ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 09/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مراجعات فكرية (9)

الاختلاف في الرأي: بين الهدم والبناء

د نبيل الكوفحي

Nabil_alkofahi@hotmail.com

لكل إنسان عقله وفكره، وطبيعته التي نشأ عليها، إلا أن بعضنا لا يقبل لبعض الأشخاص طرح الأفكار الخاصة بهم، وكأنه يقاتل من اجل فرض رأيه وطريقة تفكيره على الآخر، فالاختلاف سنه كونية، ونعمة منه أن جعل لنا عقولا وفكرا وحرية اختيار، فاختلاف الآراء وتباين الأفكار أمر طبيعي في واقع البشرية مسلمين وغير مسلمين، فلا تخلو ساحة من ساحات المعرفة من تعدد الآراء والنظريات، يقول تعالى في سورة هود - 118 ( ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة، و لا يزالون مختلفين).

وللخلاف أسباب كثيرة: منها الظروف التي يعيشها البشر وبيئاتهم الثقافية والاجتماعية ومستوى وعيهم وثقافتهم وتجاربهم في الحياة، بالإضافة إلى اختلافهم في العمر والخبرة في الحياة، وتنوع زوايا النظر ومنطلقات البحث، والتكوين الذهني والنفسي لكل شخص، ومنها الاختلاف الناتج عن الظروف المحيطة،  فقد يكون هناك أكثر من رأي وكل رأي منها صحيح ومنطقي، مع إنها قد تكون متضاربة في الوقت نفسه، وسببه أن هذا الرأي قد يصح لظرف وموقف محدد ولا يصح لموقف وظرف آخر.

ليس صحيحاً أن يفسر وجود اختلاف حول الموضوع الواحد على أنه حالة سلبية، بل ربما تكون حالة إيجابية، ففي ذلك فوائد كثيرة وكبيرة، فأحكم الناس من جمع إلى عقله عقول غيره، فيستفيد من آرائهم التي تدعم رأيه، أو قد تكون مختلفة مع رأيه فيستفيد في تصحيح بعض آرائه وأفكاره الخاطئة، وهذا يتم ان أحسنا إدارة الخلاف في الرأي واستخلصنا عين الصواب من الآراء في أي نقاش يجري بين الأفراد.

القراءة المتأنية للقرآن والسيرة النبوية تكشف عن منظومة من الحقائق والمفاهيم الراقية، فالله تعالى لم يفرض الإيمان به على خلقه بالإجبار، بل أودعهم عقولاً تقودهم نحوه وفطرة ترشدهم إليه، وبعث لهم أنبياء يدعونهم إليه، ثم ترك للناس حرية الاختيار في هذه الحياة، يقول تعالى في سورة الكهف-29﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾. وفي سورة الإنسان-3: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾، وهذا يقودنا إلى تربية فكرية عملية تدعم هذا الحق وهذه الميزة الإنسانية في الإسلام .

عانى الإنسان ولا زال يعاني من نوعين من محاولات الاستعباد والتسلط (العبودية والاحتلال): استعباد لجسمه يقيّد حركته ونشاطه، وتسلط على فكره يصادر حرية رأيه، وحقه في التعبير عنه، وإذا كانت مظاهر الاستعباد المادي الفردي قد تقلصت، فإن ممارسات الوصاية الفكرية لا تزال واسعة النطاق، خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تمارسها الأنظمة الحاكمة، كما تبتلى فيها المجموعات أحياناً.

بالرغم أن الله تعالى قد منح الإنسان عقلاً ليفكر به، وإرادة ليقرر ويختار، فلا زال البعض يحاول حرمان الآخرين من استعمال هذه المنحة الإلهية واستثمارها، فيمارسون الوصاية على عقول الآخرين وإراداتهم، ومن تجرأ على المخالفة، ومارس حرية التفكير وحق الاختيار لما اقتنع به من رأي، فله منهم الويل والأذى، وهذا يرتبط بمسلكيات شخصية كما يرتبط بمنهجية إدارة الحوار الاختلاف والتجمعات داخل التكوينات البشرية.

ولعلاج هذا الأمر وتحويله من عامل هدم الى عامل بناء، فمن أهم المبادئ التي يجب أن نتذكرها: أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، وهناك قواعد وأسس للحوار الهادف ينبغي أن تعلم وتقنن ويتم التدرب عليها: كمراعاة حرية الرأي وعدم الاستبداد به أو فرضه على الآخرين، و مراعاة استمرار وبقاء الود والتواصل بين الأفراد المتحاورين، و يلزم مراعاة عدم الاستخفاف بآراء الآخرين وأفكارهم مهما كانت خاطئة، والالتزام بالموضوعية في النقاش خاصة عندما تكون أطراف النقاش من طبقات أو أعمار أو فئات مختلفة، ناهيك عن مراعاة الآداب الخاصة بالحوار، كالاستماع  والإصغاء أولاً للأكبر سناً أو أكثر خبرةً وعلماً، إلى غير ذلك من الاعتبارات، وأخيراً لابد من الثبات على الرأي إذا كان صحيحاً وعدم التنازل عنه إرضاءً للآخرين أو خوفاً منهم أو تملقاً أو مجاملةً لهم، مع الالتزام بالقرار المجمع عليه بمنهجية صحيحة بعيداً عن الاختزال والمعلومات المضللة والترهيب والوصاية الفكرية.

يقول الإمام البنا في رسالة دعوتنا: هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخالف بعضهم بعضا في الإفتاء فهل أوقع ذلك اختلافا بينهم في القلوب؟ وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم؟ اللهم لا وما حديث صلاة العصر في قريظة ببعيد. ... وإذا كان هؤلاء قد اختلفوا وهم أقرب الناس عهدا بالنبوة وأعرفهم بقرائن الأحكام، ... فلم لا يسعنا ما وسعهم؟

ويؤكد البنا السلوك السوي مع المخالفين فيقول: يعلم الإخوان المسلمون كل هذه الحيثيات، فهم لهذا أوسع الناس صدرا مع مخالفيهم، ويرون أن مع كل قوم علما، وفي كل دعوة حقا وباطلا، فهم يتحرون الحق ويأخذون به، ويحاولون في هوادة ورفق إقناع المخالفين بوجهة نظرهم. فإن اقتنعوا فذاك، وإن لم يقتنعوا فإخوان في الدين،. .. ويكرهون التعصب للرأي، ويحاولون الوصول إلى الحق، ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب.

ولتجنب كثير من الخلاف ينبغي أن تكون هناك قواعد وأسس للقيادة واتخاذ القرارات، يقول الراشد في فضائح الفتن: ويلاحظ في أمر الخلاف أنه كلما كان فكرنا واضحاً وقواعدنا الإدارية واضحة: قل الخلاف جداً، وكلما كان التعميم: كثر التأويل، ويدعي كل واحد أن شرحه وتفسيره هو الصحيح، فالوضوح وتخصيص الدلالات هو ضمانة ضد الفتن أكيدة... ما أحلى النصوص المرنة الفضفاضة في أيام التحابب، لكن الخلاف إذا اشتد فإنها تكون مصدر متاعب.

ويستطرد حول بعض أشكال المعالجات المتبعة فيقول: فإن الحلول التوفيقية لقضايا الفتن لن تفعل شيئاً سوى أنها تؤخر انفجار الموقف... إنها كمثل قربة مخرمة كثيرة الثقوب، لا تدري بعد ترقيعها متى تفتق عليك وترش ماءهَا؟...

ويوجه القيادة لحقيقة الحزم في إدارة الجماعات فيقول: إن لغة الشعر لا تصلح لدار القضاء. ... فإذا خالفت مجموعة بقية الجماعة فإن صيغة الموازنات والإرضاء قد تكون فاشلة أحياناً، ومن الخطأ أن يُحل الإشكال بتأمير رجال من هؤلاء يزاحمون البقية، ففي ذلك تكريس للخلاف، وفيه إغراء لا للمخالف فقط في أن يسخّر كل طاقاته الإبداعية لمعاندة الآخرين وإظهار خطأ مذهب الأكثرية، ... إنها معادلة صعبة، والفصل مع قسوته قد يكون أفضل وأكثر تحقيقاً لمصالح الجماعة.

وينبغي تحمل أذى الآخرين في حالة وقوع الخلاف، يقول الراشد في الرقائق: وعى الإمام حسن البنا – رحمه الله – فَن زراعة أشجار الإيمان ، فغرس لك الشجرة العاشرة ، وهي شجرة الحِلم ، و صفها مخاطباً الدعاة فقال : كونوا كالشجر، يرميه الناس بالحجر ، و يرميهم بالثمر. .. إن قصص الخلاف و (الظلم الأخوي) تكشف الحاجة القصوى إلى عملية إعادة التربية وتزكية النفوس، فان الأهواء وجدت لها مسرحا.

والنفس إن صَلحتْ: زكتْ، وإذا خَلتْ        من فطنةٍ لعِبتْ بها الأهواءً

لولا النميمةُ لم يقع بين أمرىء            وأخيه من بعد الوِدادِ عِداءُ

إن من أشد الأمراض التي فتكت بالمجتمعات الإسلامية هي أمراض القلوب المتمثلة: بالحسد والحقد والغيبة واغتيال الآخرين...، يقول الراشد في فضائح الفتن: يريد البعض أحياناً تحطيم أحد يضيقون به ذرعاً، لحسد أو غيره، فتثار حوله التهم،... إن أشنع الظلم أن تتخذ من أخ لك هدفاً وتجمع الناس والجموع ليرجموه معك.... نحن دعاة، لم نجتمع ليَكره بعضنا بعضا، وإنما اجتمعنا لنتعاون على مشقة الطريق، قال تعالى (والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ