ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المدارس
.. والبناء المعرفي بقلم:
محمد عبد الكريم النعيمي -
الرياض
لا ريب أن الدراسة النظامية
في المدارس المعاصرة لا
تُحَقِّقُ - بمراحلها الثلاث -
ثقافةً، ولا تُغني من العلوم
طالباً، ولا يُنتظَرُ منها ذلك،
فهي إنما تَمنَحُ الطالبَ
مفاتيحَ العلوم، لِيَتَلَمَّسَ
طريقَه من خلالها، وَتُتاحَ له
فُرصةُ تحديد مستقبله العلمي
بما يَتَناسَبُ وَمُيولَه
وَمَوَاهِبَه التي تَتَبَدَّى
بشكلٍ واضح خلالَ مراحل
التحصيل.
هذا في المستوى التنظيري..
أما في الواقع المشاهَد - في
العالم العربي على الأقل - فلا
أَحَدَ يُجادل في أن مُخرَجات
التعليم مؤسفة بل ومخزية، وأن
الطالب لا يَستَوعب الموادَّ
المقررة، فضلاً عن أن تساعده في
تحديد مَسَاره وَرَسْمِ
مُستقبله، وما ذلك - برأيي - إلاّ
لأسبابٍ مُجمَلَةٍ في: 1- قِدَم
المحتوى الدراسي وتقليدية
الطَّرح.
وليس المقصود بتحديث
المحتوى طباعتَه الفاخرة وصبغ
كلماته بالألوان، وإنما تحديثه
بحيث يُدرك الطالبُ أهميةَ ما
يدرس، والصِّلَةَ بين المنهج
والواقع، وبالتالي يتمكن من
استيعابه على الوجه المنشود بما
يُحَقِّق الهَدَفَ منه، وكذلك
تحديث طريقة الطَّرح
النَّمَطية التقليدية،
وَجَعْلها أكثرَ فاعليةً
ولفتاً للانتباه وإيقاظاً
للأذهان. 2- ضَعف
أداء الكادر التعليمي.
وهذا طبيعي - مبدأياً -
باعتبار أن هذا الكادر نتاجُ
هذه المناهج أصلاً، أضف إلى ذلك
أن كثيراً من المعلمين لا
تَميلُ بهم استعداداتُهم
الذِّهنيةُ نحو الموادِّ التي
يقومون بتدريسها، وهم إنما
اتَّجَهُوا إلى التخصص بها تحت
ضغط الظروف، وبعد أن أُقفلت في
وجوههم - بطريقة أو بأخرى -
أبوابُ كليات التخصصات التي
إليها يميلون، فأصبح الأمر
بالنسبة إليهم مجرد وظيفة
يؤدونها، دون رغبةٍ تُذكَر أو
حماس، وهما - أي الرغبة والحماس -
ضروريان لانتقال عَدواهُما من
المعلم إلى الطالب. هذا
بالإضافة إلى شعور المعلم -
أحياناً - بالظلم المادي أو
المعنوي، فينعكس ذلك على أدائه
فتوراً وقلةَ مبالاة.. وقد قال
الشاعر: إنَّ
المُعَلِّمَ والطبيبَ كلاهُما
= لا
يُنصِفـانِ إذا هُمـا لَمْ
يُكْـرَما فَاصْبِرْ
لِدائكَ إنْ جَفَوْتَ طَبيبَهُ
= وَاقْنَعْ
بِجَهْلكَ إنْ جَفَوْتَ
مُعَلِّما
ومن أشكال الظُّلم والغَبن
المعنوي الذي قد يَتَعَرَّض له
المعلِّم، أن يُضطَرَّ إلى
تَحَمُّل السلوكيات المسيئة من
بعض الطلاب دون أن يَتَمَكَّنَ
من رَدِّ الاعتبار لنفسه ومقامه
وهيبته بالوسيلة المناسبة،
سواءً كانت الوسيلةُ بالتأديب
والتأنيب اللفظي أو حتى الجسدي
إذا اقتضى الأمر، وذلك تحت
طائلة المَنع المطلق - سواء من
وزارات التربية والتعليم، أو من
الإدارات المباشرة للمدارس -
على الرغم من أن هاتين
الوسيلتين من وسائل التربية
المُجْمَع على أهميتها وجدواها
ونجاعتها ولكن في حدود ضيقة،
وبافتقاد المعلم لهيبته أمام
طلابه لن تغدو كلمتُه موضعَ
اهتمام أو تقدير، وبالتالي لن
ينتفع الطلابُ بجهده في التحضير
والشرح، حتى وإن لازم هو حرصَه
واهتمامه ولم تَفُتَّ في عَضُده
تلك الإهاناتُ والسلوكيات التي
لا يستطيع لها دَفعاً، ولا
تدفعها عنه الجهاتُ المسئولة
بما يَحفَظُ عليه كرامته وهيبته
في نفوس الطلاب.
ولكن.. إن كان ولابد من
اعتماد وسيلتي العقاب اللفظي
والجسدي، فينبغي أن يُقَنَّنَ
ذلك وَيُضبَط، حتى لا يؤدي إلى
تَغَوُّل المعلم، واستخدامه
لهذه الوسيلة أو تلك في غير
مواضعها. 3- ظروف
الطالب الاجتماعية.
لا شك أن أسبابَ ضَعف
المُخرَجات التعليمية لا
تُلقَى بالكامل على المقررات
الدراسية والكوادر التعليمية،
وإنما تشمل أيضاً الطالبَ
المتلقي وظروفَه النفسية
والاجتماعية، وهذا السَّببُ
يُعَدُّ بَعدَ السَّبَبَين
الأَوَّلَين ثالثةَ الأثافي،
فلابد من تهيئة الظروف الصحية
الملائمة لتلقّي الطالب
واستيعابه وشعوره بقيمته
وأهميته، واتباع الطرق
المناسبة لتحفيزه وتشجيعه،
ومتابعته في شأن رفقته
وَمُصاحَبته، دون أن يَشعُرَ
بأنه مراقَب وأن خطواته محسوبة.
لا أن يُحرَمَ من ذلك كلِّه،
ثم يُنتظَرُ منه التَّمَيُّز،
ويؤاخَذُ على التقصير، فيكون
حالُه كما قال الشاعر: أَلقاهُ
في اليَمِّ مَكتُوفاً وقالَ له:
= إيَّاكَ
إيَّاكَ أنْ تَبتَلَّ بالماءِ!!
ولا يكون شعورُ الطالب
بأهميته وقيمته باستئجار
مُعَلِّم له للدروس الخاصة، ولا
بإغداق الأموال عليه بلا حساب،
ولا - كذلك - بإخلاء الأجواء له
دون حسيب ولا رقيب، تَجتالُهُ
شياطينُ الإنس، وتُفسدُ ما
صَلُحَ مِن حاله، وما استقامَ
من أخلاقه. ولله دَرُّ القائل: مَتَى
يَبلُغُ البُنيانُ يَوماً
تَمامَهُ =
إذا كُنتَ تَبنيهِ
وَغَيرُكَ يَهْدِمُ؟!
وإنما يَنبُتُ هذا الشعورُ
ويَنمُو باهتمام الوالدين
والأسرة بمتابعة تَقَدُّمه
الدراسي، حتى وإن كان
المُهتَمُّ أُمِّيّاً، إذ
العبرة بالدَّفع المعنوي،
وبمحاولةِ التقرُّب إليه
ليُفصِحَ عمَّا يَحتاج بشأنه
إلى توجيه في شؤونه الخاصة،
والاستماع باهتمام إلى آماله
وأحلامه، وكذلك بشعوره بدفء
الترابط الأسري وَمَكانه من
الأسرة.
هي أسبابٌ لا غنى لأُمَّةٍ
تَنشُدُ النهضةَ الحضاريةَ عن
معالجتها بالتَّدَرُّج والحزم
والمتابعة والصَّبر. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |