونهى النفس عن
الهوى . فإن الجنة هي المأوى " [
النازعات : 40 - 41 ] . يقول أهل التفسير: إن أبا
جهل طاف بالبيت ذات ليلة ومعه
الوليد بن المغيرة , فتحدثا في
شأن النبي صلى الله عليه وسلم ,
فقال أبو جهل : والله إني لأعلم
إنه لصادق ! فقال له مه ! وما
دليلك على ذلك ! ؟ قال : يا أبا
عبد شمس , كنا نسميه في صباه
الصادق الأمين ; فلما تم عقله
وكمل رشده , نسميه الكذاب الخائن
! ! والله إني لأعلم إنه لصادق !
قال : فما يمنعك أن تصدقه وتؤمن
به ؟ قال : تتحدث عني بنات قريش
أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من
أجل كسرة , واللات والعزى إنْ
اتبعته أبدا . فكان مقدّمة من
عبد هواه وسقط في حمأة عذاب جهنم
. فكان فرعون هذه الأمّة . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |