ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إرادة
... وإدارة... وأدوات عمل معن
بشور
لم أكن يوماً من أنصار نظرية
"المؤامرة" لتفسير التردي
في الواقع العربي الراهن، لأنني
كنت دائماً أخشى أن يكون
الاستسلام لهذه النظرية محاولة
للتهرب من الإقرار بمسؤوليتنا،
كأنظمة وقوى شعبية، عن ما نحن
عليه من تشرذم وضعف وتراجع على
مستويات عدة، وأن تكون نظرية
"المؤامرة" مجرد مشجب
نعلّق عليه هزائمنا
وانقساماتنا وعجزنا عن مواجهة
التحديات الكبرى أمامنا.
ولكنني في الوقت ذاته لم
أحاول يوماً التخفيف من أثر
التدخلات الأجنبية في حياتنا،
والعوائق التي تضعها في وجه
تقدمنا ونهوضنا، خصوصاً وان
لهذه التدخلات عناوين صارخة في
حياتنا خصوصاً في العقود
الماضية بدءاً من
وعد بلفور، وسايكس بيكو،
وأشكال الاستعمار والانتداب
والحماية التي تعاقبت على أقطار
وطننا العربي من مشرقه إلى
مغربه، وصولاً إلى الحروب
المباشرة بدءاً من حرب اغتصاب
فلسطين عام 1948 وصولاً إلى حرب
احتلال العراق عام 2003 وما
بينهما من مشاريع وأحلاف وغزوات
متعددة الأسباب والأشكال.
لا بل كنت من الذين يعتقدون
انه كلما تراجع النفوذ
الاستعماري والصهيوني في
بلادنا كلما انفتحت أبواب
التضامن والتماسك، بل والنهوض
والتقدم أمام امتنا.
أليس ملفتاً مثلاً تزامن
عصر المد القومي العربي في
الخمسينات والستينات مع انهيار
الإمبراطوريتين الاستعماريتين
القديمتين على يد حركات التحرير
والاستقلال في وطننا العربي
وصولاً إلى فشل العدوان الثلاثي
الشهير (الإسرائيلي –
البريطاني – الفرنسي) على مصر
عام 1956 حين استطاعت قيادة
الزعيم الراحل جمال عبد الناصر
وحلفاؤها في حركة التحرر
العربية ان تحول
"الانتصار" العسكري لدول
العدوان إلى هزيمة سياسية مدوية
لهم.
وبالمقابل ألم يكن الصعود
"الإمبراطوري" الأمريكي
الذي ورث الإمبراطوريتين
الذابلتين ، والمترافق مع شوائب
وثغرات عدة
انتابت أداء أنظمتنا وأحزابنا،
مدخلاً لإطلاق
مرحلة طويلة من التراجع على
امتنا بدأت مع انهيار الوحدة
المصرية – السورية عام 1961،
وصولاً إلى تصاعد الصدام بين
تيارات الأمة
الرئيسية، وداخل التيار
القومي بالذات، مما أدى إلى
هزيمتنا عام 1967، والى نجاح
العدو الصهيوني في احتلال كامل
فلسطين ومعها سيناء العربية
المصرية والجولان العربي
السوري وصولا فيما بعد إلى غزو
عام 1982 لبنان
ومن ثم إلى احتلال العراق
وتدميره وهو الاحتلال الذي بات
محللون كثر يرون فيه قراراً
صهيونياً نفذته الإدارة
الأمريكية.
فإذا سلّمنا بعلاقة وثيقة
بين تنامي النفوذ الاستعماري
الصهيوني، وبين تردي واقعنا
العربي، دون إغفال الثغرات في
بنانا السياسية والاقتصادية
والاجتماعية،لأمكننا أن نتلمس
اليوم ضوءاً في آخر النفق
المظلم الذي تعيشه أمتنا مع
بروز تحولات ومؤشرات تشير إلى
ارتباك متصاعد داخل المركز
الامبريالي الأكبر والأقوى،
سواء على الصعيد الاقتصادي أو
الاستراتيجي أو العسكري أو
الأمني أو الأخلاقي بما ينبئ
بتحولات دولية هامة تعيد ترتيب
موازين القوى الدولية لغير صالح
"القطب الأمريكي الأوحد"،
بعدما سيطر هذا القطب على العام
كله، دون منازع، وعلى عقود
متتالية.
في هذا الارتباك، أو
الإرباك، لا يمكن بالطبع إلا أن
نتذكر دور المقاومة الباسلة
التي واجهها في العراق ويواجهها
في أفغانستان، كما لا يمكن أن
نتجاهل تراجعات إستراتيجية
لواشنطن في قارات عديدة، قريبة
وبعيدة، وبعد بروز قوى منافسة
على غير صعيد، خصوصًا في
الميدان الاقتصادي والتجاري. والتراجع
ذاته، بدأنا نلمسه على صعيد
المأزق المتعاظم للعدو
الصهيوني الذي لم يعد من السهل
عليه أن يخوض حروباً، دون أن
يحسب لها ألف حساب، لا سيما
بعد فشل حربه على لبنان عام
2006 في تحقيق أهدافها وبعد
"محرقته" في غزة في نهاية
عام 2008 وبداية عام 2009، التي كانت
نقطة تحول في اتساع الحركة
العالمية المنددة بعدوانه
واحتلاله وحصاراته وممارساته
الإجرامية العنصرية وهي حملة
بات خنقها هاجساً يومياً لدى
ابرز أركان العدو غلواً وتطرفاً
وغطرسة الذين يسعون إلى تحقيقه
بكل الوسائل التي يمتلكونها مع
حلفائهم. لقد ظّن
منظرو التوسع الإمبراطوري
الأمريكي مع نهاية القرن الماضي
مثلاً أن هذا
التوسع سيحمي اقتصاد بلادهم
وأمنها ويمكّنها من الإمساك
بمقدرات العالم كله ، فإذا
بمغامراتهم العسكرية تتحول إلى
عبء إضافي عليهم، وتقود إلى
نتائج معاكسة لما كانوا
يتوخونه، إلى درجة أن احد كبار
المحللين الاستراتيجيين
السابقين في المخابرات
الأمريكية شالميرز جونسون وفي
كتاب جديد له بعنوان "تفكيك
الإمبراطورية .. آخر حلم جيّد
لأمريكا" قد دعا إلى ضرورة ان
تفكك واشنطن كل قواعدها
العسكرية في الخارج أولاً
وعددها حوالي 800 قاعدة
وإلا فانها فستواجه فقراً
شاملاً وضعفاً كبيراً. إن دعوة
جونسون هذا تتكرر كل يوم داخل
النخب الأمريكية الثقافية
والسياسية بما فيها الدوائر
الحاكمة نفسها، حيث يتزايد
المروجون "لمبدأ مونرو"(1823)
القائل بانكفاء "العم سام"
إلى داخل بلاده.. في ضوء
هذه الرؤية يمكن القول إن
الظروف الموضوعية لعبور الأمة
ظروف النفق المظلم في اتجاه
الضوء المشّع هي اليوم أفضل مما
كانت عليه في السنوات السابقة،
لا سيّما إذا نجحت قياداتها
الشعبية والرسمية في توفير
الظروف الذاتية لهذا التحول
والمتمثلة أساساً
بالإرادة الصلبة والإدارة
الحكيمة وأدوات عمل سليمة في
مواجهة التحديات. فالإرادة
الصلبة ضرورية للتقدم بثبات على
طريق الخروج من واقع الإذعان
للاملاءات الخارجية، أما
الإدارة الحكيمة فضرورية
لتجاوز ما ينصب لأمتنا من شراك
وأفخاخ ومحاولات إيقاع بين
دولها، وداخل كل دولة، بل بين
أمتنا ودول جوارها الإسلامية
والإفريقية، بل بينها وبين
أحرار العالم والى أي حضارة أو
ثقافة أو ديانة انتموا، أما
أدوات العمل السليمة فهي التي
توفر الأقنية المناسبة لإطلاق
طاقات الأمة الكامنة بعيداً عن
الانغلاق والتحزب والتعصب
المقيت وعلى طريق عقلانية جامعة
قادرة على تحديد الأولويات. فالظروف
الدولية اليوم تماثل الظروف
التي عشناها في أواسط الخمسينات
وأوائل الستينات، والنظام
الدولي الذي يتشكل اليوم على
قاعدة تعددية قطبية على الصعيد
الدولي، كما على الصعد
الإقليمية حيث تبرز دول إقليمية
كبرى، يسمح لامتنا أن تحرز
تقدماً معقولا
سواء على مستوى ترتيب بيتها
الداخلي أو على
مستوى مقاومة الاحتلال
وإفرازاته بكل مستوياتها، أو
على صعيد استثمار مواردها
وطاقاتها لممارسة تأثير اكبر
على الصعيدين الإقليمي والدولي. قد يبدو
هذا التقدير متفاءلاً بعض الشيء
للوهلة الأولى، لكن من يقرأ
تاريخ التحولات الايجابية في
تاريخنا العربي المعاصر يلاحظ
أن هذه التحولات كانت تحصل
غالباً في ظروف يغلب عليها
التردي والتشاؤم، ألا أن
تلاقي "الذاتي"
متمثلاً بالإرادة الصلبة
والإدارة الحكيمة
وأدوات العمل المناسبة مع
"الموضوعي" المتمثل
بالمتغيرات الإقليمية والدولية
كان يحقق اختراقات هامة. واليوم،
حسب اعتقادي ، فالظروف مهيأة
لاختراقات عربية على أكثر من
صعيد سواء في مواجهة التحديات
الخارجية أو في مجال البناء
الداخلي خصوصاً إذا تلاقت القوى
العربية ، شعبية أولاً ورسمية
ثانياً، على مشروع محّدد
للنهوض، واعتمدت في تحقيقها
لأهدافها أسلوب التدرج
التراكمي الذي يتيح لنا
الانتقال من تقدم في الكم إلى
تطور في النوع، كما يقول أهل
الديالكتيك. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |