ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عن
الكاتب إذ يُضبط في حالة تلبّس عريب
الرنتاوي ليست
وظيفة الكاتب والمحلل السياسي،
إرضاء جمهور القراء، واستدرار
عبارات الإعجاب والتثمين، مثل
هذه الفرضية من شأنها أن تخضع
الكتابة لحسابات "شباك
التذاكر" ونظرية "الجمهور
عاوز كده"، ومن نافل القول
بأن للكاتب مهمة تنويرية
قيادية، لا يصح أن يتخلى عنها،
والكاتب الذي يقرأ ويكتب "من
خارج الصندوق" ويضطلع بدور
الناقد والمرشّد للسياسات
العامة والتوجهات العامة، هو
الكاتب الذي يستحق التقدير
والاحترام، بل وهو الكاتب الذي
يمتلك فرص الاستمرار والقدر على
عبور الحقب والمراحل. مثل هذا
الكاتب، عادة ما يلقى التأييد
من فريق من المواطنين، يتسع
عددهم ويضيق، تبعا للظرف
والموضوع والحالة، بيد أنه
يتلقى أيضاً، النقد القاسي،
البالغ حد التجريح – ربما – من
قبل فريق آخر منهم، على أنه مع
ذلك يظل يقوم بدوره كعامل محفز
للوعي ومستفز للعقل ومنشط لحب
المعرفة وزيادة الطلب عليها،
كاتب مثير للجدل والتشاكل، أي
بمعنى من المعاني، كانب منتج
للأفكار بما يطرحه وما يستولده
منها. على أن
بعضاً من كتابنا ممن امتهنوا
التسبيح بحمد كل الحكومات
والسلطات والمنظمات، البعيدة
منها والقريبة بخاصة، الفقيرة
منها والنفطية بخاصة، ارتضوا أن
يكونوا كتابا مثيرين لنوع واحد
من الجدل، جدل هو أقرب للشتائم
المبتذلة و"الردح"
المتهافت، والذي عادة ما يناله
منه، نصيب الأسد والنمر والضبع
والذئب مجتمعين...فهو إذ ارتضى
أن يكون "شتّاما" لفريق
سياسي معارض معيّن، وإذ تقبّل
تقمّص دور "الردّاحة" كما
في أرذل أفلام الانحطاط
المصرية، فإن عليه أن يتوقع
قيام "أحد ما"، برد الصاع
صاعين له، بعد أن تكون "هالة
الكاتب الجدلي" قد نُزِعت
عنه، وبات يُعرَف باسمه
الحقيقي، كببغاء يردد كلام
سيده، من دون تفكير أو تمحيص. حين
تقرأ أزيد من أربعين تعليقاً
على مقال لكاتب معين، ولا تجد من
بينها تعليقاً واحداً يساند
الرجل ويعاضده، أو حتى يعترف له
بمجرد الحق بالاختلاف
والتعبير، فإنك تدرك حجم
المشكلة التي نتحدث عنها...وحين
ترى توقيعات القراء من شتى
المنابت والمشارب والأصول،
تذهب في طريق واحد، تصبح قادراً
على تقدير حجم التطاول الذي
يقارفه هؤلاء على ذاكرة الناس
ومشاعرهم وضمائرهم...وحين تكون
أغلب هذه التعليقات قد خضعت
لمقص الرقيب لتفادي "الشتائم
الشخصية من العيار الثقيل"،
فأنت تضع بلا شك، يدك على "الجرح
الغائر" الذي تسببت كتابات
هؤلاء بنكئه والتهابه...وحين ترى
التحليلات والتفسيرات
والتأويلات المبثوثة في كلام
القراء، فأنت بلا شك تصبح
قادراً على قراءة السيرة
الذاتية لمثل هذا النمط من
الكُتاب، بل وتصبح قادراً على
تتبع "تقلبات وجهه في السماء"
من دون أن تكون قادراً أن تقترح
عليه "قِبلةً يرضاها". مثل هذا
الوضع الذي قد يجد كاتباً
ومثقفاً نفسه فيه، لا علاقة له
أبداً بـ"وظيفة تنويرية"
ولا بـ"دور قيادي"، وأجزم
بأن ليس للأمر صلة بما يمكن أن
يقال عن "كاتب إشكالي"، مثل
هذا الوضع يندرج عادة في خانة
فساد الكتابة والكُتاب، ويشي
بتحوّل المثقفين إلى خدمٍ أرقاء
في بلاط السلاطين، وملحقين
أذلاء في ركاب السلطات وأصحاب
المال والجاه والنفوذ...هؤلاء
استحقوا غضب القراء وعقابهم،
هؤلاء بالضبط هم التجسيد للكلمة
في لحظة سقوطها، والصحافة في
لحظة خيانتها لرسالتها،
وللمثقف مضبوطاً في حالة تلبس
بجرم تأجير قلمه وعقله وضميره. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |