ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 25/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

إغلاق القنوات الفضائية الإسلامية:

أحرامٌ علي بلابله الدوح، حلالٌ للطير من كل جنس؟.

أ.د. ناصر أحمد سنه*

علي مدار عصورها، وسجل تاريخها الشفاهي والكتابي، خاضت البشرية حروباً مادية/ ومعنوية إعلامية تستعصي علي الحصر. وليس كل الحروب وسائلها حربية بل من وسائلها ـ الدفاعية والهجومية في آن معاً ـ اللغة والبيان واللسان.. والإعلام. ولأن الخير والشر في هذه الدنيا لا ينفصلان، فلا نكاد نتصور الخير فيها، إن لم نتصور شراً بجانبه، فعـندما تطلع الشمس علي أمُّة شاكية مظلومة، فأين السعادة إذن، وأين الهناء؟، وأين ذوي الحق الذي لا يُـنازعهم فيه منازِع، وأين تنافس الأقوياء وإقدامهم، وأين توحد الضعفاء وتأزرهم القوي، دفاعاً عن الحق؟ .. لعله قضاءً علي الناس بالموت، وفساداً للأرض، أن ينفرد بهم أحدهما ـ ولو كان الخيرـ من غير مغالبة من شرِ أو مجاذبة ظلمِ أو شن عدوان.. فترقب نصر أو خشية خذلان، ويتقبل الله الأخيار المتقين:" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ"(المائدة:27)، والأخيار قد يموتون، ولكن الخير لا يموت، والأشرار قد ينتصرون حيناً، والشر ليس إلي انتصار، كما أنه لا حق إلا بالتدافع علي الحق، وزوال النزاع موت، وزوال الحق باطل ومحال، وهذه سنة الكون والحياة (للمزيد راجع "مصطفي صادق الرافعي" : كتاب المساكين، دار الكتاب العربي، بيروت 1982م، ط 10).

التدافع إذن ـ وليس الصراع ـ بين الأفراد والمجتمعات والدول والأمم، تدافعاً وتمحيصاً بين الأخيار والأشرار، تدافعاً بين مذاهب الحياة، لبقاء الحياة، فضلاً من الله تعالي:"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين"َ(البقرة:251)، ويقول تعالي:"الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز"ٌ(الحج:40).

هذه تقدمة لابد منها كي توضع الأمور ـ ومنها أمر الإعلام، وإغلاق قنواته الإسلامية الملتزمة ـ في نصابها. فمنذ وقت ليس ببعيد اجتمع وزراء الإعلام العرب وأصدروا "وثيقة تنظيم البث الفضائي العربي"، ونالت ما نالت من جدل وتعقيب واستنكار. ثم يأتي ـ هذه الأيام ـ قرار بإغلاق ما يزيد عن عشرة قنوات فضائية إسلامية.. هل هذا هو ما يُقدم لمؤتمر القمة العربية الأول المزمع عقده، ليتناول مناقشة الشأن الثقافي العربي؟.

 

"ما أشبه الليلة بالبارحة" 

كانت فرنسا ـ من قبل، وما أشبه الليلة بالبارحةـ  ـ قد "أطفأت أنوار قناة الأقصى". قائلة لنا: هل صدقتم أننا "دعاة حرية التعبير عن الرأي"، و"الحوار المتبادل"، و"مقارعة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، والصورة بالصورة"، و"التعايش السلمي".. واهمون أنتم. هل بهرتكم شعارات الثورة الفرنسية.. "الحرية والإخاء والمساواة".. ساذجون أنتم. هذه لنا فقط، لعرقنا البيض الجرماني / الأنجلو سكسوني/ الصهيوني.  نحن الساسة ادري بالمصالح والمطامع، نرسل الشعارات، نسن القوانين نقلب السياسات وفق رأينا: (.. قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر: 29). لقد اختزلنا تضحيات الثوريين، ولنا كل الحق في اختزالها وتغييرها وفق مطامعنا الصهيو غربية. لقد كانت حقبة تاريخية وانتهت. لقد تغيرت شعارات "عصر الأنوار"، لتتوافق مع متطلبات رأس الحربة الصهيوني، شوكتنا التي في حلقومكم، خنجرنا الذي في خاصرتكم، طفلنا المُدلل "إسرائيل"، الذي وجوده من وجودنا، ويلبي إطماعنا في الثروات والطاقات والكفاءات، ودعم الدكتاتوريات.

لقد بات "الفضاء الإعلامي"، و"قنواته المتعددة"، و"الفضاء الإلكتروني"، وإمكاناته الهائلة عوامل فاعلة ـ ذات شأن كبيرـ في توجيه السياسات، وتنفيذ "الإستراتيجيات"، وكسب/ خسارة الانتخابات، والدعوة إلي الحملات والإضرابات والإعتصامات، ودعم الديكتاتوريات، وغض الطرف عن الانتهاكات، و"الترويج" للحروب التي نشنها عليكم،، ثم العمل لإزالة أثارها، وغسل أدمغة الناس من كراهية القاتل، وتحويلها إلي المقتول، الذي ممنوع عليه الصراخ، فكفاه شرفاُ أنه قُتل بأيدينا.. تريدون أن تنافسونا في هذا المجال..أغبياء أنتم.  

نعم هناك مناداة "بحرية التعبير عن الأفكار والآراء" بشرط أن لا يمثل طريقة ومضمون هذه الأفكار أو تلك الآراء ما يمكن اعتباره خرقا لقوانين وأعراف الدولة ويصاحب حرية الرأي و التعبير على الأغلب بعض أنواع الحقوق والحدود مثل حرية التفكير وحرية الصحافة و حرية التظاهرات السلمية. بالنسبة لحدود حرية الرأي و التعبير   التي ترسمها الدول فإننا نغيرها دوما وفقا للظروف التي نراها.

هل تريدون "تشكيل اتجاهات الرأي العام" المحلي العربي، والإقليمي الشرقي أوسطي، والدُولي العالمي، و"التأثير عليه" وفق أجندتكم أنتم؟. هل تريدون أن تري الشعوب، وبخاصة "رأينا المحلي" أشلاء الأطفال النساء والشيوخ ..مبتورة، مشوهة، تُستخرج من تحت المنازل التي نهدمها فوق رؤؤسكم، من تأثير أسلحتنا المحرمة (الفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، الخ" المباح استخدامها وتجريبها فيكم؟؟.

إن نقل تلك الصور للضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ (إننا لا نفعل ذلك عندنا مطلقاً)، لا يترك للمشاهد فرصة للهروب منها. تريدون إن تستصرخونه لـ"يحدد موقفه" منها عبر التعبير عن رأيه.. انتفاضا وتضامنا وتظاهرا وتعاطفا وكتابة مشافهة الخ.. وسنعمل علي وقف ذلك بكل السبل.

إنه زمن "التسلية المُخدرة"Tittytainment، ذلك المصطلح الذي نحته بريجنيسكي (مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق)، في سبتمبر 1995م،  والمأخوذ من كلمتين: Tit (حلمة.. حليب زائد)، و Entertainment (تسلية)، وأراد به: "خليطا من تسلية مخدرة، وتغذية مناسبة يمكن بهما تهدئة خواطر سكان المعمورة المحبطين من ظواهر العولمة". (هانس – بيتر مارتين، وهارالد شومان:" فخ العولمة"، سلسلة عالم المعرفة:238، أكتوبر 1998م، ص 27، الكويت).

إننا ليل نهار.. نسعى جاهدين برأسمالنا، وإغوائنا وإلهائنا.. لتغيير توجهات (إلا شرذمة قليلون ليس لها وزن ولا ثقل، متعاطفة معكم، ومع قضاياكم، وعما قليل سنجردهم من المواطنة، وننفيهم) وقناعات من نحتاجه فقط يوم التصويت في الانتخابات، ثم نفعل ما يحلو لنا لا ما يحلو لهم. إنها لعبة "الديمقراطية.. يا أعداء أنفسكم"، والمبررات جاهزة العدو تلو العدو جاهز مُعلب مقولب.. عدو شيوعي أحمر، وهذا تنين أصفر، ثم "إرهاب إسلامي أخضر" سيدمر "حضارتكم.. ومتعتكم ورفاهيتكم".

أننا بذلك لا نريد للشعوب أن تعلم / تدرك أنها وحدها ـ وليس نحن القادةـ الذين يدفعون الثمن من جراء الحروب المستمرة التي نشنها.. نريد ألا يتكرر تأثرها بفضائياتكم فيعلو صوتها ضاغطا ومؤثرا، كما حدث إبان "حرب فيتنام" وغيرها.

هل تريدون للرأي العام العالمي، الذي كافح لإسقاط  نظام "الفصل العنصري/ الأربتهايد"، ومواجهة حكومة"بريتوريا" في جنوب إفريقيا، وساند ـ بفطرته المسالمةـ الشعوب المضطهدة/ المقهورة في أنحاء المعمورة، أن يكافح من أجلكم، وأن يساندكم ويقف معكم؟؟ ..هيهات هيهات.

نعلم تماما.. أن جوهر قيام الرأي العام بأثره وتأثيره يستند إلي حرية الرأي والتعبير، وقيم الإيجابية والمشاركة، ودور المثقفين والمفكرين، وحرية الوصول علي المعلومات المؤثرة والمكونة لتوجهاته، وهل دور وسائل الإعلام المتعددة، وعلي رأسها الفضائيات الإسلامية والتوعوية والإخبارية يخرج عن ذلك؟. لكن لن نتركها تفعل ذلك بكل ما أوتينا من قوة، وبطشن ومال وإعلام.. سخرناه لخدمتنا.

لقد برزت خلال دفاع "طفلنا الُمدلل" عن نفسه وغزوه لبنان صيف 2006م، وحربه علي "غزة"(2008/2009) ، و"حقه المشروع..دفاعاً عن أمنه" في تفتيش سفن "أسطول الحرية" في المياه الإقليمية محاولات منكم لجذب الرأي العام بأنواعه، ونيل ثقته بقضاياكم عبر فضائيات متعددة. سنهددها، وسنقصفها (قصفنا مبني فضائية "الأقصى"، وغيرها كثير من فضائيات معادية لنا)، ونرهبها، ونحاصرها، ونطفئها واحدة إثر أخري حسب التكتيكات والظروف التي نراها مناسبة. وها قد جاء الدور علي هذه القنوات الإسلامية.

إننا وإسرائيل وأمريكا نفرض تعتيماً إعلاميا شديدا ونمنع العديد من وكالات الأنباء من تغطية الأحداث، ليبقي المواطن الغربي، والعربي الذي يدور في فلكنا مغيب الوعي، مسلوب الإرادة، أسيراً لإعلامنا الأمريكي الأوربي الذي يقدم له ما نريد تقديمه عن: "اورشاليم، وأسحله التدمير الشامل العراقية، وتحالف صدام والقاعدة،  وتخلف الطالبان، وقيامنا بتوفير حلاقين للنساء في كابول، وإدخال هؤلاء وغيرهم من "البربر" إلي فضاءات الحضارة". هل تناوئنا بكسر هذا التعتيم؟؟. لتطفي أنوار "الأقصى، وغيرها" وغيرها، وكل من تسول له نفسه فعل ذلك، وليوقف بثها عبر "أقمارنا"، "إنها اقمارنا ونحن أحرار فيها".

سنوقف النسخ العربية والإنجليزية في آن معاً هل تريدون تعريف شعوبنا الغربية بحقيقة ما يجري خارج إمبراطوريتنا..في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان والشيشان وتركستان الشرقية وكشمير والصومال وكوسوفا، وسبتة ومليلة الخ.

 فقط نسمح بكل من يوالي إسرائيل لتقديم كافة أشكال الدعم لها، وبخاصة الدعم الإعلامي. لا نمل من بث "إعلانات مدفوعة الأجر" عبر شبكات ووسائل الإعلام الدولية والأمريكية والأوربية "لتجميل صورة إسرائيل، و"حق دفاعها عن نفسها". بينما سنعمل ، ما بقينا، علي "تشويه صورة الفلسطينيين، والعرب والمسلمين، والصينيين، وكل من يريد محو إسرائيل من الوجود، ومن لا يريد الرأسمالية العالمية التي أنتهي التاريخ عندها.. وانتصرت علي ما سواها من مذاهب وأيدلوجيات".

وسنشجع، بكل وسائل الدعم والتأييد، ولن يضيرها شيء، ما دمنا راضين عنها، مئات الفضائيات العربية ما بقيت مروجة "للتسلية المُخدرة/ وتغيب الذبيحة عن الوعي بما هي عليه أو قادمة إليه"، والدعاية "لسياساتنا في مناطق نفوذنا ومطامعنا، وبث الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، وتكميم الأفواه المعارضة". دوما سنسعى لـ"الترويج لثقافة التسامح/ التفاوض/ دفع عجلة السلام/ ونبذ مقاومة، و"كراهية" المحتل الذي سرق الأرض، وهتك العرض، ودمر البشر والشجر والحجر.. داعين الشعوب للقول: "رجاء زيدونا.. زيدونا، إننا نستحق ذلك، أننا نحب المحتلين ونعشقهم، ونسبح بحمد الطغاة ولا نكرههم. انتم أسيادنا وأولياء النعم علينا، وما نحن إلا عبيد إحساناتكم.. قمحكم، وألبانكم، وملابسكم، وسياراتكم، وهواتفكم النقالة".

سنفعل ونشجع ونحث علي كل ما يؤلمكم في مشهدكم الإعلامي الثقافي. أناس من جِلدتكم.. يتسموَن بأسمائكم، ويتزيّون بأزيائكم، لكنهم تربوا علي موائدنا، وتشبعوا بعقيدتنا، ويوالوننا، فنالوا بركتنا، سيجترئون علي القدح في ثوابت أمتكم، وتمييعها، وأهانتها، والدعوة لتجاوزها والقطيعة معها، "لتنهضوا من تخلفكم، وتسايرون ركب مدنيتنا الغربية". سيخسرون ويستهزئون من مقوماتكم واستعدادكم للنهوض والريادة من جديد، والتخويف والترويج لـ"الإسلاموفوبيا".

انتم تراهنون علي الرأي العام. ليكن، إنه "عاطفي وسريع التأثر ومتقلب المزاج في كثير من المواقف، وسينسي هذه كما نسي تلك، والبقية تاتي"، سيتبلد من استمرار الأمر، وسيفقد التفاعل، مع الأحداث بسرعة. وينقلب البعض ليسجن نفسه في إطار من السلبية، محاولا "الهروب من تحمل المسئولية إلي فضائيات التسلية والعري والجنس"، كنوع من التعذيب الذاتي أو "انتقاما سلبيا من عجزه وعجز السلطة التي أدت إلي به إلي هذه الحالة". بيد أن بإعلام مضاد منا سنوقعه في حبائلنا، ولن يفلت من قبضتنا.

 متوهمون أنتم ومزهوين بـ "رأب الصدع" الذي كان ملحوظا في الماضي بين الرأي العام العالمي والمحلي وبين قضاياكم. تقولون إن: عدالة قضيتكم، ودفاع أهلها عنها، وتضحياتكم الكبيرة في سبيلها، وصبركم وصمودكم وتنامي دور الرأي العام، وتأثره بثورة الإعلام والاتصال.. كل هذا هراء، أننا نحن من سمح بكل هذا تنفيسا عن شعوبنا. وتزعمون: أن المساس بحقكم في الحياة والطفولة والمستقبل والأمل والعيش المشترك والمؤسسات الدينية الرمزية.. معتقدات عامة للرأي العام العالمي ستواجه بمقاومة شديدة وكفيلة بإثارته وتعاطفه معكم.. نحن أدري بشعوبنا ، ونشكله كيفما شئنا، فنحن أوصياء عليه وهو الذي أعطانا ثقته وصوته في الانتخابات فلا تهتمون كثيرا بتمرده الشكلي علينا". كونوا واقعيين، "الحرب الإعلامية" التي أعلناها سننتصر فيها وأعيدوا الحسابات، ونعم وألف نعم نعدل قول أمير شعرائكم " شوقي" الذي نفيناه إلي أسبانيا/ أندلسكم الذي استرددناه:

                            حرامٌ علي بلابلكم الدوح = حلالٌ للطير من كل جنس.

 إننا متحدون وحلفاء أقوياء .. إستراتيجيتنا ووجهتنا وهدفنا وقرارنا واحد. فإطفاء أنوار الأقصى، (والآن وقف بث 12 قناة منها فضائيات: الناس، والخليجية، والحكمة، الرحمة، والحافظ، وصفا، والصحة والجمال الخ ، وإنذار 20 أخرى) عبر إصدار مجلس البث الفرنسي تعليماته إلى إدارة القمر الصناعي "يوتلسات" بوقف إرسالها، جاء موافقة لطلب من الاتحاد الأوروبي لمخالفتها قوانين البث الأوروبية" إن برامجها تُحرِّض على الكراهية، والعنف بخلفية دينية". نعم إن هذا الأمر يقرر ـ ضمنياً ـ أن هناك كسبا كبيرا لمعظم توجهات الرأي العام العالمي بتنوعاته معكم. تعاطفا وتضامنا وتأزرا، أصدقاء جدد، وأحرار جدد، ومتضامنون جدد، وقضايا مرفوعة أمام المحاكم ضد الصهاينة الخ. لكن لن ندع ذلك الأمر يمر دون وقفة حازمة مهما كان رد الفعل تجاهها.

ومن يهن يسهل الهوان عليه  = ما لجرح بميت إيلام.

 قرارنا الفرنسي/ الأوربي/ الأمريكي/ الإسرائيلي تجاه فضائيات عربية، بسبب "أنكم لا تعرفون حقوق الإنسان، وتثيرون الفتن والعداء للسامية" فليس غريبًا أن لا يحترم أحد  حقوقكم في الإعلام، وغيره.

لقد ضقنا بكم وبقنواتكم .. شكلاً ومضمونا. تسيرون عكس ما نريد. هيئتكم لا تعجبنا، ثيابكم البيضاء، لحاكم الطويلة، لغتكم العربية المتقعرة، علمكم وتعليمكم الشرعي، وتعريفكم الناس بأمور دينهم، وكيفية إصلاح دنياهم. تُخمدون ما نوقد من فتن وإحن، تصلحون من نـُفسد في المجتمع والأسرة والمرأة والشباب. صلاة وصيام وصلاح وحجاب وعفة..هيهات هيهات. مهما حاولتم بما تقولون إنه "نهج وسطي" أنتم في أعيننا "متطرفون/ إرهابيون/ تحضون علي كراهية الأديان/تثيرون الفتن/ عصيون علي الاندماج في ثقافتنا وعولمتنا. إن لم تغيروا من أدائكم.. وخذوا من فضائيات أخري قدوة واقتداء.. لما لا تستضيفون الممثلين والممثلات، والراقصين والراقصات، وتذيعون الأفلام والأغاني والكليبات والمباريات. واجعلوا لافتاتكم: "الواقعية البراغماتية"، و"الوضعية التجريبية"، و"الداروينية الاجتماعية والثقافية"،" والعلمانية"، و"العقلانية"، و"الثقافة العلمية المادية"، الخ.  ساعتها فقط لكم الضوء الأخضر، والدعم المتناهي، ودعوكم مما أنتم ، الآن، عليه.

إن ساحتكم الثقافية الإعلامية تموج برؤى وأفكار، وتيارات ومذاهب، وصحف سيارة ورقية، وأخري "خائلية" الكترونية، وقنوات فضائية، وأخري أرضية، وكتب وكتابات، ومعارض ومكتبات، وأفلام ومسلسلات، وأغاني و"كليبات"، وجوائز ومهرجانات الخ. تريدون أن تكونوا أنتم من يمثل المخرجات الإيجابية من كل هذه الوسائل والوسائط الثقافية والإعلامية؟. ويكون لكم أثركم الفعال، وتأثيركم المتفق مع كينونة وهوية مجتمعاتكم الإسلامية؟. إطار عام ناظم لها، وغاية كبري تستهدفونها لرفعة ومكانة أمتكم الإسلامية، والدفاع عن حياض عقائدئكم ومعتقداتكم ومقدساتكم ورموزكم وشرائعكم، وشعائركم ولغتكم وهويتكم الخ. وأين سنذهب نحن.، وأين وجودنا وسيادتنا وتسيّدنا المفرد الفريد؟.

لن تستشرفون مستقبل أفضل لمجتمعاتكم الإسلامية العربية لا علي ركيزة فكرية (تعليمية وإعلامية وثقافية وسياسية الخ)، ولا علي ركيزة اقتصادية تنموية نهضوية حقيقية. إن قضايا المجتمعات كلها ـ وليس الحياة الاقتصادية فقط ـ تتحول الآن من ولاية دولكم القطرية إلى ولاية نظامنا "النظام العالمي الجديد"، ككل لا يتجزأ.

سنبقي علي العلاقة بين أهل السلطة وأهل الفكر والعلماء والمثقفين متوترة. حيث تبدو السلطة كهيئة عليا متعالية بمقدورها حفز أو كبح، رعاية أو إهمال، إصلاح أو إفساد الحياة الفكرية والعلمية والثقافية. وبانفصال ممثلي السلطة والفكر (الصولجان/ القلم) تنفصل مجالات الحياة .

 لن نألو جهداً علي الإبقاء علي حياتكم الإعلامية بجوانبها المتعددة علي غير ما ترومون. ليكن بها ما بها من علل وفتن، وسنستحدث صراعات وتباينات، ونخلق اتهامات وإخفاقات تبعدها عن جادة الصواب والعافية.

جملة واحدة ـ تُجمل بها فرنسا، ومن علي شاكلتها، حيثيات قرارهاـ نقولها لكم: ممنوع الصراخ عند قتلكم، لا تزعجونا وتزعجوا شعوبنا، فلن نجعلهم يتعاطفون معكم، أو أن يذرفوا دمعة حزناً عليكم. كفاكم فخرا وشرفا أننا نقتلكم ونستبيحكم ونشردكم ونهدم بيوتكم وعشوائياتكم، ونقبل نفطكم وثرواتكم، ونخفف ـ بقتلكم ـ من "إحترار الأرض، وازدياد سكانها"جراء وجودكم، ووجود زيتونكم وكرومكم.. وإسلامكم.

 

 

 

ليس من سمع كم رأي:

شأنه شان كافة أطياف المجتمع..الاندهاش والاستغراب، وعدم الاقتناع بوجود ما يبرر قرار إيقاف هذه القنوات الإسلامية.. شاهدت الشيخ "محمد حسان"، حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية، علي قناة الجزيرة مباشر، وهو ينافح عن المنهجية والحرفية، والسياسيات المنضبطة بالقواعد الإعلامية لهذه القنوات الفضائية. مؤكداً علي أنها تعبر عن فكر الإسلام الوسطي، البعيد تماماً عن الغلو أو التشدد. ولم تتبن فكرًا تكفيريًا أو تشجع علي الفتنة الطائفية كما قيل. بل لها ثوابت من علم وعلماء رسميين شرعيين، جلهم من مؤسسة الزهر الشريف، واصفاً هذه الاتهامات بأنها "استخدمت ذريعة لتبرير الهجمة على القنوات الدينية" . وقد ألمح ـ فضيلته ـ إلى إمكانية بثّ قنوات من خارج مصر بعد قرار وزارة الإعلام بوقفها إضافةً إلى باقة أخرى من القنوات الدينية في يوم واحد دون سابق إنذار.  مشيراً إلى أنه مع "التصويب" إذا كان بالشرع ولعدم إثارة الفتن، أما إذا كان هناك تنازل عن ثوابت الدين فلن تستطيع قوة على وجه الأرض أن تطفئ نور الله، معلنا استعداده للتوقيع على ميثاق الشرف الإعلامي بحضور خبراء في كافة المجالات، ومنهم الأزهر الشريف ممثلا في مجمع البحوث الإسلامية.

 

كلمة سواء

لا تنتظم حياة الناس دون منهج ودستور يسيرون عليه. ومن رحمة الله تعالي بالناس عامة، وبالمسلمين خاصة، أنه ـ تعالي شأنه ـ لم يتركهم دون منهج، وتبيان، وهدي.. وهداية بهذا الكتاب العظيم:".. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل:89).

- فإلي هؤلاء وأولئك ممن يتصدون/ ويتحكمون في العمل الثقافي والإعلامي،  .. تعالوا إلي كلمة سواء: "إن كنت ناقلاً فالتوثيق والصحة، وإن كنت مُدعيا فالدليل والحُجة". ففي "المعقولات" من أمور حياتنا الإعلامية والثقافية ينبغي إيجاد "البرهان" يقول الله تعالي:".. قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة:111)، ويقول جل شانه: "أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"(النمل:64)، ويقول عز من قائل: "أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ" (الأنبياء:24)، "قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ" (سبأ: 46).

- وفي "المنقولات" ينبغي "التثبت والتحري والتوثيق": "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات: 6). ولما بلغه خبر الإسراء والمعراج  برسول الله صلي الله عليه وسلم، قال الصديق "أبو بكر" رضي الله عنه قولته المشهورة:"إن كان قال فقد صدق".

- الدعوة إلى تشكيل لجنة من علماء الأزهر لتقييم وتصحيح أي وضع مخلّ يراه المختصون دون التخلي عن منهج الدعوة المُتبع منذ سنوات عديدة. وإذا كانت لهذه القنوات "هفوات" أو قد أخطأت في بعض الأشياء وأخلت بشروط معينة للترخيص بها فكان يجب إنذارها أولاً لتوفيق أوضاعها، و" تصويب مسارها". أما الإغلاق نهائياً فهو إغلاق للمنافع على الناس، وتكميم للأفواه مرفوض".

- ينبغي إعادة النظر في قرار المنع حيث سيتأثر المجتمع المسلم سلباً من منع هذه القنوات، التي هي صمام أمانه وأمنه، ودليلاً مرشداً ومنارة، تجتذب نسب مشاهدة عالية. حيث سيزداد الفساد والإفساد ويعم الخراب والدمار. إن تلك السياسة من شأنها أن تضر بمستقبل مصر وتفقدها خيرة أبنائها من الدعاة والعلماء والخبراء الذين قد يلجئوا لترك مصر واللجوء إلى بلاد أخرى من أجل استكمال رسالتهم الدعوية والتربوية بحرية تامة ودون ضغط أو رقابة من أحد، كما أن من شأنه أيضًا أن يسئ للإعلام المصري عامة المقروء والمسموع والمرئي، ويؤكد المزاعم الخاصة بأن الإعلام المصري إعلام موجه يساير النظام ويخفى الحقائق، خوفاً من سياسة الإغلاق التي تطبقها الحكومة علي كل من يخالفها الرأي والتعبير.

- إن ذلك الأمر ليس في صالح الحكومة المصرية، لأنه يفقد الشعب الثقة في منابرها الإعلامية ويدفعه للبحث عن المعلومة في وسائل إعلامية أخرى تتمتع بالشفافية والمصداقية، والقدرة علي توجيه النقد.  كما أنها من شأنها أن تسئ إلينا جميعًا وتجعل الشعوب العربية والإسلامية والعالمية تفقد الثقة في منابرنا الإعلامية.

 

مقترحات للرد:

ولقد تنادي كثيرون عبر المواقع الالكترونية بعقد "حملات مليونية"، و تنفيذ اقتراحات عملية للرد منها:

- نقل بث"القنوات الملتزمة" إلى أي قمر آخر.

- إطلاق حملة لمقاطعة "نايل سات" لمدة يوم كامل؛ بحيث "يقوم الجميع بغلق أجهزة الاستقبال (الريسفرات) وبالتالي لن يتم تسجيل التقاط أي إشارة من "النيل سات" وستدرك إدارة القمر أنها مقبلة على معركة خاسرة؛ لان معنى مقاطعة قمرها هو هجرة القنوات منه إلى أقمار أخرى نتيجة خسرانها أموال الإعلان".

- إرسال إيميلات أو فاكسات احتجاج على قرارات إيقاف القنوات الإسلامية على "نايل سات" إلى مجلس إدارة المنطقة الحرة العامة الإعلامية وهي الجهة التي أصدرت قرارات وقف بث هذه القنوات.

- أطلق نشطاء حملة أخرى على موقع "فيسبوك" تحت عنوان: "أطلقوا قمراً صناعياً إسلامياً" وذلك للخروج من أزمة إغلاق القنوات الإسلامية. ودعوا إلي تسمية القمر "إسلام سات"، وإلى تفعيل الفكرة بالتعاون بين القادرين والعلماء في العالم الإسلامي؛ بحيث يتم عقد اجتماع لوضع حجر الأساس لهذا القمر. واقترح كذلك عمل اكتتاب عام للمسلمين في العالم من أجل توفير التمويل اللازم لإطلاق هذا القمر.

- مقاطعة قنوات الفساد والإفساد تأييداً للقنوات الإسلامية: إذا كان الهدف حجب القنوات الإسلامية عن الناس لإفساح المجال لأمثال هذه القنوات.

- الدعاء والتضرع إلى الله عزَّ وجلَّ أن يعيد هذه القنوات وأن يزيدها قوةً وثباتاً وكثرةً كونها منابر تنشر النور والهدى والهداية.

- تكثيف الدعوة إلي الله تعالي عبر منابر أخري، كالإنترنت وغيرها.

 

جملة القول: الإعلام الإسلامي ـ شكلا وموضوعا، كتاباً وفضائية، صحيفة ورقية، ومقالة الكترونية، خطاباً مباشراً، ودرساً مسموعاً الخ ـ سيبقي يلبي حاجاتنا الفردية والمجتمعية، الثقافية والمعرفية، وتُحدث توافقا مع المتطلبات الإيمانية والوجدانية والفكرية والاجتماعية والوطنية.. وتوازنا بين المادة الطاغية، والروح"الكسيرة".. تنظيما "للفوضي الخلاقة"، وكبحاً "للسيولة القيمية والأخلاقية والجمالية"، وتغول الفردية المطلقة.. وتهدئة الشعور العام بالغربة والعزلة، وعدم الاستقرار، والتغلب علي علامات التأزم النفسي المجتمعي والإنساني.. وإظهاراً لقوة المسلمين ووحدتهم، وتآلفهم. حاجات إسلامية بإشباعها تسمو قيمة الحياة كما أرادها خالقها سبحانه وتعالي، وتتقدم إبداعات الحضارات، وبفقدها نفتقد الحياة والحضارة معا، ويبقي قوله جل شانه:" أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ" (الرعد:17).

ـــــــــ

*كاتب وأكاديمي من مصر.

nasenna62@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ