ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 12/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مراجعات فكرية (10)

منظومة القيم: البنية التحتية للجماعة المسلمة

د نبيل الكوفحي

Nabil_alkofahi@hotmail.com

تفسخ وضمور القيم من أخطر الامراض التي يمكن أن تصيب الامم والمجتمعات والجماعات، وتؤثر عليها وتأتي على بنيانها من القواعد فيخر السقف عليها لا قدر الله، القيم قام عليها هذا الدين وقامت عليها هذه الجماعة المباركة، لا بد ان نعمل جميعاً - الصحيح منا والسقيم- على علاجها، واعتبارها عارضاً أصابنا وهو الى زوال ان شاء الله، ان أخلصنا القصد وأحسنا العمل.

يقول سيد قطب في معالم في الطريق: تقف البشرية اليوم على حافة الهاوية، لا بسبب التهديد بالفناء المعلق على رأسها، فهذا عَرَضٌ للمرض وليس هو المرض، ولكن بسبب إفلاسها في عالم " القيم " التي يمكن أن تنمو الحياة الإنسانية في ظلالها نموًا سليمًا وتترقى ترقيًا صحيحًا . وهذا واضح  كل الوضوح في العالم الغربي ، الذي لم يعد لديه ما يعطيه للبشرية من " القيم" ، فكم مِن القتلى! كم منَ الجرحى! كم من التدميرِ يمارَس اليوم باسمِ الحريّة والحفاظ على حقوق الإنسان!

القِيَم هي المبادئ الخلُقِيّة التي تُمتَدَح وتُستَحسَن، وتُذَمّ مخالفتها وتُستَهجَن، والشيء القيِّم الذي له قيمةٌ عظيمة وأعظم القِيَم وأساسُها الإيمان بالله تعالى، والتربية ينبغي ان تقوم على هذه الاسس، الم يكن أعظم مدح الله لنبيه (وانك لعلى خلق عظيم)! ووصفته أمُّ المؤمنين عائشةُ – رضي-  فقالت : " كان خُلُقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم القرءان "، وقالت : كان أحسن الناس خلقاً ، لم يكن فاحشاً ،ولا متفحشاً ، ولا سخاباً بالأسواق ، ولا يجزئ بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح" .فأين نحن من ذلك؟

انها النفس الانسانية التي ينبغي تربيتها وانقيادها للحق، وهي تستمع لقوله تعالى في سورة الشّمس ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها * وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها﴾، وهي تفهم قوله صلى الله عليه وسلم ( إن من أحبكم إليّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليّ ، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون ، والمتشدقون ، والمتفيهقون) بأنه توجيهاً وتحذيراً لنا، وهي تتذكر قول الشّاعر:

وإنما الاُمم الأخلاق ما بَقيتْ              فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذَهبوا

وضع الامام البنا في اركان البيعة بعض الاسس للبنية التحتية للجماعة، وجعلها معياراً لمدى الالتزام والصدق حيث قال في رسالة التعاليم: ايها الاخوان الصادقون: أركان بيعتنا عشر فاحفظوها: الفهم و الإخلاص و العمل و الجـهــاد و التضحية و الطاعة و الثبات و التجرد و الأخـوَّة و الثقة.

رسَّخت الدعوةُ الإسلامية القيَم، وانتشرت بها، وتغلغلت في النفوس بما تحمِل منها، في كل مناحي الحياة. فكيف انتشر الإسلام في جنوب شرق آسيا؟ أليس بقيم التجار المسلمين! فالقيم مهمة للفرد والجماعة  والمجتمع، وهي كثيرة  كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد والإخلاص والعدل والعفة والشجاعة والاستقامة والفضيلة والحلم والتواضع والحكمة وغيرها التي تنظم العلاقة بين الأفراد، والمجتمع وغيره من المجتمعات ، ومنها التعاون والتكافل، قال عليه الصلاة والسلام : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)،

يأمرنا ويعلمنا الله جل علاه بقوله (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، ولنا بعد رسول الله –ص- قدوة حسنة في الإمام البنا حيث يقول: ( إن الناس يعيشون في أكواخ من العقائد البالية ، فلا تهدموا عليهم أكواخهم ، ولكن ابنوا لهم قصورا من العقيدة السمحة ، وعليه فسوف يهجرون هذه الأكواخ إلي هذه القصور ). فالرسول - صلى- الذي لم يبدأ بهدم الأصنام إلا بعد أن حطمها في نفوس عابديها ، وظل يصلي عند الكعبة وحولها الأصنام ، إلي أن جاء النصر المبين فهدمها أصحابها بأنفسهم .

لهذا الدين منهج للتعامل مع الاخوة (أذلة على المؤمنين)، وطريقه الصدق ونقيضه الكذب، قوله - صلى-‏ ‏"‏ إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا‏"‏ ، الم يحذرنا النبي - صلى- حيث قال‏:‏ ‏"‏أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها‏:‏ إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر‏"‏.

والغدر والخيانة محرمان في ديننا، قال الله تعالى في سورة النساء ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً)، وقد أمرنا الوفاء بالعهد، بقوله في سورة الإسراء: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)، جاء في الحديث ((ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل). بل يتعدى ذلك الى الاخرين من الاعداء ان اعطيناهم العهد، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: من دخل إلى أرض العدو بأمان , لم يخنهم في مالهم , ولم يعاملهم بالربا.

عمليّة بناء القيَم وصيانتها عملية دائِمة مستمرَّة، شأنها فردي كما هو جماعي، يقول الراشد في فضائح الفتن: إن دارنا أيها الإخوان دار عمل وعبادة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتهذيب وتعليم، وإن تربيتنا تقوم على تعميق أساسيات الإيمان، من ترسيخ العلاقات الأخوية، وتعمير القلوب، وصون اللسان. نطرح الحسد ونقيم التكافل، ... لا نعرف الضغينة ولا نسمح بالغيبة.

واحسان الظن مطلوب، فيا ترى: كم ساعة عمل ضائعة هدرها الوقت المستهلك في استنباط الظنون؟ ونسينا قوله تعالى (ان بعض الظن اثم)، واذكر اخواننا ببعض محاسن جماعة التبليغ: أن أحداً منهم إذا وقف ليعظ الناس: رفع أصحابُه أكفهم يدعون له أن يصيب القول وأن يهبه الله البلاغة. وليت كل دعاة الإسلام يفعلون ذلك إذا تكلم إخوانهم، لكن إغراء الشيطان في ظروف الفتن ربما يجعل اللجوج المماري يتمنى إذ تكلم أخوه المخالف له في اجتهاده أن يتلعثم ويطيش، وينسى النحو والفصاحة، الا يقرؤن للامام الشافعي اذ يقول: ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الحق على لسانه.

ومن القيم ان نشكر ونتغافر ونقول: جزى الله خيراً كل من انتقد و صوب وذكَر، وغفر الله لمن نسي الحق ونزغ به الشيطان قليلاً، ونحسن الظن ببعض من أخطأ الطريق ومال عن الوجهة بغية قصد الحق، يأمرنا بذلك رب العزة بقوله ( ادفع بالتي هي أحسن)، ونجده في سيرة الامام علي - رضي - حينما سئل عن الخوارج، أكفار هم؟ قال : من الكفر فروا، أوَ منافقون هم؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله الا قليلا، وهولاء يذكرون الله كثيرا، ثم ذكَرَ بالقاعدة الذهبية فقال: ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه.

إن التقوى تدعونا إلى أن نتحكم بألسنتنا، ( وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصائد السنتهم)، ولا ننسى إن حزن القلب إزاء الإساءة فطرة، وفي تعزية الله تعالى لرسوله - صلى- عبرة، (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون)، فكيف بمن هو أقل: مثلنا؟ وكيف إذا كانت الإساءة من مسلم، بل من أخ لك في الصف؟، وعلى كل تلميذ (أن يستعين بطبيب ماهر، فانه ليس كل أحد يستطيع أن يرى الأشواك التي تصيب القلوب، وليس كل من يراها يستطيع أن يقتلعها)، فنحن مدعوون أن نصعد ربوة الإنصاف ( فان من رَقِيَ الى هذه الربوة بعين لا قذى بها: أبصرَ الحق عِياناً بلا مِرية، وأخبرَ عنه بلا فرية)، قال تعالى (ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى).

أليست الأخلاق معياراً لقبول العبادات؟  ( ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، سئل الرسول- صلى- عن امرأة أنها كثيرة الصلاة والصيام لكنها تؤذي جيرانها قال : هي في النار)، وعنه قال ( لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين)،

ان الحفاظ على هذه المنظومة القيمية ودوام التذكير بها، والزام العاملين للاسلام بها، وتطوير آليات تطبيقها، هي مهمة رئيسة للقيادة على كل مستوياتها، ورسالة جليلة للدعاة المؤثرين، لا بد من الحرص عليها بالقلوب والعقول، فهي الاساس من البناء الذي يبنى عليه ما فوقه، فان صلحت استقام ما عليها، وان ضعفت، انهار وتهدم، وهي من عدة النصر والتمكين ( فانما تنصرون بطاعتكم لله، وعصيان عدوكم له)، ومن ضعفت فيه من المسؤولين لزمته العناية المركزة، والا فالتنحي عن الامامة، فان أثره على غيره بالغ وخطير. يقول البنا رحمه الله: اني والله لا أخشى عليكم الدنيا مجتمعة، ولكن أخشى عليكم أمرين اثنين: أن تنسوا الله فيكلكم الى انفسكم، وأن تنسوا أخوتكم بينكم فيصير بأسكم بينكم شديد، اللهم ان هذه تذكرة للمؤمنين نكتب لهم امتثالاً لقولك تعاليت (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين)، اللهم فأشهد.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ