ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هل
يوشك سعد الحريري أن يقول: خذوا
رئاسة الحكومة! فلن أفرّط في دم
أبي؟ الطاهر
إبراهيم* توقع
كثير من المراقبين ألا يطول شهر
العسل بين دمشق وبين رئيس
الحكومة اللبنانية "سعد
الحريري"، نظرا للإرث المثقل
بالتجاذبات على مدى أربع سنوات،
على خلفية اغتيال الشهيد "رفيق
الحريري"، واتهام دمشق -بشكل
أو بآخر- بالضلوع بهذا الاغتيال.
ربما
اعتقد رئيس الحكومة اللبنانية
"سعد الحريري" أن اللقاءات
التي تمت بينه وبين الرئيس
السوري "بشار أسد" كانت
كافية لتصفية العلاقات والقلوب.
ولكن! ربما كان على الحريري "الإبن"
أن يكون ملماً بالحد الأدنى من"ألف
باء" أجندة الحكم في دمشق
التي صاغها ورسخها الرئيس
الراحل "حافظ أسد"، وهي
الأخذ ثم الأخذ.. من دون عطاء، ما
أمكنه إلى ذلك سبيلا. ربما
اعتقد "الحريري" أن تبرئته
دمشق سياسيا هو خاتمة التنازلات
التي كان عليه أن يدفعها ،وأنه
جاء الدور على دمشق كي تَحْمِل
حليفها حزبَ الله على وقف
الاستفزازات التي جعلت حكومة
"سعد الحريري" اسماً بلا
مسمى. هنا
يثور سؤال افتراضي عما إذا كانت
دمشق قد فرضت شروطا على سعد
الحريري عندما استقبلته كرئيس
للحكومة اللبنانية لأول مرة؟
صورة الابتسامة في وجه الرئيس
السوري وهو يستقبل الحريري في
بهو القصر بعفوية بعيدا عن
الرسميات كانت تقول إن كلاً من
الرئيسين أقبل على صاحبه دون
شروط مسبقة. لكنْ ربما كانت
اللقاءات داخل الكواليس تضمنت
نوعا من التلميح والمطالبة
بإزاحة المحكمة التي كانت تؤرق
دمشق عن الطريق.
التسريبات
التي ذكرت أن القرار الظني الذي
ستصدره المحكمة الدولية الخاصة
بلبنان سوف يتهم أفراداً من حزب
الله باغتيال الشهيد "رفيق
الحريري" جعل الأجواء تتعكر
في لبنان إلى حد بعيد. وربما كان
يُظن للوهلة الأولى أن اتهام
حزب الله باغتيال الحريري قد
يريح دمشق ، لأنه سيبعدها -ولو
مؤقتا- عن دائرة الاتهام. غير أن
مراقبين أكدوا عكس ذلك. فالقرار
الظني الذي سيصدر عن المحكمة
الخاصة سوف يربط، فيما لو صحت
التسريبات، بشكل أو بآخر بين
عناصر من حزب الله وبين مسئولين
سوريين كانوا في لبنان، وعلى
رأسهم العميد "رستم غزالي"
الذي خَلَفَ العميد "غازي
كنعان" في لبنان كقائد لمفرزة
الاستطلاع في مركز القيادة
السوري في "مجدل عنجر"،وهذا
ما يجعل دمشق تدخل في دائرة
الاتهام. هؤلاء
المراقبون يبررون طرحهم: إنه لا
يعقل أن تتم عملية اغتيال بحجم
العملية التي أودت بحياة رئيس
حكومة لبناني بحجم "رفيق
الحريري" الذي تطايرت شهرته
خارج لبنان وخارج المنطقة
العربية، ثم لا يعلم "رستم
غزالي" الحاكم الفعلي في
لبنان، بالتخطيط والتنفيذ
لعملية الاغتيال، هذا إن لم يكن
هناك ضلوع في الاغتيال لمسئولين
سوريين من داخل سورية.
كما
ذكرنا في مقال سابق، فإن دمشق لم
تطمئن لتبرئة "سعد الحريري"
لساحتها سياسيا. فهذه التبرئة
السياسية "عُملة" غير
قابلة للصرف في المحكمة وفي
الأمم المتحدة. لذا طالبت دمشق
"سعد الحريري" بإبلاغ
الأمم المتحدة، كرئيس للحكومة
اللبنانية وكوليٍ للدم، بأن
لبنان يطالب بشطب المحكمة،
الأمر الذي لا يستطيعه "سعد
الحريري" حتى لو أراد ذلك
شخصيا. إذ أنه كولي للدم له
شركاء هم أولياء دماء الذين
اغتيلوا مع "رفيق الحريري"
وبعده. كما أن رموزا في تيار
المستقبل وقوى 14 آذار في لبنان
يرفضون هذا الطرح جملة وتفصيلا. بعض
فرقاء 14آذار ربما برروا للشيخ
"سعد الحريري" إعلانه
براءة دمشق بسبب الضغوط التي
مورست عليه. غير أن البعض الآخر
كانوا يعتقدون أنه كان عليه أن
يعتصم بالصمت، حتى لو تضرر
التقارب الهش مع دمشق. لأن هذه
التبرئة السياسية، -التي لا
يمكن حصرها بتعريف محدد- سوف
تفتح عليه أبوابا من الطلبات
السورية يصعب غلقها بسهولة. وربما
"زاد طينُ سعد الحريري بلّة"
أنه تطرق لشهود الزور، الأمر
الذي لم يكن مضطرا له على كل حال.
فقد فتح ذلك أمام حزب الله ثغرة-وإن
كانت ضيقة- ينفذ منها إلى
المحكمة الدولية. وحتى دمشق
التي لم تحصل من سعد الحريري على
براءة كاملة، فقد ركبت موجة
شهود الزور لتُجْهز –بدورها-
على المحكمة. ما صُرح
به عن شهود الزور أصبح أمرا
واقعا، ولم يعد ينفع معه أن يقول
"سعد الحريري": "يا ليت
اللي جرى ما كان". لكنْ عليه
أن يفكر مليا قبل الإقدام على أي
خطوة غير محسوبة ، لأن خصومه في
لبنان وعلى رأسهم حزب الله
يتربصون به الدوائر بالحق
وبالباطل، ولن يدَعوا له فسحةً
زمنية يلتقط فيها أنفاسه ويعيد
ترتيب أولوياته. ولأنه مطلوب
منه تيسير أمر المعيشة اليومية
للمواطن اللبناني، فسوف يجد
أمامه مطبا في كل زاوية وكل
منعطف. لن يكون
الأمر سهلا على "سعد الحريري".
فحزب الله بلغ به الاعتداد
بقوته أنه يرفض قرار المحكمة
الظني، بغض النظر عن صوابه
أوخطأه. فهذا الدكتور "حبيب
فياض" من حزب الله ،وفي
مقابلة له مع تلفزيون المستقبل
مساء يوم11 تشرين أول يقول: "إن
حزب الله لن يسمح للقرار الظني
بالصدور".. هكذا. وهو لم يستثن
كأن يقول إلا إذا كان محقا. رد
عليه الضيف الآخر، الدكتور "أحمد
فتفت": "أما نحن في تيار
المستقبل فعندما يصدر القرار
الظني، فسنقبل به ما لم يكن
قراراً مسيّساً". وهذا أنموذج
مصغّر لما يفكر به حزب الله وما
يقوله. سورية،
هي الأخرى، وقد أخرجت من لبنان
في 26 نيسان 2005 على خلفية اغتيال
"رفيق الحريري" لن تترك
فرصة العودة إليه. فلبنان يعتبر
آخر أوراقها التي تحاول أن
تساوم عليها إقليميا ودوليا.
عدا عن أن وجودها في لبنان أو
قريبا من قراره سوف يجعل من
الصعب أن يتم تمرير قرارات
للمحكمة الخاصة تجعلها تحت سيف
الإدانة. أكثر ما
تخشاه قوى 14 آذار أن تعمل واشنطن
على بيع لبنان من طهران، كما زعم
البعض أنها باعت العراق
بموافقتها على تكليف "نوري
المالكي" المدعوم من طهران
برئاسة حكومة العراق مرة ثانية
بحجة أنه أقدر من "إياد علاوي"
لأن الأول يحظى برضا أغلبية
الشيعة في العراق. وقد قيل إنه
لولا موقف أمين عام الأمم
المتحدة "بان كيمون"
الحازم في وجه إدارة "باراك
أوبامإ" لكان قد تم شطب
المحكمة الدولية، بحجة تجنيب
لبنان المشاكل التي يتهدد بها
حزب الله خصومه. (يراجع بهذا
الخصوص مقال كتبته "راغدة
درغام" في الحياة اللندنية في
8 تشرين أول الجاري". تحت
ضغوط دمشق واستفزازات حزب الله،
لن يكون مفيدا أن يبادر رئيس
الحكومة "سعد الحريري" إلى
الاستقالة، فهو رئيس حكومة
منتخب. وعليه أن يبقي هذه
الاستقالة سلاحا بيده يستعمله
عندما تفشل كل الطرق السياسية
لاحتواء الضغوط، "فإن آخر
الدواء الكي". كما أن عليه
ممارسة دوره كرئيس للحكومة
بكامل صلاحياته، حتى لو وضعت
العصي في عجلات سيارة الحكم،
لأنه من المفترض أنه قد وطّن
نفسه على ذلك عندما قبل التحدي
وتسلم رئاسة الحكومة. يبقى أن
نقول أنه من المستبعد جدا أن
يطلب "سعد الحريري" إلغاء
المحكمة الدولية الخاصة، لأنه
لو فعل فلن يستطيع بعد ذلك أن
يتصدى لأية قضية لبنانية أخرى
ذات مصداقية.
ــــــ *كاتب
سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |