ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حروب
في الظلام مازن
كم الماز جاء كشف
آلاف الوثائق عن الحرب
الأمريكية في العراق ليؤكد فقط
أن البيروقراطيات و الطغم
الحاكمة لا تستطيع أن تعيش أو
تعمل في الضوء . يعرف من يصدر
الأمر بشن الحرب , من يأمر
الجنود بأن يحملوا بنادقهم و ما
يملكونه من أسلحة موت أخرى
ليهاجموا بشر آخرين , يعرف جيدا
أن بعضا من هؤلاء , و كثير من
ضحاياهم , سيموت , و قد حاولت
النخبة الحاكمة في واشنطن بحرص
على أن تغسل يديها سلفا من هذه
الدماء بأن اشترطت وفرضت على ما
تسميه بالمجتمع الدولي ( أو تجمع
الحكومات التي لا تمثل إلا
الطبقات السائدة فقط ) و باعت
لنفسها أولا و من بعد ذلك لمن
تشاء صكوك غفران جديدة من دماء
أي ضحايا قتلتهم أوتقتلهم أو
ستقتلهم ( على أنها الكنيسة
الوحيدة المخولة بتحديد الضحية
التي تستحق العدالة من تلك التي
لا تستحق إلا رصاصات أو قذائف
الموت ) , و يبقى الأكثر أهمية
بالنسبة للعقل البراغماتي
الرأسمالي , هو أن تبقى النخبة
الرأسمالية المتماهية مع نخبة
الدولة الرأسمالية و جنرالاتها
, أن تبقى بعيدة عن أي احتمال لأن
تحاكم جزاءا على هذه الدماء ,
بينما تزعم أنها تنصب محاكم
نورمبرغ جديدة لشركائها الأضعف
في ممارسة القتل أو خصومها
المهزومين في حروب سفاكي الدماء
. في بغداد إنها نفس الأسباب
التي طالما أوجبت عدم الحديث عن
دماء الضحايا , في أيام حكم صدام
أو ما قبله , هذه المرة الأسباب
أكثر كوميدية بما يتناسب مع
فجاعة الحالة العراقية اليوم ,
لم تعد هناك "حروب" خارجية (
على النمط البوشي و الصدامي في
نفس الوقت ) و لم يعد هناك "عدو"
في الخارج يجب قمع آلاف الآلاف و
مراقبتهم أو تشريدهم أو قتل
الآلاف منهم بالأسلحة
الكيماوية عند اللزوم بحجة
وجوده , هذه المرة , النخبة
السياسية التي عجزت طوال أشهر
عن خلق معادلة محاصصة مقبولة من
أغلب أطرافها منزعجة من توقيت
نشر الوثائق , و هي ترى أن
حكومتها العتيدة أي نسبة
المحاصصة بين أقسام النخبة
الحاكمة التي لم يجر الاتفاق
عليها بعد هي الهدف من نشر هذه
الوثائق , كما كان نظام صدام في
السابق يجد دائما أسباب مشابهة ,
أكثر أو أقل تفاهة , ليحصد
المزيد من الأرواح أو ليشدد
قبضة أجهزته الأمنية على أفواه
و أرواح العراقيين . الغريب ( و
المنطقي في نفس الوقت ) أن
الوحيد الذي لا يشغل بال الساسة
, سواء في واشنطن أو بغداد , هم
الضحايا تحديدا مهما بلغت
أعدادهم أو مأساوية أو وحشية
مصيرهم رغم أن هذا يبقى بالنسبة
لمفهوم العدالة الحقيقي غير
أهمية ثانوية , بل العكس تماما ,
إن ما يشغل بالهم هو وجود احتمال
و لو تافه جدا لأن يلاحقوا هم (
أو في على الأقل أن يخسروا بعض
السلطة التي بأيديهم الآن في
حالة المالكي ) باسم معاناة
هؤلاء الضحايا . لا تستطيع
البيروقراطية الحاكمة أن تعيش
إلا في الظلام و أهم ما تحرص
عليه هو إخفاء الحقيقة أو نشر
نسختها هي عن تلك الحقيقة , و لا
فرق هنا بين البيروقراطية
العسكرية – الدولتية التي تمثل
مصالح رأس المال الاحتكاري في
أمريكا مثلا أو خصمها
البيروقراطية الشمولية السابقة
في أوروبا الشرقية أو
البيروقراطية الأسوأ و الأكثر
تخلفا و همجية في مجتمعاتنا , و
ما زالت الكثير الكثير من
الحوادث و ما زالت جوانب أساسية
من الحقيقة التاريخية نهبا
للشائعات و التكهنات لأن
البيروقراطية كانت , و ما تزال
في الحقيقة إلى درجة كبيرة ,
ناجحة في إخفاء الحقيقة أو
تشويهها . و عندما يصدر المنتصر
حكما مستحقا بالإعدام على شخص
مثل طارق عزيز يحاول جلاوزة
نظام صدام أنه يدافعوا عنه على
أنه كان مجرد منفذ للأوامر أو
مجرد مدافع عن النظام , تماما
مثل ذلك "القاضي" الذي نطق
بحكم الإعدام ضده , الذي هو أشبه
بأحد قادة فرق الموت منه بطالب
في كلية حقوق , و الذي أعتقد أنه
اختير بسبب "مواهبه"
الصوتية أساسا و قدرته على أن
يكون فظا و هو يرسل خصوم سادته
إلى المشنقة , و عندما يختار
المنتصر تأكيدا لأنه إنما ينصر
"عدالته" تهما تتعلق
بالتنكيل بالأحزاب الدينية
التي أصبحت الآن في السلطة , و
أصبحت تمارس التنكيل تجاه ,
أعوان النظام السابق , وصولا إلى
الناس العاديين حتى من طائفتها
هي , و لأجل ضحايا نظام صدام و
نظام المنطقة الخضراء القائم و
كل القتلة , و لأجل الآلاف
المؤلفة من البشر الذين عاشوا و
يعيشون و سيعيشون سنوات من
البؤس و التهميش قبل أن يقضوا
لأسباب تتعلق بالفقر أو القهر
لكن بعد أن ينجبوا أجيالا جديدة
من المضطهدين لسنوات قادمة من
القهر و الاضطهاد و أحيانا
الموت المجاني على أيدي القتلة
من السادة , و كيلا تستخدم دماء
طارق عزيز لتزييف الحقيقة لصالح
حكام المنطقة الخضراء الحاليين
, يصبح أكثر إلحاحا أن نؤكد
اليوم أن العدالة ستتحقق فقط
عندما يحاسب الشعب العراقي نفسه
هذه المرة جميع مضطهديه , أنه
فقط عندما يكون العبيد هم
القضاة الفعليون لسادتهم و
مضطهديهم , عندها فقط ستتحقق
العدالة , و ستكون هذه المحاكمة
هي آخر محاكمة على وجه الأرض ,
لأن القضاة الجدد لن يتحولوا
إلى جلادين جدد و لأنه يومها
ستختفي كل ظروف و شروط استمرار
اضطهاد و قهر و قتل الإنسان
للإنسان , و لأن الفقراء و
الرعاع و المضطهدين سيملئون
الأرض يومها بالعدل كما ملئت
ظلما و جورا . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |